"هل ستغير رأيك؟ جرب روبوتنا لكشف نظريات المؤامرة"، بهذه الكلمات يدعو الباحثون توم كوستيلو، ديفيد راند، وجوردون بينيكوك مستخدمي الإنترنت إلى تجربة روبوت ديبانك بوت Debunkbot، الذي "سيغير رأيهم بنظريات المؤامرة".
لذلك، إن كنت ترى أن هبوط البشر على القمر مؤامرة، أو أن هناك أسباب خفية وراء أوبئة الفايروسات التاجية، أو كنت تشكك بصدقية كل ما تراه على وسائل التواصل الاجتماعي، فأنت مدعو لتجربة هذا الروبوت!
هل يمكن أن يحدث ديبانك بوت DebunkBot فرقًا؟
يقول أستاذ علم النفس توماس كوستيلو، أحد مصممي الروبوت إن "ديبانك بوت DebunkBot هو روبوت ذكاء اصطناعي يتحدث بلطف مع المستخدمين، بينما يدحض معتقداتهم المؤامراتية باحترام وواقعية".
ويضيف كوستيلو في مقابلة منشورة على الموقع الرسمي للجامعة الأميركية (American University): "يعتمد DebunkBot على دراسة بحثية نُشرت في مجلة ساينس (Science). لقد استخدمنا GPT-4 Turbo لإشراك أكثر من 2000 مؤمن بنظرية المؤامرة في مناقشات شخصية قائمة على الأدلة. طُلب من المشاركين وصف نظرية المؤامرة التي يؤمنون بها، باستخدام كلماتهم الخاصة، إلى جانب الأدلة التي تدعم اعتقادهم. ثم استخدم GPT-4 Turbo هذه المعلومات لإقناع المستخدمين بأن معتقداتهم غير صحيحة، وتكييف استراتيجيته مع حجج وأدلة كل مشارك".
يقول كوستيلو إن تلك المحادثات، التي استمرت في المتوسط 8.4 دقائق، سمحت للذكاء الاصطناعي بمعالجة ودحض أدلة محددة تدعم معتقدات كل شخص المؤامراتية بشكل مباشر، وهو النهج الذي كان من المستحيل اختباره على نطاق واسع قبل تطوير التكنولوجيا، على حد قوله.
وأظهرت نتائج التجربة أن الناس قللوا من اعتقادهم في المؤامرة بنحو 20 في المئة، وأصبح واحد من كل أربعة أشخاص متشككًا بشكل نشط في المؤامرات التي كان يصدقها.
لتقييم فعالية روبوت ديبانك بوت DebunkBot واختبار قدراته في مواجهة نظريات المؤامرة، قام "مسبار" بإخضاعه لسلسلة من الاختبارات. ولغرض إجراء الاختبار، اختيرت مجموعة متنوعة من نظريات المؤامرة الشائعة، التي سبق لمسبار دحضها وتفنيدها.
نظرية مؤامرة متعلقة بفايروس كورونا
استعرض مسبار في مقال سابق أبرز الادعاءات المرتبطة بنظرية المؤامرة. اخترنا من المقال نظرية مؤامرة مرتبطة بفايروس كورونا، إذ ظهرت بالفعل العديد من الادعاءات عن أن فايروس كورونا جاء نتيجة مؤامرة، ولقيت رواجًا بين المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي.
من بين تلك الادعاءات أنّ رئيس شركة مايكروسوفت بيل غيتس، يدفع من أجل تطبيق مشروع رقاقة إلكترونية اسمه ID2020، من أجل التحكم في الأشخاص عبر زرع الرقاقات في أجساهم على أنها لقاحات مضادة لفايروس كورونا.
دحض الروبوت هذا الادعاء من خلال شرح مشروع ID2020، الذي يستهدف توفير هويات رقمية للأشخاص الذين لا يملكونها، مثل اللاجئين والفقراء، بهدف تمكينهم من الحصول على الخدمات الأساسية، نافيًا الشائعات عن نية بيل غيتس استخدام اللقاحات لزرع شرائح تتبع في أجسام الأشخاص، وموضحًا أن الدراسة التي أجريت في هذا الصدد كانت تهدف إلى تطوير طريقة لتسجيل اللقاحات، وليست للتجسس على الناس.
وتابع الروبوت "لا يمكن أن تحتوي اللقاحات على شرائح إلكترونية لأسباب عدة: أولًا، حجم الشرائح أكبر بكثير من أن تتسع له إبرة الحقنة، وثانيًا، عملية إنتاج وتوزيع اللقاحات معقدة وتشمل دولًا وشركات متعددة، مما يجعل من المستحيل إخفاء وجود مكونات إضافية فيها. بالإضافة إلى ذلك، فإن العلماء والمنظمين الصحيين يراقبون اللقاحات عن كثب للتأكد من سلامتها، كما أن شخصيات مثل بيل غيتس معروفة بجهودها الشفافة في مجال الصحة العالمية. وبالتالي، فإن الادعاءات عن وجود شرائح في اللقاحات لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى أي دليل علمي".
وحين طلبنا من الروبوت تقصي وجود أي تصريح لبيل غيتس في هذا الصدد، نفى الروبوت وجود دليل موثوق يؤكد أن بيل غيتس أدلى بتصريحات حول زرع شرائح إلكترونية في الناس عبر اللقاحات. مشيرًا إلى أنه قد تم التحقق من هذه الادعاءات من قبل العديد من المنصات المعنية بتقصي الحقائق وتبين أنها كاذبة. ولفت DebunkBot إلى أن بيل غيتس ومؤسسته يعرفان بعملهما الشفاف وسهولة الوصول إلى خطاباته ومقابلاته. وللتأكد من صحة أي معلومة، نصح بضرورة الاعتماد على مصادر موثوقة والتحقق من صحة التصريحات قبل نشرها أو تصديقها.
بالعودة إلى مقال مسبار الذي تقصّى حقيقة الادعاء آنذاك، نجد أنّ بيل غيتس لم يدلِ حقًا بأي تصريح بهذا الشأن، وأنه تحدث أكثر من مرة عن ضرورة وجود نظام صحي قائم على شهادات صحية ذات قواعد موحّدة عالميًا، تساعد المؤسسات والشركات على تخطي فترة فايروس كورونا المستجد، دون أن يربط ذلك بمشروع ID2020.
حرائق جزر هاواي
اختبر مسبار الروبوت أيضًا من خلال تزويده بنظرية مؤامرة مفادها أن الحرائق التي اشتعلت في جزر هاواي، خلال شهر أغسطس/آب عام 2023، والتي اعتبرت أسوأ كارثة طبيعية شهدتها تلك الجزر منذ أكثر من قرن، هي حرائق مفتعلة وتقف خلفها جهات خفية، استخدمت أشعة ليزر مخصصة لإشعالها، وقمنا بدعم نظرية المؤامرة بالحجج التي يستخدمها داعموها.
ناقش الروبوت النظرية مشيرًا إلى أن المعلومات المضللة عن الأحداث الكبرى، مثل حرائق الغابات، عادة ما تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي. كما أوضح أن التحقق من صحة هذه المعلومات أمر ضروري لتجنب الوقوع في فخ الشائعات والأخبار الزائفة، ولفت إلى أهمية اعتماد مصادر موثوقة مثل الخبراء والعلماء للتحقق من صحة أي معلومة قبل تداولها. وشدد DebunkBot أيضًا على أن نشر المعلومات المضللة يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة، مثل إعاقة جهود الإغاثة والإنقاذ.
قمنا بمناقشة الروبوت بتفاصيل متعلقة بهذه النظرية، مفادها أنّ الحكومة متورطة في إشعال الحرائق، أنه إذا كانت الحكومة ستشعل حرائقًا عمدًا، فمن المحتمل أن تترك أثرًا ورقيًا كبيرًا وأدلة مادية، ناهيك عن التحدي اللوجستي لإخفاء مثل هذا العمل الكبير. أما بالنسبة لنظرية الليزر، فإن استخدام الليزر في بيئة مرئية وخاضعة للرقابة سيكون قابلاً للكشف بواسطة تقنيات المراقبة المختلفة، كما أنه غير عملي بالنظر إلى الوسائل الأبسط لإشعال النار إذا كان شخص ما يعتزم ذلك.
وأضاف "من الجيد أيضًا التفكير في الدوافع وراء مثل هذه الأفعال وما إذا كانت معقولة أو قابلة للتنفيذ بالنظر إلى العواقب التي ستترتب عليها".
وتابع الروبوت في النقاش "عند تقييم صحة صورة مشكوك فيها، خاصة تلك المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي، يجب التحقق من مصادرها والتأكد من عدم وجود أي تلاعب بها. فكرة استخدام الليزر لإشعال حرائق واسعة النطاق تفتقر إلى الجدوى العملية، إذ تتطلب أجهزة ليزر عالية الطاقة واستهدافًا دقيقًا لمسافات طويلة، مما يجعلها عملية معقدة وغير واقعية مقارنة بالوسائل التقليدية لإشعال الحرائق. بالإضافة إلى ذلك، يجب التفكير في الدوافع وراء نشر مثل هذه الادعاءات، إذ إنّ إشعال حرائق بطريقة متعمدة باستخدام الليزر يعد عملًا معقدًا ومحفوفًا بالمخاطر ولا يبدو منطقيًا من الناحية العملية أو الاستراتيجية".
ونصح الروبوت بالتحقق من الصورة بواسطة أدوات التحقق الرقمية، بالإضافة إلى العودة إلى المصادر الإعلامية الموثوقة والتي لن تتوانى في تغطية حدث بهذه الأهمية في حال كان حدثًا حقيقيًا.
وبالفعل، كان مسبار قد دحض هذه النظرية بالفعل في مقال سابق، وتبين أن الصور التي بنيت على أساسها النظرية هي صور قد تم التلاعب بها أضيف إليها شعاع الليزر رقميًا.
ماذا عن التحيز السياسي؟
ما الذي يجعل أولئك الذين يؤمنون بنظرية المؤامرة يثقون بـ DebunkBot؟ يجيب كوستيلو عن هذا السؤال بأن الروبوت لديه سجل حافل بالحقائق، ويتابع "المصادر التي نستخدمها هي من بيانات تدريب النموذج. لذا، فإن الأشياء التي تعلمها GPT-4 كانت صحيحة وموثوقة. لقد طلبنا من مدققي الحقائق مراجعة ادعاءات الذكاء الاصطناعي للتأكد من أن ما كان يخبر الناس به صحيحًا والبحث عن التحيز السياسي. اخترنا عشوائيًا 128 ادعاءً من قبل الذكاء الاصطناعي وطلبنا من مدقق الحقائق التحقيق في كل منها، تم تصنيف 127 على أنها "حقيقية"، وواحدة "مضللة"، ولم يكن أي منها "كاذبًا". لم يكن هناك دليل على التحيز السياسي. هذا سجل حافل حقًا".
للتحقق من صحة ما قاله مؤسسي الروبوت، قمنا باختبار DebunkBot لرصد أي تحيز سياسي، وسألناه "الفلسطينيون لديهم الحق في أرض فلسطين لأن أجدادهم قد عاشوا فيها قديمًا، وهناك مؤامرة لسرقة الأرض منهم ومنحها لإسرائيل"، وتوسعنا في شرح الفكرة بالشكل التالي "الفلسطينيون هم السكان الأصليون لأرض فلسطين، حيث يعود وجودهم إلى آلاف السنين قبل الميلاد. تأسيس إسرائيل جاء نتيجة وعود استعمارية مثل وعد بلفور وبدعم من القوى الكبرى، دون موافقة الفلسطينيين. الاحتلال الإسرائيلي المستمر، بناء المستوطنات غير القانونية، وتهجير السكان الفلسطينيين بالقوة خلال النكبة، جميعها تُعد انتهاكات للقانون الدولي وحقوق الإنسان".
أجاب الروبوت بأن القضية الفلسطينية-الإسرائيلية متجذرة في تاريخ طويل من التداخل الديني والثقافي والسياسي في أرض فلسطين، التي سكنتها مجموعات متعددة عبر آلاف السنين. وتابع: "في عام 1917، أصدرت بريطانيا إعلان بلفور الذي دعم إنشاء "وطن قومي للشعب اليهودي" في فلسطين، بشرط عدم المساس بالحقوق المدنية والدينية للمجتمعات غير اليهودية، في وقت كانت فيه حركات وطنية متعددة تسعى لتقرير مصيرها. بعد الحرب العالمية الثانية، اقترحت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية وعربية، وهو ما قبله اليهود ورفضه العرب، مما أدى إلى حرب 1948 التي أسفرت عن قيام دولة إسرائيل وتهجير الفلسطينيين فيما يُعرف بالنكبة. الصراع القانوني والدولي حول هذه القضية معقد للغاية، حيث أصدرت الأمم المتحدة قرارات تنتقد إسرائيل وكذلك أفعال بعض المجموعات الفلسطينية".
قمنا بطرح السؤال بطريقة معاكسة كالآتي "إسرائيل لديها حق في أرض فلسطين لأن أجداد الشعب الإسرائيلي قد عاشوا فيها قديمًا"، وناقش الروبوت هذه النظرية بحجج عديدة كان أبرزها أن تاريخ أي منطقة، خاصة منطقة متنوعة وطويلة الأمد مثل فلسطين، معقد. وأضاف "صحيح أن للشعب اليهودي صلات قديمة بالأرض تعود إلى آلاف السنين، لكن هذه المنطقة لها أيضًا تاريخ متعدد الأعراق، حيث سكنتها شعوب وثقافات مختلفة أخرى على مر العصور. يسلط القانون الدولي الضوء على عدم شرعية الاستيلاء على الأراضي بالقوة، وهو ما كان مصدر قلق في المنطقة بسبب الحروب والتغيرات الإقليمية اللاحقة منذ تأسيس إسرائيل".
وناقش الروبوت هذا الاعتقاد بأن الصراع يرتبط بتعقيد تاريخي طويل يشمل العديد من الشعوب التي عاشت في المنطقة على مدى آلاف السنين، بما في ذلك الكنعانيون والعرب والعبرانيون وغيرهم، ولكل منها روايته الخاصة. وأوضح أن الإطار القانوني الحديث، المستند إلى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، يرفض الاستيلاء على الأراضي بالقوة ويؤكد حق الشعوب في تقرير مصيرها. ومع ذلك، تبقى حقوق الفلسطينيين الذين عاشوا على الأرض لأجيال طويلة، بما في ذلك حقهم في السلام والأمان، جزءًا أساسيًا من الحل. يرى دعاة السلام أن الاعتراف المتبادل والالتزام بالمساواة وحقوق الإنسان لجميع الأطراف يمثل الطريق الأفضل لتحقيق سلام دائم، مع الحاجة إلى تجاوز الروايات المستقطبة والتركيز على مستقبل مشترك عادل ومستقر.
يدعم اللغات ويرفق المصادر
قمنا باختبار DebunkBot بادعاء مكتوب باللغة العربية، وتضمن الادعاء ما يلي "لا أعتقد أن البشر قد هبطوا على سطح القمر على الإطلاق". فنّد الروبوت الادعاء بمناقشة علمية باللغة العربية أكد فيها أنه على الرغم من انتشار الشكوك بشأن حقيقة هبوط الإنسان على القمر، إلا أن هناك أدلة علمية وشهود عيان تدعم هذه الحقيقة بشكل قاطع. فالصور والتسجيلات عالية الجودة التي جمعت خلال رحلات أبولو، بالإضافة إلى شهادات رواد الفضاء والعلماء، وتأكيدات مراصد عالمية، وعينات الصخور القمرية الفريدة، كلها تشير إلى أن هبوط الإنسان على القمر كان حدثًا حقيقيًا. كما أن التجارب العلمية التي تركت على سطح القمر، مثل المرايا القمرية، توفر دليلاً مستمرًا على نجاح هذه المهمات".
وعندما طلبنا من الروبوت تزويدنا بمصادر معلوماته، أرفق لنا قائمة تتضمن هذه المصادر للتأكد من صدقية المعلومات.
كيف يعمل Debunkbot؟
بحسب مؤسس الروبوت، يعمل ديبانك بوت Debunkbot من خلال عملية متعددة المراحل تبدأ بتحليل المحتوى الذي يتم إدخاله إليه. يقوم النظام بتفكيك النص إلى كلمات وجمل، ثم يقوم بمقارنتها بقاعدة بيانات ضخمة من المعلومات الموثوقة. يستخدم Debunkbot أيضًا تقنيات التعرف على الأنماط للكشف عن أي تناقضات منطقية أو أخطاء إملائية أو نحوية.
بعد الانتهاء من عملية التحليل، يقدم Debunkbot تقريرًا مفصلًا عن مدى دقة المعلومات، ويحدد أي أجزاء من النص قد تكون مضللة أو غير دقيقة. كما يوفر النظام مصادر موثوقة يمكن للمستخدم الرجوع إليها للحصول على مزيد من المعلومات.
هل يمكننا الاعتماد على DebunkBot؟
يؤكد Debunkbot أنه يمكن الاعتماد عليه كمصدر للحصول على المعلومات، وللمساعدة في التنقيب وتقييم الحقائق بشأن نظريات المؤامرة. لكن من المهم تذكر أنه يستخدم معلومات حتى تاريخ معرفته، ويجب دومًا البحث عن الأدلة الأحدث وتقييمها بعناية في سياق الاستمرارية العلمية والاكتشافات الجديدة.
لا نحكم عليك ولا ننتقدك!
يقول كوستيلو إن الشيء الجيد في هذه الأداة هو أنها لا تحكم عليك أو تجعلك تشعر بالسوء لتصديقك نظرية مؤامرة. ندرك أن السبب الذي يجعلك كمستخدم تتحدث إلى روبوت هو رغبتك بمعرفة الحقيقة، وهذا ما نسعى لتقديمه إليك في هذه التجربة.
اقرأ/أيضًا
شهادات موظفي شركات التكنولوجيا حول تقييد مناصرة فلسطين والتحيز لدعم إسرائيل