لعلاج مرض السرطان، لن تحتاج لمختبرات الأبحاث ولا سنوات من الدراسة الطبية، كوب من الحلبة، ملعقة من العسل أو الدبس، أو حتى همسة نية إيجابية تُقدَّم كعلاج "نهائي" للسرطان. هل يبدو الأمر جنونيًا؟ قد يكون كذلك، لكنه أيضًا يجذب ملايين المتابعين الباحثين عن الأمل بأي ثمن.
كيف تحوّلت منصة تيك توك إلى ساحة لنشر علاجات خيالية؟ وما الثمن الحقيقي الذي يدفعه المرضى في خضم هذا الوهم؟
في هذا المقال، يستعرض "مسبار" أغرب "علاجات السرطان" التي خدعت الملايين، وتأثيرها على الصحة النفسية للمرضى، ولماذا تتصدر منصة تيك توك تتصدر قائمة المنصات في هذا الصدد؟
خلطات متعددة لعلاج السرطان
"شاي فاكهة الجرافيولا، كربونات الصودا، دبس قصب السكر"، مكونات سحرية تنصح بها إحدى المؤثرات على منصة تيك توك المصابين بمرض السرطان لعلاج فوري وسريع.
وتبيّن في الفيديو الذي حصد نحو 1.8 مليون مشاهدة، أنه يمكن استبدال الشاي بكبسولات الجرافيولا أو ما يعرف بفاكهة القشطة، كما يمكن استبدال دبس قصب السكر بدبس التمر الذي "يمكن أن يفي بالغرض"، بحسب تعبيرها.
لكن ورقة بحثية نشرتها جمعية السرطان في جنوب أفريقيا (CANSA)، حول فاكهة الجرافيولا، أكدت وجود تحذيرات ضد استخدام نبات الجرافيولا مؤخرًا من قبل علماء ومجموعات ومؤسسات علمية مرموقة، أبرزها مؤسسة أبحاث السرطان في المملكة المتحدة والتي لا تدعم استخدام الجرافيولا لعلاج السرطان. وتنصح بالحذر الشديد عند تصديق المعلومات أو دفع المال مقابل أي نوع من العلاجات البديلة للسرطان التي يتم الترويج لها على الإنترنت.
وتوضح الورقة البحثية التأثيرات البيولوجية للجرافيولا، إذ تُظهر مستخلصات الجرافيولا تأثيرات مضادة للفايروسات والطفيليات والروماتيزم، بالإضافة إلى خصائص قابضة، ومسببة للقيء، ومضادة لداء الليشمانيات، ولها تأثيرات سامة للخلايا، ومسكنة للألم، ومضادة للالتهاب، ومخفضة لنسبة السكر في الدم، ومضادة للسرطان، وذلك في التجارب المختبرية والحيوانية فقط. ومع ذلك، لا توجد بيانات كافية عن تأثيراتها على البشر. بالإضافة إلى ذلك، قد تسبب القلويات المستخرجة من الجرافيولا خللًا وظيفيًا في الخلايا العصبية وتدهورًا قد يؤدي إلى ظهور أعراض مرض باركنسون، كما قد تنتج بعض الآثار الجانبية عن النشاط البيولوجي وقد تسبب توسع الأوعية الدموية وخفض ضغط الدم. كما أن تناول جرعة كبيرة في وقت واحد قد يسبب الغثيان والقيء.
وأكدت الورقة البحثية أن الفعالية المزعومة للجرافيولا في مكافحة السرطان تأتي بشكل كبير من قدرتها على تقليل إمدادات الأدينوسين ثلاثي الفوسفات (ATP) إلى الخلايا السرطانية. ومع ذلك، يعتبر ATP مصدر طاقة أيضية للخلايا السليمة أيضًا.
علاج بالجملة لجميع أنواع السرطان
"سرطان المعدة، سرطان القولون، سرطان البنكرياس، سرطان الجن الأزرق، شهر واحد فقط من الالتزام بهذا المشروب على جرعتين ويختفي السرطان تمامًا"، هكذا يروج الدكتور جودة عواد لـ"أفضل علاج للسرطان طبيعيًا".
وينصح عواد في فيديو على منصة تيك توك بتحضير كوب عصير من هذه المكونات الطبيعية: كرفس، بقدونس، كزبرة، بصل، وجزر، حيث يتم مزج هذه المكونات في خلاط الطعام وتناول كوب صباحًا وكوب مساءً على مدار شهر لشفاء جميع أنواع مرض السرطان.
لكن مقال طبي نشره مركز MD Anderson للسرطان بالتعاون مع جامعة تكساس الأميركية أكد عدم وجود طعام يمكنه إيقاف السرطان أو تقليل خطر الإصابة به، إذ يمكن أن يقلل تناول الطعام الصحي من خطر الإصابة بالسرطان، لكنه لن يقضي عليه تمامًا.
وتقول ليندسي وولفورد، أخصائية التغذية الصحية، في المقال "هناك العديد من الأسباب المختلفة للسرطان. تخبرنا الأبحاث أن اتخاذ خيارات غذائية صحية باستمرار مع مرور الوقت يمكن أن يقلل من خطر الإصابة بالسرطان، ولكن لا يمكنك القول على وجه اليقين أن الطعام يمكن أن يمنع السرطان. لا توجد ضمانات".
وكان مسبار قد نشر في وقت سابق مقالًا عن الدقة العلمية لمحتوى الدكتور جودة عواد، من خلال تحليل محتوى 23 فيديو منشور على قناة اليوتيوب الخاصة به، وتبين أن د. عواد غالبًا ما يستند في نصائحه الطبية إلى تجاربه الشخصية مع مرضاه دون عرض الدليل العلمي، وتجاربه الشخصية مجهولة فعليًّا لدى الجمهور، ويزعم أنّه قد نجح في شفائهم من أمراض مزمنة باستخدام علاجات تقليدية.
ووُجهت لعواد انتقادات من قبل مختصين في المجال الطبي، ومن قبل مجموعة من المرضى السابقين الذين تعرضوا لمشكلات صحية نتيجة توقيفهم لعلاجاتهم وحصولهم، على حد زعمهم، على وصفات طبية خاطئة منه.
واتهمت نقابة أطباء مصر عواد بانتهاك آداب مهنة الطب، من خلال تقديم علاجات غير صحيحة ونشر وصفات طبية في غير تخصصه، إذ أصدرت النقابة بيانًا بتاريخ 20 إبريل/نيسان 2022 أكدت فيه أنه بمراجعة سجلات نقابة الأطباء، تبين أن المدعو جودة محمد عواد جمعة مقيد بالنقابة بتاريخ 1/9/2002 وحاصل على دبلوم الأمراض الباطنية من كلية الطب جامعة القاهرة عام 2018 ومقيد أخصائي باطني.
وأشارت النقابة في البيان إلى مخالفة الطبيب جودة محمد عواد للقواعد المهنية والمعايير العلمية بقيامه بتناول موضوعات طبية في غير تخصصه، ونصحه بوصفات علاجية لم تجيزها الجهات المعنية مما يتسبب في أضرار بصحة المواطنين، فضلًا عن مخالفة الطبيب المذكور لقواعد وبنود لائحة آداب مهنة الطب وكذلك القوانين المنظمة للإعلان عن الخدمات الصحية.
علاج ووقاية ليس فقط من السرطان.. بل مجموعة أمراض أخرى!
يشارك يوسف فتوني مقطع فيديو يبين فيه أن القرع يقي ويعالج ليس فقط مرض السرطان، بل يعد العلاج النهائي للسرطان، الضعف الجنسي، السكري، ترقق العظام، الأمراض العصبية، وجميع الأمراض مهما كانت!
ويرجع فتوني الذي يعرف عن نفسه بالطبيب المعالج قدرة القرع على شفاء جميع الأمراض، إلى مادة السيانين السامة المعدلة لقتل الجراثيم والبكتيريا غير الحميدة في الجسم، وهي التي تحفز الكبد على إنتاج الكوليسترول الحميد بما يحفظ الخلية وينشط عمل الأوكسجين وإخراج ثاني أوكسيد الكربون من خلال الدورة التنفسية، بحسب تعبيره.
بالتحقق، تبين لمسبار أنه يوجد بالفعل دراسات طبية تؤكد أن القرع (اليقطين) يُعدّ غذاءً صحيًا وغنيًا بالعناصر الغذائية المفيدة، مثل البيتا كاروتين، التي تُسهم في تعزيز الصحة العامة وقد تُساعد في الوقاية من بعض الأمراض. إلا أنه مع البحث تبين عدم وجود دراسات علمية موثوقة تُثبت أن القرع يمكنه علاج السرطان بشكل مباشر. تناول القرع كجزء من نظام غذائي متوازن قد يُسهم في تقليل مخاطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، ولكن لا يُمكن اعتباره علاجًا قائمًا بذاته للمرض.
من جهة أخرى، من غير الممكن وجود علاج واحد لجميع هذه الأمراض المختلفة كليًا مثل السرطان، الضعف الجنسي، السكري، ترقق العظام، والأمراض العصبية، لأن كل مرض ينشأ عن أسباب خاصة وآليات محددة داخل الجسم تتطلب نهجًا علاجيًا محدّدًا. على سبيل المثال، السرطان هو مجموعة معقدة من الأمراض الناتجة عن نمو خلايا غير طبيعي في الجسم، ويحتاج إلى استراتيجيات علاجية تشمل الجراحة، العلاج الكيميائي، العلاج المناعي، أو الإشعاعي، والتي تختلف حسب نوع السرطان ومرحلته.
أما السكري فهو اضطراب أيضي مرتبط بمشاكل في إنتاج أو استخدام الأنسولين، وعلاجه يركز على تنظيم مستويات السكر في الدم باستخدام الأدوية مثل الأنسولين، إلى جانب نظام غذائي صحي وممارسة الرياضة. بالنسبة للضعف الجنسي، قد يكون سببه نفسيًا أو جسديًا، مثل اضطرابات هرمونية أو مشاكل في الدورة الدموية، وبالتالي يتطلب علاجات موجهة مثل أدوية لتحسين تدفق الدم أو علاج نفسي لحل المشكلات العاطفية المؤثرة. أما ترقق العظام الذي ينتج عن فقدان كثافة العظام، يحتاج إلى مقاربة تركز على دعم صحة العظام باستخدام مكملات الكالسيوم وفيتامين D، إلى جانب أدوية تقلل من فقدان الكتلة العظمية.
في حين أن الأمراض العصبية مثل الزهايمر أو التصلب المتعدد، فتنشأ عن خلل في الجهاز العصبي وتحتاج إلى علاجات متخصصة مثل الأدوية التي تتحكم في الأعراض أو تبطئ تقدم المرض، إضافة إلى العلاج الطبيعي أو السلوكي.
هذه الأمراض تتطلب استراتيجيات علاجية متكاملة تشمل الأدوية، التعديلات في نمط الحياة مثل الغذاء الصحي والرياضة، والتدخلات الطبية عند الضرورة. لذلك، لا يمكن لنهج علاجي واحد أن يكون فعالاً في معالجة كل هذه الحالات المتنوعة.
أسماء وهمية.. وعلاجات غير معتمدة
يتحدث مقطع فيديو على تيك توك عن عالم ومؤلف اسمه فاكس جيرسون قيل إنه مؤلف كتاب اسمه "علاج السرطان"، ويزعم الفيديو أن جيرسون "شهد على اختفاء مرض السرطان من امرأتين بعد استعمال كمية كبيرة من الحلبة وهذا يرجع إلى ان الحلبة تحتوي على هرمون، وبعض سرطانات الثدي تستجيب للهرمونات".
بالتحقق تبين أنه لا يوجد عالم اسمه فاكس جيرسون، لكن هناك طبيب ألماني يدعى ماكس جيرسون كان قد طوّر "علاج جيرسون" في العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي. وزعم أنه ساعد في علاج الصداع النصفي. لذلك، استمر في استخدامه لعلاج أمراض أخرى مثل السل والسرطان. ويستخدم علاج جيرسون نظامًا غذائيًا نباتيًا عضويًا معينًا، ومكملات غذائية، ومحقنات شرجية لعلاج السرطان، لكن بحسب منظمة Cancer Research UK للأبحاث المتعلقة بالسرطان، لا يوجد دليل علمي على أنه يمكن أن يعالج السرطان أو أعراضه، كما يمكن أن يكون لعلاج جيرسون آثار جانبية شديدة.
من جهة أخرى، لا يوجد أي دليل علمي موثوق ولا توجد بيانات سريرية بخصوص استخدام الحلبة كعامل مضاد للأورام، بحسب مقال منشور على موقع Drugs العلمي.
دراسة: أغلب علاجات السرطان على تيك توك غير حقيقية
أكد بحث حديث نشرته جامعة لندن، أن علاجات السرطان التي ينشرها صناع المحتوى على تطبيق تيك توك غير حقيقية، بنسبة تصل إلى 81%، ووجد البحث أن 19% فقط من مقاطع الفيديو التي أوصت خوارزمية التطبيق بها تحتوي على نصائح طبية مشروعة، ولاحظ البحث أن هذه المنصة لا تنشر المعلومات المضللة حول السرطان فحسب، بل تسمح لصناع المحتوى بالارتباط بمتاجر التجارة الإلكترونية ومواقع الويب التي يمكن للمستخدمين شراء منتجات ضارة منها.
وتمكّن صناع هذا المحتوى على تيك توك بفضل هذا الارتباط من الاستفادة ماليًا من المعلومات المضللة حول علاج السرطان، من خلال بيع منتجات بما في ذلك زيت الزعتر أو حبات المشمش أو مبيد الديدان للكلاب (وهو غير آمن للاستهلاك البشري).
ومع رصد 163 مقطع فيديو نشر ادعاءات علاج السرطان المزيفة، تبين أن 32% منهم يستخدم نظريات المؤامرة لإضفاء الشرعية على محتواهم، إذ يمنحون صدقية لفكرة أن العلاجات "المعجزة" مخفية من قبل الحكومة، وبفضل ميزة التمرير اللانهائية في تيك توك يخضع المستخدمون لخوارزمية المنصة التي توصي بمشاهدة المزيد من ذلك المحتوى.
تأثيرات كارثية على الصحة الجسدية والنفسية للمرضى
تناولت مقالة نُشرت في موقع المعهد الوطني للسرطان (NCI)، مشكلة انتشار المعلومات الخاطئة عن السرطان على وسائل التواصل الاجتماعي وتأثيرها على المرضى، ولفتت المقالة إلى تأثير المعلومات المضللة على المرضى، إذ إنّ المعلومات الخاطئة التي تنتشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تؤثر سلبًا على القرارات الصحية للمرضى. وقد تدفع هذه المعلومات المرضى إلى الإقبال على علاجات غير مثبتة علميًا أو الامتناع عن العلاجات التقليدية الموصى بها من قبل الأطباء. هذا قد يؤدي إلى تدهور حالتهم الصحية أو تأخير تلقي العلاجات المناسبة.
كما ذكرت المقالة أن المرضى قد يجدون صعوبة في التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، مما يزيد من القلق والارتباك لديهم. وبالتالي، أكدت على أهمية توجيه المرضى نحو مصادر موثوقة وتوفير الدعم اللازم لهم من قبل مقدمي الرعاية الصحية لمساعدتهم على اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن علاجهم.
اقرأ/ي أيضًا
هل يقدّم دكتور جودة عواد محتوى دقيقًا في وصفاته للعلاج البديل؟