ادعاءات مضللة حول ابتزاز صحافية في تلفزيون سوريا
تحقق مسبار من التقارير التي غطت الحادثة والجدل الذي حدث حولها وتبين أنه ينطوي على عدة مغالطات مضللة وانتقائية في تغطية القضيةالادعاء
تعرض الصحافيّة السوريّة والمسؤولة (السابقة) عن جودة الإنتاج في “تلفزيون سوريا” مها غزال إلى الابتزاز في مؤسسة تلفزيون سوريا دون محاسبة المسؤولين عن اختراق حسابها الشخصي.
نشر عن الخبر
الخبر المتداول
تناولت عدة صحف قضية اختراق وإقالة الصحافية السورية مها غزال، ونشرت العديد من الادعاءات ضمن تغطيتها للقضية، مدّعية أنَّ الصحافية تعرضت للاختراق وانتهاك الخصوصية والتهديد دون محاسبة المسؤول عن ذلك، وأنَّ مدير المؤسسة استقال احتجاجاً على ذلك، موضحة أنَّ التعامل معها كان بطريقة ذكورية تعمد إلى ابتزازها كإمرأة.
تحقيق مسبار
تحقق "مسبار" من التقارير التي غطت الحادثة والجدل الذي دار حولها، وتبيَّن أنها تنطوي انتقائية تصل حد التضليل. فالتغطية اقتصرت على إيراد وجهة نظر الصحافية دون طلب أدلة أو إثباتات لتدعيم ادعاءاتها، ودون التوجه إلى مؤسستي تلفزيون سوريا وفضاءات للرد على الادعاءات وتقديم ما لديهما بخصوص ما تقوله الموظفة السابقة. وبذلك تعاملت التغطية مع ما تدعيه الصحافية على اعتبار أنه حقائق، ولم تكتف التغطية بإيراد ما قالت الصحافية منقولاً عنها أو منسوباً إليها، بل تبنّته بشكل كامل دون علامات تنصيص أو اقتباس واستخدمت "اتهامات" الصحافية في العناوين كأنها أمر مثبت.
بحث "مسبار" في الادعاءات المذكورة في التقارير التي نُشرت، ووجد الآتي:
- اختراق بأمر إداري
راجع "مسبار" ادعاء أن اختراق الحسابات الشخصية للموظفة السابقة كان بأمر إداري من مسمى وظيفي أعلى من مسؤول وحدة تكنولوجيا المعلومات، ووجد أن تلفزيون سوريا في بيانه التوضيحي ينفي أن يكون هذا الاختراق جرى بأمر إداري، ولم تقدم الصحافية للمواقع التي تولت التغطية الانتقائية ما يثبت زعمها ولم تتوجه للتلفزيون للتأكد من الادعاء، ولم تورد في مجمل التغطية تعليق التلفزيون وتوضيحه. ولذلك يظل ادعاء أن الاختراق بأمر إداري غير مثبت، والتغطية المنطلقة من هذه النقطة مضللة.
- التهديد والابتزاز والاختراق
تتبع "مسبار" ادعاء التقارير بأنه تم ابتزاز الصحافية بصور ومحادثات، إلا أنه لا يوجد ما يؤكد وقوع هذا الابتزاز، كما لم تنشر الصحافية ما يثبت ابتزازها أو استخدام أيَّ صور ضدها. ومثل النقطة السابقة نفى التلفزيون وقوع أي شكل من الابتزاز، ولذلك يعتبر اكتفاء التقارير بادعاء الصحافية انتقائيًّا ومضللاً ويتعامل مع الادعاءات على أنها حقائق.
وفي بعض التقارير ورد نقلاً عن الموظفة السابقة أنها تعرضت لتهديد على منصات التواصل وفوجئت بحسابات منتحلة تتواصل معها، ولكن لا يوجد في التقارير أي صورة أو إثبات لهذه التهديدات، على شكل "سكرين شوت" أو روابط لهذه الحسابات. وبعد رصد التعليقات على فيديو الموظفة السابقة والمواد المتعلقة بها وجد أن التعليقات لا تحمل تهديدات.
- المحاسبة والعقاب
ادعت بعض التقارير أنه تم التستر على المسؤول عن اختراق حسابات الصحافية، إلا أن تلفزيون سوريا أعلن فصل الموظف قبل خروج الصحافية بالفيديو بمدة وعلى إثر حادثة الاختراق مع إلزامه بتعهد بعدم الضرر بالصحافية أو التعرض لها بأي نوع من الابتزاز والتهديد. وهذا ما لا تعرضه التقارير وتكتفي بادعاءات الموظفة السابقة، وهو ما يشكل تضليلاً متعمداً.
بعض التقارير تقول أنه تم "تأمين استقالة كريمة للموظف". وجد "مسبار" تحيزاً في طريقة عرض القضية، إذ يرد هذا التوصيف دون بيان ما المقصود به ولا أدلة عليه، وهنا مرة أخرى وبشكل مستمر ومتعمد تعتبر التقارير ادعاءات الموظفة السابقة بمثابة حقائق وتعرضها دون أدلة.
- القضية ومدير المؤسسة
ذكرت التقارير أنَّ الصحافية قالت إنها اجتمعت بمدير المؤسسة وأخبرها أنَّ الجميع يستهجن ما حدث معها بما فيهم مؤسسة فضاءات، إلا أنَّ التقارير ذكرت في نفس السياق أنها اعتبرت قضيتها لا تتقدم، دون توضيح ما المقصود بتقدم القضية ما دام هناك استهجان ورفض لاختراق حسابها وإنهاء عمل لمسؤول وحدة تكنولوجيا المعلومات.
وفي السياق نفسه عللت التقارير استقالة مالك داغستاني مدير تلفزيون سوريا بأنه لم يستطع حماية الصحافية ومحاسبة المتسبب في الانتهاك، فيما لم يذكر داغستاني ذلك في منشوره على فيسبوك المتعلق بتسلم مهام الإدارة العامة للقناة لأحد أعضاء مجلس إدارتها. وأكد داغستاني أنَّ استقالته "تأتي بإرادة حرة وأنه أمر طبيعي ويحدث كل يوم". ولم يذكر أن استقالته بسبب حادثة الصحافية. لذلك يعد نقل التقارير بأن أسباب الاستقالة بسبب حادثة الصحافية نقلاً غير موضوعيًا ومضللاً.
- خط زمني غير منطقي للقضية
تجاهلت التقارير الخط الزمني لتسلسل تطور القضية، وقدمت خطًّا زمنيًّا متداخلاً وغير صحيح، إذ أنَّ الادعاء بأن الموظفة السابقة دخلت المشفى قبل شهر بسبب علمها بالاختراق، من ثم بعد شهر ظهرت للإعلام للتأكيد على أنها لم تأخذ حقها، لا يتوافق مع ما ذكر بأنها كانت تنتظر إنصافها، فالتقارير لم تذكر ما هو نوع الحق الذي كانت الصحافية في انتظاره، وما هي مطالبها التي طلبتها من الإدارة، مع العلم أنَّ هناك فترة زمنية طويلة بين نشرها للقصة المتداولة وبين تاريخ معرفتها بالاختراق. كما تذكر التقارير أنَّ الصحافية لم تتقدم بشكوى أصلاً وانتظرت الإدارة للتحرك وإنصافها، وهنا لا يوجد ما يوضح لماذا لم تتقدم بشكوى للإدارة وكيف يمكن اتخاذ إجراء إداري دون تقدمها بشكوى. ولا تتطرق التقارير لما تراه الصحافية "إنصافا" بحقها والذي دام النقاش حوله طوال المدة الزمنية من علمها بحادثة الاختراق وصولاً إلى خروجها في فيديو. وتضلل التقارير القارئ من خلال سرد الأحداث وكأن الفيديو نشر في يوم الاختراق أو خلال مدى زمني قصير. وبالنظر إلى المدة الزمنية، ورجوعاً لبيان تلفزيون سوريا الذي يصف مطالب الموظفة بـ "غير المنطقية" يبرز السؤال عن ما جرى خلال هذه الفترة وهل كان موضوع الاختراق مادة لتفاوض الموظفة السابقة مع إدارة التلفزيون لتسوية الأمر مقابل مطالب وصفتها الإدارة بغير المنطقية؟ وعدم تطرق التقارير لهذه المطالب وعدم سؤال الصحافية عنها يبدو لافتاً ومنحازاً، خاصة مع وجود بيان من الإدارة يشير إليها.
- ادعاء التكتيك الذكوري في التعامل مع الحدث
تبنّت بعض التقارير توصيفاً غير محايد أو موضوعيّ في تغطيتها للقضية، ووصفت تعامل تلفزيون سوريا وفضاءات بـ"الذكوري" دون وجود أي معلومات أو حقائق مساندة لهذا الادعاء. وقال أحد التقارير "إن ما يحدث معها يحدث لكونها امرأة وأن هناك تمييز ذكوري ضدها"، ولم يوضح التقرير مصدر هذا الادعاء، وانتقل من تغطية خبرية للقضية إلى أصدار الأحكام والتضليل.
لم تنشر التقارير معلومات أو معطيات توضح التمييز على أساس النوع الاجتماعي في المؤسسة، مثل التمييز في سلم الرواتب، أو في عدد الموظفين، أو أيّ حوادث سابقة حصل فيها تمييز على أساس النوع الاجتماعي، أو أيّ سياسات داخلية تحمل طابعاً تمييزيًّا. وانحاز التقرير لادعاءات الموظفة دون ملاحظة كونها رئيسة قسم وتولت موقعاً متقدماً في التلفزيون إلى جانب موظفات أخريات، كما يظهر في الموقع الإلكتروني للتلفزيون ومسميات الموظفات ومواقعهن الإدارية على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع المهنية. وهذا ما يعزز انحياز التقرير إلى ادعاءات غير مثبتة وخروجه بأحكام تتنافى مع صفة الحياد والموضوعية، خاصة أن التقرير لا يتوجه إلى تلفزيون سوريا بأيّ استفسار عن حقيقة هذه الادعاءات. وهذا يرقى بالتعاطي إلى التضليل المتعمد ومخالفة أخلاقيات العمل الصحفي.