ارتفعت وتيرة الأخبار الزائفة المتناقلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد تفشّي فايروس كورونا المستجد (كوفيد-19) والتي بدأت بدورها في التأثير أمنيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا في مجتمعات وبيئات مختلفة حول العالم.
عمل "مسبار" في هذه التدوينة على رصد نماذج لأخبار زائفة أو مضللة أسفرت عن تأثير سلبي في السلوك الأمني أو أثر اقتصادي سلبي على المجتمعات.
التجار يزيفون الأخبار أحياناً
نشرت وسائل إعلام مغربية تقارير بتاريخ 15 مارس/آذار الماضي، حول إقبال كبير غير معتاد من المستهلكين على المتاجر خلال يومي13 و14 مارس/آذار نتيجة تداول صور مضلّلة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر تكدس أعداداً من المستهلكين في بعض المتاجر، مرفقة بأخبار زائفة حول احتمالية نفاذ السلع من الأسواق نتيجة لارتفاع مستوى الشراء، وهو ما أدى إلى تكدس حقيقي للمواطنين عند المتاجر واستهلاكاً واسعاً للسلع الأساسية.
وكشفت مواقع مغربية أنّ تلك الصور انتشرت لحثّ المستهلكين على الشراء والتخزين إذ صُوّرت من كاميرات المتاجر نفسها، وأنّ التجار هم من بثّوا تلك الصور لرفع حركة البيع استغلالاً لأزمة كوفيد-19.
وهو ما دفع وزارة الفلاحة بالحكومة المغربية إلى إصدار بيان يوم 16 مارس/آذار الماضي أعلنت خلاله ألا خوف من نفاذ المواد الغذائية والأسماك من الأسواق وأوضحت بأنه على الرغم من الطلب الكبير الذي أدى إلى نفاذ سريع لبعض المواد الغذائية الفلاحية والسمكية على مستوى بعض الأسواق ونقاط البيع، فإنه سيتم ضمان تزويد الأسواق بشكل منتظم، ولن يعاني السوق المغربي من أي انقطاع في تموينه بالمنتجات الفلاحية والسمك.
وفي السعودية تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي تويتر بتاريخ 24 مارس/آذار الماضي صوراً لمتاجر خالية من السلع، ودعوات للمواطنين بتخزين الدجاج والبيض واللبن، وشراء الماعز لضمان استمرار وجود الحليب نظراً لأزمة متوقعة في تلك السلع.
ما دفع وزارة الزراعة السعودية لعقد مؤتمر صحفي بتاريخ 30 مارس/آذار أكدت فيه استمرار كافة عمليات إنتاج الغذاء وتوفر مخزون استراتيجي كاف من السلع الأساسية بالمملكة، موضحة أنّ تخزين المواد الغذائية سيساهم في نهاية الأمر بهدر غذائي كبير سيرفع من أرقام الهدر والفقد الغذائي في المملكة.
القطاعات الاقتصادية الأكثر تأثراً بالشائعات
وفي هذا السياق أكّد الدكتور أحمد ذكر الله، مدرس الاقتصاد بكلية التجارة في جامعة الأزهر، في تصريح خاص لـ"مسبار" أنّ بيئة انتشار الأخبار الزائفة والشائعات هي البيئات الاستبدادية، لاعتياد المواطنين على كذب الحكومات، وكلما زاد الاستبداد وقلّ الوضوح والشفافية، زادت قدرة الشائعات على التأثير في المواطنين.
وأضاف، شاهدنا تكالب المواطنين على شراء وتخزين السلع بكثافة تقريباً في كل الدول، حتى الدول التي تتمتع بالشفافية مع المواطنين، ولكن في الدول الاستبدادية كان الأمر أكثر حدة سواء في السعودية أو المغرب، بسبب عدم وجود مصارحة بالمعلومات أو صحافة حرة، فيتم تداول الشائعات نتيجة لأن المجتمع يتداول المعلومات عبر منظومة غير رسمية وتعتمد على المحاكاة للأفكار التي تبثّ عبر الإعلام.
وأوضح ذكر الله أنّ القطاع الأكثر تأثراً بالشائعات هو سوق المال، وأسعار العملات التي تتأثر بشكل بالغ بالأخبار الزائفة، وبالتالي حينما تنتشر شائعات حول نقص الإنتاج أو وقف تصدير سلعة ما أو نقص دواء أو سلعة ما، أو مدة بقاء الفايروس والمدى الزمني لعودة الحياة لطبيعتها، حتى الذهب لم يسلم من الشائعات وتسببت الأخبار الزائفة والمضللة في تراجع سعره في بداية الأزمة ثم التذبذب الذي يعيشه حاليًّا.
وأوضح ذكر الله أنّ دخل المواطن سيتأثر بشكل مباشر بالشائعات، لأن عدد العاملين في الجهاز الحكومي ذوي الدخول الثابتة قليل على مستوى العالم، وبالتالي سيتأثر معظم العمّال سلباً ويتدهور القطاع الخاص، إذ تتسبّب الشائعات في غلق منشآت، أو توجّه الجمهور إلى أنواع محددة من السلع الاستهلاكية، بما يؤثر على قطاعات أخرى واسعة ويتسبب في ركودها، وكذلك ركود السلع المعمّرة في مقابل زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية.
كما أشار ذكر الله إلى أنّ المناخ الاستثماري يتأثر بشكل كبير بالشائعات التي تؤثر على رجال الأعمال والمستثمرين، وبشكل خاص الأخبار المضللة حول توقعات معدل النمو وغيرها من الأمور التي قد تؤدي إلى انسحاب استثمارات أجنبية من دول ما، أو تخفيض ضخّ الاستثمارات وتخفيض القائم منها، وبالتالي يؤثر سلباً على حجم ضخّ العملات الأجنبية وحركة البيع والشراء، فضلاً عن اللجوء إلى تخفيض عدد ساعات العمل وبالتالي تخفيض الأجور والحوافز.
احذر الانفلات الأمني المصطنع
رصد "مسبار" تداول عدد من روّاد موقع التواصل الاجتماعي تويتر مقطع فيديو منسوب إلى قناةCNN يصور عملية نهب لمتجر كبير، ونُشر المقطع رفقة خبر يؤكد أنّ أحداث النهب حصلت في متجر في ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة الأمريكية.
تحقق مسبار من مقطع الفيديو، والذي اتضح أنه مضلل، وأنّ الفيديو يعود إلى أحداث الشغب التي حدثت في تشيلي عام 2019، وكانت وكالة روسيا اليوم قد نشرت ذات الفيديو بتاريخ23 أكتوبر/تشرين الأول لعام 2019.
وفي الجزائر نشرت صحيفة الشروق تقريراً بتاريخ30 مارس/آذار الماضي، تحت عنوان "رواج نشاط سرقة المحلات التجارية والمنازل أثناء حظر التجوال"، وبتتبع ردود الأفعال حول التقرير، رصد "مسبار" العديد من التغريدات على موقع تويتر، كشف أصحابها أنّ عدداً من الشائعات انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي حول عمليات نهب وانفلات أمني بالعاصمة الجزائرية، وبعدها بدأت عمليات النهب والسرقة الحقيقية تتوالى.
لماذا يُصنع الانفلات الأمني بالشائعات
من جانبه اعتبر البرلماني رضا فهمي، رئيس لجنة الأمن القومي السابق بمجلس الشورى المصري، أنّ الأخبار الزائفة حول الانفلات الأمني تعتبر محفزاً لعمليات السرقة والانفلات الأمني سواء من عصابات إجرامية، أو حتى من فقراء بالمجتمع تضرروا بشدة بسبب أزمة كوفيد-19.
وقال فهمي "أنا وقعت ضحية للفيديو المضلل المنشور عن عمليات النهب في أميركا، وعملية التلاعب في مثل هذه الفيديوهات تتم بخبرة فنية عالية وغير المتخصص لا يستطيع التمييز، ولقد قمت بحذف المقطع بعد اتصال من صديق يعيش في أميركا أكّد لي أنّ الخبر غير صحيح".
وأضاف، أنّ هنالك أفراد من المجتمع لديها أكثر من مبرر لإنتاج أخبار زائفة، لأنهم يؤمنون بأنّ الأنظمة المستبدة تمارس حرباً ضدهم في كل وقت، لذلك عليهم أن يردّوا ذلك لها، من خلال تزييف الأخبار ونشر الانفلات الأمني، وهناك مشاهير يقعون في هذا الفخ ويقومون بنشر تلك الأخبار ويعتبرون أن هذا لصالح الشعوب.
كيف تُغير الشائعات قناعاتك
من جانبه يقول أحمد محسن، الباحث في مجال السياسات العامة بمعهد الدوحة للدراسات، أنّ الأخبار الزائفة تؤثر على السلوك المجتمعي، وتعمل على تغيير القناعات، مشيراً إلى أن الشائعات تستطيع أن تغير سلوكيات راسخة لدى المجتمع، ولكن يجب فهم أسباب هذه التغيرات السلوكية، فالأخبار الزائفة المحاطة بظروف اجتماعية واقتصادية سيئة لا تساعد الناس للتعامل الجيد مع الأزمة، بل إنّ تلك الظروف تعظّم من الآثار السلبية للأخبار الزائفة.
وأضاف، إذا تم مواجهة الأخبار الزائفة بتوعية إعلامية واسعة تواجه تلك الشائعات ذات المصادر المجهولة، فهنا نستطيع حماية السلوك المجتمعي من الانسياق خلف الأخبار الزائفة.