في ظل الأزمات المستمرة في العديد من الدول، أصبحت المعلومات المضللة والزائفة تشكّل تهديدًا رئيسيًا لاستقرار المجتمعات. يمكن لهذه الأخبار المغلوطة أنّ تؤدي إلى نشر الفوضى وتأجيج التوترات الاجتماعية وتعميق الانقسامات السياسية والعرقية.
في سوريا، وعلى وجه الخصوص منذ بدء عملية "ردع العدوان" في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، التي قادتها هيئة تحرير الشام بهدف الإطاحة بنظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد، تم تداول العديد من المقاطع المصوّرة والصور المنسوبة إلى الهيئة، والتي تبيّن أنّها قديمة واستخدمت في سياقات مضللة.
يمكن لهذا النوع من التضليل أنّ يؤدي إلى توجيه الرأي العام نحو مفاهيم مغلوطة، مما قد يؤثر سلبًا على الأمن الاجتماعي ويزيد من تعقيد الأوضاع في البلاد. إذ تصبح الأخبار الزائفة أداة لخلق تصورات غير دقيقة للواقع، مما يعزز القلق الاجتماعي ويؤثر على الاستقرار.
يسلط "مسبار" في هذا المقال الضوء على خطورة المعلومات المضللة في سياق الأزمات المستمرة، مع التركيز على تأثيرها في سوريا خلال عملية "ردع العدوان"، وذلك من خلال تتبع أبرز الشائعات التي انتشرت بشأن الأحداث الأخيرة. يستعرض المقال كيف يمكن أنّ تؤدي هذه المعلومات إلى تشويه الحقائق، مما يعزز الانقسامات الطائفية والعرقية ويهدد السلم الأهلي في البلاد.
المعلومات المضللة تسهم في نشر الذعر بين السكان
في الوقت الذي كانت تدور فيه المعارك بين فصائل المعارضة المسلحة والنظام السوري، في مدينة حلب شمالي سوريا، تداولت العديد من الحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي صورة ادّعت أنّها تُظهر نساءً محتجزات داخل أقفاص حديدية، بعد أسرهن من قبل فصائل المعارضة. ورُبط هذا الادّعاء بالمعارك الدائرة في حلب، حينها.
إلا أن تحقق أجراه مسبار أظهر أن الادّعاء مضلّل، وأن الصورة التُقطت في ريف دمشق عام 2015، وتوثّق احتجاز جماعة "جيش الإسلام" لرهائن من النساء والرجال، داخل أقفاص حديدية في شوارع مدينة دوما في منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، للضغط على قوات النظام السوري كي تتوقف عن قصف المدينة، آنذاك.
وتزامن انتشار هذه الصورة مع إعلان فصائل المعارضة تحقيق تقدم ميداني كبير في سوريا، بما في ذلك السيطرة على العديد من أحياء مدينة حلب. وفي ذلك الوقت، كان انتشار تلك الصورة بشكل واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي يهدد بنشر حالة من الفوضى والذعر بين السكان، مما قد يدفع بعضهم للنزوح تحسبًا لمصير مشابه حال وصول فصائل المعارضة.
وفي الآونة الأخيرة، تداولت حسابات على إكس مقطع فيديو ادّعى ناشروه أنّه يُظهر عرض تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" نساءً في سوق، وبيعهن في المناطق التي كان يسيطر عليها، سابقًا. وأعيد تداول المقطع مع تحذيرات من تكرار ذلك المشهد مع هيئة تحرير الشام، بعد الاشتباكات التي كانت تخوضها مع قوات النظام.
وانتشر الفيديو مرفقًا بوصف جاء فيه: "إلى الشعب السوري العظيم... هل تتذكرون هذه المشاهد عندما قام البعض منكم بتسليم سلاحه وترحيبهم بتنظيم الدولة الإرهابي؟ هذا هو ما سيحدث لكم اليوم إذا تعاونتم مع هيئة تحرير الشام الإرهابية".
كشف تحقّق لمسبار أنّ هذا العرض جزء من مشهد تمثيلي نشرته حسابات كردية، عام 2013، على أنّه جزء من مشروع فني للفنانة التشكيلية الكردية أريان رفيق، تحت عنوان: "الصراخ غير المسموع لملائكة إيزيدخان"، والذي سلط الضوء على ممارسات داعش بحق النساء الإيزيديات.
كذلك، تداولت حسابات على فيسبوك وإكس، مقطع فيديو زعمت أنّه يّظهر أسر امرأة على يد مقاتلين من فصائل المعارضة، خلال المعارك التي كانت دائرة في سوريا.
لكن مسبار وجد أن الادعاء مضلل، وأن مركز توثيق انتهاكات نشر مقطع الفيديو عام 2019، على أنّه لأسر مقاتلة كردية من قوات سوريا الديمقراطية "قسد"، من قبل فصائل عسكرية مدعومة من تركيا، شمال شرقي سوريا.
وخلال الأيام الفائتة، تداول مستخدمون مقطع فيديو ادّعوا أنّه يوثّق لحظة تنفيذ فصائل معارضة حكم الإعدام بحق امرأة متهمة بممارسة الزنا في شوارع دمشق، بعد الإطاحة بنظام الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد.
بالتحقق من الادعاء، وجد مسبار أن مقطع الفيديو من عام 2015 وأنه للحظة تنفيذ عناصر جبهة النصرة حكم الإعدام بحق امرأة سورية متهمة بالزنا، في ساحة عامة في بلدة معرة مصرين في ريف إدلب، وليس لواقعة حديثة كما روّج المستخدمون.
قد يتسبب نشر ادّعاءات مضللة مرتبطة بفصائل المعارضة المسلحة في سوريا، خاصة تلك التي توحي بارتكاب انتهاكات أو جرائم في فترات معينة، إلى نشر الذعر بين المواطنين، ناهيك عن أنّ تشويه الحقائق وتضخيم الأحداث يمكن أنّ يؤدي إلى زيادة مشاعر القلق والخوف بينهم، بسبب اعتقادهم بأنها تعبر عن أحداث راهنة.
علاوة على ذلك، قد تساهم هذه الادّعاءات المضللة في تأجيج مشاعر الكراهية والتنازع بين الأطراف، ويمكن أنّ تؤدي إلى تعزيز الانقسامات الداخلية بينهم.
المعلومات المضللة وتأثيرها على تعزيز الانقسامات الطائفية
لا يقتصر تأثير المعلومات المضللة على إثارة الذعر وتعزيز الانقسامات الداخلية فقط، بل يمتد أحيانًا إلى المساهمة في تأجيج الصراعات الطائفية والعرقية. على سبيل المثال، تداولت حسابات على موقعي فيسبوك وإكس، حديثًا، صورة ادعت أنّها تعود لشاب مسيحي من دمشق، تعرض للتنكيل على يد فصائل المعارضة، بعد سيطرتها على العاصمة دمشق ومعظم المحافظات السورية وإسقاطها نظام الأسد.
بالتحقق، وجد مسبار أنّها من عام 2012، وليست لاعتداء على شاب مسيحي في دمشق بعد سيطرة المعارضة عليها. وأُخذت الصورة من منتدى إلكتروني مؤيد لتنظيم القاعدة، وتُظهر مقاتلًا مسيحيًا من قوات النظام السوري بعد أسره من قبل كتائب المهاجرين.
على الرغم من أنّ إدارة الشؤون السياسية في سوريا أصدرت حديثًا بيانًا موجهًا إلى عموم المسيحيين في البلاد، أكدت فيه أنّهم يشكلون جزءًا أساسيًا من النسيج الوطني السوري، وشددت على رفض أي استهداف أو تمييز ديني أو عرقي ضدهم، إلا أنّ انتشار هذا النوع من المعلومات المضللة على نطاق واسع وممنهج، يمكن أنّ يؤدي إلى تشويه الحقائق وتعزيز الانقسامات الطائفية في المجتمع السوري.
وبذلك، يمكن أنّ تساهم هذه المعلومات المضللة في تعزيز الانقسامات بين الطوائف المختلفة في سوريا، وتغذية مشاعر العداء والتوتر، مما قد يزيد من حدة الصراع بين الطوائف، ويحوله إلى عنف جماعي قد يؤدي إلى تدمير النسيج الاجتماعي للمجتمع السوري.
وتداولت صفحات وحسابات على فيسبوك وإكس، حديثًا، صورة لعناصر من هيئة تحرير الشام وهو يدوسون علم الثورة السورية، وادّعى ناشروها أنّها لتفكّك فصائل المعارضة المسلحة في سوريا وبداية تناحرها، بعد ساعات من سقوط نظام بشار الأسد.
تحقق مسبار من الادّعاء ووجد أنّه مضلّل، فالصورة منشورة منذ عام 2019 وهي لعناصر من هيئة تحرير الشام يدوسون علم الثورة السورية ويرفعون راية الهيئة، عقب سيطرتهم على مدينة الأتارب التابعة لريف حلب الغربيّ، وفق ما نقلته وسائل إعلام سورية وعربية أنذاك.
يمكن لمثل هذه المعلومات المضللة أنّ تُؤخذ كدليل على وقوع انقسامات في صفوف المعارضة، كما يمكن أنّ تهدد السلم الأهلي وتؤدي إلى تصعيد التوترات داخل المجتمع السوري.
في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري، أُعلن عن تكليف محمد البشير برئاسة حكومة تصريف الأعمال السورية، إذ صرح في خطاب أنّه سيبقى في منصبه حتى الأول من مارس/آذار من عام 2025.
وجاء هذا التكليف بعد اجتماع تم خلاله مناقشة ترتيبات نقل السلطة في سوريا، عقب الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
في السياق، تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي، صورة ادّعوا أنّها لرئيس الحكومة السورية المؤقتة، محمد البشير، قبل توليه المنصب، مع الإشارة إلى أنّه كان ينتمي إلى "تنظيم إرهابي".
لكن تحقيقًا لمسبار كشف أنّ الصورة لفرنسي يُدعى رشيد قاسم، أحد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وليست للرئيس الحالي للحكومة السورية المؤقتة.
قد تُعمق هذه الادّعاءات الفجوات بين الجماعات المختلفة في سوريا وتزيد من الانقسامات الطائفية والعرقية خلال الفترة الانتقالية التي تشهدها سوريا بعد إسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد. إلى جانب أنّ تكرار نشر مثل هذه الادعاءات يمكن أنّ يسهم في خلق بيئة من الشك وعدم الثقة لدى المواطنين.
اقرأ/ي أيضًا
الفيديو من يونيو وليس لإعلان السلطات المصرية بدء إجراءات ترحيل اللاجئين
الفيديو ليس للعثور على الصحفي الأميركي أوستن تايس المفقود منذ 12 عامًا