يُظهر المحتوى ذو الشعبية العالية تأثيرًا كبيرًا على تصورات الجمهور بشأن صدقيته، وقد تخلق شعبية المنشورات، وحجم مشاركتها موثوقية أعلى بغض النظر عن حقيقتها.
وفقًا لدراسة صدرت عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، فإن الأخبار الكاذبة تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعي أسرع بنسبة 70 بالمئة من الأخبار الحقيقية. يعود ذلك إلى قدرة هذه الأخبار على إثارة مشاعر قوية مثل الغضب أو الخوف، مما يدفع المستخدمين إلى التفاعل والمشاركة دون التحقق من صحة المعلومات، وتعطي المشاركة مزيد من الموثوقية للمعلومات بدورها.
مدى انتشار المحتوى وتأثير ذلك على القرارات الفردية
تُعدّ الإشارات الاجتماعية، مثل الإعجابات والمشاركات، عاملًا حاسمًا في تشكيل رأي الأفراد حول صدقية المحتوى. دراسة نشرتها Proceedings of the National Academy of Sciences (PNAS)، أكدت أن الإشارات الاجتماعية تؤدي إلى "تأثير العدوى المعلوماتية"، إذ يميل الأفراد إلى اعتبار المحتوى موثوقًا إذا لاحظوا تفاعلًا كبيرًا عليه، بغض النظر عن دقته.
أشار تقرير صادر عن مركز Pew البحثي إلى أن 50 بالمئة من البالغين في الولايات المتحدة، يعتقدون أن الأخبار التي تحظى بتفاعل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي أكثر صدقية، مما يفتح المجال لانتشار المعلومات المضللة. هذا التأثير يصبح أكثر وضوحًا في الأخبار المتعلقة بالسياسة والصحة، حيث تلعب شعبية المحتوى دورًا كبيرًا في تشكيل الرأي العام.
المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي يملكون محتوى أكثر انتشارًا
بات صانعو المحتوى الرقمي يملكون تأثيرًا ملحوظًا في المشهد الإعلامي خاصة على الإنترنت، إذ يستخدم المؤثرون تقنيات غير تقليدية في نشر المعلومات، لعل أهمها عنصر الترفيه، فيساهمون في نقل المعلومات وإثارة النقاشات المجتمعية بطرق غير ممتعة.
سلط تقرير “ما وراء الشاشات” الصادر عن منظمة اليونسكو الضوء على الدوافع والممارسات والتحديات التي يواجهها منشئو المحتوى حول العالم.
بيّن التقرير أنه بعكس الاعتقاد الشائع أن المؤثرين يميلون إلى التركيز على المحتوى الترفيهي، فإن 26 بالمئة من المشاركين في تقرير اليونسكو أشاروا إلى أن الهدف الأساسي من محتواهم هو تبادل المعرفة مع جمهورهم.
ويأتي هدف كسب الدخل في المرتبة الثانية لدى المؤثرين ويليه هدف الترفيه في المرتبه الأخيرة، ونوّه التقرير أن العديد من صانعي المحتوى يوظفون منصاتهم لموضوعات مثل الدفاع عن القضايا الاجتماعية أو للتعبير عن آرائهم الشخصية.
أبرز التقرير بشكل رئيسي مخاوف حقيقية تتعلق بمدى دقة المعلومات التي يشاركها صانعو المحتوى والمؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يعتمد 42 بالمئة من الناس (عينة الدراسة) على شعبية المصادر (عدد الإعجابات والمشاهدات) كمؤشر للمصداقية، مما يشير إلى تفضيل الأشخاص لمعايير مثل القلبول الاجتماعي بدلاً من المصداقية والدقة.
لا يقوم 62 بالمئة من الأشخاص بالتحقق من المعلومات قبل نشرها، ما يعكس حاجة ملحة لتحسين صرامة التحقق الإعلامي قبل النشر لديهم. ويعتمد صانعو المحتوى أيضًا كما الأشخاص غالبًا بحسب التقرير على الثقة الشخصية بالمصدر أو المبدع بدلًا من إجراء تدقيق يعتمد على موثوقية المصدر وصحته.
التجارب الشخصية والمعلومات التي لا تخضع للمراجعة كانت مصدرًا رئيسيًا لصانعي المحتوى
التجارب الشخصية كانت بحسب التقرير هي المصدر الأكثر استخدامًا عند صناعة المؤثرين لمحتواهم، إذ يعتمد عليها 58 بالمئة من صانعي المحتوى. بمعنى أنهم يستمدون أفكارهم وتجاربهم من حياتهم اليومية وقصصهم الشخصية. هذه الطريقة تعطي صدقية عاطفية وإنسانية للمحتوى وتجعله أكثر جاذبية، لكنها قد تفتقر أحيانًا إلى الدقة.
يأتي البحث الشخصي والمقابلات في المرتبة الثانية بنسبة 38.7 بالمئة، هذه الطريقة تُظهر اهتمامًا من بعض المنشئين بجمع المعلومات مباشرة من مصادر متخصصة أو موثوقة. ومع ذلك، تُستخدم المصادر الرسمية مثل التقارير الحكومية أو المراجع الأكاديمية بشكل أقل.
ما العوامل التي تجعل هنالك ارتباطًا بين شعبية المحتوى وصدقيته؟
بحسب بعض النظريات النفسية هنالك دور للعقل الجمعي والعدوى المعلوماتية في منح المحتوى الموثوقية، إذ يميل البشر بطبيعتهم إلى اتباع الجماعة والشعور بالأمان في القرارات التي يتخذها الآخرون. عندما يلاحظ الفرد أن محتوى معينًا يحظى بتفاعل كبير (مثل عدد كبير من الإعجابات والمشاركات)، فإنه قد يفترض تلقائيًا أن هذا التفاعل هو نتيجة لجودة المحتوى أو صدقيته.
هذا النمط من التفكير يقلل من الحاجة للتحقق الشخصي من المعلومات، إذ يعتمد الفرد على الجماعة لإصدار حكم على المحتوى. على سبيل المثال، قد يعتقد المستخدم أن منشورًا عن منتج صحي شائع هو مصدر موثوق فقط لأن آلاف الأشخاص أعجبوا به أو شاركوه، وكتبوا أنهم جربوه.
دور الإشارات الاجتماعية (Social Proof) في تعزيز مصداقية المحتوى
وفقًا لنظرية "الإثبات الاجتماعي"، الأفراد يعتمدون على هذه الإشارات لاتخاذ قرارات حول قيمة المحتوى، خاصة في بيئة مزدحمة بالمعلومات مثل إنترنت اليوم. على سبيل المثال مقاطع الفيديو على يوتيوب التي تحصل على ملايين المشاهدات، تعطي انطباعًا ضمنيًا بأنها تستحق المشاهدة، حتى لو كان محتواها غير دقيق.
الخوارزميات الرقمية والطريقة التي صممت بها مواقع التواصل تعزز التفاعل كمرادف للدقة
تلعب خوارزميات الإنترنت وخاصة تلك التي صممت بها منصات التواصل الاجتماعي دورًا رئيسيًا في تعزيز فكرة أن المحتوى الشائع هو الأكثر موثوقية.
منصات مثل فيسبوك وانستغرام وإكس صممت خوارزمياتها لإعطاء الأولوية للمحتوى الذي يحظى بتفاعل عالٍ. هذا يعني أن المحتوى الشائع يظهر أمام المزيد من المستخدمين، مما يعزز انتشاره. لكن المشكلة تكمن في أن الخوارزميات لا تميز بين المحتوى الموثوق والمضلل، بل تركز فقط على التفاعل. هذا يخلق دائرة مغلقة حيث يؤدي التفاعل إلى مزيد من الانتشار، بغض النظر عن جودة المعلومات.
كيف تضللنا شعبية المحتوى: تأثير العواطف والتلاعب بأرقام الاعجابات
شعبية المحتوى لا تعني دائمًا أنه ذو جودة أو دقة عالية، إذ يمكن أن يكون ذلك خادعًا. غالبًا ما تستغل المعلومات المضللة العواطف الإنسانية مثل الغضب أو الخوف لجذب الانتباه، مما يدفع الناس إلى التفاعل معها بسرعة دون التحقق من صحتها. على سبيل المثال، الأخبار الكاذبة المتعلقة بالقضايا الصحية، مثل العلاجات "السحرية"، تنتشر بسرعة لأنها تلبي احتياجات الجمهور العاطفية بدلاً من تقديم حقائق دقيقة.
إلى جانب ذلك، تعتمد بعض الحسابات على استراتيجيات تقوم على التلاعب لإعطاء المحتوى جاذبية وانتشار أكبر مثل شراء الإعجابات والمشاركات لخلق وهم أن المحتوى ذو مصداقية أو شعبية عالية. على سبيل المثال، بعض الحسابات على منصات مثل إنستغرام تستخدم خدمات مدفوعة لزيادة التفاعل بشكل مصطنع، مما يجعل المحتوى يبدو أكثر مصداقية مما هو عليه في الواقع.
علاوة على ذلك، يعزز الاعتماد على شعبية المحتوى فقط في تقييم جودته من التحيزات النفسية لدى الجمهور. وبحسب الدراسات هذا يدفع الناس بشكل أكبر إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد معتقداتهم وتجاهل تلك التي تخالفها، وهي ظاهرة تُعرف بالانحياز التأكيدي. هذا يجعلهم أكثر عرضة للتفاعل مع الأخبار التي تتماشى مع آرائهم، حتى لو كانت غير دقيقة، مما يعزز انتشار المعلومات الزائفة ويزيد من صعوبة تصحيحها أو تغيير المفاهيم الخاطئة.
اقرأ/ي أيضًا
ألعاب تعتمد السرد القصصي: نموذج جديد لمحاربة التضليل بأساليب ممتعة وعميقة
تبسيط تصحيح المعلومة المضللة يزيد فعالية مكافحتها: منهجية مسبار مثالًا