ظهر تطبيق انستغرام في أكتوبر 2010 ليشكّل منصةً تفاعليّةً تسمح بمشاركة الصور ومقاطع الفيديو ليكوّن بذلك منصة اتصال بصريّ، ضمن مجموعة منصاتٍ أخرى تعمل ضمن منظومة الفضاء الرقميّ أهمها "فيسبوك وتويتر". تشير إحصائيات موقع انستغرام الرسميّة أنّ عدد مستخدمي التطبيق الفاعلين شهرياً بلغ حوالي 1 مليار مستخدم، حتى يناير 2020، بينما يبلغ عدد مستخدمي ميزة القصص المؤقتة (Ephemeral Stories) حوالي 500 مليون مستخدماً. وبواقع 100 مليون صورةً يومياً، استطاع "انستغرام" التقدم ليصبح ثالث أكثر تطبيق استخداماً بعد موقعي فيسبوك وتويتر لأغراض الأعمال والأخبار سواءً من قبل حسابات رجال الأعمال (Businesses) أو من قبل وكالات الأخبار والصحفيّين المواطنين (Citizen Journalists). مكّن هذا الإقبال المضطرد على موقع انستغرام من تحويله من مجرد منصة تبادل صور إلى منصةٍ إخباريّةٍ شأنها شأن "فيسبوك وتويتر" في توجيه الرأي العام وتوزيع مصادر الأخبار. ما يهم هنا أنّ موقع انستغرام استطاع خلال السنوات الأربع الماضية المساهمة في تعزيز توزيع مصادر الأخبار ومنع احتكارها من قبل الإعلام التقليديّ. تأتي هذه النقلة بعد عدة خطوات إصلاحيّة على مستوى بنية التطبيق وإعداداته من حيث إدخال خاصية الوسمHashtag)) وخاصية الإشارة (Mention) بعد أنْ كانت فقط على موقعيّ تويتر وفيسبوك لفترةٍ طويلة، الأمر الذي جعل التطبيق مساحةً لتداول الأخبار المسجّلة والمصوّرة والنصيّة.
ساهم موقع انستغرام بعد عام 2016 في إتاحة المجال أمام المستخدمين لممارسة دور الصحفيّ المراسل بعد أنْ أعادت هذه المنصة تعريف الممارسات اليوميّة للصحافة والمعايير الصحفيّة من ناحية إلغاء الحدود بين وسائل الإنتاج الصحفيّ والاستقبال من طرف المستخدمين. يأتي إلغاء هذه الحدود بعد أنْ انتقل المستخدمون من نموذج الإبرة تحت الجلد(Hypodermic Needle) الذي يمارسه الإعلام التقليديّ الرسميّ، إلى نموذج الاستخدام والتفضيلات(Uses and Gratifications) الذي يُمكن تطبيقه على استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ. ما أدّى إلى جعل المستخدمين يقررون أنفسهم ما يرغبون باستقباله، وتوزيعه بناءً على حاجاتهم واهتماماتهم.
عزّزت مركزيّة وسائل التواصل الاجتماعيّ قدرة المستخدمين على الاندماج مع المعلومات الواردة إليهم وتبنّيها أو رفضها بحسب ما تؤول إليه الأحداث الجارية في العالم، وهذا ما حدث فعلاُ بعد عام 2011 الذي شكل نقلةً نوعيّةً في طريقة التعاطي مع الأخبار الواردة من الشارع العربيّ، في دليلٍ على استبدال المنطق الإعلاميّ التقليديّ للإعلام الجماهيريّ بمنطق وقواعد التواصل الاجتماعيّ، بحيث أصبحت معايير قنوات مثل موقع انستغرام وقبله موقعي فيسبوك وتويتر مقياساً لنجاح الخبر في تشكيل الرأيّ العام. يتطلب موقع انستغرام عبر خاصية القصص المؤقّتة تحوير طرق توزيع الأخبار ونقلها إلى بيئةٍ أكثر دقة ومباشرة، لتنضم قصص النشطاء والمواطنين العاديين إلى النسق الصحفيّ الجديد المتمثل برؤيةٍ دون تعديل أو ما يمكن تسميته فلترة (Filtering). وبفعل خاصيّة القصص المؤقتة، بات المستخدمون ميّالين أكثر إلى نوعٍ من الاستهلاك المؤقت (Ephemeral Consumption) باعتبار ما يتناسب مع الوقت الراهن وهو قضاء وقتٍ أقل في متابعة الأخبار. قصر مدة القصة، 15 ثانية لكل وِحدة، والتصميم المتقن والتقسيم وقابلية الاجتزاء وعرض فكرة أو أكثر في كل وِحدة، كلها جعلت من القصص المؤقتة مساحةً يُعتمد عليها في نشر الأخبار وتكوين وسوم (Hashtags) تُساهم في توجيه الرأي العام في مدةٍ زمنيّةٍ قصيرةٍ تضمن وصولاً سريعاً لأكبر عدد من المتابعين والمستخدمين. وإنْ كانت بعض الحسابات التي تفعل هذه الوسوم عبر قصصها خاصّة، إلّا أنّ ما يُعوّل عليه في نشر الأخبار هو الحسابات العامّة (Public Accounts) التي تبرز بحسب الاهتمامات. أدّى موقع انستغرام وظيفة حيويّة في توثيق أحداث انفجار مرفأ بيروت قبل أسابيع، وتم الاعتماد على القصص المؤقتة في تداولٍ سريعٍ للمشاهد الأولى للحدث. بغض النظر عن وجود منشوراتٍ تنقل هذه الفيديوهات، إلّا أنّه جاءت بعد أنْ تداول اللبنانيون ذات التسجيلات عبر قصص حساباتهم لمدة ساعتين إلى ثلاثة.
انتبهت المؤسسات الإعلاميّة والصحف العالميّة إلى أهمية موقع انستغرام على اعتبار أنّ 65% من مستخدميه هم من فئة الشباب، وجنحت إلى تطوير استراتيجيّة إعلاميّة تتناسب مع متطلبات الجمهور على موقع انستغرام. تأسّس حساب "بي بي سي" أواخر عام 2011 والذي يُعدّ مصدراً أوليّاً للأخبار لحوالي 14.5 مليون متابعٍ بتقنيات وقدرة تصميم صُوريّة وبصريّة عالية الدقة أنتجت 10700 منشور إخباريّ وحوالي 10500قصة إخباريّة في شريط القصص البارزة (Highlights). وتشترك صحيفة "الغارديان" البريطانيّة التي انضمّت إلى موقع انستغرام منتصف عام 2012 ب 50% من متابعيها مع " بي بي سي" لتشكّل قاعدةً إخباريّةً ثانية لأكثر من 3.6 مليون متابع بواقع 5773 منشوراً بين صور و تسجيلات و فيديوهات طويلة IGTV، وبمعدل وسطي 27500 إعجاب.
هذا الإقبال ساعدها في رفد الصحيفة الورقيّة والموقع الالكترونيّ بمتابعين و قرّاء، مستفيدة الصحيفة من خاصيّة السحب للأعلى Swipe Up)) الموجودة في القصص والقادرة على قيادة المتابعين حتماً إلى المقالات الموجودة في الموقع، ما يزيد نسبة مشاهدة المقالات و التقارير المصورة والإعلانات التجاريّة. كل هذه الميّزات الجديدة في قصص موقع انستغرام ساهمت في فتح آفاق جديدة على مستوى الإعلام وتداول الأخبار.
أضاف موقع انستغرام خاصية البثّ المباشر ضمن مساحة القصص مع قابلية التعليق في صيغة تفاعل جديدة تتيح للمستخدم التواصل مباشرة مع المقدّم، والذي يمثل صاحب الحساب غالباً أو ضيوفه، الأمر الذي يؤسّس لنموذج إخباريّ جديد بعيد عن نمطيّة البثّ المباشر من الإعلام التقليديّ. تستخدم قناة "روسيا اليوم بالعربية RTA" التي انضمت إلى موقع انستغرام في نوفمبر 2015 البثّ المباشر في إيصال الخبر لحوالي 1.4 مليون متابعٍ مع تقديم تقنياتٍ تفاعليّة مثل نموذج "سؤال-جواب" والاستبيانات في القصص المؤقّتة، لتتيح تفاعلاً أكبر للمتابعين. التفتت هذه المواقع إلى القصص كون النسق الإعلاميّ الحالي يتجه نحو المحتوى الالكترونيّ القصير كما الحال في مواقع فيسبوك وتويتر، وتيك توك ولايكي وسناب شات، وبالتالي تُسهّل عملية المشاركة الحيّة.
لم يخطط موقع انستغرام في أغسطس 2016 حين أطلق ميزة القصص المؤقّتة لجعلها مجالاً إخبارياً، لكن تطور النسق الإعلاميّ واستراتيجيات النشر جعل منها مساحة لا يُستهان بها من قبل النشطاء والصحفيّين المواطنين وصنّاع المحتوى حول العالم. تعد القصص المؤقّتة في موقع انستغرام أهم مصدر إخباريّ سمع-بصريّ عام 2020، كونها سهّلت عملية صنع المحتوى وتقديمه ضمن تعديلاتٍ أساسيّة من إضافة نصوص إلى فلترة إلى قابلية القصّ والتخزين ضمن شريط القصص البارزة حتى تكون مرجعاً للمتابعين الجدد.
في حدّ أقصى خمسة عشر ثانية، مدة القصة، يستطيع المستخدم نشر أخبار تعتمد على مبدأ لفت الانتباه، عبر التركيز على العواطف التي تناسب المتابعين، إذ أنّ صانع المحتوى على درايةٍ بماهيّة متابعيه ورغباتهم بناءً على المحتوى الخاص به. يجب التركيز هنا على أنّ الحسابات المفتوحة هي الأسرع والأكثر قدرة على الوصول لمجموعٍ كبيرٍ من المستخدمين ومتابعي الوسم المطبّقة على القصص. ويعمل موقع انستغرام بعد 2016 ضمن سياسة تجميع القصص التي تحمل وسماً معيناً حول حدثٍ محدّد في قصةٍ تتسع لمئة مشارك في هذا الوسم، كما حصل مؤخراً مع وسم #من_قلبي_سلام_لبيروت. وعلى تنوع الأحداث والأخبار من عارضة إلى حالية إلى رأيّ عام، فإنّ القصة تنتهي مهما كان محتواها، تنتهي بعد مرور أربع وعشرون ساعة من تاريخ تحميلها، لتتيح مجالاً أمام قصص أخرى لا تتجاوز المئة ضمن سمة الاستهلاك المباشر والعارض. ويختار المتابعون إمّا الرد على القصص وتقييم الأخبار الواردة فيها إنْ أتاح المستخدم المجال أمام ذلك عبر خاصيّة المشاركة أو التعليق أو في حال طرح أسئلة أو استبياناتٍ متعلقة بالخبر.
المصادر:
Analyzing Instagram statistics for The Guardian https://www.trackalytics.com/instagram/profile/guardian/.
BBC NEWS certified Instagram account https://www.instagram.com/bbcnews/?hl=en
Instagram by the Numbers: Stats, Demographics & Fun Facts https://www.omnicoreagency.com/instagram-statistics/
RT Arabic certified Instagram account https://www.instagram.com/rtarabic_ru/?hl=en
The Guardian certified Instagram account https://www.instagram.com/guardian/?hl=en