شهدت الهند أكبر انتخابات عامة في تاريخها في الفترة ما بين يوم 19 إبريل/نيسان إلى الأول من يونيو/حزيران من العام الجاري، إذ توجه الناخبون لاختيار أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 543 عضوًا. وأُعلن عن نتائج الانتخابات في الرابع من يونيو الفائت، وفاز التحالف الوطني الديمقراطي (NDA) بزعامة حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) بـ293 مقعدًا، بينما حصل تحالف المعارضة الوطني الشامل (INDIA) بقيادة حزب المؤتمر الوطني الهندي (INC) على 234 مقعدًا.
وقد بلغ عدد المؤهلين للتصويت أكثر من 968 مليون مواطن، شارك منهم 642 مليون ناخب، بينهم 312 مليون امرأة، مسجلةً أعلى نسبة مشاركة نسائية على الإطلاق. ورغم هذه المشاركة القياسية، شابت العملية الانتخابية حملات تضليل وخطاب كراهية استهدف بشكل أساسي الأقلية المسلمة في البلاد. وانتقدت منظمات حقوقية عديدة، أبرزها "هيومن رايتس ووتش"، تجاهل السلطات لخطاب الكراهية وتصاعد العنف الطائفي، مشيرة إلى أنّ الحكومة الحالية اعتمدت بشكل متزايد على الخطاب المعادي للأقليات كوسيلة لتعزيز تأييد الأغلبية الهندوسية خلال العملية الانتخابية.
دور زعماء حزب بهاراتيا جاناتا في تأجيج الكراهية ضد المسلمين
منذ وصوله إلى السلطة عام 2014، عمل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحزب بهاراتيا جاناتا على الترويج لأجندة قومية هندوسية، مشددين على مزاعم بأن المسلمين يشكلون تهديدًا للأمن القومي. وخلال حملته الانتخابية لعام 2024، ألقى مودي 173 خطابًا تضمنت 110 عبارات معادية للإسلام، وفقًا لتقرير "هيومن رايتس ووتش". إذ صور مودي المسلمين في خطاباته على أنهم "خطر" يهدد الهندوس، واصفًا إياهم بـ "المتسللين" الذين يهددون التركيبة السكانية، مما أثار المخاوف والشكوك بين المواطنين الهندوس، الذين يمثلون نحو 80% من سكان الهند.
وأشارت إيلين بيرسون، مديرة قسم آسيا في هيومن رايتس ووتش، إلى أنّ مودي وقيادات حزب بهاراتيا جاناتا تعمدوا نشر معلومات كاذبة حول المسلمين والأقليات في خطاباتهم الانتخابية. وأضافت أنّ هذه الخطابات تضمنت تصريحات تحريضية، زعمت أنّ المعارضة تسعى لسحب الامتيازات الدستورية الممنوحة للفئات المهمشة، مثل الداليت والقبائل، ومن ثم منحها للمسلمين. وفي خطاب ألقاه مودي في ولاية ماديا براديش، ادّعى أنّ حزب المؤتمر المعارض يخطط لمنح "الحق الأول" في العيش في الهند للمسلمين، مما أسهم في تأجيج مشاعر الكراهية لدى الهندوس ضد المسلمين.
ولم يقتصر الأمر على مودي وحده، فقد شاركت قيادات بارزة أخرى في حزب بهاراتيا جاناتا في نشر هذه الخطابات التحريضية، وكان من بينهم وزير الداخلية أميت شاه، ورئيس وزراء ولاية أوتار براديش أديتياناث، ورئيس وزراء ولاية آسام هيمانتا بيسوا سارما. أكد هؤلاء القادة، في تصريحاتهم، على أهمية "حماية" الهند من "الخطر الإسلامي" المزعوم. ففي أحد خطاباته الانتخابية، اتهم أديتياناث حزب المؤتمر بالسعي لفرض الشريعة الإسلامية في البلاد، وهدد بأنّ من يتبع "طريق المغول" سيُدفن "تحت الجرافات".
وندد أيضًا حزب بهاراتيا جاناتا بما أطلق عليه "جهاد الحب"، وهي نظرية مؤامرة، تزعم أنّ الرجال المسلمين يتعمدون إغواء النساء الهندوسيات للزواج منهن بهدف تحويلهن إلى الإسلام. وقد ساهمت هذه المزاعم في دفع العديد من الولايات إلى سن قوانين مناهضة للتحول الديني.
انتهاكات وجرائم ضد المسلمين
اتبعت بعض السلطات في الولايات التي يسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا سياسات متحيزة أخرى، ففي ولاية ماديا براديش، أقدمت السلطات على هدم 11 منزل يعود لمواطنين مسلمين، تحت ذريعة الاشتباه بحيازتهم لحوم الأبقار. وفي العاصمة دلهي، أقدمت السلطات على هدم مسجدين دون سابق إنذار، ما أثار احتجاجات واسعة.
وفي يونيو/حزيران 2024، قتلت جماعة "حماية الأبقار" ثلاثة رجال مسلمين في ولاية تشاتيسجار، متهمة إياهم بنقل الماشية. وفي حادثة أخرى في ولاية أوتار براديش، تعرض رجل مسلم يُدعى محمد فريد للضرب حتى الموت بدعوى محاولته السرقة، بينما دافع نواب من حزب بهاراتيا جاناتا عن الجناة علنًا. كما تعرض المسلمون لهجمات منظمة خلال عيد الأضحى، ففي ولاية تيلانجانا، اقتحم حشد هندوسي مدرسة إسلامية بزعم ذبح الحيوانات، بينما هاجمت جماعة "حماية الأبقار" منزل عائلة مسلمة في ولاية أوديشا وصادرت اللحوم الموجودة فيه.
لم تقتصر الاعتداءات على المسلمين فقط، بل تصاعدت الهجمات ضد المسيحيين، والداليت، والسيخ في السنوات الأخيرة. وشملت هذه الاعتداءات تخريب الكنائس، والاعتداء على القساوسة، واستخدام قوانين التحول الديني لقمع العلاقات بين الأديان، خاصة تلك التي تضم مسلمين ومسيحيين. وامتد خطاب الكراهية ليشمل اللاجئين المسلمين من أقلية الروهينجا الفارين من الإبادة الجماعية في ميانمار.
فمنذ عام 2017، شن قادة وجماعات قومية هندوسية حملات ممنهجة ضد هؤلاء اللاجئين، واصفين إياهم بـ"الإرهابيين"، ما أدى إلى سلسلة من الاعتداءات وحرق المنازل في مناطق مثل جامو ودلهي. وقد اعتبرت حكومة حزب بهاراتيا جاناتا لاجئي الروهينغا "تهديدًا للأمن القومي"، وتوعدت بترحيلهم. ومن بين الحوادث التي تعرضت لها، حرق نحو 50 منزلًا للروهينغا في دلهي عام 2018، حيث أشاد قيادي في جناح الشباب بالحزب بهذا الفعل، واصفًا إياه بأنه "خطوة تستحق الثناء".
دور الحسابات اليمينية الهندية في نشر الكراهية ضد المسلمين الفلسطينيين
شهدت منصات التواصل الاجتماعي انتشارًا واسعًا لمعلومات مضللة عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2023، إذ لعبت فيها حسابات يمينية هندية دورًا رئيسيًا. تضمنت هذه المعلومات ادعاءات زائفة، منها أن حركة حماس اختطفت رضيعًا يهوديًا وقطعت رأس طفل صغير، بالإضافة إلى مزاعم بأن الهجوم كان جزءًا من عملية نفسية بقيادة الولايات المتحدة. تم الترويج لهذه الأكاذيب عبر حسابات موثقة على منصة إكس، ما ساهم في تعزيز انتشارها وتأثيرها.
من بين الأمثلة البارزة على هذا التضليل، قيام حساب يحمل اسم "السيد سينها" بنشر مقطع فيديو كاذب يُظهر صبيًا يُزعم أنه يتعرض للذبح على يد حركة حماس، مرفقًا بهاشتاج #الإسلام_هو_المشكلة. وقد كشف تقرير صادر عن المجلس الإسلامي في ولاية فيكتوريا في أستراليا أنّ غالبية المنشورات المعادية للإسلام على الإنترنت تعود أصولها إلى الهند. استغل أصحاب الخطاب المعادي للإسلام مأساة الفلسطينيين لتعزيز أجنداتهم، ويُنسب جزء كبير من هذا الخطاب إلى ما يُعرف ب"خلية تكنولوجيا المعلومات" التابعة لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند، والتي تُتهم بتأجيج الكراهية بشكل متعمد.
أشار براتيك سينها، مؤسس موقع ألت نيوز AltNews الهندي للتحقق المعلوماتي، إلى أنّ الهند أصبحت مركزًا عالميًا للتضليل الإعلامي، وأوضح قائلاً "مع تصدير الهند لجهات فاعلة في مجال التضليل الإعلامي لدعم إسرائيل، نأمل أن يدرك العالم كيف حوّل اليمين الهندي بلادنا إلى عاصمة التضليل في العالم".
من جهتها، أكدت خدمة "بوم"، إحدى أبرز خدمات التحقق في الهند، أنّ العديد من المستخدمين الهنود الذين يمتلكون حسابات موثقة كانوا في طليعة حملة تضليل تستهدف الفلسطينيين. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، نُشر مقطع فيديو مزيف يُظهر مزاعم كاذبة عن تعرض فتيات صغيرات للاغتصاب على يد فلسطينيين. حقق هذا الفيديو انتشارًا واسعًا، وحظي بأكثر من ستة ملايين مشاهدة، وكان معظم المشاركين في نشره من الهند.
أثار أديتيا راج كول، الصحفي الهندي المعروف بآرائه المؤيدة لحزب بهاراتيا جاناتا، جدلًا واسعًا على منصة إكس بعد نشره ادعاء كاذبًا عن حركة حماس، مفاده أنّ حماس قامت بتشريح امرأة حامل، مما أدى إلى مقتل جنينه، وحقق المنشور انتشارًا واسعًا، حيث حصد أكثر من 10.7 مليون مشاهدة، وحصل على أكثر من 15,000 إعادة نشر.
لم تكن هذه المرة الأولى التي تُتهم فيها الحسابات اليمينية الهندية بتعزيز الإسلاموفوبيا، إذ كشفت الصحافية سواتي شاتورفيدي في كتابها "أنا متصيدة" عن شبكة تنظم حملات تستهدف الأصوات الناقدة وتروّج لخطابات الكراهية. كما وثّق تقرير صادر عن مؤسسة The London Story (TLS) استخدام حزب بهاراتيا جاناتا لمصطلح "جهاد التصويت" خلال الحملات الانتخابية.
ووفقًا للتقرير، نشر الحزب وحساباته المرتبطة على فيسبوك، الذي يتابعه 19 مليون شخص، ما لا يقل عن 21 منشورًا في مارس/آذار الفائت، و33 منشورًا في إبريل يحمل ادعاءات بأنّ المسلمين يسعون للتأثير على نتائج الانتخابات من خلال "جهاد التصويت".
وفي سياق مشابه، أصدرت منظمة فيشوا هندو باريشاد القومية الهندوسية بيانًا مسجلاً، وصف فيه أحد المتحدثين المسلمين الهنود بأنهم "جهاديون" يسعون ل"جهاد التصويت"، مما يسهم في تضليل الرأي العام بهدف تهميش 200 مليون ناخب مسلم وحرمانهم من حقوقهم الانتخابية. ووصفت ريتومبرا مانوفي، المديرة التنفيذية ذا لندن ستوري TLS، استخدام حزب بهاراتيا جاناتا لمصطلحات مضللة مثل "الجهاد" لأنه يمثل تهديدًا خطيرًا يهدف إلى التأثير على صنع السياسات وحشد التأييد للمواقف المعادية للمسلمين.
تورط شركة ميتا الأميركية في نشر الإعلانات السياسية التحريضية خلال الانتخابات الهندية
كشف تقرير نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية عن موافقة شركة ميتا، المالكة لفيسبوك وانستغرام، على سلسلة من الإعلانات السياسية التي تم التلاعب بها باستخدام الذكاء الاصطناعي خلال الانتخابات الهندية. هذه الإعلانات التي نشرت معلومات مضللة ودعت إلى العنف الديني تضمنت عبارات مسيئة ومعادية للمسلمين، مثل "دعونا نحرق هذه الحشرات" و"يجب حرق هؤلاء الغزاة". كما ظهر في إعلان آخر دعوة لإعدام زعيم معارضة بزعم أنه يسعى "لمحو الهندوس من الهند"، مع صورة لعلم باكستان.
أرسلت هذه الإعلانات إلى مكتبة إعلانات ميتا بواسطة منظمتي India Civil Watch International (ICWI) وEkō، وهي منظمات مختصة بمساءلة الشركات، لاختبار قدرة ميتا على كشف المحتوى السياسي الضار خلال الانتخابات.
وعلى الرغم من أنّ جميع هذه الإعلانات تم إنشاؤها بناءً على خطاب الكراهية، وافقت Meta على 14 من أصل 22 إعلانًا مقدمًا، حتى أنّ بعض الإعلانات المعتمدة تضمنت صورًا تم التلاعب بها بواسطة الذكاء الاصطناعي، وهو ما أخفقت ميتا في اكتشافه رغم تعهدها بمنع انتشار مثل هذا المحتوى. وصرح حماد، الناشط في منظمة Ekō، بأنّ Meta تستفيد ماليًا من انتشار خطاب الكراهية عبر منصاتها، مما يدفع المتطرفين إلى استغلالها لنشر نظريات المؤامرة والتحريض على العنف ضد الأقليات. وأشار إلى أنّ الشركة لا تتخذ أي خطوات جدية لمنع هذه الممارسات.
أحد الإشكاليات الأساسية التي كشفتها التحقيقات هي أنّ ميتا فشلت في إدراك الطابع السياسي للإعلانات ال 14 المعتمدة، إذ ينصّ قانون الشركة على أن الإعلانات السياسية تحتاج إلى ترخيص خاص قبل نشرها، وعدم الالتزام بهذا الإجراء يعد خرقًا محتملًا لقوانين الانتخابات الهندية التي تحظر جميع الإعلانات السياسية في الساعات الـ48 التي تسبق الاقتراع. وأكدت ميتا في ردها على التقرير، بأنّ الإعلانات السياسية على منصاتها يجب أن تلتزم بعملية الترخيص، وأي محتوى ينتهك سياساتها تتم إزالته.
ورغم تأكيد نيك كليج، رئيس الشؤون العالمية في ميتا، أنّ الانتخابات الهندية مثلت "اختبارًا ضخمًا" للشركة، وأنها استعدت لعدة أشهر لمواجهة التحديات المرتبطة بها، إلا أنّ التحقيقات أظهرت أن جهود ميتا، التي تضمنت توسيع شبكة مدققي الحقائق المحليين لتغطية أكثر من 20 لغة هندية، لم تكن كافية لمنع انتشار المحتوى التحريضي والمضلل. كما أظهرت النتائج أن أنظمة ميتا غير مجهزة بشكل كافٍ لاكتشاف الصور المعدلة باستخدام الذكاء الاصطناعي، مما يثير تساؤلات حول مدى جاهزيتها للتعامل مع تحديات مشابهة في انتخابات أخرى حول العالم.
اقرأ/ي أيضًا
لماذا تصدر الكثير من المعلومات المضلّلة حول فلسطين من الهند؟