أصدر المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي (حملة)، اليوم الثلاثاء 12 نوفمبر/تشرين الثاني، تقريرًا جديدًا بعنوان "احذف القضية: شهادات الموظفين في قطاع التكنولوجيا حول قمع المناصرة الفلسطينية في مكان العمل".
يستعرض التقرير شهادات لموظفين حاليين وسابقين في شركات تكنولوجية كبرى، مثل ميتا، غوغل، باي-بال، ومايكروسوفت، تتناول القيود التي يواجهونها في دعم الحقوق الفلسطينية ضمن بيئة العمل.
ويضم التقرير 25 شهادة تكشف عن سياسات رقابية وتمييزية يتعرض لها الموظفون المناصرون للقضية الفلسطينية، حيث تُزال أو تُحجب المحتويات الداعمة للحقوق الفلسطينية بشكل غير متناسب مقارنة بالمحتوى المؤيد لإسرائيل، مما يعكس تحيزًا واضحًا ويبرز وجود نمط منهجي يقمع هذا الدعم من خلال سياسات تمييزية تُطبّق داخل شركات التكنولوجيا.
يأتي التقرير في ظل تصاعد الرقابة على المحتوى الفلسطيني عبر منصات التواصل، منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، مشيرًا إلى تقارب مواقف هذه الشركات مع السياسات الأميركية في المنطقة. كما يدعو التقرير المجتمع المدني والنقابات إلى تقديم الدعم القانوني للموظفين، ويحُثّ الجهات الحكومية على ضمان إدارة عادلة للمحتوى الرقمي.
تواطؤ شركات التكنولوجيا الكبرى في تفاقم الانتهاكات ضد الفلسطينيين
أفاد تقرير حملة بأنه، على الرغم من التوثيق الواسع للفظائع الحالية في فلسطين، والتزامات شركات التكنولوجيا الكبرى بتقليل الأضرار، خاصة في المناطق التي تشهد مستويات مرتفعة من العنف والإبادة الجماعية، إلا أن تلك الشركات لا تزال متورطة بشكل كبير في تفاقم الأوضاع، وفقًا لشهادات موظفين في القطاع التكنولوجي.
إذ تكشف الشهادات عن مستويات مختلفة من التواطؤ، خاصة في التعامل مع الحرب الجارية على قطاع غزة والانتهاكات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، ويشمل هذا التواطؤ عدة طرق، منها السماح بانتشار خطاب الكراهية والمحتوى العنيف والدعاية والمعلومات المضللة على منصاتها، واتخاذ إجراءات قمعية مثل إغلاق حسابات أو فرض سياسات صارمة على المحتوى المتعلق بفلسطين أو المكتوب باللغة العربية مقارنةً بقضايا ثقافية أو نزاعات أخرى، إضافة إلى فرض الرقابة على الموظفين الداعمين لحقوق الفلسطينيين، وتقديم خدمات مباشرة لدعم الاقتصاد الإسرائيلي، بما يشمل تقنيات تُستخدم في المراقبة والتقنيات العسكرية، مما يزيد من حدة العنف على الأرض.
انحياز ميتا وتقييدها لدعم الحقوق الفلسطينية
يستعرض التقرير دور شركة ميتا في تقييد حرية التعبير ودعم الحقوق الفلسطينية في مكان العمل، استنادًا إلى شهادات لموظفين حاليين وسابقين. يشير التقرير إلى أن ميتا – التي تمتلك فيسبوك وإنستغرام وواتساب وثريد– تتبنى سياسات رقابية صارمة على المحتوى المتعلق بفلسطين، بينما تسمح بمرور محتويات أخرى داعمة لإسرائيل، مما يعكس تحيزًا واضحًا. كما أشار التقرير إلى أن الشركة تتخذ إجراءات تأديبية ضد الموظفين المناصرين لفلسطين، من خلال اتهامهم بانتهاك "إرشادات المجتمع" أو "التسبب في إزعاج غير مناسب لمكان العمل"، بدلًا من تأديبهم لأسباب مرتبطة بشكل مباشر بدعمهم لفلسطين.
كما يبرز التقرير كيف واجه الموظفون الداعمون للقضية الفلسطينية صعوبات داخلية، حيث تم قمع تعبيراتهم في المجموعات الداخلية، مثل @Palestinians، و@Muslims، وتم حذف حتى المنشورات التي لا تتضمن دعوات صريحة، مثل التعازي أو التضامن مع الشعب الفلسطيني.
ووفقًا للتقرير، تخضع هذه المجموعات لرقابة صارمة منذ بدء الحرب على غزة، حيث يتم حذف التعليقات الداعمة لفلسطين بشكل مستمر، بينما يتم السماح بمختلف التعليقات المؤيدة لإسرائيل.
وفي سياق التعامل مع الأحداث السياسية، أشار الموظفون إلى أن ميتا تتعامل بمعايير مزدوجة، إذ تفرض رقابة صارمة على المنشورات المتعلقة بفلسطين، بينما توفر دعمًا واسعًا لأحداث مثل الغزو الروسي لأوكرانيا، وتتيح للموظفين التعبير بحرية في مثل هذه القضايا. وفقًا للتقرير، تستعين الشركة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لقمع المحتوى الداعم لفلسطين، بينما لا تُطبق المعايير نفسها على المحتوى المؤيد لإسرائيل، مما يعكس تواطؤًا مؤسسيًا عميقًا وممنهجًا في قمع المناصرة الفلسطينية.
استثمارات داعمة لإسرائيل وتضييق على المناصرة الفلسطينية
تُظهر شركة ميتا موقفًا داعمًا للاقتصاد الإسرائيلي من خلال استثماراتها وتدخلاتها، مما يعكس تحيزًا واضحًا، ووفقًا لشهادات من موظفين حاليين وسابقين، أشار التقرير إلى أن بعض القيادات العليا في ميتا قد عقدت شراكات ووطّدت علاقات قوية مع الحكومة الإسرائيلية، مما يعزز نفوذ الشركة في السوق الإسرائيلي.
على سبيل المثال، تبرع الرئيس التنفيذي للشركة، مارك زوكربيرغ، بمبلغ 125 ألف دولار أميركي لمنظمة "زاكا" بعد الحرب، وهي منظمة إسرائيلية تعتبر مصدرًا رئيسيًا لمعظم المعلومات المضللة التي استُخدمت لتبرير ما وصفته الإبادة الجماعية في غزة، والترويج لمزاعم غير مؤكدة عن قطع رؤوس الأطفال والاغتصاب خلال عملية طوفان الأقصى.
ازدواجية غوغل في دعم العدالة الاجتماعية
تسلط الشهادات الضوء على ازدواجية شركة غوغل فيما يتعلق بالتزاماتها بالإنصاف والعدالة الاجتماعية، فبالرغم من تجديد الشركة التزامها بمكافحة العنصرية بعد حركة "حياة السود مهمة" في عام 2020 وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إلا أنها واجهت انتقادات بسبب قمع التعبيرات المتعلقة بفلسطين على منصات العمل الداخلية ومنصة Dory Q&A.
و تأتي هذه الانتقادات في إطار حملة "لا تكنولوجيا للفصل العنصري" التي أطلقها أكثر من 1000 موظف في غوغل وأمازون لمعارضة مشروع "نيمبوس" (Nimbus) – عقد بقيمة 1.22 مليار دولار لتوفير التكنولوجيا السحابية للحكومة والجيش الإسرائيلي.
تمييز ضد المحتوى الفلسطيني في يوتيوب
يشير تقرير يتضمن محادثات مع موظف في يوتيوب إلى وجود تمييز في سياسات المنصة تجاه المحتوى المتعلق بفلسطين، خصوصًا في ظل الحرب على غزة، ويتناول التقرير دور يوتيوب في نشر الدعاية الإسرائيلية وتحيزها ضد المحتوى الفلسطيني عبر فرض قيود على تحقيق الأرباح وتقييد المحتوى المنتقد للانتهاكات الإسرائيلية.
ويكشف الموظف أن يوتيوب تتبع معايير مزدوجة في الرقابة؛ إذ تُطبّق سياسات صارمة على المحتوى الفلسطيني، بينما يتم التعامل مع محتوى روسيا وأوكرانيا بمعايير أقل تشددًا، مما يشير إلى تحيز المنصة لصالح الرواية الإسرائيلية.
سياسات "باي بال" التمييزية الداعمة لإسرائيل
ويضيف التقرير أن شركة "باي بال" تتبع ممارسات تمييزية تجاه الفلسطينيين، إذ تمنع الشركة المستخدمين في الضفة الغربية وغزة من الوصول إلى خدماتها، باستثناء الفلسطينيين في القدس الشرقية الذين يمتلكون حسابات بنكية إسرائيلية. بالمقابل، توفر "باي بال" خدماتها للمستخدمين الإسرائيليين في المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية.
كما يذكر التقرير أن موظفي الشركة أشاروا إلى حذف “باي بال” لأي تعليق أو محتوى يتعلق بفلسطين، بحجة أن هذه المحادثات لا تُجرى في "المنبر الملائم". ويشير التقرير أيضًا إلى أن الشركة أرسلت رسالة إلى جميع الموظفين بعد فترة قصيرة من بدء الحرب على غزة، تحثهم فيها على التواصل بلطف مع زملائهم الإسرائيليين، إلى جانب تنظيم حملات تبرع ودعم للمنظمات الإسرائيلية.
دعم شركة آبل لإسرائيل خلال الحرب على غزة
أما بالنسبة لشركة آبل، تشير الشهادات في التقرير إلى تمييز واضح من قبل الشركة ضد الموظفين المؤيدين لفلسطين، وأبرزها شهادة طارق، موظف سابق من أصل فلسطيني، تم فصله في يونيو 2024 بعد تنظيمه لحملة "Apple4Ceasefire" التي طالبت بوقف الدعم غير المتوازن لإسرائيل.
ووجهت الشركة دعوات للتعاطف مع الإسرائيليين فقط بعد بدء الحرب على غزة، في حين أغلقت القنوات الإسلامية واليهودية على منصة Slack إثر تدفق الشكاوى. كما دعمت آبل جماعات إسرائيلية يمينية عبر برنامج Benevity، الذي يتيح للموظفين التبرع لمنظمات تدعم المستوطنات غير القانونية. ورغم إيقاف بعض هذه التبرعات، لا تزال هناك قنوات مفتوحة لدعم الجيش الإسرائيلي.
سياسات مايكروسوفت ولينكد إن في دعم إسرائيل
كشفت شهادات موظفين حاليين وسابقين في شركتي مايكروسوفت و "لينكد إن" عن تذمر داخلي إزاء سياسات الشركتين المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وخاصة بعد الحرب على غزة، في مقابل دعم واضح لإسرائيل.
ووفقًا لهذه الشهادات، يواجه الموظفون قيودًا على التعبير عن تضامنهم مع الفلسطينيين عبر منصات التواصل الداخلي، مثل Viva Engage، حيث تم تقييد المشاركات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وإغلاق بعض القنوات الداخلية لمنع النقاش حولها.
كما أوضح أحد موظفي مايكروسوفت أنه لاحظ إفراطًا في الإشراف على المحتوى المتعلق بالفلسطينيين، مقابل غياب الرقابة على المحتوى الداعم لإسرائيل. وفي بيان للشركة، أكدت مايكروسوفت دعمها لإسرائيل، وشجعت التبرعات لصالحها.
انتقادات داخلية في سيسكو بسبب سياساتها تجاه القضية الفلسطينية
بينما واجهت شركة سيسكو انتقادات داخلية من موظفيها بسبب سياساتها تجاه القضية الفلسطينية، إذ اعتبر الموظفون المؤيدون لفلسطين أن الشركة تتبنى تحيزًا واضحًا عبر تقييد مبادراتهم وتعبيرهم عن التضامن مع فلسطين. أسس الموظفون مجموعتين داخليتين؛ الأولى "الشبكة الفلسطينية في سيسكو" لدعم الموظفين الفلسطينيين، والثانية "جسر إلى الإنسانية" لتوفير الموارد والدعم للمهمشين ومشاركة رسائل مفتوحة حول القضية الفلسطينية. ورغم جمع أكثر من 1,700 توقيع على رسالة تدعو سيسكو إلى سحب استثماراتها من الجيش الإسرائيلي، أغلقت إدارة الشركة المبادرة بعد تلقيها شكاوى من موظفين مؤيدين لإسرائيل وصفوا الرسالة بأنها "مثيرة للانقسام".
اقرأ/ي أيضًا
كيف تسهم شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل وأمازون في دعم الجيش الإسرائيلي خلال حربه على غزة؟
وفق بي بي سي: فلسطينيون يتهمون مايكروسوفت بحظرهم لأسباب قد تكون سياسية