بدأ الأمر بتغريدة من شخصيةٍ إعلامية، مصحوبة بصور، تدّعي أنه تم اكتشاف أكثر من 1000 بطاقة اقتراع بالبريد في حاوية قمامة في مقاطعة سونوما في كاليفورنيا، ونشر موقع إخباري يميني الصور بقصة "حصرية" تشير إلى أنّ المقاطعة ألقت بآلاف الأصوات غير المحسوبة وحاول العمال التستر عليها.
في الواقع أنّ الحقيقة غير ذلك تماماً؛ فوفقاً لمسؤولي مقاطعة سونوما، أظهرت الصور مغلفات فارغة من انتخابات فائتة، تم جمعها لإعادة التدوير. وليست لها علاقة لبطاقات الاقتراع الخاصة بالانتخابات العامة لهذا العام، ومع ذلك في غضون يوم واحد، شارك أكثر من 25 ألف مستخدم على موقع تويتر نسخة من القصة الكاذبة، بما في ذلك نجل دونالد ترامب، الذي لديه 5.7 مليون متابع.
إشاعات حول التصويت بالبريد
ويلعب التصويت عن طريق البريد في موسم الانتخابات الحالي دوراً كبيراً بين الرئيس ترامب والمرشح جو بايدن إلى درجة تحولت عدة ولايات إلى ساحات قتال، خاصة تلك التي من المرجح أنْ تحسم السباق الرئاسي.
ومعظم الإشاعات والأكاذيب حول التصويت عن طريق البريد تكثّفت في الفترة بين الأول من سبتمبر/أيلول و 29 أكتوبر/تشرين الأول الفائتين، وفقاً لشركة Zignal Labs، وهي شركة رؤية إعلامية، سجلت المعلومات المضللة المحتملة التي تتعلق بالانتخابات الأميركية من جميع أنحاء العالم.
ووجدت الشركة أنّ العديد من الأكاذيب نشأت بعد إرسال بطاقات الاقتراع بالبريد بشكل غير صحيح إلى الناخبين في تلك الولايات، ما أدى بعد ذلك إلى مزاعم كاذبة بأنَّ بطاقات الاقتراع قد تم العبث بها وأسئلة حول موثوقية التصويت.
وأكثر الولايات التي تعرضت إلى معلومات مضللة حول التصويت بالبريد كانت ولاية بنسلفانيا، وبدأت الحملة هناك تتسع حين قال المدعي الفيدرالي، في 24 سبتمبر/أيلول الفائت إنه تم تجاهل عدد صغير من بطاقات الاقتراع العسكرية في مقاطعة لوزيرن، بما في ذلك بطاقات اقتراع للمرشح ترامب. وتم تحريف الإعلان بعد ذلك من قبل الموالين لترامب بل ترامب نفسه كدليل على تزوير أصوات الناخبين في الولاية.
وتعتبر ولاية بنسلفانيا التي فاز فيها ترامب بأقل من نقطة مئوية واحدة عام 2016، محط تركيز كبير في الحملات الرئاسية للجمهوريين والديمقراطيين.
كما قالت شركة زينال إنه من بين الولايات الأخرى التي شهدت كميات كبيرة من المعلومات الخاطئة حول التصويت عبر البريد، هي ولاية أوهايو، ثم تكساس.
تأثير التضليل
وسرعان ما أصبح موسم الانتخابات، وفهم كيفية انتشار المعلومات المضللة، هدفاً رئيسيًّا لبعض علماء الاجتماع، فيستخدمون مجموعة متنوعة من الأساليب، بما في ذلك البحث الاثنوجرافي والتحليلات الكمية للشبكات الاجتماعية القائمة على الإنترنت، وذلك للتحقيق في مصدر المعلومات المضللة عن الانتخابات، ومن ينشرها وعدد الأشخاص الذين يرونها.وكيفية تأثيرها على أنماط التصويت.
ويقول الباحثون إنّ المخاطر كبيرة، منهم كيت ستاربيرد، باحثة معلوماتية في الأزمات في جامعة واشنطن موضحة بقولها "هذه الرواية التي تقول إنك لن تكون قادراً على الثقة بنتائج الانتخابات هي إشكالية حقيقية، فإذا كنت لا تستطيع أن تثق في انتخاباتك، فلست متأكدة من أنّ الديمقراطية يمكن أنْ تنجح".
وفي عام 2016، لعب النشطاء الروس دوراً هاماً في نشر المعلومات المضللة على وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لزرع الشقاق والتأثير على الانتخابات الرئاسية الأميركية. ولا تزال الجهات الفاعلة الأجنبية تتدخل، لكن الباحثين يقولون إنّ الجزء الأكبر من المعلومات المضللة حول انتخابات هذا العام قد نشأ من الجماعات المحلية اليمينية، في محاولة لخلق شك حول نزاهة الانتخابات بشكل عام، وحول التصويت بالبريد بشكل خاص.
يقول إيمرسون بروكينغ، وهو زميل مقيم في مختبر أبحاث الطب الشرعي الرقمي التابع للمجلس الأطلسي "ما نراه الآن هو عشرات البذور التي تُزرع كل يوم من القصص الكاذبة"، مضيفاً "إنهم جميعاً يزرعون الآن، فتنبت بعد الانتخابات في محاولة لنزع الشرعية عن النتيجة من خلال الادّعاء بأن التصويت كان غير عادل أو تم التلاعب به بسبب تلك القصص".
ويمكن أن يتخذ خداع الانتخابات أشكالاً مختلفة على وسائل التواصل الاجتماعي مثل تخويف المصوتين بأنّ هناك أعمال عنف في بعض مراكز الاقتراع؛ فيمتنعون عن التصويت.
تقول جوان دونوفان، مديرة الأبحاث في مركز شورنشتاين للإعلام والسياسة العامة في جامعة هارفارد "بعد عمل تحريات رقمية على مجموعات فيسبوك، وجدنا رسائل تستهدف اللاتينيين، مؤيدة للرئيس دونالد ترامب يبدو أنها تدار من قبل غير لاتينيين زيفوا هوياتهم، وتقوم هذه المجموعات بتنسيق حملاتها وتوظيف المشاركين في لوحات الرسائل العامة أو تطبيقات الدردشة".
ويرى الباحثون أنَّ شكل التضليل لم يعد كلاسيكيًّا بل حداثيًّا يستغل الديناميكية والسرعة والتفاعل في وسائل الإعلام الاجتماعية ووسائل الإعلام الرئيسية، وهذه الديناميكية جعلت بعض القصص المضللة تنتشر بشكل كبير، مثل أنَّ المرشح جو بايدن يأخذ عقاقير معززة للأداء أو يغش خلال المناظرة الرئاسية من خلال ارتداء سماعة الأذن، أو أنه يمتلك عقارات سكنية فخمة.
ومع ذلك، يستنتج هؤلاء الباحثون أنه لا تأتي كل المعلومات المضللة للانتخابات من القاعدة إلى القمة، أي من الجمهور إلى صانعي القرار، فقد درس يوشاي بنكلر، المدير المشارك لمركز بيركمان كلاين للإنترنت والمجتمع في جامعة هارفارد، وزملاؤه، مؤخراً، كيف دخلت مزاعم الاحتيال المحتمل المرتبطة باقتراع البريد في الخطاب العام، والتشكيك في التصويت عبر البريد، و حلل هؤلاء الباحثين أكثر من 55,000 قصة إخبارية على الإنترنت، و5 ملايين تغريدة، و75,000 مشاركة على صفحات "فيسبوك" العامة بين مارس/آذار وأغسطس/آب الفائتين، ووجدوا أنّ معظم الطفرات في التغطية الإعلامية، وأنشطة وسائل التواصل الاجتماعي حول هذا الموضوع حرَّض عليها ترامب نفسه، إما من خلال حسابه الخاص على تويتر أو اللقاءات الصحافية أو الظهور على شبكة فوكس. وكتب الباحثون "أتقن دونالد ترامب فن تسخير وسائل الإعلام لنشر وتعزيز حملته التضليلية".
الشك يقوض الديمقراطية
من الواضح أنه لن يكون من السهل قياس تأثير المعلومات المضللة على الانتخابات، ومع ذلك، قد تأتي بعض القرائن من تعاون أكاديمي لباحثين مع شركة فيسبوك يهدف إلى دراسة تأثير المنصة على الانتخابات هذا العام، وقد منحت الشركة 17 باحثاً أكاديميًّا حق الوصول إلى البيانات المتعلقة بنشاط "فيسبوك" لعدد كبير من المستخدمين الذين وافقوا على المشاركة.
ويتوقع "فيسبوك" أنْ يتطوع ما بين 200,000 و400,000 مستخدماً، عبر الإجابة على الاستطلاعات، وفي بعض الحالات، الخروج من "فيسبوك" لفترة من الوقت قبل الانتخابات لمساعدة الباحثين في التحقيق في الآثار التي يستخدمها "فيسبوك" على المواقف والسلوك السياسي.
يوضح دين فريلون باحث الاتصال السياسي في جامعة نورث أنّ الإعلانات السياسية لها تأثير هامشي على الناخبين، ويضيف فريلون وهو عضو في تعاون "فيسبوك" أنه أكثر قلقاً بشأن تأثيرات الدرجة الثانية للتضليل على الثقافة العامة، مثل الشعور العام بانعدام الثقة التي تخلقها. يقول: "عندما ينظر الناس إلى وسائل التواصل الاجتماعي ولا يستطيعون معرفة ما هو حقيقي وما هو غير ذلك، فإنه يقلل من جودة المعلومات الإجمالية للعملية السياسية والنقاش الحقيقي الدائر، ما يُدخل الشك في عملية لا غبار عليها".
وكانت شبكة تويتر نشرت الأسبوع الفائت، رسائل تحذير من حملات تضليل محتملة بشأن عمليات التصويت عبر البريد ونتائجها على مشارف انتخابات الرئاسية. وقال المسؤول عن سلامة المحتوى في "تويتر"، يويل روث، على حسابه الخاص، إنّ "البحوث تظهر أنَّ استباق المعلومات المضللة وسيلة فعالة لتعزيز مقاومتها".
وبعد مشكلات كبيرة واجهتها على هذا الصعيد في انتخابات 2016 الرئاسية، تسعى الشبكات الاجتماعية الكبرى، خصوصاً "فيسبوك" و"تويتر" إلى حماية منصاتها من حملات التلاعب والتضليل الإعلامي.
وأخيراً تقول ليزا كابلان من مؤسسة Alethea Group، وهي شركة تساعد في محاربة المعلومات الخاطئة المتعلقة بالانتخابات، "إنّ تدفق الأكاذيب يقوض الإيمان بالديمقراطية".
المصادر: