في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الفائت، جدّد مجلس الأمن ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء حول الصحراء الغربية، بناءً على القرار 2602، وعُيّن ستيفان دي ميستورا مبعوثًا خاصًّا للأمم المتحدة إلى الصحراء الغربية، بعد مرور عامين على شغور المنصب، على أن يتولّى مهمّة تحقيق حلّ سياسي واقعي، عملي ودائم، ومقبول من الطرفين لمسألة الصحراء الغربية.
وفي موريتانيا، تنتهي اليوم الأربعاء 19 يناير/كانون الثاني الجاري، الجولة الأولى من زيارة دي ميستورا، التي بدأها يوم الخميس الفائت من المغرب، وزار خلالها يومي السبت والأحد الفائتين، مخيّمات الصحراويين في تندوف جنوب غرب الجزائر. وبعيدًا عن المخرجات السياسيّة لهذه الزيارة إلى المخيّمات، التي التقى خلالها قادة جبهة البوليساريو وزعيمها، إبراهيم غالي، يوم الأحد الفائت، بَرَزت صورة تَجمعُ دي ميستورا، وأشخاصًا آخرين مع شابٍّ صغيرٍ في السنّ يرتدي زيًّا عسكريًّا، قال ناشروها إنّها تعود لقاصرٍ وتُعد إثباتًا على تجنيد البوليساريو للأطفال.
وانتشرت الصورة بشكل واسع، إذ شاركتها وسائل إعلام وصحف ومواقع إخبارية، وصفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، دون أن تنشرها أي وسيلة إعلام موثوقة. ورأى بعض الناشرين أنّها "ألحقت العار" بزيارة دي ميستورا، بينما ذهب غالبيّتهم إلى اعتبار الأخير شاهدًا على تجنيد الأطفال. ومن الجمل التي استخدموها في العناوين لوصف الصورة "المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، يشهد بنفسه على جرائم نظام العسكر والبوليساريو في تجنيد الطفولة. البوليساريو تستقبل دي ميستورا بالأسلحة الحربية وتجنيد الأطفال".
كما نشرت مواقع الخبر مرفقًا بصور أخرى ليست من زيارة دي ميستورا.
وإثر انتشار الرواية التي تشير إلى دي ميستورا على أنّه شاهدٌ على تجنيد الأطفال، نفى المتحدِّث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، خلال مؤتمر صحفي عقده في 17 يناير الجاري، الأخبار التي تشيع أنّ دي ميستورا قَابَل أطفالًا مجنّدين خلال زيارته للمخيّمات الصحراوية. وقال دوجاريك، في إجابة على سؤال طرحه أَحَدُ الصحفيّين عليه بهذا الخصوص "تحديث سريع عن صديقنا ستيفان دي ميستورا، مبعوثنا إلى الصحراء الغربية، وزيارته المستمرة للمنطقة … التقى مسؤولين في الرباط ومسؤولين من البوليساريو في تندوف. واليوم هو في نواكشوط، حيث سيلتقي مسؤولين موريتانيين، وسيسافر في وقت لاحق هذا الأسبوع إلى الجزائر، ليلتقي مسؤولين جزائريين. وسُئل أيضًا عمّا رأى خلال زيارته لتندوف، ويمكنني أن أقول لكم، إنّ وفدًا كبيرًا كان حاضرًا، عندما زار المبعوث الخاص المخيّم. لم يرَ الجميع، لكنّه بالتأكيد لم يَتَعرَّف على أيِّ جنودٍ أطفال، كما تداول البعض".
واعتبر بعض الناشرين، ردّ الأمم المتحدة انتصارًا لجبهة البوليساريو في مواجهة الاتهامات المساقة ضدّها في هذا الخصوص. ومن جهة ثانية، رأى ناشرون آخرون أنّ الأمم المتحدة لم تنفِ أو تؤكّد الأمر من خلال تصريح ستيفان دوجاريك، الذي قال إنّ دي ميستورا لم يشاهد جنودًا صغارًا ولكنّه لم يقل إنّهم غير موجودين، وفق عدد من الناشرين.
كما عاد أحد الصحفيين وأحضر الصورة إلى مؤتمر دوجاريك الصحفي، أمس الثلاثاء 18 يناير الجاري، مُستَفسِرًا عمّا إذا كان الأمين العام للأمم المتحدة يشعر أنّه حان الوقت للبحث في موضوع تجنيد الأطفال في تندوف، بعد تداوله من جديد.
وفي ضوء هذه المُعطيات، حاول "مسبار" التحقّق من صحّة الصورة المتداولة، وعَثَر بالفعل على الشاب الصغير، في تقرير أعدّه التلفزيون الإسباني 24 ساعة (rtve 24h) عن الزيارة، إلّا أنّه لم يتسنّ لـ"مسبار" التأكّد من سنّ الشاب الظاهر في الصورة وما إذا كان فعلًا قاصرًا أم لا، كما ورد في الادعاء.
وتبقى قضية تجنيد الأطفال في الصحراء الغربية إحدى القضايا الجدلية منذ فترة طويلة، ففي الوقت الذي يقول فيه المغرب إنّ البوليساريو يجنّد أطفال مخيمات تندوف، وهو ما ورد على لسان مندوبه لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، الذي طالب الجزائر بإنهاء هذا الأمر، كونها الدولة المضيفة، تنفي الأخيرة هذه الاتهامات.
ويُذكر أنّ البروتوكول الاختياري لاتفاقية حقوق الطفل لا يجيز اشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة، وقيام المجموعات المسلحة المتميّزة عن القوات المسلحة لأي دولة في أي ظرف من الظروف بتجنيد أو استخدام الأشخاص دون سن الثامنة عشرة في الأعمال الحربية.
اقرأ/ي أيضًا:
درس جارنا الجديد يوسي ليس من كتاب مدرسيّ إماراتي
لا صحة لاستقالة قاض من المجلس الأعلى للقضاء التونسي
المصادر: