انتشرت حديثًا، أخبار تُفيد أنَّ الضّباع تجتاح بعض القرى في منطقة البقاع اللبنانية، وأنَّ شهود عيان رؤوا عددًا كبيرًا منها على مشارف بلدات النّبي شيت والخضر وحورتعلا وبريتال والطيبة. وتناقلت العديد من المواقع الإلكترونية وصفحات وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحذيرات من الاعتداءات التي قد تطاول المواطنين العزّل، ونصحتهم بالمكوث في منازلهم، منعًا لأي هجوم مباغت قد يتعرضون له من الضباع.
تزامن انتشار هذه الأخبار مع وصول العاصفة الثلجية هبة، إذ شهدت بلدات البقاع الشمالي، تساقطًا كثيفًا للثلوج، ما أدّى إلى انتقال أنواع كثيرة من الحيوانات إلى الأماكن الأكثر دفئًا، هربًا من الصقيع والبرد، وبحثًا عن الطعام قرب المناطق السكنية.
وأكدَّ رئيس جمعية "الجنوبيون الخضر"، دكتور هشام يونس، في حوار أجراه معه “مسبار”، أنَّ هذه الأخبار مجرد شائعات وتتنافى مع طبيعة الضباع المُخطَّطة الخجولة، والحذرة للغاية، والتي لا تُهاجِم إلّا في حالات الدفاع عن النفس، أو للدفاع عن الوكر وفي حال كان يضم جِراءً، وفي ذلك هي لا تختلف مع أي حيوان آخر حتى الأليف."
وأضاف أنَّ الضباع المُخططة حيوانات قمامة ليليّة تتجوّل منفردة، وتتحاشى الناس والضوضاء والأضواء. وقد تتجه للبحث عن الطعام في مخلّفات محال الجزارة، أو المسالخ التي تُرمى بشكل اعتباطي في المكبات العشوائية على أطراف البلدات. وحين ندقِّق في الصور التي تداولها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، نرى أنّها صورٌ للضبع المرقط، وهو نوع غير موجود في منطقتنا وينشط حصرًا في أفريقيا.
وشكّلت الأخبار المضللة حول قدرة الضّباع على افتراس المواطنين ومهاجمتهم، عنصرًا أساسيًّا لإقدام عدد من الشبان في منطقة كفرزبد على قتل ضبع، لتسارع القوى الأمنية بتاريخ 22 يناير/كانون الثاني الفائت، بإلقاء القبض عليهم وتوقيفهم، لمخالفتهم قانون الصيد 580، ولقتلهم حيوانًا مهدَّدًا بالانقراض ومحميًّا من خلال المعاهدات الدولية. وعلى إثر هذه الجريمة أصدرت وزارة الزراعة اللبنانية، اليوم التالي، الخميس 23 يناير الفائت، بيانًا تحذيريًا، مشيرةً إلى أنَّ كل من يتعرّض لهذا النوع من السنوريات، ستتم ملاحقته قانونيًا.
من جهته، تحدّث يونس عن فوائد هذه الحيوانات، التي تكمن في مساهمتها بمنع انتشار الأوبئة في البراري والأرياف، نظرًا لامتلاكها فكًّا قويًّا يسمح لها بطحن عظام الجيف، وعصارة معدة أسيدية تسمح لها بتفكيك وهضم أجزاء من الجيف، لا تستطيع حيوانات القمامة الأخرى أكلها. فهي تتناول كامل الجيفة بما في ذلك الفرو والجلد، ومعدتها الأسيدية تساعدها في قتل الباكتيريا.
وأكدّ يونس"أنَّ الضباع المخططة لا تشكلّ أي خطر على الناس وهي بالأصل قليلة المشاهدة، ويتركّز نشاطها في الفترة التي تمتدُّ من مطلع المساء إلى مطلع الفجر. بالتالي، إنّ احتكاكها بالناس نادرٌ أصلًا، لدرجة أنَّ المادّة البحثية المُتعلّقة بسلوك هذه الحيوانات تُعدّ الأكثر محدودية، مقارنة بأنواع الضباع الثلاثة الأخرى. فضلًا عن أعدادها المحدودة في لبنان وعلى مستوى الكوكب، وفق تقييم منظمة الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة IUCN. فعددها لا يتجاوز 10 آلاف في العالم (تقييم أكتوبر/تشرين أول عام 2014)، الأمر الذي دفع المنظمة إلى إدراج الضباع المخططة ضمن القائمة الحمراء للأنواع المهددة بخطر الانقراض على المستوى العالمي".
واعتبر أنّ الروايات الشعبية لعبت في واقع الأمر، دورًا رئيسيًا في تشويه حقيقة هذه الحيوانات، وصوّرتها على أنها حيوانات ضارية ومُهاجِمة. فنظامها الغدائي يعتمد بشكل أساسي على مخلفات الجيف فضلًا عن أنّها ليست حيوانات مطاردة. ولا تزال هذه الخرافات تلاحقها ليس فقط في لبنان، فبعض الشعوب تعتقد، بأنَّ للضباع قدرة سحرية وخارقة على تنويم ضحاياها مغناطيسيًا للتخلص منهم، وأنَّ لها القدرة على تقليد الأصوات، بهدف خداع ضحاياها وجذبهم إلى أماكن تستطيع فيها الإحكام والسيطرة عليهم.
نسج الإنسان عبر التاريخ، وفي تفاعله واحتكاكه مع الطبيعة، خرافات وأساطير وحكايات شعبية لتجنب الخوف، أو لتفسير الظواهر التي تحيط به، هذا من جانب. ومن جانب آخر، تحوّلت بعضُ هذه الأساطير والخرافات، إلى كابوس طاول الطبيعة بأسرها، فصار عبر الزمن، أحد العوامل التي أدّت إلى الصيد الجائر بحقّ الحيوانات، ما تسبَّب في انقراض بعضها، وفي تهديد حياة بعضها الآخر.
التّضليل من منظور آخر
الضباع المخططة ليست الحيوانات الوحيدة التي عانت وتعاني جرّاء الأخبار المضلّلة المتداولة عنها. فقد صنَّف الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة IUCN، السّلاحف البحرية في مصر، المعروفة باسمها العلمي Testudo kleinmanni، بأنّها من الحيوانات المهدّدة بالانقراض، وتقع ضمن اللائحة الحمراء، نظرًا لتعرضها لخطر الفناء.
تعيش السلاحف البحرية على طول السّاحل الشمالي حتى السّلوم، وفي شمال سيناء في مصر. وتعود على البيئة بفوائد عظيمة، فهي تساهم في جعل الحياة البحرية صحيّة، بما فيها الأعشاب والشُعاب المرجانية، كما تحافظ على النّظم البيئية البرية، لذا فإنَّ تطبيق القوانين التي تفي بحمايتها، تُعدّ من أبرز الحلول للحدّ من القضاء عليها.
ومن الأسباب التي تجعل منها صيدًا ثمينًا، ما حُمّلت به من خرافات ومعتقدات زائفة، فمثلًا يعتقد بعض الناس، بأنًّ شرب دم السلاحف البحرية يزيد من الرغبة الجنسية، وتمَّ تداول هذه الأفكار في مناطق أخرى من العالم، على الرغم من أنّه لم تصدر أي دراسة علمية تدعم هذا الاعتقاد.
كذلك الحال في بعض دول غرب أفريقيا، إذ تُستخدم السلاحف البحرية لهدف الشعوذة وفي مجال الطب الشعبي. وفي دراسة أجرتها منظمة SEA TURTLE، خلال عمل فريقها على حماية السلاحف البحرية، لاحظ الفريق، استخدامات غريبة لأجزاء مختلفة من السلحفاة، لم يُثبت العلم إلى الآن صحّة مفاعيلها. على سبيل المثال، يعتقد أهل منطقة بنين، أنَّ أكل لحم السلاحف البحرية يشفي من وباء الملاريا.
وفي مناطق أخرى، يضع المزارعون مخلب الزعانف الأمامي للسلحفاة في كيس البذور، ظنًّا منهم أنّه يضمن حصولهم على حصاد وافر؛ ومنهم من يربط هذه الزعانف حول كاحل الطفل الصغير، ليتعلّم المشي بسرعة أكبر، وقد يستخدمها الجنود كنوع من السحر أيضًا. وفي توغو، يعتقد القرويون الساحليون، أنَّ عظام السلاحف البحرية، تساعد على نمو الهيكل العظمي لدى الأطفال. وتقوم الأمهات يوميًا، بإضافة هذه العظام إلى حوض الاستحمام الخاص بالأولاد الصغار، انطلاقًا من اعتقاد مفاده أنَّ هذه الممارسة ستنقل قوّة السلحفاة، إلى الطفل.
الثّعالب ماكرة!
أعلنتْ العديد من دول العالم، عن خطر انقراض أصناف عديدة من الثعالب، منها: الثعالب الحمراء في كلّ من أثيوبيا ولبنان وفلسطين، ثعالب الرمال في آسيا الوسطى المعروفة بثعلب السهوب، والثعلب الأفغاني وغيرها. والجدير بالذّكر، أنَّ الانقراض الوظائفي يُمكن أن يؤثِّر سلبًا على ارتفاع أعداد الطرائد، ما يؤدي إلى خلل في التوازن الطبيعي للبيئة وإلى تسارع الانقراض الماديّ للحيوانات.
والكثير من المعتقدات والمعلومات الزّائفة، يتم تناقلها وتداولها إلى اليوم. فعُرف الثعلب مرةً أنّه طفيليّ، لا فائدة منه، ومرةً ماكر ومخادع يجب تجنبه أو قتله، ومرةً أنّه "شيطان النار" عند الشعب الروماني، ومرةً أنَّ لديه القدرة على تحويل روحه إلى إنسان.
لطالما تم اصطياد الثعالب في القرون الغابرة، ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل منحت السلطات مكافآت للقضاء عليها، وقامت في القرن السابع عشر، في انجلترا بحملة تضليلة، تتضمن عبارة “كلّ من يقضي على ثعلب هو فرد طيب، يخدم المجتمع كلّه”.
كما انتشرت رياضة صيد الثعالب وأصبحت في انجلترا كطقسٍ يقوم به النبلاء. ففي العقود الأولى من القرن التاسع عشر، أصبحت الإبادة العنيفة للثعالب رمزًا يجسِّد حقّ النبلاء بالانغماس في رغباتهم بأسلوب فظّ وفاسق، دون تعرضهم لأي مساءلة. وساد هذا الطقس بين فئة من الرجال الأغنياء من أمثال جورج أوزبالديستون وجون مايتون.
أمّا عام 1850، اعتبر جورج وايت-ميلفيل، الرائد في اصطياد الثعالب، أنَّ هذه الرياضة، هي الأمثل لإظهار عناصر الرجولة الأساسية. وقد تأسست النظرة الأسطورية لصيد الثعالب في العقلية الوطنية البريطانية، إلى درجة أنَّ سيغفريد ساسون استخدمها في كتابه Memoirs of a fox- hunting.
بعد الحرب العالمية الأولى، وخلال القرن العشرين، أقدم معارضو صيد الثعالب على نشر حملات توعوية، لتذكير الجميع بأنَّ رياضة صيد الثعالب تجسد العنف ووحشية القتل. ويذكر مارتن والن في كتابه Fox natural and cultural history، أنَّهم نشروا العديد من الصور لجثث ثعالب مشوّهة، بهدف تسليط الضوء على أنّ الثعلب ليس رمزًا للينارد اللص، الذي "اعتُبر التجسيد الشرير لكلّ ما هو غير إنجليزي، بل هو مجرّد حيوان تمّ تعذيبه من قِبَل أناس حاولوا التمسّك بذلك "الريف النبيل" الخرافيّ".
البومة في البراري اللبنانية
في 24 أبريل/نيسان عام 2021، نشرت وكالة الأناضول تقريرًا جاء فيه أنه "بسبب الأساطير الشعبية المتوارثة من جيل إلى آخر، تحوّلت البومة إلى نذير شؤم في نظر كثيرين، ربما لأنّها تسكن الخراب عادة أو بسبب قبح الصورة والصوت. الأمر الذي جعلها تتعرض للقتل الجائر من جهة، ويُتاجر بها بطريقة غير قانونية من جهة أخرى، من خلال بيعها محتجزة داخل الأقفاص".
ونتيجة لهذا، نقصت أعداد البوم في لبنان بشكل لافت، رغم وجود "قانون الصيد البري" الذي يحظر اصطياد طيور البوم والاتجار بها.
ولم تُسعِف الفوائد التي يتمتّع بها هذا الطائر الجارح، من جعله ضحية على الدوام، إنْ كان في لبنان أو في بلدان أخرى، نتيجة الخرافات التي نُسجَت عنه. فهو يلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على التوازن البيولوجي، ويحمي المحاصيل الزراعية من الفئران، وبالتالي يُعتبر كمكافح طبيعي لفئران الحقل، ويقضي على الأفاعي السامّة، إلا أنَّه يعاني من التهديد المستمّر جرّاء المعلومات المُضلّلة.
على الرغم من تفانينا في تفكيك بوتقة الخطابات الإنسانية، وفي البحث والتقصي عن الحقائق داخل اللغة الإنسانية المرتبطة بالفكر والعقل، لا بل جدليًّا-التي لا نستطيع الفصل بينهما-، إلّا أننا دائمًا ما نسعى لتهميش الكائنات الأخرى- بحجة أننا الأكثر وعيًا وتفوقًا- فماذا لو أخذتنا لوعة العبارة بأننا مجرد كائنات عاقلة وسط كونٍ كبير؟
طبيعي جدًا، أن يقودنا هذا للتساؤل عن مدى تأثير الأفكار/ المعلومات والأخبار المضللة على حياة الحيوانات ومصيرها.
اقرأ/ي أيضًا:
المعلومات المغلوطة في بعض الأمثال الشعبية المتداولة عن الحيوانات
فراغات البيانات في نتائج البحث وعلاقتها بنشر المعلومات المضلّلة
المصادر: