` `

كيف يمكن للتواصل النصي أن يشوه فهمنا للعلاقات ويؤدي إلى تصورات خاطئة؟

محمود حسن محمود حسن
أخبار
21 نوفمبر 2024
كيف يمكن للتواصل النصي أن يشوه فهمنا للعلاقات ويؤدي إلى تصورات خاطئة؟
التواصل الرقمي قد يوفر إمكانية بناء صورة متلاعبة وزائفة عن الذات

الرسائل النصية وسيلة رئيسية للتواصل بين الأشخاص، ولكن تبرز مشكلات عديدة خلفها، إذ يمكن أن تكون الرسائل النصية حقل ألغام للتضليل وسوء الفهم، وعدم الدقة، فغياب الإشارات غير اللفظية، والتفسيرات المتباينة للرموز التعبيرية، مع الاعتماد المفرط على النصوص القصيرة، يمكن أن يؤدي إلى بناء علاقات زائفة أو خلق انطباعات مشوّهة حول الأشخاص.

في الوقت ذاته يمكن أن تبرز فجوة تتمثل في العلاقة ما بين الرسالة المقروءة وشكلها وأسلوبها وحقيقتها ونسبة تعبيرها عن الواقع. 

يعالج مسبار في هذا المقال، الحالة التي يمكن أن تكون الرسائل النصية فيها مضللة، وتشوّه العلاقات وصورتنا حول الأشخاص.

التحيزات في التفسير الشخصي للرسائل النصيّة

تشير التجارب أن الأشخاص هم عرضة لتفسيرات شخصية ومتحيّزة للرسائل النصيّة، وقد يفسر الأفراد النصوص بناءً على حالتهم المزاحية أو افتراضاتهم الشخصية، التي قد تختلف عن افتراضات الشخص المرسل للرسالة. 

على سبيل المثال، رسالة بسيطة مثل "حسنًا" يمكن أن تُعتبر محايدة أو غاضبة أو غير مبالية، حسب السياق، رغم أنها قد تعتبر في نظر المرسل ردًا مختصرًا يعبر عن حالة ليست سلبية بالضرورة.

من ناحية أخرى، لا تؤدي الرسائل النصية بمفردها مهمة نقل الصورة الحقيقية للأفراد، فلكل شخص أسلوبه الذي لا يتناسب وطباع الأفراد المتنوعة.

من الصعب مع الرسائل النصية تخصيص الحديث بما يتناسب مع طبيعة الشخص المرسل إليه وحالته النفسية، وسمات شخصيته. على سبيل المثال، تشير الدراسات إلى أن الأفراد الذين يعانون من القلق الاجتماعي أو انعدام الثقة في العلاقات يميلون إلى تفسير الرسائل النصية بطرق سلبية أو مبالغ فيها، وعندها سيكون من الصعب أحيانًا توجيه رسالة ما دون سوء فهم مع هؤلاء، هنا قد يخلق التوتر، إذا ما قمنا بتكوين صورتنا حول الأشخاص بالاعتماد على النصوص.

على سبيل المثال رسالة من قبيل “يمكننا التحدث في وقت لاحق وحل المشكلة” قد تفهم على أنها عدم اهتمام بمشاعر الآخر، بينما يختلف الأمر إذا ما نقلت الرسالة، بنبرة معيّنة أو إيماءة عاطفية ما، عندها يمكن أن تؤدي إلى وقع مختلف على المتلقي، وفي نهاية المطاف تؤدي التحيّزات في التفسير الشخصي، إلى وقوعنا في فخ التضليل، وقصور فهم الآخر ونواياه الحقيقية

لا يتوقف التأثير السلبي في فهم النصوص عند حدود العلاقات الشخصية، بل يمتد ليؤثر على المجتمع الأوسع مما يساهم بشكل أكبر في نشر المعلومات المضللة. عندما يقوم الأفراد بتفسير الرسائل أو المعلومات بناءً على تحيزاتهم، فإنهم قد يعيدون صياغتها أو ينقلونها إلى الآخرين بصورة مشوّهة، مما يضيف طبقة إضافية من التضليل. 

على سبيل المثال، في منصات التواصل الاجتماعي، قد تؤدي التفسيرات السلبية أو الخاطئة لمنشورات معينة إلى إشعال نقاشات حادة، أو نشر محتوى مضلل يثير القلق والريبة، وينتشر بطبقات متعددة لمجموعات أوسع.

افتقار المحادثات النصية للسياق يجعلنا عرضة بشكل أكبر لتكوين خلاصات خاطئة

الكتابة عبر الرسائل النصية قد ترسم أحيانًا تصورًا محدودًا لا يعكس الواقع والسياق الكامل للمحادثة، بما في ذلك الظروف التي يمر بها الطرف الآخر في الوقت الفعلي، مما يدفعنا لتبني صورة غير دقيقة حول الآخر وعلاقتنا به.

بفضل التصميم التقني لتطبيقات التواصل الحديثة، والميزات التي توفرها مثل إشعارات القراءة أو الاستلام، نميل أحيانًا إلى افتراضات غير دقيقة حول نوايا الطرف الآخر، ونستخدم مزيدًا من الاختصارات العقلية، أو ما يُعرف بالاستدلالات (Heuristics)، وهي استراتيجيات ذهنية أو قواعد عامة يستخدمها الأفراد لاتخاذ قرارات سريعة وتكوين أحكام دون الحاجة إلى تحليل معمق. 

تساعد هذه الاختصارات في التعامل مع المعلومات المعقدة واتخاذ الخيارات بكفاءة، لكنها قد تؤدي أحيانًا إلى تحيزات وأخطاء في التفكير. على سبيل المثال، قد نتوقع ردًا فوريًا بمجرد رؤية إشعار استلام الطرف الآخر لرسالتنا النصيّة، متجاهلين احتمال أن يكون الشخص قد فتح الرسالة عن طريق الخطأ، أو ربما يحتاج إلى وقت للتفكير في الرد، أو يكون مشغولًا في أمور أخرى. 

هذه الافتراضات، المدفوعة جزئيًا بخوارزميات التطبيقات التي تدفع نحو نوع من التواصل السريع، يمكن أن تؤدي إلى سوء فهم يخلق صورة غير دقيقة للوضع الفعلي.

تشير التقارير أن الإشارات الحيوية مثل نبرة الصوت، تعابير الوجه، أو لغة الجسد، تلعب دورًا كبيرًا في تفسير المشاعر والنيات، وهي أمور يفتقدها الأفراد في التواصل الرقمي النصي. 

هذا النقص في الإشارات الحيوية يمكن أن يؤدي إلى سوء فهم الرسائل، حيث يعتمد المتلقي فقط على الكلمات المكتوبة دون الشعور بالسياق العاطفي الذي توفره الإشارات غير اللفظية. وفقًا لمقال نُشر في "Everyday Speech"، فإن غياب هذه الإشارات في الرسائل النصية يجعل من الصعب تفسير النبرة والمشاعر بدقة، مما يزيد من احتمالية حدوث سوء فهم.

الصورة المضللة الناجمة عن "الوجه الرقمي "

تشير التقارير التي تدرس العلاقة ما بين علم النفس والتكنلوجيا أن التواصل الرقمي خاصة النصي منه، يتيح للأفراد إنشاء هويات جديدة تختلف عن شخصياتهم الحقيقية، وهي عملية أكثر صعوبة في العالم الواقعي حيث قد تعيقها العلاقات المسبقة أو التفاعلات المتوقعة.، أو القدرة الأكبر على التقييم.

التواصل الرقمي، وخاصة عبر الرسائل النصية، يمنح الأفراد القدرة على "إدارة الوجه الرقمي"، مما يعني الميل لتقديم صورة محسّنة أو متلاعبة عن الذات، تتجاوز ما يمكن إظهاره في التفاعلات الواقعية.

هذا النوع من التواصل يتيح للأفراد تحسين الردود بعناية، إخفاء المشاعر الحقيقية، أو حتى تزوير النيات بما يتناسب مع أهدافهم أو رغباتهم. ونتيجة لذلك، قد تنشأ توقعات غير واقعية لدى الطرف الآخر، مما يجعلهم أكثر عرضة لصورة كاذبة، تحمل معها تصورات غير حقيقة مصيرها الانهيار في الحياة الواقعية.

وتشير بعض نظريات علم النفس حول الشخصية أن المستخدمين في التواصل الرقمي يميلون إلى تعديل سلوكياتهم لتعزيز "وجه اجتماعي" مرغوب، خاصة في المراحل المبكرة من العلاقات. 

على سبيل المثال، يمكن للفرد أن يتجنب المناقشات العاطفية الحساسة أو يصوغ ردوده بطريقة تظهره بشكل مثالي. ورغم أن هذا السلوك قد يُنظر إليه على أنه استراتيجية لتسهيل بناء العلاقات، إلا أنه غالبًا ما يؤدي إلى إحباط الطرف الآخر عندما تتضح الفجوة بين الواقع والصورة الرقمية.

الوسائل المساعدة للتواصل النصي قد تخلق صورة مضللة أيضًا

تتعدد الوسائل التي نستخدمها مع التواصل النصي لتغذية الحوار، ومن هذه الوسائل، تبرز الرموز التعبيرية (Emojis) وهي وسيلة فعّالة أحيانًا للتعبير عن المشاعر أو النيات في التواصل الرقمي، إلا أن تفسيرها أيضًا ليس موحدًا دائمًا بين جميع الأفراد. إذ يمكن أن تختلف معانيها بشكل كبير بناءً على الخلفية الثقافية، والسياق الذي تُستخدم فيه، وطبيعة العلاقة بين الأطراف المتواصلة.

على سبيل المثال، أشارت دراسة نُشرت في مجلة Frontiers in Psychology إلى أن التباين الثقافي يلعب دورًا كبيرًا في فهم الرموز التعبيرية، حيث قد تحمل دلالات إيجابية في ثقافة ما، بينما قد تُفسَّر بشكل مختلف تمامًا في ثقافة أخرى، ومع شخصية أخرى.

الحلول تبقى محدودة لمواجهة تحديات التواصل الرقمي

الرسائل النصية، رغم كونها وسيلة تواصل فعّالة، قد تصبح أداة للتضليل والتشويش على العلاقات والحقائق. تساهم التفسيرات المتحيزة، وغياب السياق، وإمكانية تقديم صور زائفة عن الذات، في خلق واقع رقمي بعيد عن الحقيقة.

لمواجهة تحديات التواصل الرقمي، لا يكمن الحل في التخلي عن طريقة التواصل عبر الرسائل النصيّة، بل قد يكون في تنويع الخيارات المتاحة إذا كنّا بحاجة لصورة أكثر دقة، ومن الضروري تعزيز الوعي بمحدودية الرسائل النصية وإدراك تأثير غياب الإشارات غير اللفظية والسياق الكامل على فهم الرسائل.

يمكن تحسين جودة التواصل، أيضًا، من خلال استخدام وسائل إضافية مثل المكالمات الهاتفية أو اللقاءات الشخصية عند الضرورة، وتجنب الاعتماد المفرط على النصوص وحدها.

جدير بالقول إن الحلول المقترحة تبقى محاولات لإدارة المشكلة أكثر من كونها سعيًا لتجاوزها بشكل كامل. لذا، ربما يكمن التوازن في قبول محدودية التواصل الرقمي دون التخلّي عنه، مع البحث المستمر عن تقنيات مبتكرة تتناسب وتعقيد التجربة الإنسانية وتحقق تواصلًا أصدق وأقرب للواقع.

اقرأ/ي أيضًا

إلى أيّ حدٍّ يُمكن لتقنيّة التزييف العميق أن تخدعنا؟

تصميم مواقع التواصل الاجتماعي يساهم في انتشار الأخبار الزائفة

الأكثر قراءة