الأفكار الواردة في المقال تُعبّر عن رأي الكاتب ولا تعبّر عن رأي "مسبار" بالضرورة.
مع استقالة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من منصب رئيس حزب المحافظين الحاكم يوم الخميس الفائت، وما تبعه من تحولّه إلى رئيس حكومة تصريف أعمال حتى انتخاب رئيس آخر للحزب؛ قاربت وسائل إعلام فشله في إدارة حكومة بلاده، بطريقة أدائه لمهنة الصحافة، وأعادت فتح ملفاته القديمة منذ كان صحافيًا في صحيفة ذا تايمز البريطانية التي فصلته بعد تحريفه أحد الاقتباسات، وهو ما قال عنه لاحقًا إنه أكبر خطأ ارتكبه في حياته.
وتحدثت وسائل إعلام كذلك عن مبالغته في تغطية الأحداث ضمن الاتحاد الأوروبي، بعد انتقاله للعمل في صحيفة ذا ديلي تلغراف، كمراسل لها من العاصمة البلجيكية بروكسيل بين أعوام 1989 و1994.
وجونسون يعدّ من الصحافيين المحظوظين القلائل الذين لم يقض تحريفهم للحقائق على مسيرتهم المهنية بشكل كامل، فغالبًا ما تختم مثل هذه الممارسات الحياة المهنية لصحافيين لمعوا في مجالهم وانطفأ نجمهم بمجرّد فقدانهم لصدقيّتهم ومساسهم بمبدأ الحقيقة.
فالحقيقة والدقة هي أساس العمل الصحافي والمعيار الذي من دونه تفقد المهنة الهدف الذي وجدت من أجله ألا وهو نقل الواقع كما هو دون تشويه أو تحريف، لتليها القيم الأخرى التي تحدِّد آلية نقل هذه الحقيقة دون انحياز وبإنسانية مع الحفاظ على استقلالية العمل الصحافي وواجبه في ممارسة دوره الرقابي من خلال المحاسبة، وهذا متفق عليه في جميع الدلائل الأخلاقية للعمل الصحافي.
ولكنّ هذه المعايير لم تكن موجودة منذ انطلاق المدونات المطبوعة عقب اختراع يوهانس غوتنبرغ المطبعة عام 1439، بل بدأت مراحل تبلور بعضها في مطلع القرن العشرين بعد ظهور الصحافة بشكلها الحديث في القرن 19 وانتشار الصحافة الصفراء بشكل واسع. فجاء تطوير بعض هذه الأخلاقيات بمثابة ردّ فعل على ممارسات صحافية أفقدت الجمهور ثقته بالصحف، جرّاء لجوئها إلى التضخيم والمبالغة خدمة لأهداف مختلفة، وفي محاولة لضبط العمل الصحافي وفق معايير تعيد ثقة الجمهور فيه.
وأبرز الأمثلة التي جسّدت التضخيم والمبالغة اللذين تمّت ممارستهما في تلك الحقبة، تجلّى في المنافسة على نشر الشائعات والأخبار المثيرة بين الناشريْن الثريين جوزيف بوليسزر ووليام راندولف هيرست في الولايات المتحدة الأميركية، إذ لعبت الأخبار المضللة والزائفة التي تناولتها مؤسّستاهما دورًا في تغذية شرارة الحرب الإسبانية الأميركية عام 1898.
وانتشرت على إثر ذلك أسطورة تقول إنّ سبب اندلاع الحرب الأميركية الإسبانية هو هيرست، الذي أرسل النّحات والرسام الشهير لمشاهد الغرب الأميركي، فريدريك ريمنغتون إلى كوبا التي كانت تحت الحكم الإسباني حينها، مدة شهر في ديسمبر/كانون الأول عام 1896، بهدف رسم لوحات عن التمرد الذي كان جاريًا هناك.
وبعد أيام قليلة فقط وتحديدًا في يناير/كانون الثاني عام 1897، قيل إنّ ريمنغتون أرسل برقية إلى هيرست الموجود في نيويورك جاء فيها "كل شيء هادئ، لا توجد مشكلة هنا. لن تكون هناك حرب. أتمنى أن أعود"، ليجيبه هيرست في برقية أخرى "أرجوك ابق. تَزَوّد أنت بالصور، وسأقوم بتجهيز الحرب". ونشر بعدها هيرست في صحيفته نيويورك جورنال، رسومات مزيفة لمسؤولين كوبيين يفتشون نساء أميركيات عاريات، ليشعل الحرب كما أراد.
يقول الباحث جوزيف كامبيل، في ورقةٍ بعنوان "صنع أسطورة إعلامية، الفهم الخاطئ: دحض أعظم الأساطير في الصحافة الأميركية”، إنّ هذه المقولة انتشرت لهيرست على الرغم من أنه أرسل ريمنغتون عقب اندلاع التمرد وليس قبله، وعلى الرغم من غياب أي دليل يشير إلى هذه البرقيات التي تناولتها كتب الدراسات الصحافية واستشهد بها أكاديميون في أماكن مختلفة. ويضيف أنّ أسباب الحرب الأميركية الإسبانية أبعد وأعمق من هيرست وصحفه.
وفي وقت لاحق ربط كثيرون بين مشهدية الصحافة التي جسّدها هيرست قبل قرابة 100 عام وتعامل الإعلام الأميركي مع حرب العراق عام 2003.
وعلى الرغم من وضع هذه الأخلاقيات تحت الرقابة وتأسيس نقابات ومجالس وطنية للإعلام وأجهزة رقابة ذاتية باتت موجودة وفاعلة اليوم، إلّا أنّ الإعلام التقليدي ينزلق من حين لآخر في فخّ التضليل والتزييف معرِّضًا سمعته وصدقيته للخطر، مع فارق ملحوظ في أن هذه الممارسات جنحت في القرن الحالي لتأخذ طابعًا فرديًا أحيانًا كثيرة في المؤسسات التي تحرص على المحافظة على سمعتها واسمها.
في هذه المدونّة نستعرض أسماء عدد من الصحافيين الذين عملوا بمؤسسات إعلامية مرموقة وقاموا بفبركة الأخبار والمصادر وتزييف الحقائق، ونسب مقالات لهم لم يكتبوها بأنفسهم، معرّضين أنفسهم للإقصاء التلقائي من المجال وفقدان وظائفهم، وكذلك مهددين الصروح التي ينتمون إليها. وأبرز هذه المؤسسات هي صحيفة ذا واشنطن بوست، وشبكة بي بي سي، وصحيفة ذا وول ستريت جورنال، وصحيفة شيكاغو تريبيون، ومجلة مان النرويجية، وشبكة سي بي إس، وقناة كوكس نيوز، وصحيفة نيوز ويك، وصحيفة يو إس إيه توداي، وصحيفة ذا نيويورك تايمز، إضافة إلى وسائل إعلام أخرى.
صحافي في ذا نيويورك تايمز يفبرك قصصًا حول جنود أميركيين قتلوا في غزو العراق
نبدأ هذه القائمة من صحيفة ذا نيويورك تايمز، نظرًا لأهميتها التاريخية لناحية الظروف التي أدّت إلى تأسيسها والمنحى الأخلاقي الذي تبنته.
تأسّست الصحيفة قبل حوالي 171 عامًا، في وقت كان فيه ردّ فعل الجمهور الأميركي قد أصبح عنيفًا تجاه الصحافة الصفراء، ومطالبًا بمصادر إخبارية موثوقة وأكثر موضوعية، ليأتي تأسيسها استجابةً لهذه المطالب، وملءً لفراغ خلقه غياب إعلام ذي صدقية في مطلع القرن العشرين. فعيّنت الصحف الأميركية المراسلين لتغطية الأخبار المحلية والوطنية، بهدف بناء الثقة بين المراسلين والجمهور. وأصبحت الصحافة الصفراء أقل شيوعًا حينها، إلى أن بات الإنترنت شريكًا في صناعة الأخبار.
لم يحل تاريخ الصحيفة المجيد دون تعرّضها لأكثر من نكسة إعلامية جرّاء ممارسات عدد من صحافييها، ولعلّ أبرزها كان عام 2003، في الفضيحة التي تعرّضت لها على يد الصحافي جايسون بلير، الذي ارتكب أعمالًا متكررة من الاحتيال الصحفي خلال تغطيته لأحداث إخبارية مهمة منها ما تمحور حول هجمات القناصة في ضواحي واشنطن حينها وقصص عائلات جنود أميركيين قتلوا خلال حرب العراق.
ونشرت صحيفة ذا نيويورك تايمز في 11 مايو/أيار عام 2003، تحقيقًا بعنوان "تصحيح السجل: مراسل ذا تايمز الذي استقال يترك أثرًا طويلًا من الخداع"، كشفت فيه عن وجود خروقات أخلاقية في 36 مقالًا على الأقل حتى لحظة كتابة تحقيقها، من بين 73 مقالًا كتبها بلير منذ أن بدأ تغطية مهام صحافية على الصعيد الوطني في أواخر أكتوبر/تشرين الأول عام 2002.
وأشارت الصحيفة إلى أنّ بلير استخدم أساليب ملتوية في الكتابة عن لحظات مشحونة عاطفيًا في التاريخ الحديث، وضلّل كلًا من القرّاء وزملائه من خلال رسائل صحافية ادّعى فيها أنّه كان يغطي من ولايتي ماريلاند وتكساس إضافة إلى ولايات أميركية أخرى، بينما في الواقع لم يغادر مدينة نيويورك أصلًا.
كما قام بلير بفبركة تعليقات المصادر التي استند إليها، ولفّق مشاهدًا لم يكن شاهدًا عليها وكتبها من خلال مطالعة تفاصيل صور منشورة، وسرق مقالات من وكالات الأنباء وصحافيين آخرين ناسبًا إيّاها إلى نفسه؛ إذ إنّ سرقته قصة مراسلة صحيفة سان أنطونيو نيوز إكسبرس، ماكارينا هيرنانديز، هو ما لفت الأنظار إلى مضمون أخباره وإمكانية لجوئه إلى التزييف وسرقة محتوى ليس من إنتاجه، خارقًا أصول الملكية الفكرية.
وفي الوثائقي الذي أعدّته المخرجة والمنتجة في قناة بي بي إس (PBS)، سامانثا غرانت، عام 2014، عن قصة بلير، بعنوان "ثقة هشة: الانتحال والسلطة وجايسون بلير في ذا نيويورك تايمز"، تقول هيرنانديز إنّها اعتقدت بداية أنه قد يكون مجرد توارد أفكار ومحض مصادفة، وتساءلت عمّا إذا كان زميلها السابق في الدراسة بلير كان موجودًا في الحدث نفسه الذي غطته، إلّا أنه من خلال طريقة توظيفه في مقاله للحوار الذي أجرته هي مع خوانيتا أنجيانو والدة جندي أميركي قتل في غزو العراق، اكتشفت أنه قطعًا يكذب وقد سرق مقالها كاملًا.
كما يذكر وثائقي بي بي إس، أنّ الفضيحة التي ألمّت بصحيفة ذا نيويورك تايمز لم تطح ببلير وحده، إذ أقيل أيضًا مدير التحرير، جيرالد بويد، والمحرر التنفيذي هويل رينز. ويعود ذلك إلى كون التحقيق أظهر أن غياب التواصل السليم مع المحررين أحد الأسباب الرئيسية التي أوصلت إلى هذه النتيجة.
وفي الوثائقي تظهر المنتجة تعاطفها مع بويد، لأنه صُوِّر بشكل مستمر على أنه معلم جايسون بلير، نظرًا لأن الرجلين من أصحاب البشرة السمراء، وهو ما لم يكن صحيحًا. وكتب المحرر التنفيذي حينها، هويل رينز بعد عام من الحادثة في صحيفة ذا أتلانتيك "أعتقد أن جايسون بلير كان حادثًا أنهى مسيرتي المهنية في الصحافة بطريقة لا يمكن التنبؤ بها مثل النوبة القلبية أو تحطم طائرة".
استقالة أحد كبار مراسلي صحيفة دير شبيغل الألمانية بسبب فبركة الأخبار
وعام 2014، شهدت صحيفة دير شبيغل الألمانية فضيحة مماثلة، عندما كشفت أن أحد كبار مراسليها، وهو كلاوس ريلوتيس، زوّر أخبارًا على مدى سنوات عديدة، إذ اختلق قصصًا وابتكر أبطالًا وهميين في 14 مقالًا على الأقل من أصل 60 مقالًا ظهرت في طبعاتها المطبوعة والإلكترونية.
وكان أبرزها، القصة التي كتبها عن طفل سوري وسمحت له بالفوز بجائزة ريبورتير بريس (Reporterpreis) الألمانية (مراسل العام) في العام نفسه، بعد أن أشادت بها اللجنة، ليتضح بعدها أن مصادره غامضة، وأغلب ما كتبه مختلق.
بسبب الفضيحة، استقال كلاوس من الصحيفة، وهو الذي فاز خلال مسيرته بالعديد من الجوائز عن أعماله الصحفية الاستقصائية، بما في ذلك جائزة سي إن إن “صحافي العام” لعام 2014.
ويذكر مقال نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية أنّ مَن كشف تزوير كلاوس، هو زميل شاركه العمل على قصة على الحدود الأميركية المكسيكية، إذ روادت الصحافي خوان مورينو شكوك حول مصدرين استند إليهما كلاوس في المقال الذي نُشر في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2014، وقال كلاهما إنهما لم يقابلا ريلوتيوس قط.
ومورينو، الذي عمل في المجلة منذ عام 2007، خاطر بوظيفته عندما واجه زملاء آخرين بشكوكه، وكثير منهم لم يرغب في تصديقه، كما ذكرت صحيفة دير شبيغل في مقال الاعتذار الذي كتبته لقرّائها. وقالت الصحيفة إنها "صُدمت بالاكتشاف واعتذرت لقرائها وأي شخص قد يكون موضوعًا لـ "اقتباسات احتيالية أو تفاصيل شخصية مختلقة أو مشاهد مخترعة في أماكن وهمية".
ووجد تحقيق لاحق أن ريلوتيوس كذب أيضًا بشأن رؤية لافتة مرسومة يدويًا كتب عليها "المكسيكيون يبقون خارجًا". ومن بين القصص الاحتيالية الأخرى قصة عن سجين يمني في خليج غوانتانامو ، وأخرى عن نجم كرة القدم الأميركي كولين كايبرنيك.
قال كلاوس في اعترافه إنّ الخوف من الفشل هو ما دفعه لتلفيق الأخبار "كان الخوف من الفشل ما زاد ضغوطي كلّما أصبحت أكثر نجاحًا".
مراسل سابق في وول ستريت جورنال يسرّب مقالاته قبل نشرها
وفي عام 1983، أصابت صحيفة ذا وول ستريت جورنال نكسة سبّبها مراسلها السابق روبرت فوستر وينانز الذي كان مسؤولًا عن كتابة عمود هيرد (Heard).
لم يحرّف وينانز الحقائق ولم يفبرك الأخبار، لكنه وافق على تسريب مضمون العمود المالي الذي يكتبه، لسمسار يُدعى بيتر برانت، أغراه بإعطائه قيمة من الأرباح مقابل هذه المعلومات، لأن عمود "هيرد" الذي كان يكتبه وينانز في صحيفة ذا وول ستريت جورنال كان له تأثير على نتائج بورصة وول ستريت، وفق ما يروي وينانز لاحقًا عام 1986 في كتابه "أسرار التداول التجاري: الإغراء والفضيحة في صحيفة وول ستريت جورنال".
وبالتالي، كتب وينانز، الذي حصل على وظيفة مرموقة في المجلة في يوليو عام 1982، ما يخدم مصلحة السمسار والشركة التي يمثّلها وليس ما يجب أن يكتب. ونتيجة لذلك، حُكم عليه في أغسطس/آب عام 1985، بالسجن مدة 18 شهرًا ودفع غرامة قدرها خمسة آلاف دولار وتنفيذ 400 ساعة من الخدمة المجتمعية.
ورفض قاضي المحكمة الجزئية الأميركية تشارلز ستيوارت طلبه بأداء عقوبته من خلال العمل كمتطوع لضحايا الإيدز، لكنه سمح له بالبقاء حرًا بانتظار الاستئناف.
وفي خبر نشرته وكالة أسوشييتد برس في 19 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1987، قالت فيه إنّ سلوك وينانز دفع إلى التركيز على أخلاقيات وول ستريت، من ناحية الطمع الذي قد يصيب الصحافيين في هذا المجال والمغريات التي قد يتعرضون لها، وإعادة النظر في النظام الداخلي للصحيفة، علمًا بأن الصحيفة البارزة في مجال الأعمال تعتبر قضية وينانز أسوأ أزمة تتعرض لها في تاريخها، وفق ما ذكرت أسوشييتد برس.
صحيفة يو إس إيه توداي تعلن حديثًا حذف 23 قصة مفبركة
والخرق الأخلاقي الأكثر حداثة الذي فتح الباب من جديد على تاريخ الأعمال غير الأخلاقية في ممارسة مهنة الصحافة، هو ما ارتكبته مؤخرًا الصحافية في يو إس إيه توداي، غابريلا ميراندا، إذ أعلنت الصحيفة في 16 يونيو/جزيران الفائت، حذف 23 قصة فبركت فيها الكاتبة مصادرًا أو معلومات أخرى.
وقالت الصحيفة إن محرريها أضافوا ملاحظات تنبيه للقراء تفيد أنه قد تمت إزالة أسطر ثانوية وبعض المعلومات التي يبدو أن الكاتبة فبركت فيها المصادر، مثل "طالب في الطب أو طبيب، أو شاهد على تفجير مترو أنفاق نيويورك الأخير".
وذكرت الصحيفة، وهي رائدة لسلسلة جانيت المؤلفة من 250 صحيفة محلية، أنها تلقّت مكالمة من منظمة تقول إنه ليس لها أي علاقة بالمصدر المنسوب لها والاقتباس الذي وضع باسمها في إحدى قصص ميراندا، ما أثار الشبهات حولها واستدعى فتح تحقيق بالموضوع.
كانت هذه عينة بسيطة لأسماء، ألحقت الضرر بمهنة الصحافة وزادت من فقدان ثقة الجمهور بها، متسببةً في إحراج العاملين في هذا المجال، الذين باتوا في أحيان كثيرة في موقع المدافع عن شرف المهنة في وجه التلفيق والأخبار الزائفة.
ويضاف إلى هذه القائمة أسماء مثل ستيفن غلاس الصحافي في ذا نيو ريبليك الذي أطفأ بلير حدّة فضيحته التي جاءت عام 1998، وجانيت كوك مراسلة ذا واشنطن بوست التي نسجت قصة حول صبي صغير يدعى جيمي، قالت إنه كان مدمنًا على الهيروين، وفازت بجائزة بوليتزر، قبل أن تُجبَر الصحيفة على إعادتها بعد انتشار قصة الفبركة.
هنالك أيضًا الصحافي السوري جورج بغدادي، الذي فبرك مصادر خلال عمله في كوكس نيوز الأميركية، إضافة إلى الصحافي النرويجي بيورن بينكو، الذي فبرك مقابلة مع بيل غيتس لصحيفة مان النرويجية.
وغياب وسائل إعلام عربية عن هذه القائمة لا يعفي بعضها من مسؤولية فبركة الأخبار وتزوير الحقائق، إلّا أنه مع شبه غياب المعايير الأخلاقية والتفلت في ممارسة الرقابة الذاتية داخل هذه المؤسسات، يصعّب تحديد هذه الحالات رغم انتشارها وبروزها في شكل يومي سواءً على صعيد فردي أو مؤسساتي.
منهجية تساعد المحررين على التحقيق في حالات الفبركة وسرقة الملكية الفكرية
يشير مقال كتبته كيللي ماك بريد لمعهد بوينتر (Poynter)، بعنوان "عندما يكون هناك قصة مفبركة، تقريبًا هناك المزيد منها"، إلى أن دليل غرفة الأخبار المتعلق بمنهجية تحقيق المحررين في حالات سرقة الملكية الفكرية أو فبركة الأخبار، كتب بعد فضح جايسون بلير عام 2003.
وتشرح أن هذه المنهجية قائمة على أسئلة يوجهّها المحرر إلى المراسل؛ تبدأ بأسئلة تسمح للمراسل بتبرير موقفه، ثم يسأل المحرر: "إذا دقّقت في عملك، هل سأجد أي مشكلات أخرى؟" بعدها، يقوم المحرر بعمل شاق يتمثل في البحث في كل قصة على حدة، والبحث عن العبارات الرئيسية لمعرفة ما إذا كانت تظهر في منشورات أخرى. وكذلك البحث عن أدلة على المصادر المذكورة في مواد المراسل المنشورة.
وتدعو ماك بريد في مقالها غرف التحرير إلى إعادة فحص هياكل تحريرها. كما تدعو المحررين إلى ممارسة التحرير الدقيق والمتأني وإلى سؤال المراسلين عن كيفية عثورهم على مصادرهم والتشديد على أهمية الصدق في ما يتعلق بالملكية الفكرية، وتعتبرها أفضل الطرق لثني المراسلين عن عدم الأمانة وضبطهم عندما يتصرفون على هذا النحو.
كشفت قضية بلير عن قضايا أخرى عديدة نظرًا لمراقبة العمل الصحافي بمجهر مختلف بعدها، ولكن التشبّث بالمعايير الأخلاقية هو الضمانة الوحيدة لبقاء الثقة في العمل الصحافي وضمان استمراريته مع كثرة التزييف المحيط بالمهنة.
وإذا كانت الأخبار فعلًا ليست سوى مسوَّدة أولية للتاريخ كما كتب المحرر في صحيفة ذا واشنطن بوست آلان بارث قبل قرابة 80 عامًا؛ فكيف يكتب تاريخ قائم على معلومات مفبركة؟
اقرأ/ي أيضًا
وثائقي Endangered.. صحافيون مُهدَّدون بتغيّر المناخ الديمقراطي في بلادهم
التضليل وتحفيز الخوف: عنوان الحملات الدعائية في الانتخابات النيابية اللبنانية الأخيرة
المصادر