اختتم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم الأربعاء 19 يوليو/تموز الجاري جولة مدتها ثلاثة أيّام، زار خلالها السعودية وقطر والإمارات. وسعى أردوغان خلال زيارته الأولى لدول الخليج منذ إعادة انتخابه رئيسًا في مايو/أيار من العام الجاري، إلى جذب استثمارات ينعش بها اقتصاد تركيا، الذي بات يعاني ضغوطًا مالية وتضخمًا وتراجعًا في قيمة الليرة التركية.
وعقب جولة أردوغان، تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي ادعاءً مفاده أنّ الرئيس التركي قد مارس ضغوطًا على كلٍّ من السعودية وقطر والإمارات، لحثّها على الاستثمار في بلاده. فما مدى دقة هذا الادّعاء؟
الاتفاقيات الموقعة بين تركيا والسعودية
استهل أردوغان جولته الخليجية بلقاء جمعه في مدينة جدّة السعودية بولي عهد المملكة، الأمير محمد بن سلمان. وشارك الرئيس التركي، رفقة وفد ضمّ مسؤولين أتراكًا رفيعي المستوى، في المنتدى الاقتصادي التركي-السعودي. وتكلّلت زيارة أردوغان بتوقيع السعودية عقدين لشراء طائرات مسيّرة تركيّة الصنع. وأمضى الطرفان مذكرات تفاهم للتعاون في مجالات تشجيع الاستثمار المباشر والاتصال. وأُبرمت بالإضافة إلى ذلك تسعُ اتفاقيات. وشملت مجالات البحث الطاقة والسياحة ومشاريع البنى التحتية.
زيارة أردوغان إلى قطر
ووصل الرئيس التركي مساء الثلاثاء إلى قطر واجتمع مع أميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وناقش الطرفان خلال لقائهما آليات تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، خاصة في مجالات تمويل الصادرات والسياحة والطاقة النظيفة.
ولم تُوقَّع خلال زيارة أردوغان أي اتفاقيات، إذ اكتفى الطرفان بالنقاش استعدادًا لانعقاد الدورة التاسعة للجنة الاستراتيجية العليا في الدوحة، قبل نهاية العام الجاري. وتأسست اللجنة الاستراتيجية العليا القطرية التركية عام 2014، كآلية للتشاور حول العلاقات بين البلدين، ونتج عنها توقيع أكثر من 80 اتفاقية في جميع المجالات.
الاتفاقيات الموقعة بين تركيا والإمارات
واختتم أردوغان جولته الخليجية في الإمارات العربية المتحدة بلقاء رئيسها محمد بن زايد آل نهيان، إذ بحث معه تقوية العلاقات الثنائية وتعزيز التعاون الاقتصادي. ووقع الطرفان خلال الزيارة اتفاقيات بلغت قيمتها الإجمالية 50.7 مليار دولار، وشملت 13 مجالًا. وأعلن أردوغان إثر ذلك عزم بلاده رفع مستوى علاقاتها مع الإمارات إلى الشراكة الاستراتيجية.
العلاقات التركية الخليجية خلال العقد الأخير
اتسمت العلاقات التركية القطرية في السنوات العشر الأخيرة بالودّ والتقارب. وفي مقابل ذلك، طبع التوتر علاقات تركيا بالسعودية. وبلغ التوتر بين الرياض وأنقرة ذروته عام 2018، بعدما اغتيل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل مبنى سفارة بلاده في إسطنبول.
في عام 2014، انخفضت أسعار النفط في السوق الدولية، وشعرت حينها السعودية والإمارات بالحاجة الملحة لتقليص اعتمادهما على الريع كمصدر أساسي للدخل القومي. واتجهتا منذ ذلك الحين، وخاصة السعودية، نحو المزيد من الانفتاح بهدف استقطاب مستثمرين أجانب، وكذلك توجيه الاستثمار إلى خارج قطاع المحروقات.
في المقابل عملت قطر على الاستثمار في القطاعات الاقتصادية التركية المختلفة، وبدورها تستثمر الشركات التركية في قطر، إذ تنشط اليوم قرابة 200 شركة قطرية في تركيا و700 شركة تركية في قطر.
بعد المصالحة الخليجية مطلع عام 2021، باشرت أنقرة من جهة والرياض وأبو ظبي من جهة ثانية، العمل على ترميم علاقاتهم وأثمرت تلك الجهود في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 عندما أعلنت الإمارات عن تمويل قيمته 10 مليارات دولار أميركي لدعم الاستثمار في تركيا.
كما ضخّت السعودية مطلع العام الحالي، خمس مليارات دولار في بنك تركيا المركزي. ويمثل النهوض بالاقتصاد والعملة أحد أبرز تحديات ولاية أردوغان الرئاسية الجديدة، إذ وقّع بعد ثلاثة أيام فقط من فوزه بها على اتفاقية تجارية مع الإمارات قيمتها 40 مليار دولار. كما أعلن قبيل انطلاق جولته الخليجية الأخيرة عن استعداده لبيع بعض من أصول الدولة التركية لمستثمرين خليجيين.
ما دلالات التحول في العلاقات التركية الخليجية؟
وينبع هذا التحول في مقاربة تركيا للعلاقة مع السعودية والإمارات، حسب تقرير لبي بي سي، من إدراك أردوغان لأولوية المصالح الاقتصادية على الصراعات الأيديولوجية. ويتوّقع خبراء حسب التقرير ذاته أن يكون التقارب الاقتصادي التركي الخليجي، المبني على مصالح الطرفين، بداية لحل المسائل السياسية العالقة في المنطقة. ويُنْظَر إلى الاستثمارات الخليجية في تركيا على المدى البعيد كقوة ناعمة قد تفرض مستقبلًا على تركيا مواءمة مصالحها مع مصالح دول الخليج.
المصادر:
اقرأ أيضًا
ما صحة التصريحات المنسوبة لأردوغان عن رفضه التفاوض مع سنان أوغان
مئوية معاهدة لوزان: هل تنص على إعادة تركيا سيطرتها على الموصل وحلب عام 2023؟