مؤخرًا، تداولت حسابات على منصات التواصل الاجتماعي منشورًا مفاده إزالة اسم أحمد الشرع، المعروف بلقب "أبو محمد الجولاني"، القائد العام لهيئة تحرير الشام، من القائمة الأميركية للإرهاب. المنشور لقي انتشارًا واسعًا، إذ حظي بآلاف المشاركات وأثار تفاعلًا كبيرًا.
أثار الادعاء جدلًا حول صحته وتداعياته المحتملة، خصوصًا أن أحمد الشرع أصبح شخصية بارزة في المشهد السوري، لا سيما بعد النجاحات العسكرية التي حققتها فصائل المعارضة السورية بقيادته، وإسقاطها للنظام السابق في سوريا.
وقد برز الشرع كقائد للعمليات العسكرية الأخيرة في سوريا، إلا أنه أيضًا زعيم لجماعة تُصنَّف كمنظمة إرهابية من قبل الولايات المتحدة وعدد من الدول والهيئات الدولية الأخرى منذ أعوام.
بعد تحقق مسبار من صحة الخبر، تبين أن أحمد الشرع وبعض المقاتلين البارزين من هيئة تحرير الشام، ما يزالون مدرجين على القائمة الأميركية للإرهاب. إلا أن واشنطن ألغت المكافأة المالية التي كانت مخصصة لمن يقدم معلومات تؤدي إلى اعتقال الشرع.
الولايات المتحدة تلغي مكافأة اعتقال الجولاني
ألغت الولايات المتحدة المكافأة المالية المخصصة لمن يدلي بمعلومات تساعد في اعتقال أحمد الشرع، وذلك بالتزامن مع زيارة وفد أميركي برئاسة مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى، باربارا ليف، إلى العاصمة السورية دمشق يوم الجمعة 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري. وخلال الزيارة، التقى الوفد بزعيم هيئة تحرير الشام لمناقشة رفع الهيئة من قائمة الإرهاب الأميركية، بالإضافة إلى العقوبات المفروضة على سوريا وقانون قيصر.
وأبلغت ليف أحمد الشرع، قائد العمليات العسكرية في سوريا، بقرار إلغاء المكافأة المالية. وقالت في مؤتمر صحافي "بناءً على محادثاتنا، أبلغته أننا لن نتابع عرض برنامج مكافآت من أجل العدالة الذي كان ساريًا لسنوات عديدة. الشرع أثبت أنه عملي، والمحادثات معه كانت جيدة للغاية ومثمرة ومفصلة". وأضافت "نريد إحراز تقدم استنادًا إلى الأفعال لا الأقوال فقط".
وأكدت ليف خلال الاجتماع أهمية ضمان عدم قدرة الجماعات الإرهابية على تشكيل تهديد داخل سوريا أو خارجها، بما في ذلك ضد الولايات المتحدة وشركائها في المنطقة. وفي حديثها للصحافيين عقب اللقاء، صرحت ليف بأن "أحمد الشرع التزم بذلك".
بريطانيا تدرس موقفها من هيئة تحرير الشام وسط تأن وتحفظ
صرّح رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، في التاسع من ديسمبر الجاري، بأن الحكومة البريطانية لم تتخذ قرارًا بعد بشأن إمكانية إزالة جماعة "هيئة تحرير الشام" من قائمة الجماعات الإرهابية المحظورة، وذلك عقب الإطاحة بحكم بشار الأسد.
وتُصنَّف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية في المملكة المتحدة، حيث أُدرجت كاسم مستعار لتنظيم القاعدة. ويترتب على هذا التصنيف حظر أي اتصال أو تعامل رسمي بين المملكة المتحدة والجماعة.
من جانبه، صرّح وزير شؤون مجلس الوزراء، بات ماكفادن، في وقت سابق لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، بأن المملكة المتحدة قد تدرس إمكانية إزالة "هيئة تحرير الشام" من قائمة الجماعات الإرهابية. ومع ذلك، أكد رئيس الوزراء كير ستارمر أن الوقت لا يزال "مبكرًا جدًا" للتفكير في أي تغييرات على هذه السياسة.
الأمم المتحدة ثم الاتحاد الأوروبي: موقف مشترك تجاه هيئة تحرير الشام
أوضح متحدث باسم الشؤون الخارجية بالاتحاد الأوروبي لإذاعة "دويتشه فيله" (DW) أن الاتحاد الأوروبي يعتمد على قائمتين لفرض العقوبات على الجماعات الإرهابية: الأولى قائمة مستقلة خاصة بالاتحاد الأوروبي، والثانية تستند إلى تصنيف الأمم المتحدة.
ووفقًا لما نقلته الإذاعة الألمانية عن المتحدث، فإن "هيئة تحرير الشام" ليست مدرجة كجماعة إرهابية في القائمة المستقلة للاتحاد الأوروبي، لكنها تظل جزءًا من القائمة الثانية المرتبطة بالأمم المتحدة، إذ تُعتبر خاضعة للعقوبات منذ عام 2013 بسبب انتمائها إلى تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
وأضاف المتحدث أنه إذا قررت الأمم المتحدة إزالة "هيئة تحرير الشام" من قائمتها، فإن الاتحاد الأوروبي سيتخذ الخطوة نفسها تلقائيًا.
الشرع في مقابلة مع CNN "ولّت تلك الحقبة من حياتي"
أحمد الشرع، المعروف سابقًا باسم "أبو محمد الجولاني"، بدأ مسيرته شابًا مقاتلًا ترك بلاده ودراسته للانضمام إلى صفوف المقاتلين ضد الاحتلال الأميركي عقب غزو العراق عام 2003.
ومع اندلاع الثورة في سوريا، انخرط الشرع في مواجهة قوات نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، إذ قاد جهود تأسيس "جبهة النصرة" أواخر عام 2011 التي كانت تتبع تنظيم القاعدة آنذاك.
بحلول منتصف عام 2013، حدث شقاق بين القاعدة وتنظيم الدولة، ما دفع الشرع إلى فصل "جبهة النصرة" عن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، مع بقائه ملتزمًا بالبيعة لأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة.
في مقابلته الأخيرة مع شبكة CNN، حرص الشرع على تقديم تلك الفترة من حياته بوصفها مرحلة انتهت تمامًا، مشددًا على أنه لم يشارك في ترويع المدنيين أو استهدافهم يومًا. وأوضح أن نضاله اليوم يهدف فقط إلى تحرير سوريا من الاستبداد.
تحولات الشرع: من "جبهة النصرة" إلى هيئة تحرير الشام
بدأ التحول في مسيرة أحمد الشرع عام 2016، حين أعلن انفصال "جبهة النصرة" عن تنظيم القاعدة، وتغيير اسم التنظيم إلى "جبهة فتح الشام". وفي 28 يناير/كانون الثاني 2017، اندمجت الجبهة مع فصائل مسلحة أخرى، منها "حركة نور الدين الزنكي"، و"لواء الحق"، و"جبهة أنصار الدين"، و"أنصار السنة"، لتشكيل "هيئة تحرير الشام".
وفي مقابلة مع الصحفي الأميركي مارتن سميث في فبراير/شباط 2021، ظهر الشرع مرتديًا بدلة رسمية بدلًا من الزي العسكري التقليدي، ما أثار اهتمام المراقبين. كما وجه رسائل إلى المجتمع الدولي، داعيًا إلى إعادة النظر في إدراج "هيئة تحرير الشام" على قوائم التنظيمات الإرهابية، ومشددًا على أن تنظيمه لا يهدف إلى محاربة الغرب أو الولايات المتحدة، بل يسعى لتحرير سوريا.
وأشار الشرع في المقابلة إلى أن مقاتلي "هيئة تحرير الشام" واجهوا تنظيم الدولة الإسلامية عسكريًا دون تردد، مما يعكس نهجًا مختلفًا عن التنظيمات التي انشق عنها. ورغم هذه الجهود، ما تزال "هيئة تحرير الشام" مدرجة ضمن قوائم الإرهاب الأميركية والدولية، وإن كان تصنيفها في مستوى أقل من تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية.
كيف تم تصنيف الشرع وهيئة تحرير الشام في قوائم الإرهاب؟
تعود جذور تصنيف هيئة تحرير الشام ككيان إرهابي إلى أكتوبر/تشرين الأول 2004، عندما أدرجت وزارة الخارجية الأميركية "جماعة التوحيد والجهاد" (التي تُعد سلف تنظيم القاعدة في العراق) على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. في الشهر ذاته، أضافت الأمم المتحدة تنظيم القاعدة في العراق إلى قائمتها الموحدة للمنظمات الإرهابية.
في ديسمبر/كانون الأول 2012، أدرجت الحكومة الأميركية "جبهة النصرة" كاسم مستعار لتنظيم القاعدة في العراق، مما أدى إلى تعديل وزارة الخارجية ووزارة الخزانة قوائم الإرهاب ذات الصلة.
وفي مايو 2013، صنفت وزارة الخارجية أحمد الشرع (الجولاني) كإرهابي عالمي، وعرضت مكافأة تصل إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات تؤدي إلى القبض عليه. أكدت الأمم المتحدة، في الشهر نفسه، أن "جبهة النصرة" تعمل تحت مظلة القاعدة، ما أدى إلى إضافتها إلى قائمتها الموحدة للمنظمات الإرهابية.
في عام 2017، وبعد تشكيل "هيئة تحرير الشام"، استمر التصنيف الدولي لها ككيان إرهابي مرتبط بالقاعدة. وفي عام 2021، أدرجت وزارة الخارجية الأميركية الهيئة ضمن "الكيانات المثيرة للقلق بشكل خاص" بموجب قوانين الحرية الدينية، متهمة إياها بالضلوع في انتهاكات جسيمة للحرية الدينية.
اليوم، ما تزال "هيئة تحرير الشام" مدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية والأممية، كما يبقى أحمد الشرع مصنفًا كإرهابي عالمي. ورغم تقارير حديثة تفيد بإمكانية مراجعة التصنيف من قبل الولايات المتحدة، إلا أن هذا الخيار لم يتم اتخاذه رسميًا حتى الآن.
آلية الشطب من قائمة الإرهاب: الإجراءات والتحديات
تم إدراج "هيئة تحرير الشام" وعدد من قادتها، بمن فيهم أحمد الشرع، على قوائم الكيانات الإرهابية. بموجب هذا التصنيف، تلتزم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بتجميد أي أصول أو موارد مرتبطة بهم. كما يُعرّض أي شخص يقدم دعمًا ماديًا أو موارد عن قصد لمنظمة إرهابية أجنبية نفسه للملاحقة الجنائية وفقًا للقوانين المعمول بها.
إلغاء تصنيف "هيئة تحرير الشام" كمنظمة إرهابية أجنبية يُعدّ خيارًا قانونيًا متاحًا للولايات المتحدة في حالتين:
أولًا: تغيير الظروف: إذا قرر وزير الخارجية الأميركي أن الظروف التي أدت إلى التصنيف قد تغيرت بشكل يبرر الإلغاء.
ثانيًا: مصلحة للأمن القومي: إذا رأى الوزير أن إلغاء التصنيف يخدم مصالح الأمن القومي الأميركي.
بمعنى آخر، يمتلك الوزير سلطة "إلغاء التصنيف في أي وقت" بناءً على تقييمه.
اقرأ/ي أيضًا
ادعاءات زائفة حول أحمد الشرع وموقفه من إسرائيل بعد الإطاحة بالنظام السوري
هل أجرت ذا تايمز أوف إسرائيل حوارًا مع الجولاني حول التطورات في سوريا؟