شهدت مدينة ماغديبورغ وسط ألمانيا، مساء الجمعة 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري، حادثة دهس في سوق عيد الميلاد، حيث صدمت سيارة حشدًا من الزوار، ما أودى بحياة خمسة أشخاص وإصابة حوالي 200 آخرين، بينهم حالات خطيرة.
على الفور أعلنت السلطات الألمانية أنها اعتقلت السائق المشتبه به، وهو مواطن سعودي مقيم في ألمانيا منذ عام 2006. كما أعرب المستشار الألماني، أولاف شولتس، عن قلقه، واصفًا الحادثة بأنها "تثير أسوأ المخاوف".
رغم أن التحقيقات ما تزال مستمرة لتحديد دوافع حادثة الدهس في ماغديبورغ وملابساتها، إلا أن المعلومات المضللة انتشرت بسرعة على منصات التواصل الاجتماعي، وعمّت حالة من الفوضى المعلوماتية، في مشهد يذكّر بتدفق التضليل عقب حادثة الطعن التي وقعت في مدينة زولينغن الألمانية في أغسطس/آب 2024، وعلى النحو ذاته استغل مروجو الشائعات تفاصيل غير مؤكدة قد تغذي الانقسامات وتعزز سرديات مضللة ومعادية لفئات معينة.
ادعاءات تستغل حقائق جزئية لتزعم أن العملية كانت بدوافع جهادية
كشفت وسائل الإعلام الألمانية، أن منفذ هجوم ماغديبورغ، الذي اعتقلته السلطات، هو طبيب يبلغ من العمر 50 عامًا، معروف بآرائه الناقدة للإسلام وتعاطفه مع حزب "البديل" اليميني الشعبوي. وأكدت وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، أن منفذ الهجوم يحمل توجهات معادية للإسلام.
وذكرت التقارير الألمانية أن منفذ عملية الدهس يصف نفسه بـ"مسلم سابق" وسبق أن وجه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، اتهامات مثيرة للجدل ضد السلطات الألمانية بدعوى عدم تصديها لـ"أسلمة لأوربا” بشكل كافٍ.
ورغم أن المعلومات المتاحة حتى الآن لا تشير إلى أن الهجوم كان بدوافع دينية أو جهادية، استغلت بعض المنشورات المضللة حقائق جزئية كجنسية المهاجم، الذي كان سعوديًا، بالإضافة إلى طبيعة الحادثة وحقيقة دهسه لأشخاص في سوق عيد الميلاد، لترويج مزاعم بأن الهجوم كان بدوافع جهادية إسلامية.
وبالرغم من أن المشتبه به سبق أن نشر آراء مثيرة للجدل على منصة "إكس"، فإن إصدار أحكام مسبقة على النوايا بناءً على معلومات غير مؤكدة، واعتبارها دليلًا قاطعًا على دوافع العملية، يعكس صورة مشوهة ومضللة حول الحدث. خاصة أن التحقيقات لم تنته مع عدم توفر معلومات شاملة تمكن من الحكم الدقيق على الحادثة.
على سبيل المثال نشر الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، اليوم، منشورًا يربط فيه بين الهجوم وديانة منفذه، مشيرًا إلى أنه يحمل طابعًا إرهابيًا باستغلال مزاعم أن المنفذ مسلم. ادعاء كوهين كان يتناقض بشكلٍ واضح مع التقارير الألمانية التي أكدت أن منفذ الهجوم يصف نفسه بأنه "مسلم سابق" وشخص “ملحد”، وأن دوافع الهجوم لا ترتبط بديانته السابقة أو كونه مسلمًا.
كما رصد مسبار مئات الادعاءات التي زعمت بشكل مضلل أن الحادثة كانت بدافع ديني، والتي أشارت إلى أن المنفذ مسلم وأن الهجوم نُفذ من هذا المنطلق.
استغلت بعض كبرى الحسابات المروجة للأفكار اليمينية المتطرفة الحادثة لربط الإسلام كديانة بالهجوم، في نهج مشابه لما قامت به سابقًا في ترويج ادعاءات مضللة، مثلما حدث في هجوم الطعن الجماعي بحفل للأطفال في مدينة ساوثبورت البريطانية.
ومن بينها، نجد حساب RadioGenoa، المعروف بمواقفه المعادية للمسلمين، حيث شارك منشورًا حول الحادثة يربط بشكل مضلل وتعميمي بين الإسلام كديانة والمسلمين كأشخاص والهجوم.
كما نشرت بعض الصفحات والحسابات مقاطع فيديو مضللة قد تؤدي لإثارة الذعر العام، مستغلة كون منفذ الهجوم مسلم الأصل.
من بين هذه الفيديوهات، مقطع تداولته حسابات على مواقع التواصل وزعم فيه أن أسواق عيد الميلاد في العاصمة برلين أُغلقت وتم تحصينها بسواتر أمنية، خوفًا من "الإرهاب الإسلامي".
وفي سياق مشابه، روجت حسابات ناطقة بالعربية لمزاعم أخرى لا أساس لها من الصحة، ادعت أن منفذ الهجوم نفذ العملية بدوافع جهادية وبصفته "استشهاديًا". هذه الادعاءات، التي تفتقر إلى أي دليل موثوق، قد تؤدي إلى تأجيج خطاب الكراهية وتعزيز الصور النمطية السلبية، باستغلال حالة التوتر العام، وعدم اكتمال التحقيقات.
استغلال حادثة ماغديبورغ لنشر معلومات مضللة وتحريض ضد اللاجئين
على الرغم من تأكيد السلطات الألمانية أن المشتبه به يحمل الجنسية السعودية، تداولت بعض حسابات مواقع التواصل الاجتماعي، مزاعم مضللة تفيد بأن المنفذ سوري الجنسية. واستغلت هذه الحسابات الحادثة لربطها بقضية الهجرة في ألمانيا، ملقية باللوم على اللاجئين ومثيرة جدلًا يفتقر إلى الأدلة.
ومع الساعات الأولى من وقوع الحادثة، انتشرت ادعاءات بلغات متعددة، بما في ذلك العربية، تزعم أن المنفذ سوري الجنسية، في تناقض مع بيانات السلطات الألمانية.
السعودية ودول أخرى تدين عملية الدهس في ماغديبورغ
أعربت وزارة الخارجية السعودية، عن إدانتها لحادثة الدهس التي وقعت في سوق عيد الميلاد بمدينة ماغديبورغ الألمانية، مؤكدة تضامن المملكة مع الشعب الألماني وأسر الضحايا. وفي السياق ذاته، أدان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يوم السبت، الهجوم الذي وصفه بـ “الشنيع”، وعبّر عن دعمه لألمانيا في مواجهة هذا "الاعتداء المأساوي".
من جانبه، أدان الأزهر الشريف في مصر، حادثة الدهس التي أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات الأشخاص، واصفًا الاعتداء على الآمنين وترويعهم، بأنه "جريمة نكراء" تخالف كل القيم الإنسانية والأخلاقية.
يذكر أن الحادثة، تعيد إلى الأذهان هجوم الدهس الذي وقع في سوق عيد الميلاد في برلين عام 2016، والذي أسفر عن مقتل 12 شخصًا وأثار جدلًا واسعًا حول أمن الأسواق العامة في موسم الأعياد.
وعلى إثر الحادثة، سارعت السلطات الألمانية إلى تعزيز إجراءات الأمن في الأسواق والمناسبات العامة خلال فترة الأعياد، في محاولة لتأمين التجمعات ومنع تكرار مثل هذه الحوادث.
اقرأ/ي أيضًا
كيف ساهمت الأخبار المضللة بصعود خطاب الكراهية ضد المسلمين في بريطانيا؟
تقارير تفيد بتزايد المعلومات المضللة حول المهاجرين عقب عملية الطعن في زولينغن الألمانية