انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، حديثًا، مقاطع فيديو لخطابٍ ألقاه إبراهيم تراوري، الرئيس الانتقالي لبوركينا فاسو، أمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقادة أفارقة آخرين، خلال القمّة الأفريقية الروسية، التي انعقدت في موسكو يومي 27 و28 يوليو/تموز الفائت.
وحازت كلمة تراوري اهتمامًا كبيرًا، بسبب نبرة التحدّي التي خاطب بها القوى الامبريالية والاستعمارية -على حد تعبيره-، تزامنًا مع تصاعد حدة التنافس بين فرنسا (القوة الاستعمارية القديمة في أفريقيا) وروسيا، اللاعب الجديد في منطقة الساحل الأفريقي. وجاء في كلمة تراوري:
"زملائي، لديّ آلاف الأسئلة من أبناء جيلي، التي لم نعثر لها على إجابة.. السؤال الذي نطرحه هو أننا لا نفهم كيف لأفريقيا أن تملك كل هذه الثروات على أراضيها، وأن تكون لها هذه الطبيعة الغنيّة بالشمس والمياه الوافرة، ورغم ذلك تظل هي القارة الأفقر في العالم، إفريقيا قارّة تعاني المجاعة."
هل تصدر بوركينا فاسو اليورانيوم لفرنسا؟
تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي خبرًا مفاده أنّ بوركينا فاسو قرّرت إيقاف تصدير اليورانيوم إلى فرنسا والولايات المتحدة. وجاء في نص المنشور المتداول: "بعد النيجر، إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو، يعلن رسميًا حظر وإيقاف تصدير اليورانيوم إلى فرنسا والولايات المتحدة".
ونقل موقع "Gambwake" الزيمبابوي المعلومة ذاتها عن تغريدة لحساب على موقع تويتر، يعود لشخصية أمريكية تُدعى “جاكسون هينكل” وجاء فيها: "النقيب إبراهيم تراوري، رئيس بوركينا فاسو حظرَ تصدير اليورانيوم إلى فرنسا والولايات المتحدة". لكن جاكسون هينكل مصدر فاقد للمصداقية، ففي عام 2022، حُظر حسابه على موقع “Twitch" على خلفية نشره معلومات مضللة حول فيروس كورونا ونظريات مؤامرة عبر قناته على المنصة.
ولاحقًا، أضاف تويتر إلى تغريدة هينكل سياقًا اقترحه القراء، وكان يحيل إلى مقال تحقّقٍ نشرته وكالة رويترز. وأكّدت رويترز عدم صدور أي قرار بحظر تصدير اليورانيوم من النيجر إلى فرنسا، إثر الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر في 26 يوليو/تمّوز الفائت.
كما أنه على الرغم من التصريحات السابقة لإبراهيم تراوري حول ضرورة مراجعة العلاقة مع فرنسا، لم تعلن بوركينا فاسو عن أي قرارات تُقيّد صادراتها نحو فرنسا. كما ذكرت وكالة رويترز أنّ بوركينا فاسو لا تملك مناجم يورانيوم، عكس الجارة النيجر، التي تملك سابع أكبر احتياطي لليورانيوم في العالم، ما يعني أن بوركينا فاسو لا تصدّر، أساسًا، اليورانيوم إلى فرنسا.
قلق في فرنسا من احتمال توقف صادرات اليورانيوم من النيجر
وكان سياسيون معارضون فرنسيّون، من بينهم النائبة البرلمانية ساندرين روسو، قد أثاروا تساؤلات حول مستقبل الطاقة النووية في فرنسا، في حال توقُّف صادرات اليورانيوم من النيجر بقرار سياسي، أو بسبب الأوضاع الأمنية.
لكن وسائل إعلام فرنسية، بينها فرانس 24، أكّدت أن فرنسا لن تتضرّر من أيّ انقطاع على المدى القريب، إذ إنّ يورانيوم النيجر لا يمثل سوى نسبة لا تتجاوز 18 في المئة مما تستهلكه فرنسا، التي تعتمد سياسةَ تنويع مصادر اليورانيوم. وتضم قائمةُ الدول التي تستورد منها فرنسا هذا المعدن كُلاً من كازاخستان (20 في المئة) وأستراليا (19 في المئة).
من هو إبراهيم تراوري؟
ولد إبراهيم تراوري عام 1988 في بلدة بوندوكوي الواقعة غرب العاصمة البوركينابية واغادوغو. وعُمره اليوم 35 سنة، ما يجعله الرئيس الأصغر سنًّا في العالم. درس تراوري تخصص الجيولوجيا في عاصمة البلاد، قبل أن ينضمّ عام 2010 إلى "أكاديمية جورج ناموناو العسكرية". وأجرى دورة تدريبية على المدفعية في المغرب، ثم أمضى عشر سنوات في جبهات القتال ضد الجماعات المسلّحة، في وسط وشمال بوركينا فاسو. وقاتل في مالي ضمن صفوف قوّات حفظ للسلام تابعة للأمم المتحدة (MINUSMA)، قبل أن يُرقّى إلى رُتبة نقيب عام 2020. ورغم عدم توفّر معلومات كثيرة عن مساره العسكريّ، كونه من صغار الضبّاط ولم يتجاوز رُتبة نقيب، فإن بعض المصادر وصفته بـ"الشجاعة والقوّة" وأشادت بارتباطه بالجنود والمقاتلين في كتيبته.
كيف وصل إبراهيم تراوري إلى السلطة؟
شهدت بوركينا فاسو انقلابين عسكريين خلال عام 2022. حدث أولهما في 23 يناير/كانون الثاني، حين قاد العقيد بول هنري داميبا مخططًا لعزل الرئيس روش مارك كريستيان كابوري والاستيلاء على السلطة. وبرر بيان عسكري، صدر بعد الانقلاب، قرار عزل الرئيس كابوري بـ "الوضع الأمني الخطير الذي تشهده البلاد، وعجز الرئيس عن إدارة الأزمة"، في إشارة إلى نشاط جماعات مسلحة مُتطرّفة، تُسيطر على 40 في المئة من مساحة بوركينا فاسو، حسب تقديرات لجنة الإنقاذ الدولية.
وكان إبراهيم تراوري نفسُه ضمن المجموعة المساندة لبول هنري داميبا في انقلابه على الرئيس كابوري، وقد عيّنه داميبا، شهرًا بعد ذلك، قائدًا لسلاح المدفعية في مقاطعة كايا. لكن، وفي أواخر شهر سبتمبر/أيلول 2022، ومع تراجع شعبية بول هنري داميبا وتفاقم الأزمة الأمنية في شمال البلاد الخاضع لسيطرة الجماعات المتطرّفة، نفّذ إبراهيم تراوري انقلابًا جديدًا، عزل إثره هنري داميبا وأعلن نفسه رئيسًا للبلاد بالنيابة.
إرث الماضي وتحديات الحاضر في منطقة الساحل الإفريقي
بوركينا فاسو هي واحدة من دول منطقة الساحل الأفريقي، التي تصاعدت فيها حدة أعمال العنف منذ عام 2015. تُنفّذُ الهجماتِ التي تستهدف المنطقة الحدودية بين مالي وبوركينا فاسو جماعات مسلّحة رئيسية هي: "أنصار الإسلام" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" و"الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى". وتكتسي تلك المنطقة أهمية خاصة بفضل ثرواتها المعدنية.
وأضحت منطقة الساحل الأفريقي مسرح تنافس دولي بين القوى الكبرى، فلفرنسا تواجد تاريخي فيها باعتبارها القوة الاستعمارية القديمة، بينما تسعى روسيا، الوافد الجديد، لربط علاقات سياسية وعسكرية مع القادة الأفارقة الجدد وتقويض النفوذ الفرنسي. أما الولايات المتحدة فتتواجد عسكريًا في المنطقة بفضل قاعدتها في النيجر، التي يتواجد فيها 800 جنديًا أميركيًا.
"هنا نشعر بأننا مع العائلة، لأن روسيا تُعدّ من العائلة بالنسبة لأفريقيا، كوننا نتشارك التاريخ نفسه. قدّمت روسيا الكثير من التضحيات من أجل تحرير العالم من النازية، خلال الحرب العالمية الثانية. الشعب الأفريقي، أجدادنا، نُقلوا إلى أوروبا للقتال ضد النازية. نحن نتشارك التاريخ نفسه لأننا الشعوب المنسيّة في التاريخ؛ لأنّ كتب التاريخ والأفلام والوثائقيّات تجاهلت دور روسيا وأفريقيا في محاربة النازية"
إبراهيم تراوري، خطاب القمّة الأفريقية الروسية في 28 يوليو/تموز 2023
تقارب بوركينابي روسي ومراجعة للعلاقة مع فرنسا
ذكر موقع TV5MONDE، في تقرير مشترك مع وكالة الصحافة الفرنسية، أن انقلاب تراوري يندرج ضمن “صراع دولي على النفوذ في أفريقيا الفرنكوفونية بين روسيا وفرنسا”، وأن عددًا متزايدًا من المستعمرات الفرنسية القديمة ينجذب نحو موسكو. ونقلت "بي بي سي" تصريحًا أدلى به تراوري، بعد سيطرته على الحكم، قال فيه أنه يعلم أنّ من غير الممكن لفرنسا التدخّلُ مباشرة في شؤون بلاده، وأن الأمريكيين قد باتوا شركاء البوركينابيين، وأن بإمكانهم أيضًا الاعتماد على الشراكة الروسية. وظهر التقارب بين روسيا والانقلابيين في بوركينا فاسو جليًّا، عندما رُفعت أعلامٌ روسية في مظاهرات مؤيّدة لإبراهيم تراوري في العاصمة واغادوغو، في سبتمبر/أيلول العام الفائت.
وفي تصريح آخر حول العلاقة مع باريس، قال تراوري إنها "علاقة وشراكة تقتضي المصلحةُ العامةُ مراجعة بعض جوانبها وتحسين بعضها الآخر". كما قال لإذاعة فرنسا الدولية، في الثالث أكتوبر/تشرين الأول 2022، أنّ بوركينا فاسو "ترتبط بعقد عسكري مع روسيا وتستخدم عتادها بكثرة". وفي السياق ذاته، عبّر زعيم مجموعة "فاغنر"، يفغيني بريغوجين، عن إعجابه بتراوري، واصفًا إيّاه بـ"الشجاع".
المصادر:
International Rescue Committee
إقرأ/ي أيضًا:
فيديو احتفاء الحشود برئيس بوركينا فاسو ليس بعد عودته من القمّة الأفريقية الروسية
الفيديو قديم وليس لرئيس بنين وهو ينفض كتفه بعد تحيّة ماكرون له