أصدرت المحكمة الجنائية الدولية يوم الخميس، 21 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الجيش الإسرائيلي السابق يوآف غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية خلال الحرب الجارية على قطاع غزة منذ 414 يومًا. كما أعلنت المحكمة في بيان منفصل عن إصدار مذكرة اعتقال بحق القائد العام لكتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، الذي أعلنت إسرائيل سابقًا اغتياله دون تأكيد رسمي حتى الآن.
تعدّ هذه المرة الأولى التي توجه فيها المحكمة اتهامات بهذا الحجم إلى زعماء إحدى الدول الحليفة للدول الغربية، في قرارٍ اعتبره كثيرون أحد أبرز القرارات في تاريخ المحكمة خلال 22 عامًا، إذ لم تصدر مذكرات اعتقال من هذا النوع سابقًا إلا بحق الرئيس السوداني السابق عمر البشير، والرئيس الليبي الأسبق معمر القذافي، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
في أعقاب ذلك، يواجه نتنياهو وغالانت خطر الاعتقال إذا سافرا إلى أي من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة. وقد أثّر قرار المحكمة بشكل كبير على ادعاءات إسرائيل المستمرة منذ السابع من أكتوبر 2023 بأنها تشن حربها "دفاعًا عن النفس" أمام الرأي العام العالمي. كما لاقى القرار ترحيبًا شعبيًا ورسميًا في العديد من الدول حول العالم. وأكدت بعض الدول الغربية استعدادها للامتثال لطلب المحكمة واعتقال نتنياهو في حال زار أراضيها، مثل كندا هولندا وسلوفينيا وسويسرا.
الخلط بين قضيتين منفصلتين نتيجة ضعف التغطية الإعلامية
لم تشمل التغطية الإخبارية في وسائل الإعلام الكثير من التفاصيل المتعلقة بقرار المحكمة التفصيلي، بل اقتصرت غالبًا على إيراد الخبر كعنوان عريض ومن ثم تخصيص المساحة للتحليلات المتعلقة بإمكانية اعتقال المسؤولين الإسرائيليين وتأثير القرار على مسار الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان.
ومن الطبيعي أن يُحتفى عربيًا بقرار تاريخي ومهم كهذا، لكن غياب المعلومات الكافية أو الصورة الكاملة حول الخبر دفع آلاف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى تبني معلومات مضللة، والترويج لخبر مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت على أنه امتداد للقضية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2023. وقد انتشرت عبارة "شكرًا جنوب أفريقيا" في مئات المنشورات وآلاف التعليقات على إكس وفيسبوك وإنستغرام.
ما سياق مذكرات الاعتقال الصادرة بحق نتنياهو وغالانت؟
في الحقيقة، القضية التي صدرت بموجبها مذكرات الاعتقال تختلف عن القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل، والتي تتهم إسرائيل فيها بانتهاك القانون الدولي من خلال ارتكاب أعمال الإبادة الجماعية والفشل في منعها. ومع ذلك، هناك احتمالية أن تؤثر إحدى القضيتين على الأخرى، كما سيتضح أدناه.
الفرق بين المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية
الفرق الأول بين القضيتين يكمن في أن مذكرات الاعتقال صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، وهي هيئة مستقلة عن محكمة العدل الدولية (التي تنظر في دعوى جنوب أفريقيا). وتجدر الإشارة إلى أن محكمة العدل الدولية، ومقرها لاهاي، هي هيئة قضائية تابعة للأمم المتحدة أُنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لتسوية النزاعات بين الدول.
ويتخصص نطاق عمل محكمة العدل الدولية في القضايا التي ترفعها الدول ضد الدول، ولا تتعامل مع الأفراد. كما تفصل في النزاعات القانونية بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وعددها 193 دولة.
أما المحكمة الجنائية الدولية، فهي هيئة مستقلة وغير تابعة للأمم المتحدة أو أي مؤسسة دولية أخرى. وقد تأسست عام 2002، وتتمتع باستقلالية عن أي دولة أو جهة خارجية، وتعتمد على الدول الأعضاء فيها، البالغ عددها حاليًا 124 دولة، لتنفيذ أوامر الاعتقال الصادرة بحق المتهمين بارتكاب الجرائم. إسرائيل ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية ولا تعترف بولايتها القضائية، لكن تم قبول الأراضي الفلسطينية كدولة عضو في 2015.
تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية في غزة وصدور مذكرات الاعتقال
أما القضية التي صدرت بموجبها مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت، فتعود إلى عام 2018. فبعد قبول المحكمة طلب السلطة الفلسطينية للانضمام إلى نظام روما الأساسي (نظام المحكمة الجنائية الدولية) في بداية ذلك العام، وإيداع السلطة وثيقة انضمامها لدى الأمين العام للأمم المتحدة، أحالت دولة فلسطين إلى المدعي العام قضية "الوضع القائم في فلسطين منذ 13 يونيو/حزيران 2014"، دون تحديد تاريخ انتهاء. جاء ذلك بموجب المادتين 13(أ) و14 من نظام روما الأساسي في الثاني والعشرين من مايو/أيار 2018.
وفي الثالث من مارس/آذار 2021، أعلن المدعي العام عن فتح التحقيق في جرائم حرب محتملة في غزة ارتكبتها إسرائيل وحركة حماس وغيرها من الفصائل المسلحة الفلسطينية. وقد جاء ذلك في أعقاب قرار الدائرة التمهيدية الأولى الصادر في الخامس من شباط/فبراير 2021، الذي أكد إمكانية ممارسة المحكمة لاختصاصها الجنائي في الأراضي الفلسطينية، وبأغلبية الأصوات، على أن يمتد النطاق الإقليمي لهذه الولاية إلى غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية.
وفي الثالث من ديسمبر 2023، أعلن المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، أن التحقيق توسّع ليشمل عملية طوفان الأقصى والحرب الإسرائيلية الجارية على قطاع غزة.
في أعقاب ذلك، صدرت مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير جيش حكومته السابق يوآف غالانت، بعد أن أثبتت المحكمة وجود أسباب معقولة لارتكابهما جرائم حرب في غزة، وتشمل هذه الجرائم استهداف المدنيين، واستخدام التجويع كسلاح حرب، ومنع دخول المساعدات الإنسانية والطبية، وقطع الكهرباء والوقود، وفرض الحصار على أهالي قطاع غزة. في المقابل، لم تُذكر جريمة 'الإبادة الجماعية'، والتي رفعت جنوب أفريقيا دعوتها بناءً عليها.
الدعوى المقدمة من جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية
أما فيما يتعلق بالدعوى الأخرى التي يجري الحديث عنها، والتي تقع ضمن اختصاص محكمة العدل الدولية ولا تختص بإصدار الأحكام أو مذكرات الاعتقال بحق الأفراد، فقد قدمت جنوب أفريقيا في 29 ديسمبر 2023 طلبًا لإقامة إجراءات ضد إسرائيل بشأن انتهاكات من جانبها لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. وانضمت إليها عشر دول، كان آخرها بوليفيا في التاسع من أكتوبر الفائت.
ومنذ تقديم الدعوى، قدمت حكومة جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية في مدينة لاهاي ثلاثة التماسات من أجل اتخاذ تدابير طارئة ومؤقتة بانتظار البت فيها، في القضية التي تتهم إسرائيل بارتكاب جريمة إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وذلك بين 29 يناير و28 مارس 2024.
بعد نظر المحكمة في الالتماسات التي قدمتها إسرائيل لرد الدعوى وعدم إصدار تدابير مؤقتة، أصدرت المحكمة أوامر في 26 يناير، 16 فبراير، و28 مارس 2024. شملت هذه الأوامر مجموعة تدابير مؤقتة تُلبّي معظم مطالب جنوب أفريقيا، باستثناء طلب اتخاذ تدابير إضافية بشأن اجتياح مدينة رفح وتعليق العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة. ولم تصدر المحكمة أي تحديثات بعد ذلك حول القضية، وهو نوع من القضايا التي تستغرق عادةً سنوات.
هل ترتبط مذكرات الاعتقال بالحكم في قضية الإبادة الجماعية؟
لا يوجد ارتباط مباشر، لكن من المحتمل أن يكون هناك تأثير غير مباشر، إذ تُعد مذكرات المحكمة الجنائية الدولية مسألة منفصلة عن الدعاوى التي تطالب بفرض حظر على الأسلحة على إسرائيل أو عن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا إلى محكمة العدل الدولية.
رغم ذلك، فإن قرار قضاة المحكمة الجنائية الدولية بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت ارتكبا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة، قد يعزز قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، حيث تأخذ المحكمة بعين الاعتبار قرارات محاكم أخرى.
كما أن قرار إصدار مذكرات الاعتقال يدعم الدعاوى القانونية التي تطالب بفرض حظر على الأسلحة في أماكن أخرى، إذ أن العديد من الدول لديها أحكام تمنع بيع الأسلحة إلى دول يُحتمل استخدامها بطرق تنتهك القانون الإنساني الدولي.
اقرأ/ي أيضًا
هل تمنع اتفاقيات أوسلو السلطة الفلسطينية من رفع قضايا جنائية ضد إسرائيل؟
ادعاءات أميركية مضللة حول صلاحيات المحكمة الجنائية الدولية بشأن فلسطين والحرب على غزة