` `

ازدواجية المعايير الإسرائيلية: اتهام الصحفيين الفلسطينيين بالإرهاب وتجاهل انتهاكات الصحفيين الإسرائيليين

أحمد كحلاني أحمد كحلاني
أخبار
4 نوفمبر 2024
ازدواجية المعايير الإسرائيلية: اتهام الصحفيين الفلسطينيين بالإرهاب وتجاهل انتهاكات الصحفيين الإسرائيليين
قتلت إسرائيل من الصحفيين خلال عام عددًا يفوق المعدل السنوي العالمي

في اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأن السنوات الأخيرة شهدت تصاعدًا مقلقًا في معدلات الوفيات بين الصحفيين، خصوصًا في مناطق النزاع، وتحديدًا في قطاع غزة الذي سجل أعلى عدد من حالات قتل الصحفيين والعاملين في الإعلام مقارنة بأي منطقة نزاع أخرى خلال العقود الفائتة. 

وأوضح غوتيريش أن تسعًا من كل عشر جرائم قتل ضد الصحفيين على مستوى العالم تظل تمر دون عقاب، مشددًا على أن الإفلات من العقاب يولد المزيد من العنف "وهذا أمر يجب أن يتغير".

في السياق، كشفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في تقرير جديد، أنّ فلسطين سجلت أعلى عدد من جرائم قتل الصحفيين خلال عام 2023، إذ بلغ عدد الضحايا من الصحفيين 24، وفقًا لبيانات التقرير.

الأمم المتحدة تعلن مقتل عدد غير مسبوق من الصحفيين الفلسطينيين في غزة
الأمم المتحدة تعلن مقتل عدد غير مسبوق من الصحفيين الفلسطينيين في غزة

من جهتها، أصدرت نقابة الصحفيين الفلسطينيين بيانًا بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، أكدت فيه أن الجيش الإسرائيلي قتل خلال عام واحد من حربه على قطاع غزة، عددًا من الصحفيين يفوق ضعف المعدل السنوي العالمي لقتل الصحفيين، والذي يبلغ 82 حالة سنويًا.

فيما قالت لجنة حماية الصحفيين أن عدد الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي الذين قتلوا عالميًا خلال عام 2023 بلغ 99 فردًا، ثلاثة أرباعهم سقطوا في غزة وحدها.

وطالبت اللجنة بضرورة إجراء تحقيقات عاجلة وشفافة ومستقلة بشأن جميع الصحفيين الذين قتلوا على يد قوات الاحتلال، كما وجهت تحذيرات متكررة للأطراف المتحاربة بأن الصحفيين هم مدنيون بموجب القانون الدولي، ويمثل استهدافهم جريمة حرب. 

ووفقًا لآخر إحصائية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، مطلع نوفمبر الجاري، أدت الاستهدافات الإسرائيلية المباشرة وغير المباشرة للصحفيين إلى مقتل 183 صحفيًا وصحفية منذ بداية الحرب على غزة

صورة متعلقة توضيحية
إسماعيل ثوابتة يعلن مقتل 183 صحفيًا فلسطينيًا منذ بداية الحرب على غزة

يبرر الاحتلال الإسرائيلي استهدافه لهذا العدد من الصحفيين الفلسطينيين بدعوى أنهم “إرهابيون” إذ يتهمهم بالانتماء إلى فصائل المقاومة في غزة أو المشاركة في أعمال عسكرية أو شبه عسكرية، ويستهدفهم بالقتل بناء على ذلك دون تقديم أدلة تجزم بصحة الادعاءات. 

في المقابل، رصد "مسبار" أن عددًا من الصحفيين الإسرائيليين يرتكبون جرائم يُتهم بها الصحفيون الفلسطينيون، ويوثقون ذلك بأنفسهم ويتفاخرون به على غرار المشاركة في أعمال عسكرية والتحريض على العنف والقتل، فيما لم توجه لهم أي تهم بالإرهاب.

سيسلط هذا المقال الضوء على ازدواجية المعايير الإسرائيلية في التعامل مع الصحفيين الإسرائيليين والفلسطينيين، وكشف غياب العدالة والمسؤولية في التزام إسرائيل بالمعايير الدولية لحماية الصحفيين الفلسطينيين. 

إسرائيل تتعمد قتل الصحفيين الفلسطينيين

تعددت الجرائم التي تعمدت فيها إسرائيل استهداف الصحفيين الفلسطينيين في غزة، وآخرها كان اغتيال مراسل قناة الجزيرة الإخبارية إسماعيل الغول ومرافقه المصور رامي الريفي في31 يوليو/تموز الفائت، عبر استهداف سيارتهما بصاروخ موجه أدى إلى مقتلهما على الفور، على الرغم من استجابة الصحفي والمصور لطلب الاحتلال بإخلاء الموقع الذي كانا فيه.

اعترفت إسرائيل بتعمد قتل الغول والريفي في غزة أثناء أدائهم لعملهم، وادعت في بيان أن الصحفي إسماعيل الغول هو الشخص المستهدف من الغارة واتهمته بكونه إرهابيًا. وادعت أيضًا أن الغول كان ناشطًا في الجناح العسكري لحركة حماس ضمن وحدة النخبة وشارك في الهجوم على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، ولعب دورًا فعالًا في توثيق ونشر مقاطع فيديو للعمليات التي قامت بها حماس ضد القوات الإسرائيلية، واتهمته بتدريب مقاتلين آخرين على طريقة توثيق القتال.

الاحتلال الإسرائيلي يتهم الصحفي إسماعيل الغول بالإرهاب
الاحتلال الإسرائيلي يتهم الصحفي إسماعيل الغول بالإرهاب

أدانت شبكة الجزيرة الإعلامية حادثة الاغتيال ونفت الاتهامات التي وجهها الاحتلال لمراسلها، وأشادت بمستوى المهنية والاحترافية الذي كان يتمتع به إسماعيل الغول في تغطياته. 

في السياق ذاته تحقق "مسبار" من جملة المزاعم التي ادعى الاحتلال أنها أدلة تثبت تورط إسماعيل الغول وانتمائه إلى الجناح العسكري لحركة حماس، وتبين أنها المزاعم غير واضحة كما أن المعلومات التي ادعى أنها استخباراتية كانت غير دقيقة.

تحقق مسبار من المزاعم الإسرائيلية بحق إسماعيل الغول ووجد أنها غير دقيقة
تحقق مسبار من المزاعم الإسرائيلية بحق إسماعيل الغول ووجد أنها غير دقيقة

لم تردع الاحتلال الإدانات المحلية والدولية للاعتداء الذي أقدم عليه بحق الصحفيين في غزة، بل واصل في نهج الاتهامات والتنكيل، ففي 23 من أكتوبر الفائت، أصدر جيش الاحتلال بيانًا استهدف فيه ستة صحفيين عاملين في قناة الجزيرة الإخبارية بالتشويه والوصم بالإرهاب، زاعمًا بأنهم ناشطون في حركة حماس والجهاد الإسلامي.

وادعى أن معلومات ووثائق استخباراتية تم العثور عليها في قطاع غزة، تؤكد انتماء الصحفيين الستة وهم أنس الشريف وعلاء سلامة وحسام شبات وأشرف السراج وإسماعيل أبو عمر وطلال العروقي، إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي.

كما وادعى أن الصحفيين الذين تم الكشف عنهم يشكلون "رأس الحربة في نشر رسائل الدعاية الحمساوية"، في إشارة إلى ترويج أو تبني الصحفيين الغزيين لرواية حماس.

 وعلى الرغم من أن هذه المزاعم فضفاضة وغير دقيقة ولا تستند إلى أدلة أو حجج فإنها لا تشكل انتهاكًا صارخًا لمبادئ المهنة الصحفية ولا خرقًا يبرر استهدافهم بالتشويه أو وصمهم بالإرهاب.

الاحتلال الإسرائيلي يتهم ستة صحفيين من الجزيرة بالإرهاب
الاحتلال الإسرائيلي يتهم ستة صحفيين من الجزيرة بالإرهاب

من جهتها، استنكرت شبكة الجزيرة الإعلامية الاتهامات التي وجهها جيش الاحتلال لصحافييها العاملين في شمالي قطاع غزة، وأكدت الشبكة أن هذه “الاتهامات ملفقة ولا تعدو كونها محاولة جديدة لإسكات صوت الصحفيين القلائل الباقين في القطاع، ولإخفاء حقيقة ما يُرتكب فيه من فظائع”.

كما رفضت الجزيرة وصف الاحتلال صحافييها بالإرهابيين، وأدانت استخدام “وثائق مفبركة وأدلة ملفقة لإثبات هذه التهم الواهية”. وشددت على أن صحافييها يؤدون عملهم بمهنية، وحذرت من أن تكون هذه الادعاءات والاتهامات مبررًا لاستهدافهم.

شبكة الجزيرة تدين اتهام إسرائيل لصحفييها بالإرهاب
شبكة الجزيرة تدين اتهام إسرائيل لصحفييها بالإرهاب

من ناحيتها، أعلنت منظمة مراسلون بلا حدود أنها تقدمت بشكوى رابعة خلال عام واحد ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية في 24 سبتمبر/أيلول 2024، بعد أن وثقت ظروف وحيثيات هجمات طالت تسعة صحفيين بين ديسمبر/كانون الأول 2023 وسبتمبر 2024، قُتل ثمانية منهم وأصيبت واحدة بجروح.

وأشارت المنظمة إلى أن غزة تحولت إلى مقبرة للصحفيين بعد مقتل ما لا يقل عن 130 صحفي وصحفية، وتابعت أنها تمكنت من الوقوف على أسباب معقولة تؤكد الاستهداف المتعمد للصحفيين في تسع جرائم، مضيفة “ما دامت هذه الجرائم تمر دون عقاب، فلن يكون لدى الجناة أي سبب للكف عن ارتكاب مثل هذه العمليات”.

منظمة مراسلون بلا حدود تتقدم بدعوى رابعة ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية
منظمة مراسلون بلا حدود تتقدم بدعوى رابعة ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية

صحفيون إسرائيليون ينخرطون في أعمال عسكرية مباشرة

في المقابل، ورغم الاتهامات التي يكيلها الاحتلال للصحفيين الفلسطينيين بأنهم ينتمون لفصائل المقاومة في غزة أو يشاركون أو يساهمون في أنشطة عسكرية أو شبه عسكرية أو حتى دعائية لصالح المقاومة، ويتهمهم بالإرهاب ويستهدفهم بالقتل بناء على ذلك دون تقديم أدلة دامغة أو جازمة على هذه الاتهامات. نجد أن الصحفيين الإسرائيليين يرتكبون علنًا جرائم تخالف وتتجاوز بما يدع مجالًا للشك مبادئ المهنة الصحفية، وترتقي إلى أن تكون أعمالًا إرهابية نظرًا لمشاركتهم في أعمال عسكرية أثناء أدائهم لمهام صحفية مدنية.

تنص القاعدة 34 من القانون الدولي الإنساني العرفي على أنه يجب احترام وحماية الصحفيين المدنيين العاملين في مهام مهنية في مناطق نزاع مسلح ما داموا لا يقومون بدور مباشر في الأعمال العدائية، وتحدد المادة 79 من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب أنه لا يُعتقل أو يفقد صفة المدنية الأشخاص المحميون، شريطة أن لا يقوموا بأي عمل يسيء إلى وضعهم كمدنيين. 

واستنادًا إلى هذا، خالف الصحفيون الإسرائيليون جملة من هذه المبادئ والقواعد، بصورة تجعلهم يفقدون صفة الشخص المدني المحمية بموجب القوانين الدولية. إذ انخرط عدد من الصحفيين الإسرائيليين منذ بداية العدوان على غزة ولبنان في أعمال عسكرية بشكل مباشر، ووثقوا انتهاكاتهم واعترفوا بها بأنفسهم بافتخار، رغم ذلك لم توجه لهم إسرائيل أي من التهم التي تتهم بها الصحفيين الفلسطينيين.

على سبيل المثال ظهر مراسل القناة العبرية12 داني كوشمارو في 26 أكتوبر الفائت، رفقة جنود إسرائيليين وهو يفجّر منزلًا عن بعد في جنوب لبنان. يُظهر الفيديو الذي بثته القناة 12، كوشمارو وهو يمسك جهاز تفجير عن بعد ويتلقى تعليمات من جندي مسؤول في المنطقة، ثم انطلق في العد تنازليًا وبعدها ضغط على زر التفجير ما أدى إلى نسف منزل بشكل كامل.

مراسل القناة العبرية 12 يفجر منزلًا في جنوب لبنان
مراسل القناة العبرية 12 يفجر منزلًا في جنوب لبنان

وفي ازدواجية معايير لدى الصحفي نفسه، كان قد ظهر كوشمارو في إحدى تغطيات القناة العبرية 12 في ديسمبر/كانون الأول 2023، وهو يعرض سلاحًا بلاستيكيًا (لعبة) زعم أنه تم العثور عليه في مدرسة بغزة، في محاولة لإدانة ذلك.

كوشمارو يدين العثور على سلاح بلاستيكي في مدرسة في قطاع غزة
كوشمارو يدين العثور على سلاح بلاستيكي في مدرسة في قطاع غزة

وفي حادثة أخرى تؤكد انخراط الصحفيين الإسرائيليين بشكل مباشر في أعمال عسكرية، اعترف صحفي يدعى يارون ماجال بدخوله قطاع غزة في دبابة وإطلاقه قذيفة دبابة تجاه منزل ما أدى إلى هدمه بشكل كامل، ورغم كون ذلك يتعارض مع مهنته وصفته حينها كصحفي، إلا أن يارون ماجال صرح بذلك بنفسه في مقابلة إذاعية بشكل علني متفاخرًا وواصفًا الأمر بالتافه.

الصحفي يارون ماجال يعترف بإطلاقه قذيفة صوب منزل في قطاع غزة وتهديمه
الصحفي يارون ماجال يعترف بإطلاقه قذيفة صوب منزل في قطاع غزة وتهديمه

صحفيون إسرائيليون يحرضون على أفعال تنتهك مبادئ مهنة الصحافة

ولم يكتف الصحفيون الإسرائيليون بالمشاركة في أعمال عسكرية ميدانية فحسب، بل ساهموا في التشجيع عليها والتشجيع على ارتكاب أفعال أخرى تتعارض مع المواثيق والقوانين الدولية الموضوعة. إذ دعا الصحفي الإسرائيلي يهوذا شليزنجر إلى تشريع وتقنين اغتصاب الأسرى الفلسطينيين المعتقلين في السجون الإسرائيلية وتحويل الاغتصاب إلى سياسة حكومية. واعتبر أن الأسرى يستحقون هذا النوع من العقاب المعقول، وذلك تعليقه على حادثة اغتصاب أحد جنود الاحتلال أحد الأسرى الفلسطينيين في سجن سدي تيمان باستخدام مادة صلبة.

صحفيون إسرائيليون يدعون إلى تقنين اغتصاب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرئيلية
صحفيون إسرائيليون يدعون إلى تقنين اغتصاب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرئيلية

وفي حادثة أخرى، اعتبر الصحفي بالقناة العبرية 13 تسفيكا يحزقيلي، أنه كان ينبغي للجيش الإسرائيلي قتل 100 ألف فلسطيني في قطاع غزة بالضربة الأولى من الحرب، التي بدأت في السابع من أكتوبر الفائت، مبررًا ذلك بقوله "يوجد 20 ألف من رجال حماس.. لا أدري من المشارك أو غير المشارك في الحرب، ومن الأبرياء".

صحفي إسرائيلي يشجع على قتل أكبر عدد ممكن من الموجودين في قطاع غزة بحجة القضاء على كافة عناصر حماس
صحفي إسرائيلي يشجع على قتل أكبر عدد ممكن من الموجودين في قطاع غزة بحجة القضاء على كافة عناصر حماس 

اقرأ/ي أيضًا

التهجير القسري والتضليل الإعلامي.. شهادات تفنّد مزاعم فك حصار شمال غزة
معاناة غزة.. المنشورات المضللة تخدم رواية التشكيك الإسرائيلية

اقرأ أيضاً

الأكثر قراءة