الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبّر بالضرورة عن رأي مسبار
شهد موسم الانتقالات الصيفي الحالي في كرة القدم عددًا من المفاجآت الكبرى، مثل رحيل ميسي ورفاقه القدامى سيرجيو بوسكيتس وجوردي ألبا إلى الولايات المتحدة، كذلك توجّه عدد من ألمع نجوم الكرة شرقًا للحاق بكريستيانو رونالدو، الذي انتقل إلى النصر السعودي نهاية العام الفائت.
اختار عدد من نجوم الصف الأول السعودية لتكون المحطة القادمة من مسيرتهم الكروية، من نغولو كانتي إلى ساديو ماني ورياض محرز وكريم بنزيما وروبيرتو فيرمينيو، وحتى نيمار الذي شغل انتقاله إلى نادي الهلال السعودي حديث الصحافة لأيام.
إلا أن هذه الأخبار لاقت صدى مختلفًا عند تغطيتها من قبل الإعلام الغربي، فهل كانت المقاربة التي اعتمدتها بعض الصحف ووسائل الإعلام لانتقالات نجوم كرة القدم إلى الدوري السعودي مقاربةً متحيزة؟
صحيفة ذا غارديان تتهم السعودية بممارسة “الغسيل الرياضي”
استخدمت بعض الصحف البريطانية في تغطيتها انتقال لاعبين دوليين إلى الأندية السعودية مفهوم "الغسيل الرياضي"، والذي يعني استضافة بلدٍ للفعاليات الرياضية واجتذاب نجوم الرياضة بهدف صرف النظر عن سجلها السيئ في مجالات أخرى.
وكما بدأت ذا غارديان الحملة العام الفائت بتقريرها المتعلق بوفاة 6500 عامل في مواقع تشييد الملاعب في قطر (الذي عدّلت عنوانه وبيّنت "اللغط" فيه لاحقًا)، قادت الصحيفة الحملة الحالية ضد السعودية. وبحسب بيانات محرك بحث غوغل، فإن الصحيفة ذكرت مصطلحي "الغسيل الرياضي" و"السعودية"، في 152 مادة نُشرت على موقعها منذ بداية العام الفائت وحتى اليوم.
من أبرز ما نشرته الصحيفة كان تحقيقًا حول حجم الإنفاق الرياضي لدى السعودية، عنونته بـ "رُفع الستار: إنفاق السعودية البالغ 6 مليارات دولار على الغسيل الرياضي"، وفيه ذكرت الصحيفة البريطانية أن جماعات حقوق الإنسان، بما في ذلك منظمات جرانت ليبرتي، والعفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش، تصف هذا الإنفاق بأنه "غسيل رياضي"، يهدف إلى صرف الانتباه عن السجل السيئ للبلاد في مجال حقوق الإنسان.
تتراوح النتائج الأخرى بين تحقيقاتٍ أخرى تتعلق بأسماء رجال الأعمال وراء هذا الإنفاق إلى أخرى تكشف تفاصيل ما سمته الصحيفة بـ "الخطة الكبرى"، التي تعتزم السعودية تنفيذها باستخدام الغسيل الرياضي.
صحيفة ذا ميرور تهاجم السعودية
لم تكن ذا غارديان وحدها من استخدمت ذلك المصطلح، إنما أيضًا صحيفة ذا دايلي ميرور البريطانية، وبحسب بيانات غوغل، ذُكر "الغسيل الرياضي" و"السعودية" في 204 مواد منشورة على موقع الصحيفة الإلكتروني منذ بداية العام الفائت فقط.
ولا تختلف طبيعة المواد عن تلك التي نشرتها صحيفة ذا غارديان، إلا أن نبرتها كانت أكثر حدة، إذ ذهب الكاتب مات روبر في صحيفة ذا ميرور إلى حد مقارنة هذا "الغسيل الرياضي" في الشرق الأوسط بـ “أولمبياد برلين عام 1936 الذي نظمه هتلر”، قبيل الكشف عن خطته لإبادة اليهود وتدمير أوروبا و"كأس العالم 2018 في روسيا" الذي جاء بعد احتلالها جزيرة القرم الأوكرانية.
واعتمدت معظم وسائل الإعلام البريطانية هذه المقاربة في تغطيتها، مثل بي بي سي (88 مادة)، وسكاي سبورتس (46 مادة)، بينما وصل الأمر لدى موقع i News حدّ مطالبة الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بمنع نادي نيوكاسل يونايتد الإنجليزي، المملوك لصندوق الاستثمارات السيادي السعودي، من استضافة مباريات المنتخب السعودي الودية على ملعبه.
هل استُخدم مصطلح “الغسيل الرياضي” عند الحديث عن الرياضة في الغرب؟
لم يكن الإنفاق الضخم على الرياضة واستقطاب النجوم حكرًا على السعودية، حتى في هذا الموسم الذي برزت فيه كإحدى الوجهات الرئيسية للاعبين. ففي موسم الانتقالات الحالي، شهدت قائمة الأندية العشر الأكثر إنفاقًا على جلب اللاعبين وجود سبع أندية كرة قدم إنجليزية، وهي تشيلسي ومانشستر سيتي ومانشستر يونايتد وتوتنهام وأرسنال وليفربول ونيوكاسل، بحجم إنفاق كلي بلغ مليار و720 مليون يورو، بينما أنفقت أندية دوري روشن السعودي ما مجموعه 489 مليون يورو، بحسب موقع ترانسفر ماركت.
في الوقت نفسه، لم يربط الإعلام مثلًا بين حجم الإنفاق الرياضي هذا الموسم وبين مشروع القانون الجديد الذي أقرّته حكومة المملكة المتحدة في السابع من مارس/آذار، والذي يحظر تقديم طلبات اللجوء لأي شخص يصل إلى المملكة المتحدة بوسائل غير مصرح بها، وسيجبر الحكومة على احتجازهم ثم ترحيلهم إلى حيث أتوا، أو إلى دولة ثالثة آمنة، بالإضافة إلى منعهم من العودة إلى البلاد مرة أخرى، الأمر الذي أثار استنكارات منظمات حقوقية ووصفته وزيرة الخارجية البريطانية نفسها بـ “الخروج عن القانون الدولي”.
وفي السادس من يوليو/تموز 2005، فازت مدينة لندن بحق استضافة الألعاب الأولمبية الصيفية عام 2012، وعند تغطيتها الخبر، نقلت صحيفة ذا غارديان عن رئيس الوزراء البريطاني حينها، توني بلير، وبقية الفريق المسؤول عن ملف لندن 2012، أن لندن ستُظهر "السحر يحدث"، وستُلهم الشباب في جميع أنحاء العالم.
ولم تتحدث ذا غارديان، أو أي وسيلة إعلامية بريطانية أخرى، عن "الغسيل الرياضي"، علمًا أن ذلك الفوز أتى بعد عامين فقط من غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا، وأن الدمار الناجم عن هذه الحرب مُعترف به بالكامل حتى من قبل التيار الرئيسي للمجتمع البريطاني نفسه قبل أي مجتمع آخر، إذ تشير استطلاعات الرأي، التي أجرتها شركة YouGov البريطانية الدولية المتخصصة في أبحاث السوق وتحليل البيانات، إلى أن 20 في المئة من البريطانيين يعتقدون أن توني بلير كان مجرم حرب، بينما يعتقد 40 في المئة منهم أنه ضلّل الرأي العام بشأن تلك الحرب.
كما لم يوجه الإعلام الغربي أي انتقادات لأندية الولايات المتحدة الأميركية التي استقطبت أيضًا عددًا من نجوم الكرة بامتيازات مالية مغرية، ولم نشهد ربطًا بين ذلك وتقارير هيومن رايتس واتش ومنظمة العفو الدولية، حول احتجاز أكثر من 20 ألف طفلٍ على الحدود المكسيكية حتى الآن، لأن الأمرين لا يجدر بهما الارتباط في المقام الأول.
الحكومة البريطانية دفعت لإنجاح صفقة نيوكاسل يونايتد
اهتمام الحكومة البريطانية بتركيز استثمارات السعودية الرياضية داخل أراضيها، تثبته 59 صفحة من رسائل البريد الإلكتروني التي وثقها تحقيق أجرته صحيفة ذا أثليتيك الأميركية. فعلى الرغم من نفي بوريس جونسون، الذي كان رئيس الوزراء عندما تم الاستحواذ السعودي على نيوكاسل ذلك، أظهرت الوثائق أن حكومته أبدت اهتمامًا كبيرًا بعملية الاستحواذ، حيث التقت بمسؤولين سعوديين ومسؤولين في الدوري الإنجليزي الممتاز طوال مدة المفاوضات.
وكان الوزراء والمسؤولون حريصين على التأكيد على أهمية الصفقة، مشيرين إلى أن العرض من شأنه أن يعزز العلاقة بين المملكة المتحدة والسعودية وأن فشله سيضر بالمصالح الاستراتيجية للمملكة المتحدة، وهي نقطة أكدها الأمير محمد بن سلمان لبوريس جونسون عبر رسالة نصية في يونيو/حزيران 2020.
وبعيدًا عن تلويح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بأن فشل الصفقة كان سيعرّض الشراكة الاستراتيجية لعام 2018، والتي وعدت باستثمار 30 مليار دولار في المملكة المتحدة على مدى 10 سنوات، للخطر، تشير رسائل البريد الإلكتروني إلى أن المسؤولين البريطانيين دعموا الصفقة لأنهم اعتقدوا أنها قد تحسن صورة المملكة العربية السعودية في المملكة المتحدة، مما يوفر غطاء أكبر للعلاقات الثنائية.
وفي تصريحاتٍ أدلى بها خورخي فالدانو، اللاعب الأرجنتيني المُعتزل والمدير العام الأسبق لنادي ريال مدريد الإسباني، لصحيفة لا ناسيون الأرجنتينية منذ أيام، قال "يجب على أوروبا أن تتذكر أنها لعبت الدور الذي تلعبه السعودية اليوم في العشرين عامًا الماضية، حيث أفرغت أهم القارات من مواهبها. حسنًا، عليهم أن يعرفوا أن لديهم منافسًا يملك حقّين مشروعين: المال وحب كرة القدم". وربما يلخص ذلك مشكلة اختلاف العوامل التي يُنظر إليها إعلاميًا عند مناقشة القضايا الرياضية.
اقرأ/ي أيضًا
لاجئونا ولاجئوهم: نزوح الأوكرانيين يُحيي خطاب الاستشراق في تغطية الإعلام الغربي