صباح السابع من أكتوبر/تشرين الثاني الجاري، شهدت الأراضي المحتلة في غلاف غزة قصفًا صاروخيًا أطلقته كتائب عز الدين القسام، الذراع العسكري لحركة حماس، تزامن مع تسلّل عدد من المقاومين إلى المستوطنات جنوبي إسرائيل، برًا وجوًا وبحرًا، في عملية أسمتها الكتائب بـ"طوفان الأقصى".
اشتبك المقاومون بعد دخولهم الأراضي المحتلة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتمكنوا من أسر عشرات من الجنود والمستوطنين الإسرائيليين، موقعين في صفوف الاحتلال مئات القتلى والجرحى.
إسرائيل تعلن الحرب على غزة بالأسلحة والدعاية
رد جيش الاحتلال على عملية طوفان الأقصى، وسرعان ما أعلن حالة الحرب وأطلق عملية عسكرية باسم "السيوف الحديدية"، باشر فيها بقصف مكثف على قطاع غزة، أسفر عن تدمير عشرت المنشآت والمباني السكنية والتجارية والمساجد، واستهدف حتى المستشفيات.
من جهة أخرى، سعت دولة الاحتلال للترويج لروايتها وتبرير قصفها لقطاع غزة، عبر أساليب دعائية مختلفة منها ما تنشره صفحاتها وحساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، على غرار مقطع الفيديو الذي نشره الناشط الإسرائيلي حنانيا نفتالي، وقال فيه "إنها حرب بين الخير والشر، الحرب في إسرائيل لا تتمحور فقط حول الضحايا والجناة، بل طالما كانت تمثل الصراع بين الخير والشر".
ثم عرض نفتالي صورة لجندي إسرائيلي يسند مسنًا فلسطينيًا، مدعيًا أن الصورة توضح طريقة تعامل الإسرائيليين مع الفلسطينيين، لكنها لا تعدو أن تكون رواية انتقائية تتمثّل فيها إسرائيل دور الطرف الخيّر، ولا تعكس حقيقة الأوضاع في الأراضي المحتلة من ميز عنصري واعتداءات متكررة على المدنيين.
فمن اللقطات التي صنعها الاحتلال ويتم تداولها في كل أزمة، صورة تعود إلى عام 2015، لسيدة فلسطينية مسنة يقدم لها جندي إسرائيلي الماء.
إلا أن صحفيين من المنطقة، كشفوا أن السيدة الظاهرة في الصورة والمدعوة غالية العبد أبو ريدة، وهي من ذوي الإعاقة البصرية والحركية، تم إعدامها مباشرة بعد لحظات من التقاط هذه الصورة، على يد الجنود الظاهرين معها في الصورة.
وقد تكررت مشاهد اعتداء الجنود الإسرائيليين على المسنين والأطفال والنساء والمدنيين العزل، على غرار ما وقع في سبتمبر/أيلول عام 2020، حيث اعتدى جنود إسرائيلون بوحشية على مسن فلسطيني كان يبلغ من العمر حينها 65 سنة، اعتقله جنود الاحتلال خلال مظاهرة منددة بمصادرة الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، وإثر مشادة لفظية معهم قيدوه وداسوا على رقبته في مشهد أثار غضب الفلسطينيين.
كما يُظهر هذا المشهد منع جنود الاحتلال شابًا فلسطينيًا من عبور حاجز أمني، ثم طلبوا منه المغادرة، وبعد استجابته لطلبهم وأثناء مغادرته، أطلق أحد الجنود النار فأصابه في ظهره، دون سبب واضح.
إسرائيل لا تستهدف إلا “الإرهابيين”؟
عرض نفتالي مجموعة مشاهد أكّد من خلالها أن إسرائيل لا تستهدف إلا “الإرهابيين”، مشيرًا إلى أن حماس هي من تستهدف المدنيين والنساء والأطفال. وعرض بين المشاهد صورة ادّعى أنها تُظهر أسر حركة حماس لمدنية إسرائيلية.
فيما كانت الحركة قد أوضحت أنها لمشاهد اقتياد مجندة إسرائيلية إلى داخل قطاع غزة.
أما بخصوص ادّعاء نفتالي بأن إسرائيل لا تستهدف إلا الإرهابيين، فقد صرّحت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، بأن 60% من المصابين جراء القصف الإسرائيلي بعد عملية طوفان الأقصى، كانوا أطفالًا ونساءً.
فيما أفاد المتحدث الرسمي باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، بأنه تم قصف خمسة مستشفيات في غزة، خلال الحرب الجارية على القطاع.
أكثر جيش أخلاقي في العالم؟
وبالتزامن مع قوله إن الجيش الإسرائيلي هو أكثر الجيوش أخلاقًا في العالم، عرض نفتالي صورتين، تُظهر الأولى عنصرًا نسائيًا من الشرطة الإسرائيلية تساعد امرأة مسنة مسلمة في المدينة القديمة في القدس.
ولكن الصورة انتقائية لأنّها لا تعكس حقيقة ما توثقه كاميرات الصحفيين، لاعتداءات الشرطة المستمرة على الفلسطينيين المدنيين العزل، في المدينة القديمة، وكثيرًا ما طاولت اعتداءاتهم مسنين من الرجال والنساء.
علاوة، على اعتداءات جنود الاحتلال على المصلين في المسجد الأقصى، آخرها في مايو/أيار الفائت، بالرصاص المطاطي وقنابل الغاز والتي طاولت حتى النساء والمسنين.
أما الصورة الثانية، التي أشار إليها، فكانت لجنديٍّ إسرائيليٍّ وامرأة فلسطينية في مدينة الخليل، في مشهد يبدو فيه الجندي وكأنه يحاول حماية المرأة الفلسطينية من إطلاق الرصاص، ولكن الحقيقة المجتزأة من سياق الصورة هي أن الجندي الإسرائيلي الظاهر في الصورة، كان يوجّه سلاحه صوب شبّان فلسطينيين، والجنود الظاهرون خلفه، كانوا المسؤولين عن قمع واعتقال الشبّان الفلسطينيين، في القدس والخليل، آنذاك.
وفي اليوم الذي نُشرت فيه الصورة، أصيب العشرات من المواطنين اختناقًا خلال مواجهات اندلعت بين شبّان فلسطينيين وجنود جيش الاحتلال الإسرائيلي للّيلة الثانية على التوالي، بعد اقتحام الجنود لمركز مدينة الخليل.
شيطنة حماس لتبرير العنف تجاه الفلسطينيين
اعتمد نفتالي في خطابه على شيطنة الطرف الآخر والذي اختزله في حماس، لتبرير جرائمه ضد الفلسطينيين في غزة، في حين يضم القطاع ما يزيد على مليوني فلسطيني، أغلبهم مدنيون.
كما عمد إلى توصيف المواجهة الدائرة في القطاع على أنها حرب بين الخير والشر، على اعتبار أن الطرف الخصم يمثل الشر المحض، ويُنظر له ككتلة واحدة لا تتجزأ دون تفريق بين المدنيين والأجهزة العسكرية، نافيًا بذلك عن الطرف الآخر حقه في المطالبة بأي حقوق إنسانية، ومبررًا كل أشكال الاعتداء عليه.
وخير مثال على هذا الخطاب، تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الأخيرة، التي وصف فيها الفلسطينيين داخل القطاع بالحيوانات البشرية، إذ قال يوآف غالانت حول فرض الحصار على غزة "نفرض حصارًا كاملًا على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقًا لذلك".
قصف مكثف على غزة بالتزامن مع قصف المقاومة لعسقلان
ويستمر القصف على قطاع غزة حتى لحظة نشر هذا المقال، ووفقًا لآخر تحديثات صدرت عن وزارة الصحة الفلسطينية، فإن عدد القتلى في قطاع غزة بلغ 1055 قتيلًا إلى جانب 5184 جريحًا.
في حين قُتل 23 شخصًا وأصيب 130 آخرين في الضفة الغربية.
من جهة أخرى، قصفت المقاومة الفلسطينية مواقع مختلفة في الأراضي المحتلة المجاورة للقطاع وخاصة في مدينة عسقلان، إذ أعلنت المصادر الإسرائيلية عن ارتفاع حصيلة القتلى إلى أكثر من 1000 شخص، نتيجة عملية طوفان الأقصى.
اقرأ/ي أيضًا
الفيديو ليس للجنود الإسرائيليين الذين أسرتهم حركة حماس
فيديو قديم لقصف مدفعي في إدلب وليس لرشقات صاروخية من قطاع غزة