نشر الصحفي والناشط الإسرائيلي إيدي كوهين منشورًا على موقع إكس، انتقد فيه خروج مظاهرات مساندة لأهالي غزة في الوطن العربي، في الوقت الذي تعاني فيه سوريا أيضًا من قصف قوات النظام السوري، مدّعيًا أن الحرب الجارية على القطاع ما هي إلا "استهداف لمنظمة إرهابية" وأن عدد الضحايا المتضررين جراء القصف الإسرائيلي محدود جدًا، مضيفًا أن "دولة إسرائيل حريصة على المدنيين ولا تقصف موقعًا للإرهابيين إلا بعد توجيه نداء لإبعاد المدنيين". ولكن ما دقة الادعاءات التي نشرها كوهين؟
عدد ضحايا القصف الإسرائيلي على غزة محدود جدًا؟
حتى لحظة نشر هذا المقال، يستمر القصف الإسرائيلي على قطاع غزة منذ الأسبوع الفائت إثر تنفيذ حركة حماس عملية طوفان الأقصى، وبحسب آخر تحديثات وزارة الصحة الفلسطينية فإن عدد القتلى في قطاع غزة وصل إلى 2215 قتيل إضافة إلى 8714 جريح، فيما بلغ عدد الضحايا في الضفة الغربية 54 قتيلًا وأكثر من 1100 جريح.
الاحتلال الإسرائيلي حريص على حياة المدنيين؟
أما بخصوص ادعاءات كوهين بأن الاحتلال الإسرائيلي حريص على حياة المدنيين في غزة ولا يقصف إلا مواقع تابعة لحركة حماس، ويُبلغ المدنيين بإخلاء المنطقة قبل قصفها، فإنها ادعاءات كاذبة أثبتت زيفها الوقائع المنقولة من وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية.
في الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول، أفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن 60% من الإصابات التي لحقت بأهالي القطاع جراء القصف الإسرائيلي وقعت بين النساء والأطفال.
ومن جهته، صرّح سليم عويس، يوم أمس 13 أكتوبر، مدير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، لمراسل الأمم المتحدة أن أكثر من 500 طفل قتلوا في الحرب الجارية على القطاع، وأصيب أكثر من 1600 آخرين.
كما وثّقت وسائل الإعلام شهادات لمدنيين متضررين من قطاع غزة، استهدف الاحتلال منازلهم بعد وقت قصير من إنذارهم لم يتمكّنوا خلاله من إخلاء البيوت أو حتى دون إنذار مسبق.
وفي السياق، وثقت وسائل الإعلام الفلسطينية والعربية قصف الاحتلال الإسرائيلي لأحياء سكنية كاملة وتسوتها بالأرض، منها حي الرمال وحي الفرقان وحي النصر وحي الشيخ رضوان وحي الكرامة ومنطقة عبسان.
هل توجد مناطق آمنة في غزة؟
يضطر سكان غزة إلى الاحتماء بالمراكز الطبية والمستشفيات والمدارس هربًا من القصف، وذلك لعدم وجود ملاجئ مجهزة في غزة يحتمي بها المدنيون من القصف في الحروب. وفي أغلب الأحوال حتى الإخطار المسبق للأهالي لا يحميهم من الموت أو الإصابة بالقصف.
كان الاحتلال الإسرائيلي في بداية القصف على القطاع، يوم الثامن من أكتوبر الجاري، قد وجّه المدنيين إلى أربع مناطق آمنة حددها لهم لتجنب القصف الذي يستهدف مناطق سكنهم، وهي مركز مدينة غزة ومركز مدينة خان يونس ومركز مدينة رفح، والمأوى في مخيمات المركز.
إلا أن تحقيقًا لوكالة بي بي سي، أفاد بأن منطقتين من المناطق الأربع التي حددها الاحتلال، تم قصفهما لاحقًا، وهما مركز مدينة رفح الذي قصف يوم الأربعاء 11 أكتوبر الجاري في الساعة 13:34:28 بتوقيت غرينتش، ومركز مدينة خان يونس الذي قُصف يوم الثلاثاء العاشر من أكتوبر في الساعة 12:53:1 بتوقيت غرينتش، بحسب الدلائل البصرية التي تتبعتها الوكالة.
ذكر مراسل وكالة بي بي سي، عدنان البرش، أن المستشفيات باتت تُستخدم كملجأ للكثير من النازحين، إذ قال خلال تغطية له يوم الخميس الفائت "ذهبتُ إلى مستشفى أمس للتحدث إلى طبيب. وتفاجأت بعدد النازحين من بيوتهم الذين يستخدمون المستشفى ملجأً لهم". إلا إن مصادر عدة أفادت بأن المراكز الطبية والمستشفيات لم تكن حصنًا أمام القصف الإسرائيلي إذ صرّح المتحدث الرسمي باسم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني لموقع سكاي نيوز بأن خمسة مستشفيات في غزة تم استهدافها خلال الحرب الجارية على القطاع.
كما أفاد بيان صادر عن وزارة الصحة الفلسطينية اليوم السبت 14 أكتوبر، بأن القصف الإسرائيلي طاول 14 مركزًا طبيًا في القطاع، وأدى إلى توقف مستشفيين عن العمل ومصرع 28 عامل في القطاع الصحي وإصابة العشرات منهم.
من جهة أخرى، أفادت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) أن مدرسة تابعة لها، كانت تؤوي أكثر من 225 شخصًا نزحوا داخل قطاع غزة، تعرضت للقصف المباشر، ما أدى إلى إلحاق أضرار جسيمة، في حين أفادت بأن عشرات آلاف النازحين يحتمون في مدارسها، مرجحة ازدياد الأعداد مع استمرار القصف، إذ تمكنت الوكالة من إيواء 137.500 فلسطيني، لكنها تشعر بالقلق من أنها ستصل قريبًا إلى طاقتها الاستيعابية القصوى.
الحرب على غزة لا تستهدف حماس فقط
دائمًا ما يعمد الاحتلال الإسرائيلي إلى تبرير جرائمه وحربه على القطاع إعلاميًا، بكونه يستهدف حركة حماس، إلا أن الوقائع تشير إلى أن الخسائر الكبرى دائمًا ما تكون في صفوف المدنيين، ففي حين يصوّر الاحتلال وأذرعه الإعلامية أن كل حرب على القطاع هي حرب قوى الخير والشر، يصوّر إلى العالم بأن كل من يقطن داخل القطاع هو إرهابي، ويجب محاربته والقضاء عليه بكافة الوسائل، لكونه خطرًا يهدد العالم لا إسرائيل فقط.
ويتجاهل حقيقة وجود أكثر من مليوني مدني في القطاع الذي يعد أكبر سجن مفتوح في العالم، عانى سكانه على مدار أكثر من 16 عامًا من حصار شامل حرمهم أبسط حقوقهم الإنسانية من العيش بكرامة وأمان إلى حرية التنقل وغيرها من أساسيات الحياة.
وتتجلى حقيقة نظرة الحكومة الإسرائيلية إلى المدنيين في تصريحات مسؤوليها، ففي يحاول كوهين تبرير الحارب الجارية على القطاع بأنها "استهداف لمنظمة إرهابية"، كان قد صرّح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت مؤخرًا، عند إعلانه فرض حصار شامل على القطاع "نفرض حصارًا كاملًا على مدينة غزة، لا كهرباء ولا طعام ولا ماء ولا وقود، كل شيء مغلق، نحن نحارب حيوانات بشرية ونتصرف وفقًا لذلك".
ومن جهته، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استمرار الحرب على القطاع رغم دعوات دولية وأممية لمراعات الأوضاع الإنسانية.
قصف إسرائيلي على القطاع إثر عملية طوفان الأقصى
يأتي هذا القصف الإسرائيلي المكثف على القطاع، ردًا على عملية طوفان الأقصى التي نفذتها كتائب عز الدين القسام يوم السابع من أكتوبر الجاري، ضد الاحتلال الإسرائيلي والتي بدأتها بقصف صاروخي تجاه مستوطنات غلاف غزة، تزامن مع اقتحام مقاوميها الأراضي المحتلة وأسرهم عشرات الجنود والمستوطنين، ليردّ الجيش الإسرائيلي من جهته بإعلان الحرب على القطاع وبدأ عملية السيوف الحديدية، التي قصفت فيها العديد من المناطق داخل القطاع وأسفرت عن إبادة عائلات كاملة ومحوها من السجل المدني.
اقرأ/ي أيضًا
وصف إسرائيل بأنّها الخير الذي يواجه الشر في غزة: ما حقيقة الادعاءات المضللة لحنانيا نفتالي؟
من مظاهر انحياز وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل في تغطية الحرب على غزة