` `

المؤثرون الإسرائيليون وأسلوب التضليل تحت قناع السخرية

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
سياسة
23 أكتوبر 2023
المؤثرون الإسرائيليون وأسلوب التضليل تحت قناع السخرية
يمكن للأسلوب الساخر أن يزيد انتشار الدعاية الإسرائيلية (إكس)

تزامنًا مع الحرب الإسرائيلية على غزة، خصصت مواقع للنكات الساخرة نافذة أطلقت عليها اسم "حرب حماس وإسرائيل"، ومنها موقع 9GAG، الذي خصص وسمًا لغزة تضمن منشورات كثيرة من المحتوى الكوميدي والساخر. كما امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي بهذا النوع من المحتوى، الذي حصد تفاعلًا واسعًا وتخطى بعضه قيود وسائل التواصل حول محاربة المحتوى غير اللائق.

إلا أنّ هذا المحتوى يتضمن في كثير من الأحيان معلومات مضلّلة وخطابًا عنصريًا، ويخفي أحيانًا تزويرًا متعمدًا للوقائع، كما يهدف إلى تمرير رسائل تساهم في تبرير العنف وتأجيج خطاب الكراهية. مما يجعله شكلًا خطيرًا من أشكال الترويج للمعلومات المضلّلة من قبل شخصيات مؤثرة في الرأي العام.

الشكل عينة من المنشورات الكثيفة على موقع النكات الساخرة 9GA
الشكل عينة من المنشورات الكثيفة على موقع النكات الساخرة 9GA
الشكل عينة من المنشورات الكثيفة على موقع النكات الساخرة 9GA

شخصيات إسرائيلية فاعلة في السخرية المضلّلة

مع بداية الحرب على غزة، غيّر العديد من المؤثرين الكوميديين الإسرائيليين نوعية محتواهم، متجهين نحو تقديم رسائل سياسية مؤيدة لإسرائيل. على سبيل المثال، انتقل المؤثر الإسرائيلي Matanel Laiany من تقديم محتوى كوميدي عام إلى محتوى ساخر يحمل رسائل سياسية. ونشر لياني مقطع فيديو بعنوان "هذه هي البداية"، سخر فيه من معاناة الفلسطينيين في غزة وحوّل هذه المعاناة إلى مادة كوميدية، وذلك تزامنًا مع قطع إسرائيل إمدادات المياه والكهرباء عن القطاع، وحصد مقطع الفيديو تفاعلًا واسعًا، وتعليقات كثيرة مشبعة بالكراهية.

A screenshot of a person drinking water from a faucet

Description automatically generated

وأثارت ناشطة إسرائيلية انتقادات حادة بعدما نشرت مقطع فيديو يسخر من معاناة الفلسطينيين خلال القصف الاسرائيلي. في الفيديو، ظهرت المؤثرة وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية موحية للجمهور بأنّ الفلسطينيين يتظاهرون بالمعاناة، إذ وضعت الكاتشب على وجهها وعلى ملابسها. 

A screenshot of a social media post

Description automatically generated

وبشكل مشابه، نشرت المؤثرة Noya Cohen مقطع فيديو ساخر تنكرت فيه كامرأة فلسطينية تعيش تحت القصف الإسرائيلي. وفي الفيديو، قدّمت المؤثرة صورة للمرأة وهي تستخدم مواد تجميل تًغطّيها الأتربة، وفي النهاية عرضت مشهدًا يُظهر انفجارات وكأنّها جزءٌ من الحياة اليومية، في محاولة للتلاعب بحقيقة الواقع وإنكار الوضع الصعب الذي يواجهه الفلسطينيين جراء القصف الإسرائيلي.

A screenshot of a person wearing a black head scarf

Description automatically generated

مع تفشي هذا النوع من المحتوى الساخر وغيره، بدأ عدد كبير من المستخدمين، الذين تأثروا بهذا النوع من المحتوى، باستخدام الوسم الساخر "باليوود" أو "Pallywood"، بشكل واسع على وسائل التواصل الاجتماعي. ويُستخدم مصطلح "باليوود"، الذي يمزج بين كلمتي "فلسطين" و"هوليوود"، للتشكيك في صحّة الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو التي توثق العنف الإسرائيلي أو معاناة الفلسطينيين، وتصويرها على أنها "مسرحيات مفتعلة".

A screenshot of a video

Description automatically generated
A screenshot of a video

Description automatically generated

ما الذي يجعل السخرية أداة فعالة للتضليل؟

يمكن للمعلومات المضلّلة أن تصبح أكثر جاذبية عندما تُقدم بشكل ساخر أو بطابع فني عاطفي. وعادةً ما تملك الشخصيات الكوميدية علاقة تفاعلية مميزة مع جمهورها، مما يجعل هذا الجمهور يعجب بمحتواها بغض النظر عن مضمونه. 

بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمحتوى الساخر أن يشكل مصدرًا بديلًا للمعلومات السياسية التقليدية، بالنسبة لشرائح كبيرة من الجمهور. إذ يقدم هذا المحتوى بأسلوب فريد من نوعه، خاصة في ظل الكم الكبير من الأخبار والمعلومات، المتشابهة من حيث الأسلوبُ والصياغة. ولذلك، يتطلع الجمهور إلى العثور على محتوى متميز ومختلف، يُقدم بلغة مريحة وسهلة الفهم.

كما أنّ المحتوى الساخر يمكن أن يكون بديلًا للثقافة السياسية لشرائح واسعة من الناس، إذ يُشير الباحثون إلى أن قرابة 30 في المئة من الأميركيين يحصلون على المعلومة السياسية من برامج ساخرة مثل "The Daily Show" و "The Colbert Report" .

A screenshot of a cartoon

Description automatically generated

المحتوى الساخر يجعل الجمهور أكثر ميلًا لتصديق المعلومات المضللة

وبحسب الدراسات، تحرك السخرية عواطف عميقة لدى البشر "strong emotions"، وهذه العواطف الشديدة قد تؤثر بشكل سلبي على قدرة الأفراد على معالجة المعلومات بشكل منطقي. كما يمكن أن تجعل الأفراد أقل قدرة على التفكير بشكل منطقي وأكثر عرضة لاستخدام اختصارات عقلية (heuristic processing)، أو معالجة استنباطية (بدلًا من معالجة منهجية). لفهم المعلومات والأخبار. مما يمكن أن يزيد من احتمال قبول هذه المعلومات الخاطئة خاصة إذا تماشت مع اعتقادات الأفراد وميولهم. مثل الأيديولوجيا السياسية والقيم الدينية. تلعب هذه الاختصارات العقلية دورًا في خلق تبسيط مضلّل لقضية معقدة ومليئة بالتفاصيل كالقضية الفلسطينية.

من ناحية أخرى، وعند اختصار معاناة شريحة من الناس وتقديمها بشكل كوميدي، يسهل تجاهلها ويصبح التعاطي معها أقل جدّية ممّا يجب. هذا الأسلوب يمكن أن يقوّض من مستوى التعاطف الإنساني مع الضحايا، ويعفي من الشعور بالمسؤولية الشخصية تجاه ما يجري.

A screenshot of a social media post

Description automatically generated

المنشورات الساخرة المضللة تتخطى قيود مواقع التواصل

هنالك خطر أساسي يحيط بالمحتوى الساخر، وهو نجاحه في تفادي قيود وسائل التواصل الاجتماعي التي تضعها المنصات لمحاربة المحتوى غير اللائق. ونتيجة لذلك، يمكن للمنشورات الموسومة بأنّها ساخرة أن تنتشر لفترة أطول على هذه المنصات، ممّا يزيد من فرصها في نقل معلومات مضلّلة. وبالإشارة إلى ذلك، فإن عمليات الإبلاغ عن مقاطع الفيديو الساخرة، التي تحتوي معلومات مضلّلة قد لا ينفع غالبًا في محاربته، بسبب امتناع وسائل التواصل الاجتماعي عن إزالة هذا النوع من المحتوى، على اعتبار أنّه لا يحمل عنفًا صريحًا.

الشكل يشير لتحديات في الابلاغ وإزالة المحتوى المضلل الموسوم بأنه ساخر
الشكل يشير لتحديات في الابلاغ وإزالة المحتوى المضلل الموسوم بأنه ساخر

الدفع مقابل الترويج للرواية الإسرائيلية

منذُ بداية الحرب على غزة اتّهمت إسرائيل بتوجيه آراء المؤثرين لصالح روايتها، وبدفع مبالغ على وسائل التواصل الاجتماعي لتشكيل الرأي. وحسب البيانات المتوفرة عرضت وزارة الخارجية الإسرائيلية 30 إعلانًا ممولاً شوهدت ملايين المرات على  منصة إكس، وأكثر من 70 إعلانًا آخر على موقع يوتيوب، تم توجيه هذه الإعلانات بشكل خاص إلى الجمهور في الدول الغربية. من ناحية أخرى، ظهرت مقاطع فيديو تحدث فيها مؤثرون إسرائيليون أنّ جهات عدّة حاولت أن تدفع لهم الأموال، مقابل تغيير موقفهم حول ما يجري في فلسطين، أو تمرير رسائل سياسية مؤيدة لإسرائيل عبر صفحاتهم.

صورة متعلقة توضيحية
A screenshot of a child with her mouth open

Description automatically generated
A screenshot of a phone

Description automatically generated

نموذج لإعلان إسرائيلي مموّل على منصة إكس

تجدر الإشارة إلى أن تجنيد الكوميديين والمؤثرين الساخرين من قبل الأنظمة والحكومات، هو من الأساليب الشائعة خلال الحروب لترويج دعاية ذات أهداف متعددة، أهمها إعادة تشكيل الرأي العام أو تبرير العنف أو تجريد الضحايا من صفة الإنسانية، وتقليل حدة التفاعل مع معاناتهم.

اقرأ/ي أيضًا

أوجه التضليل في تحقيق أسوشييتد برس حول قصف المستشفى المعمداني

تقرير قديم لفرانس24 ولم يذكر مشاركة الطيران الإماراتي في القصف الجاري على غزة

الأكثر قراءة