` `

مدققو المعلومات يكشفون أبعاد حملات التضليل الإسرائيلية في الحرب على غزة

فريق تحرير مسبار فريق تحرير مسبار
سياسة
30 أكتوبر 2024
مدققو المعلومات يكشفون أبعاد حملات التضليل الإسرائيلية في الحرب على غزة
تسعى حملة باليوود إلى الانتقاص من حجم معاناة الفلسطينيين

مصطلح "باليوود" هو مزيج من كلمتي "فلسطين" و"هوليوود"، صاغه المؤرخ الأميركي ريتشارد لانديس في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ويشير المصطلح إلى الادعاء بأن التقارير الواردة من غزة مبالغ فيها أو مُتلاعب بها كجزء من جهد دعائي، بما يتضمن مزاعم بأن الفلسطينيين يستخدمون ممثلين، ويعدّلون اللقطات، ويحررون الصور بهدف تضليل المشاهدين.

يُستعمل هذا المصطلح بشكل متكرر من قبل مؤيدي إسرائيل، الذين يزعمون أنّ لقطات ملفقة لضحايا مدنيين، يتم تداولها للتأثير على الرأي العام وتضليل وسائل الإعلام العالمية.

ويرى الخبراء بأن "باليوود" هو مصطلح مهين مصمم عمدًا لتجاهل النضالات الحقيقية للمدنيين في غزة، ومحاولة محو إنسانية حياة الفلسطينيين من خلال تصويرها كعروض مسرحية مُفتعلة.

بالإضافة إلى ذلك، يستخدم مصطلح "غزة وود" على نطاق واسع من قبل مستخدمي الإنترنت، إذ يستبدلون كلمة "فلسطين" بكلمة "غزة" بطريقة تخدم نفس الغرض. الفرق الرئيسي بين "باليوود" و"غزة وود" هو أنّ "باليوود" هي رواية دعائية قديمة، في حين أنّ "غزة وود" هي رواية حديثة نسبيًا، ظهرت في سياق الحرب المستمرة على قطاع غزة.

لقطة شاشة من حساب GAZAWOOD على منصة إكس
لقطة شاشة من حساب GAZAWOOD على منصة إكس

ارتفاع استخدام وسم "باليوود" بعد السابع من أكتوبر

وفقًا لتحليل نشرته شبكة بي بي سي البريطانية، كان مصطلح "باليوود" الأكثر استخدامًا على مواقع التواصل الاجتماعي على مدار العقد الفائت، وخاصة على منصة إكس.

وخلال العدوان الإسرائيلي السابق على فلسطين في أعوام 2014، 2018، و2021، بلغ استخدام وسم "باليوود" ذروته، إذ ارتفع من 9500 استخدام إلى 13 ألف مرة شهريًا.

ومع ذلك، بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت، ارتفع عدد مرات استخدام الوسم إلى 220 ألف مرة في الشهر نفسه، وفقًا لبي بي سي.

لقطة شاشة من مقال بي بي سي
لقطة شاشة من مقال بي بي سي

وكشف التحليل أيضًا أن المصطلح تمت مشاركته من قبل مجموعة من المستخدمين، بمن فيهم مسؤولون إسرائيليون، ومشاهير، ومدونون بارزون من إسرائيل والولايات المتحدة، عبر منصات تواصل اجتماعي مثل إكس وفيسبوك وانستغرام.

علاوة على ذلك، أجرت مبادرة بريطانية تُدعى Logically Facts، وهي مبادرة لمكافحة المعلومات المضللة عبر الإنترنت، تحليلًا لبيانات مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك ويوتيوب وإكس وريديت، وذلك بين يومي 27 سبتمبر و26 أكتوبر 2023.

وأظهرت النتائج أن الإشارات إلى مصطلح "باليوود" ارتفعت بشكل مطرد في الأيام التي تلت السابع من أكتوبر، إذ ظهر المصطلح أكثر من 146 ألف مرة من السابع حتى 27 أكتوبر، وتمت مشاركته من قبل أكثر من 82 ألف مستخدم، وجاءت معظم الإشارات من الولايات المتحدة، تلتها الهند وإسرائيل.

الدعم المالي لحملة “باليوود”

اطلع مسبار على الحساب الرئيسي للحملة على موقع إكس، والذي يلعب دورًا رئيسيًا في نشر الدعاية، إذ تنشر الحملة منشورات باستمرار، وقد أنشأت صفحات عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، إلى جانب موقع ويب مخصص تم تسجيله منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2023.

تفاصيل تسجيل نطاق Gazawood.com (من موقع Who.is)
تفاصيل تسجيل نطاق Gazawood.com (من موقع Who.is)

لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الحملة تتلقى تمويلًا رسميًا من إسرائيل، لكنها تجمع الأموال عبر منظمة إسرائيلية تُدعى IsraelGives، وتتم عملية جمع التبرعات من قبل شخص يستخدم الاسم المستعار "ديفيد كوهين".

ووجد مسبار أن الحملة تهدف إلى جمع إجمالي 127 ألف دولار، إلا أنها جمعت حتى يوم 25 أكتوبر 2024 نحو 1168 دولارًا، وذلك قبل خمسة أيام من انتهاء فترة جمع التبرعات.

لقطة شاشة من حملة جمع التبرعات @GAZAWOOD1 (منصة IsraelGives)
لقطة شاشة من حملة جمع التبرعات @GAZAWOOD1 (منصة IsraelGives)

تهدف الحملة إلى أن تكون "مركزًا فعالًا للدعاية والإعلام"

وفي إطار حملة جمع التبرعات عبر موقع "IsraelGives"، أعلن المنظمون أن هدفهم هو تحقيق "أوسع انتشار لمحتواهم من أجل تغيير التوازن المناهض لإسرائيل، وأن تكون الحملة مركزًا فعالًا للدعاية والإعلام".

لقطة شاشة من حملة جمع التبرعات @GAZAWOOD1 (منصة IsraelGives)
لقطة شاشة من حملة جمع التبرعات @GAZAWOOD1 (منصة IsraelGives)

وانتشر مصطلح "هاسبارا" في أوائل القرن العشرين على يد الناشط والصحفي الصهيوني البولندي ناحوم سوكولو، ورغم تشابه "هاسبارا" مع أشكال الدعاية الأخرى، إلا أنه يركز غالبًا على الأحداث والروايات التي تستخدمها إسرائيل لتبرير سياساتها وأفعالها.

بالإضافة إلى إنّ أحد أهداف الهاسبارا هو تبرير الهجمات على المناطق المدنية، ونسب الخسائر المدنية إلى حماس، وفي خضم الإبادة الجماعية الحالية في غزة، تكثفت مبررات "الدروع البشرية"، إذ تصور الهاسبارا الإسرائيلية أوامر الإخلاء الجماعي في شمالي غزة على أنها محاولات لتقليل الخسائر المدنية، رغم الضرر الكبير الذي يلحق بالمدنيين.

كما يتم تصوير الضحايا الفلسطينيين للقوة العسكرية الإسرائيلية، ضمن هذه الرواية كـ"أضرار جانبية".

ورغم استخدام الهاسبارا بكثافة خلال الحرب الإسرائيلية الجارية، فإن الظروف القاسية في غزة تجعل من الصعب على الهاسبارا الحفاظ على نفس مستوى التأثير المقنع، إذ يتناقض الوضع المزري مع هذه المبررات.

"باليوود" و"غزة وود": سرديات الإنكار والتحيز التأكيدي

في سياق "باليوود" و"غزة وود"، فضلًا عن إنكار الأدلة الواضحة حول معاناة المدنيين في غزة، غالبًا ما يرفض بعض المستخدمين التقارير الإعلامية الواقعية بسبب تحيزاتهم التأكيدية. والتحيز التأكيدي هو ميل إدراكي يجعل الأفراد يفضلون المعلومات التي تتوافق مع معتقداتهم السابقة.

وقد وجد فريق مسبار أن الحسابات الرئيسية التي تقود سردية "باليوود" تبدو وكأنها تستمتع بالاهتمام الذي تحظى به. ورغم أنه من غير المؤكد ما إذا كان هؤلاء الأفراد يتلقون مقابلًا ماليًا للتقليل من معاناة الفلسطينيين، إلا أن حبهم للشهرة واضح.

ومن الأمثلة الحديثة، الحساب الرئيسي لـ "غزة وود" الذي يشارك تقارير فيديو مسبار وفرانس 24 التي تفضح ادعاءاتهم الفيروسية. 

لقطة شاشة من منشور @GAZAWOOD1 (على منصة إكس) لفيديو مسبار
لقطة شاشة من منشور @GAZAWOOD1 (على منصة إكس) لفيديو مسبار
لقطة شاشة من منشور @GAZAWOOD1 (على منصة إكس) لفيديو فرانس 24
لقطة شاشة من منشور @GAZAWOOD1 (على منصة إكس) لفيديو فرانس 24

وبدلاً من النظر إلى تحقيقات مسبار على أنها دحض وتحليل متحيز لرواياتهم، يقوم مروجو "باليوود" بنشرها باعتبارها تأكيدًا على صحة أعمالهم، على الرغم من وجود آلاف المقالات التي تدحض رواياتهم التي لا أساس لها من الصحة.

لقطة شاشة للتعليقات على منشور @GAZAWOOD1 على إكس
لقطة شاشة للتعليقات على منشور @GAZAWOOD1 على إكس
لقطة شاشة للتعليقات على منشور @GAZAWOOD1 على إكس
لقطة شاشة للتعليقات على منشور @GAZAWOOD1 على إكس

آراء مدققي الحقائق حول حملة التضليل "باليوود" و"غزة وود"

أجرى مسبار مقابلات مع ستة مدققي حقائق وباحثين من وسائل إعلام مختلفة، يتابعون ويكشفون بشكل نشط التضليل المعلوماتي الذي تروج له الحملة الإسرائيلية، وعندما طُرح عليهم سؤالان رئيسيان، كشفت إجاباتهم عن توافق كبير، وكانت الأسئلة كالتالي:

أولًا، ما هو الهدف الأساسي لهذه الحملة في اعتقادك؟

ثانيًا، هل تجد أن تحليلهم "المتحيز" لمقاطع الفيديو من غزة مدعوم بمصادر موثوقة؟ يرجى تقديم أمثلة إذا أمكن.

صرّح أول مدقق معلومات أجريت معه المقابلة، وهو صحفي ومنتج أفلام وثائقية طلب عدم الكشف عن هويته، أن الهدف الرئيسي للحملة هو التقليل من حقيقة معاناة الفلسطينيين أو حتى نزع الصفة الإنسانية عنها.

ووفقًا للصحفي، الذي يكتب بنشاط ضد الحملة، فإن هذا النوع من التضليل يسعى لتبرير الفظائع التي ترتكبها إسرائيل في غزة ولبنان حاليًا، عبر تحويل اللوم إلى الضحايا وصرف الانتباه عن الخسائر البشرية الحقيقية. علاوة على ذلك، لا يعتقد الصحفي أن الحملة مدعومة بمصادر موثوقة.

كما تحدث مسبار مع إيرماك كوتشوكاكسو، مدقق حقائق وصحفي في وكالة الأناضول التركية، الذي وصف الحملة بأنها منهجية وتهدف إلى إضفاء الشرعية على الهجمات المستمرة في غزة.

ويرى كوتشوكاكسو أن هدف الحملة هو إخفاء الأزمة الإنسانية التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، الذين يكافحون من أجل البقاء في ظل ظروف قاسية، وتحويل الانتباه عن الواقع المعاش على الأرض.

من جانبه، سلط إيرماك الضوء على مثال صارخ للتضليل الذي روجته الحملة وكان له تأثير كبير. ففي ديسمبر/كانون الأول 2023، ادعت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية على منصة إكس أن الطفل الفلسطيني الذي قُتل في الغارات الجوية الإسرائيلية كان مجرد دمية.

واكتسب هذا الادعاء زخمًا كبيرًا لدرجة أن كريستيان إستروسي، عمدة نيس، كرره في البرنامج التلفزيوني "يوم في السياسة"، زاعمًا أن الأمهات الفلسطينيات تظاهرن بأن "الدمى" هي أطفال رضع متوفيين. لكن تبيّن لاحقًا أن الطفل كان حقيقيًا، وهو محمد هاني الزهار البالغ من العمر خمسة أشهر، وقد فقد حياته في الهجوم.

كما أشار إيرماك إلى أنّ مصادر الحملة متحيزة ومدعومة من قِبل "أجهزة الصحافة والنشر المهمة، والسياسيين المهمين، وأحيانًا حتى حسابات وسائل التواصل الاجتماعي الرسمية الإسرائيلية".

ويعتقد سامي فاندرليب، الصحفي المستقل الذي يحقق مع موقع Drop Site ووحدة التحقيقات في قناة الجزيرة، أن الهدف الأساسي للحملة هو نزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين وتعزيز تصوير حياتهم على أنها أقل شأنًا، وأضاف سامي قائلًا إن "الحملة تجعل أولئك الذين يؤيدون إسرائيل ينظرون إلى حياة الفلسطينيين على أنها أقل قيمة، وبالتالي لا يشعرون بأي مشكلة في قتلهم"، مضيفًا لمسبار أنه لا يعتقد أنّ الحملة المؤيدة لإسرائيل تعتمد على مصادر موثوقة في تحليلها.

قدمت فاطمة الخطيب، مدققة الحقائق في المرصد الفلسطيني “تحقق”، تحقيقًا يتقصى بشكل تفصيلي حملات التضليل "باليوود" و"غزة وود" على مواقع التواصل الاجتماعي.

وأشارت إلى أن الهدف الأساسي لهذه الحملات هو تقويض الرواية الفلسطينية من خلال تصويرها على أنها غير موثوقة أو مبالغ فيها، ما يؤدي إلى تآكل التعاطف الدولي مع معاناة الفلسطينيين والتأثير على الرأي العام العالمي.

وأضافت أن الحملة تسعى إلى تشويه سمعة المحتوى الإعلامي الفلسطيني، وهو تكتيك مصمم لصرف الانتقادات عن إسرائيل. وأوضحت فاطمة أن انتقادات الحملة تعتمد في المقام الأول على "تفسير المحتوى بدلاً من تقديم أدلة ميدانية قاطعة"، مشيرةً إلى حالة مقتل محمد الدرة في عام 2000 كمثال واضح على كيفية عمل هذا النهج.

كما تحدث مسبار مع محقق من موقع OSINT، يعمل بنشاط على فضح الحملة الدعائية الإسرائيلية. وأوضح الباحث، الذي طلب عدم الكشف عن هويته، أن الهدف الأساسي للحملة هو إثارة الشكوك حول الوضع في غزة. وأشار إلى الاتهامات الأخيرة التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي ضد صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية بسبب عرضها صورة الناشط الغزي صالح الجعفراوي على صفحتها.

لقطة شاشة من تقرير صحيفة ليبراسيون
لقطة شاشة من تقرير صحيفة ليبراسيون

وعند سؤاله عن المصادر التي استخدمتها الحملة، أشار الباحث إلى أنه لم يجد أي مصادر موثوقة تم الاستشهاد بها. وأكد أن معظم الحالات تتضمن تلاعبات، مثل عكس التسلسلات لإثارة الشكوك أو استخدام نظريات مؤامرة لا أساس لها. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد الحملة على ما يُعرف بـ"حجة ميلفيه"، وهي مغالطة منطقية تقوم على وضع طبقات من الحجج غير الصحيحة معًا لخلق رواية تبدو أكثر إقناعًا.

كما أجرى مسبار مقابلة مع رنين عباهرة، مدققة الحقائق في مرصد "كاشف" الفلسطيني للتحقق والتربية الإعلامية. وأشارت رنين إلى أن الهدف الأساسي للحملة هو التلاعب والفبركة وزرع الشكوك حول مقتل وإصابة الفلسطينيين.

علاوة على ذلك، ذكرت رنين أنه خلال الحرب الجارية على قطاع غزة، تمت مراقبة العديد من الحسابات التي أُنشئت خصيصًا لنشر محتوى ضمن حملة "باليوود"، وتعمل هذه الحسابات، التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي وتروّج لرواية "باليوود"، بشكل منهجي وتفتقر إلى مصادر موثوقة تدعم مزاعمها.

اقرأ/ي أيضًا

باليوود: حملة إسرائيلية للتشكيك في مشاهد إصابة الفلسطينيين خلال الحرب على غزة

باليوود.. وسم اخترعه الاحتلال ليدّعي تمثيل الفلسطيني المأساة

الأكثر قراءة