قررت موسوعة "ويكيبيديا" للمعلومات الحرة متعددة اللغات، يوم الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، إضافة مقال بعنوان "الإبادة الجماعية في غزة –Gaza genocide" لقائمة الإبادة الجماعية على الموسوعة، والتي تضم معلومات عن جرائم الإبادة الجماعية عبر التاريخ، وتقول صحيفة جيويش جورنال Jewish journal أنّ القرار أتى بعد مشاورات محتدمة بين محررين مسؤولين عن الموسوعة باللغة الإنجليزية، حول وجوب تغيير وصف العدوان الإسرائيلي على غزة إلى إبادة جماعية.
ونقرأ في الوصف الخاص بمقال الإبادة الجماعية في غزة على موسوعة ويكيبيديا، إنّ "خبراء وحكومات ووكالات الأمم المتحدة ومنظمات غير حكومية اتهموا إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية ضد السكان الفلسطينيين أثناء غزوها وقصفها لغزة خلال الحرب المستمرة بين إسرائيل وحماس، وبحلول مارس/آذار من عام 2024، أي بعد خمسة أشهر من الهجمات، أسفرت العمليات العسكرية الإسرائيلية عن مقتل أكثر من 31 ألف فلسطيني، أي شخص من بين كل 75 شخصًا في غزة، بمعدل 195 حالة قتل يوميًا، ونحو 40 ألف حالة وفاة مؤكدة بحلول شهر يوليو/تموز الفائت".
ويضيف أنّ "معظم الضحايا الفلسطينيين يعدون من المدنيين، بما في ذلك أكثر من 25 ألف امرأة وطفل و108 صحفيًّا، وهناك آلاف الجثث المتواجدة تحت أنقاض المباني المدمرة، وبحلول مارس 2024، قُتل 374 عاملًا في مجال الرعاية الصحية في غزة".
وكان المقال السابق يحمل عنوان "ادعاءات بقيام إسرائيل بإبادة جماعية في قطاع غزة خلال عملياتها العسكرية بداية من عام 2023"، وتغير ليصبح "إبادة جماعية في قطاع غزة"، بعد نقاش دار بين المحررين المسؤولين، إذ انقسموا لفريقين، أحدهما متفق على التسمية، بدعوى أنها تغير طبيعي، نسبة لاعتبار العديد من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، وأكاديميين حول العالم ما يحدث في غزة على أنه إبادة جماعية، أما القسم الثاني فكان رأيه أنّ المعطيات غير واضحة، ومازال عليهم انتظار حكم محكمة العدل الدولية النهائي.
وبعد التصويت الذي أجري لاتخاذ قرار بتغيير الاسم لإبادة جماعية في غزة، قال ستيوارت مارشال، وهو محرر مسؤول في ويكيبيديا، بعد أن توصلوا إلى إجماع لصالح إدراج غزة في قائمة الإبادة الجماعية عبر التاريخ، إنّ القرار أتى على أساس "قوة الحجج" التي قُدمت، مضيفًا أنه قد تجاهل الحجة القائلة بأنّ العلماء لم يتوصلوا بعد إلى استنتاج بشأن ما إذا كان ما يحدث في غزة يعتبر إبادة جماعية أم لا.
وأضاف أنّ المسألة لا تزال محل نزاع، ولكن هناك مجموعة كبيرة من المصادر العلمية المرتبطة بهذه المناقشة، والتي تظهر هيمنة واضحة للأكاديميين الذين يقولون إنها بالفعل إبادة جماعية، مؤكدّا أنه تجاهل أيضًا الحجة القائلة بأنّ الأمم المتحدة أو المحاكم الدولية هي فقط من تقرر ما يعد إبادة جماعية وما ليس كذلك، إذ تتبع ويكيبيديا المصادر العلمية.
محاولات إسرائيلية للهيمنة على الرواية التاريخية عبر استخدام ويكيبيديا
نشرت الصحيفة المستقلة ذا إليكترونيك إنتفاضة، يوم 21 إبريل/نيسان عام 2008، تقريرًا خاصًا، يفيد بأنّ "لجنة الدقة في إعداد التقارير عن الشرق الأوسط في أميركا" والمعروفة اختصارًا باسم "كاميرا Camera"، وهي منظمة ضغط إسرائيلية في أميركا، قد أدارت حملة سرية للتلاعب بمحتوى الموسوعة الإلكترونية الشهيرة ويكيبيديا، لإعادة كتابة التاريخ الفلسطيني، وتمرير الدعاية الإسرائيلية على أنها حقائق، وعملت على الاستيلاء على الهياكل الإدارية في ويكيبيديا لضمان عدم الكشف عن هذه التغييرات أو تحديها، وذلك بعد اطلاع الصحيفة على مجموعة من رسائل البريد السرية لهذه المجموعة.
وبحسب التقرير، فإن العملية تجري من خلال تقديم مجموعة من المحررين الذين يتم تعيينهم عبر "كاميرا"، على وظائف بشكل مستقل دون ذكر تحيزاتهم وتوجهاتهم السياسية، حتى وصولهم لمراتب ووظائف إدارية للسيطرة على الهيكل التحريري للموسوعة، ثم كتابة آراء تتماشى مع الدعاية الإسرائيلية بطريقة تُقرأ على أنها حقائق وليست دعاية. ويستشهد التقرير بإحدى رسائل الإداريين في كاميرا، يدعى جلياد إيني، يقول فيها "تخيل أنك تخلصت من أو عدلت جملة إشكالية في مقال يزعم أنّ الفلسطينيين أصبحوا انتحاريين للرد على سياسات إسرائيل القمعية، ويجب عليك، بالتوازي حينها، إضافة تعليق على صفحة مناقشة تلك المقالة".
ويضيف الإداري “تجنب الدفاع عن التعديل بالقول إنّ سياسات إسرائيل ليست قمعية، لأنها حيلة دفاعية، لكن صف كيف تنتهك هذه الجملة سياسات ويكيبيديا وإرشاداتها”.
وأشار أيضا بحسب التقرير، إلى أن "أحد المبادئ الأساسية هو أنّ الملاحظات التي يضيفها المحرر يجب أن تلتزم بوجهة نظر محايدة، لذلك سيكون من الأفضل أن نضيف ملاحظة في صفحة المناقشة تقول بأنّ هذه الجملة أو تلك تنتهك سياسة الالتزام بوجهة النظر المحايدة في ويكيبيديا، إذ إنّ وصف سياسات إسرائيل بأنها "قمعية" هو رأي".
وفي السياق ذاته، نشرت صحيفة ذا غارديان البريطانية، تقريرًا عن مبادرة لتعليم "السياسات التحريرية الصهيونية" لاستخدامها في تعديل المعلومات الموجودة على موسوعة ويكيبيديا، وهي مبادرة أطلقت في إسرائيل شهر أغسطس/آب عام 2010، وتطمح لمراجعة وإعادة كتابة المحتوى الخاص بإسرائيل وفلسطين، من خلال نشر الرواية الإسرائيلية على الموقع، إذ يدعي القائمون على المبادرة أن العالم لا يعلم بما يكفي عن الإسرائيليين.
ويضيف نفتالي بينيت، رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي سابقًا والمدير العام السابق لمجلس مستوطنات الضفة، وأحد أعضاء المبادرة، أنّ خريطة إسرائيل على سبيل المثال لا تحتوي على مسميات مثل مرتفعات الجولان، جوديا وسوماريا، مشيرًا إلى مرتفعات الجولان السورية، والضفة الغربية المحتلة عام 1967، بالإضافة لمحاولة القائمين على المبادرة لتغيير اسم عاصمة فلسطين من القدس إلى جوروزاليم، أو إطلاق اسم "الأحياء السكنية" على المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.
ويظهر نفتالي في مقطع فيديو نشر على موقع يوتيوب في أغسطس عام 2010، وهو يقول أنّ الهدف من المبادرة هو تعليم المحررين كيفية تحرير المحتوى على ويكيبيديا، مؤكدًا أنّ الموسوعة أصبحت المصدر الأول للمعلومات لملايين مستخدمي الإنترنت حول العالم، مضيفًا أنهم يطمحون لترسيخ الرواية الصهيونية في أي عملية بحث عن قضية تخص فلسطين وإسرائيل.
ويكيبيديا ليست مصدرًا موثوقًا للمعلومات
تطرح جامعة هارفارد الأميركية على موقعها الرسمي سؤالًا بعنوان “ما هي مشكلة ويكيبيديا؟”. وتجيب بأنه يمكن لمتصفحي الإنترنت استخدام موسوعة ويكيبيديا في بعض الحالات، مثل التعرف على موضوع ما بشكل سطحي وغير متعمق، أو التعرف على مقدمات مبحث علمي معين، ولكنه غير مخصص للاستخدام الأكاديمي أو الاستشهاد به كمصدر موثوق في حد ذاته، إذ إنه متاح للتعديل والتغيير من قبل الجميع، وبالرغم من أنّ هناك محررين مسؤولين عن المحتوى الموجود على الموسوعة، لكن لا يمكنهم التحقق من صدقية جميع المعلومات الموجودة عليها. وتنصح مستخدمي ويكيبيديا بالاطلاع على المصادر التي استشهد بها المحررون أو الكتاب، والتأكد من موثوقيتها أولًا قبل الاستشهاد بها واعتمادها.
وتكمن أهمية موسوعة ويكيبيديا في عدد زوارها الذي يقدر بالمليارات شهريًا، وملايين المقالات المكتوبة ب 339 لغة مختلفة، إذ وصل عدد زوار الموسوعة في شهر مارس من العام الجاري، إلى أكثر من أربع مليارات زائر، حسب إحصائية موقع ستاتيستكا.
وتقع الموسوعة في المرتبة السابعة حول العالم من حيث عدد الزيارات لموقع ذو محتوى مولد من قبل المستخدمين. وتحتوي النسخة الإنجليزية من الموسوعة على ما يقارب سبعة ملايين مقالة، وهي أكبر قسم من حيث عدد المقالات على ويكيبيديا.
اقرأ/ي أيضًا
كيف رسمت منظمة ضغط إسرائيلية السياسة التحريرية لعشرات وسائل الإعلام الغربية؟
كيف تسهم شركات التكنولوجيا الكبرى مثل غوغل وأمازون في دعم الجيش الإسرائيلي خلال حربه على غزة؟