يحلّل "مسبار" في هذا التقرير محتوى شبكة من الحسابات العربية على منصة إكس، تنشر بانتظام معلومات مضلّلة ومنشورات تحريضية موجهة للمستخدمين الناطقين باللغة العربية. ويكشف التحليل كيف كان تركيز كل حساب، من الحسابات التي رصدها مسبار، على بلد بعينه، على نحو يستفزّ الجمهور ويحرّض على العنف والتشهير بالأشخاص.
تغذية خطاب الكراهية بين العرب
بمراجعة منشورات الحسابات، لاحظ مسبار توجهها نحو التحريض ونشر خطاب الكراهية بين العرب، إذ يتعمّدُ مسيّروها نشر تغريدات تتبنى خطابًا يدعو لتصعيد العنف العرقي وتأجيج الانقسامات. ومن أمثلة ذلك الخطاب منشورات تهدف إلى إثارة التفرقة بين الفلسطينيين والأردنيين أو بين غيرهم من الشعوب. وتستغل الحسابات في ذلك مظاهر التنوع واستراتيجية تضخيم الحوادث وتكرار نشر المحتوى المثير للجدل، مما يعزز انتشاره ويعطيه طابعًا عامًا. ويعدّ خطاب الكراهية في كثير من الأحيان شكلًا من المعلومات المضلّلة، كونه يسعى لنشر أفكار مغلوطة باستخدام لغة تحقيرية أو تمييزية تجاه شخص أو مجموعة ما على أساس الهوية، أو الدين أو العرق أو الجنس أو أي عامل هوية آخر. ويؤدي خطاب الكراهية على المدى الطويل إلى تكريس الانقسامات داخل المجتمع، وتقويض الفهم الصحيح للحقائق وللظواهر الاجتماعية.
منشورات تتماشى مع السردية الإسرائيلية
مع بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، استغلت هذه الحسابات الحدث وبدأت بالترويج لمعلومات مضلّلة، بررت من خلالها العنف الذي يتعرض له الفلسطينيون. كما عرضت بانتظام منشورات ساخرة وتحريضية ضد الفلسطينيين ومنشورات أخرى تماهت مع الرواية الإسرائيلية.
التشهير بالأشخاص والإضرار بحياتهم
تشارك هذه الحسابات بكثافة منشورات تشهير بالأفراد، ما قد يلحق الضرر بحياتهم الشخصية والمهنية، كما توجّه إليهم أصابع الاتهام دون الاستناد إلى أدلة. وتركز هذه الحسابات بشكل خاص على التشهير بالمقيمين العرب في دول الخليج والدول الأوربية، وتنشر حولهم معلومات حساسة تتضمن أماكن إقامتهم وأعمالهم وأرقام هواتفهم وصورهم، وتحقق تلك المنشورات تفاعلًا ورواجًا واسعين وتصل إلى ملايين المستخدمين. كما تحفز هذه الحسابات المستخدمين على الإدلاء بالمعلومات عن الأفراد المستهدفين عبر الرسائل الخاصة على منصة إكس ومن ثمة تنشر ما يصلها بشكلٍ مباشر دون التحقق من صحته.
تعزيز الصورة النمطية
تتعمّد شبكة الحسابات تعميم صور نمطية عن بعض الشعوب العربية. فعلى سبيل المثال، يستغلُّ مسيّرو الحسابات تصرفات فردية حقيقية لتعميم الأحكام وتأكيد الصورٍ النمطية حول الشعوب، ويستخدمون في ذلك أنصاف الحقائق أو السخرية، ويساهم ذلك في إضفاء نوع من الصدقية على المعلومات المضلّلة.
ولاحظ مسبار أثناء مراجعته مضامين الحسابات، تركيزها على المقيمين العرب في دول الخليج، إذ استغلت جرائم ومشكلاتٍ تورّط فيها بعض المقيمين للتحريض ضد المقيمين، الذين يشاركونهم الجنسية نفسها.
وتعزيز الصورة النمطية أسلوب يسّهل على المتلقي تقبل المعلومات المضلّلة. فبالإضافة إلى كونه تصوّرًا مبسطًا عن شخص أو مجموعة أو قضية معينة، هو يدعم أيضًا الأفكار الأحكام والاعتقادات المسبقة لدى فئة معينة من الجمهور، ما يجعل هذه الأخيرة أكثر ميلاً للاقتناع بسبب تحيزاتها الإدراكية، وأهمها الانحياز التأكيدي.
وتُستخدم الصور النمطية لتقديم فكرة عامة عن أمر ما دون الحاجة إلى الخوض في تفاصيله، وقد تكون إيجابية أو سلبية، بحسب السياق والثقافة والتجارب الشخصية للأفراد. ورغم ذلك، يبقى استخدامها خطيرًا، فقد يؤدي إلى تشويه أو تضليل صورة جهة معينة، ما قد يعرّضها للتمييز أو الظلم.
تغذية التوترات الطائفية بين الجمهور العربي
لا تكتفي هذه الحسابات باستخدام الحقائق المجتزأة للترويج للخطابات المضلّل والعنصرية بين الشعوب العربية، بل تسعى أيضًا إلى استغلال التوترات الدينية واستخدامها كمحرك للنزاعات الطائفية والانقسامات. وبالتحقق استطاع مسبار تعقب صفحتي "السنة out of context" و "الشيعة out of context"، اللتين تغذيان الخلاف بين السنة والشيعة، ففي الوقت الذي ينشر فيه حساب "الشيعة out of context" منشورات مضللة وتحريضية ضد الطائفة السنّية، ينشط حساب "السنّة out of context" محتوى تحريضي مشابه ضد الشيعة. وتفتح هذه الصفحات المجال لمتابعيها والمستخدمين عامة لترك تعليقات تحريضية على منشوراتها، دون رقابة، مما يؤدي إلى تفاقم الانقسامات وتصاعد الاستفزاز والتحريض الطائفي بين المتابعين.
تنسيق منظم بين الحسابات
لا تعرف هوية من يقف وراء هذه الحسابات، إلّا أنّ نتيجة تعقبها تؤكد أنّها مرتبطة ببعضها البعض. وخلص مسبار إلى هذا الاستنتاج من خلال دراسة تفاعل الصفحات مع بعضها البعض، ومراجعة أسلوب الكتابة المستخدم. كما يمكن ملاحظة النشاط اليومي للحسابات وعلى مدار الساعة، وهو مؤشر على جهود منّسقة ومنظمة.
ومن ناحية أخرى، يلاحظ أنّ جميع هذه الحسابات تحمل علامة التوثيق الزرقاء، التي قد تساهم في انتشار المعلومات المضلّلة وتزيد شعبية الحسابات.
قبل عام 2023، كان نظام توثيق الحسابات بالعلامة الزرقاء على إكس (تويتر سابقًا)، خاصية مهمُّة ساعدت في تمييز الحسابات ذات السُمعة الجيدة وتلك التي تتمتع بالصدقية عن حسابات المنتحلين والمحتالين، وكان ذلك يحدُّ من انتشار المعلومات الخاطئة. غير أنّ قرار مالك منصة "إكس" الجديد، حينها، بإتاحة الحصول على علامة التوثيق الزرقاء لجميع المستخدمين مقابل اشتراك شهري، ساهم في مفاقمة مشكلة انتشار المعلومات المضلّلة، إذ سمح لأي كان بالحصول على علامة التوثيق الزرقاء، دون مراجعة لحسابه ومحتواه أو تثبّت من هويته.
أوجه الخطر الذي يشكله محتوى شبكة الحسابات
عندما يتعلق الأمر بعواقب المعلومات المضلّلة وخطاب الكراهية بين الشعوب والأقليات الدينية والعرقية، فإنّ المخاطر حقيقية وعالية جدًا. لذا فإنّ الحاجة إلى مواجهتها بفعالية ضرورة مُلحة، فقد أشارت دراسات إلى أنها قد تساهم في نشر التطرف وتزيد احتمال وقوع أعمال عنف.
المشكلة أيضًا في هذا النوع من المحتوى هي أنّه غالبًا ما يستخدم لغة عاطفية، ويستند إلى ادعاءات لا يمكن التحقق منها بسهولة. على سبيل المثال، يؤدي استخدام المبالغة أو الإثارة أو تبادل المعلومات الحساسة لجعل المعلومات تبدو صادقة ظاهريًا ومثيرة للاهتمام. كما يمكن أن تقوض مقدرة الأفراد على التفكير بشكل منطقي، وتجعلهم أكثر عرضة لاستخدام الاختصارات العقلية (Heuristic Processing)، أو المعالجة الاستنباطية (بدل المعالجة المنهجية) لفهم المعلومات. يمكن أن يزيد ذلك احتمال قبول المعلومات الخاطئة، خاصة إذا تماشت مع اعتقادات الأفراد وميولهم المسبقة.
كما تعزز تلك المنشورات أيضًا الانحياز التأكيدي، وتثير الانفعالات العاطفية ومشاعر مثل الخوف والغضب. ويعتمد الانحياز التأكيدي على اعتقادات قوية، قد تكون متجذرة في الثقافة أو التربية أو التجارب السابقة للشخص. قد تؤثر هذه الاعتقادات المسبقة على الطريقة التي ينظر بها الشخص إلى الأدلة والمعلومات، مما يزيد احتمال تجاهله الحقائق، التي تتعارض مع اعتقادات المسبقة. وفي المحصلة قد تترسخ هذه المنشورات وتترك انطباعات سلبية مستمرة لدى أولئك الذين يصادفونها، مما يؤدي إلى تقويض الحقائق المبنية على الأدلة.
اقرأ/ي أيضًا
شبكة حسابات تعتمد أسلوب السخرية من معاناة الفلسطينيين للترويج للدعاية الإسرائيلية