لا يبدو أن مروّجي الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة يولّون اهتمامًا كبيرًا للعواقب القانونية أو لحجم الضرر الذي يتركونه. إذ يزداد انتشار المعلومات المضللة باستمرار خصوصًا خلال الأوقات الحرجة مثل الصراعات أو الحروب أو الكوارث، ما يؤدي إلى أخطار جسيمة قد تهدد حياة الأفراد، وممتلكاتهم، وسلامة الدول حول العالم.
من الغرامات المالية والسجن، ومصادرة الأجهزة الإلكترونية والأموال والعقارات، إلى غيرها من العقوبات التي تطبقها الدول على ناشري التضليل. يستعرض هذا التقرير بعض القوانين التي تطبقها بعض الدول في مواجهة هذه المشكلة.
تُظهر المراجعة أن شكل العقوبات يعكس صرامة من قبل الحكومات للتصدي للمعلومات المضللة. إذ تتبنى الدول قوانين وتشريعات متنوعة لمكافحتها، وغالبًا ما تستند هذه القوانين إلى تشريعات قائمة، مثل قوانين العقوبات أو مكافحة الجرائم الإلكترونية، والتي توسع نطاقها لتشمل الجرائم المرتبطة بنشر المعلومات المضللة.
بعض التشريعات العربية لمكافحة المعلومات المضللة
تؤثر العوامل الثقافية والقانونية على طبيعة القوانين التي تتبناها الدول لمكافحة الأخبار الكاذبة. وبينما تتشارك العديد من الدول في قلقها إزاء هذه الظاهرة، تختلف آليات التعامل معها باختلاف الأنظمة القانونية والقيم السائدة. في السياق العربي، تعكس التشريعات الموجودة لمكافحة الظاهرة هذا التنوع مع مراعاة خصوصيات كل دولة.
المملكة العربية السعودية
تطلق النيابة العامة السعودية باستمرار تحذيرات رسمية من جريمة نشر الشائعات والترويج للأخبار الكاذبة التي تمسّ النظام العام. ويُحظر القانون السعودي بث الشائعات ونشر المعلومات والأخبار الكاذبة وكل ما من شأنه تضليل المجتمع أو المساس بأمنه الصحي والمجتمعي أو إثارة طمأنينة أفراده وسكينته. ويشمل التحذير إنتاج الشائعات، أو إعدادها، أو إرسالها، أو تخزينها عن طريق الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي.
وفقًا للنيابة العامة، سيتم تطبيق عقوبات بحق من يثبت تورطه بالترويج للشائعات، تشمل السجن لمدة تصل إلى خمسة سنوات، وغرامة تصل إلى ثلاثة ملايين ريال سعودي، إضافة إلى نشر الحكم في الصحف على نفقة المتورط.
وبحسب تقرير نشرته جريدة الوطن السعودية، أشارت النيابة العامة إلى إجراءات أخرى تتضمن مصادرة الأجهزة المستخدمة في الجريمة، مؤكدة أن العقوبات ستطاول أيضًا كل من حرض أو ساعد أو اتفق على ارتكاب أي من الأفعال الجرمية المذكورة بالعقوبة المقررة للفاعل الأصلي.
جمهورية مصر العربية
يتصدى القانون المصري لنشر الشائعات والبيانات والأخبار الكاذبة بعقوبات تشمل الحبس، والغرامة. ويحتوي قانون العقوبات المصري عدة مواد قانونية تتعلق بهذه الجرائم. وأبرزها المادة القانونية المشتركة (مجمعة من المادة 80 (د) والمادة 102).
وجاء في مضمون المواد بأنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على خمسة سنوات، وبغرامة لا تقل عن 100 جنيه مصري ولا تجاوز 500 جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أذاع عمدًا في الخارج، أو الداخل أخبارًا، أو بيانات، أو إشاعات كاذبة حول الأوضاع الداخلية للبلاد، إذا كان من شأن ذلك تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة، أو إضعاف الثقة المالية بالدولة أو هيبتها واعتبارها، أو باشر بأي طريقة كانت نشاطًا من شأنه الإضرار بالمصالح القومية للبلاد. وتكون العقوبة السجن إذا وقعت الجريمة في زمن الحرب.
كما جاء في المادة رقم 188 بأنه يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنة وبغرامة لا تقل عن 5000 جنيه ولا تزيد على 20 ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل من نشر بسوء قصد بإحدى الطرائق المتقدم ذكرها أخبارًا، أو بيانات، أو إشاعات كاذبة، أو أوراقًا مصطنعة، أو مزورة، أو منسوبة كذبًا إلى الغير، إذا كان من شأن ذلك تكدير السلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة.
الإمارات العربية المتحدة
يعاقب القانون الإماراتي على جريمة نشر الشائعات والأخبار الكاذبة وفقًا للمرسوم بقانون اتحادي رقم 34 لسنة 2021 بشأن مكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية. إذ تنص المادة 52 من المرسوم على عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن 100 ألف درهم لكل من يستخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات لإذاعة، أو نشر، أو إعادة نشر أخبار، أو بيانات زائفة، أو مضللة أو تخالف ما تم الإعلان عنه رسميًا، أو لبث دعايات مثيرة تهدف إلى تأليب الرأي العام، أو إثارته، أو تكدير الأمن العام، أو إلقاء الرعب بين الناس، أو الإضرار بالمصلحة العامة، أو الاقتصاد الوطني، أو النظام العام، أو الصحة العامة.
وتزيد العقوبة إلى الحبس لمدة لا تقل عن سنتين وغرامة لا تقل عن 200 ألف درهم إماراتي إذا ترتب على الأفعال المذكورة تأليب الرأي العام ضد سلطات الدولة أو مؤسساتها، أو إذا ارتكبت خلال زمن الأوبئة والأزمات والطوارئ أو الكوارث.
القوانين غير العربية لمكافحة التضليل
قد لا تختلف القوانين العربية عن غيرها في الهدف الأساسي المعلن والمتمثل في مكافحة انتشار الأخبار الكاذبة، إلا أنها تختلف في توجهاتها وأساليب تطبيقها. إذ تحارب القوانين العربية المعلومات المضللة تحت غرض رئيس يتمثل بحماية الأمن القومي والاستقرار، ومنع التشهير، وحماية الأفراد والمؤسسات.
بينما تتنوع القوانين الغربية التي صممت لمكافحة المعلومات المضللة إذ تميل أغلب هذه القوانين لمكافحة الظاهرة تحت هدف مُعلن يتمثل بحماية حقوق الأفراد وحرية التعبير والأمن العام ومحاربة خطاب الكراهية. بينما تشدد بعض الدول الغربية الخناق على نشر الأخبار الزائفة، معتبرة إياها تهديدًا للأمن القومي والاستقرار الاجتماعي. وقد تلجأ بعضها إلى فرض قيود صارمة على حرية التعبير وعقوبات مشددة على مروجي المعلومات المضللة.
على النقيض من ذلك، تفضل دول أخرى اتباع نهج أكثر ليبرالية، إذ تسمح بوجود هامش واسع من الحرية في التعبير، معتبرة أن حماية حرية الرأي والتعبير هي الضمانة الأمثل لكشف الأكاذيب ومواجهتها بالحجة والمنطق. ويمكن تفسير هذا التباين في التشريعات بعدة عوامل، منها طبيعة النظام السياسي في الدولة، وتاريخها في التعامل مع حرية التعبير، والمخاوف الأمنية التي تواجهها، إضافة إلى الضغوط التي تمارسها الجماعات المختلفة على صناع القرار.
الولايات المتحدة الأميركية
في الولايات المتحدة الأميركية توجد العديد من القوانين الفيدرالية التي تجرم الإدلاء ببيانات كاذبة، خاصة عندما تؤدي إلى عواقب سلبية كبيرة. أو عندما يتسبب نشرها لحدوث حالة من الذعر الجماعي وهدر كبير لموارد الحكومة، وعندها يصبح ذلك جريمة بالغة الخطورة.
من أشهر هذه القوانين، ما نشره المكتب الفيدرالي للمحاماة الجنائية على موقعه الرسمي، والذي يوضح أنه بموجب قانون المعلومات الكاذبة والأكاذيب، المسمى قانون الولايات المتحدة رقم 18، القسم 1038، يُحظر على أي شخص عمدًا نقل أي بيان كاذب أو مضلل حول أزمة كبرى، خاصة تلك التي تتضمن محاولة، أو مزاعم بمحاولة قتل، أو إصابة، أو تخويف أي فرد، أو مجموعة من الأفراد.
كما يحظر القانون على أي شخص نقل معلومات كاذبة مع العلم بأن هذه المعلومات من شأنها أن تسبب الخوف والذعر للآخرين. بناءً على الضرر الناجم عن نشر الأكاذيب، يمكن أن تصل عقوبة المدان بهذا الجرم إلى السجن لمدة تتراوح بين 5 سنوات ومدى الحياة.
إضافة إلى القانون السابق، يقول معهد المعلومات القانونية الأميركي في شرحه لنص المادة 35 حول عقوبة من يقدم أو ينقل معلومات أو يتسبب في تقديم أو نقل معلومات كاذبة، مع علمه بأن تلك المعلومات كاذبة، إنه قد يخضع لغرامة مدنية لا تتجاوز 1000 دولار.
وتبيّن المواد 97 و 111 أن من يقدم أو ينقل معلومات كاذبة عن عمد أو بإهمال جسيم، حول ارتكاب جريمة مشمولة في هذا القانون، يُعاقب بغرامة أو بالسجن لمدة تصل إلى خمس سنوات أو بالعقوبتين معًا، وذلك حسب خطورة الفعل وتأثيره.
روسيا
في روسيا، قد يواجه الأفراد عقوبات تشمل خسارة أموالهم وعقاراتهم، ومنعهم من استخدام الإنترنت إذا نشروا أخبارًا مضللة عن الجيش. وتتضمن القوانين الفيدرالية منع نشر المعلومات التي تعتبرها السلطات الروسية “غير موثوقة”. ومع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، شهدت روسيا تشديدًا على القوانين المتعلقة بنشر المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة، خصوصًا تلك التي تحتوي مواد تتعلق بالمساس بأمن الدولة أو القوات المسلحة.
من بين أشهر القوانين التي أقرتها روسيا، القانون الذي وقعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 14 فبراير/شباط 2024، والذي ينص على مصادرة الممتلكات كعقوبة على نشر أخبار كاذبة عن القوات المسلحة الروسية وارتكاب جرائم تضر بالأمن القومي.
وبحسب وكالة “تاس” الروسية للأنباء، فإن القانون الجديد في روسيا يوسع قائمة الجرائم التي يعاقب عليها بمصادرة الممتلكات. تشمل هذه الجرائم نشر معلومات كاذبة عن القوات المسلحة والدعوات لأنشطة ضد أمن الدولة، ينص القانون على مصادرة الأموال والأصول والممتلكات المكتسبة بوسائل إجرامية أو المستخدمة في تهديد الأمن القومي.
الصين
منذُ العام 2013، أصدرت المحكمة الشعبية العليا والنيابة الشعبية العليا في الصين حكمًا يقضي بأن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ممن ينشرون معلومات تشهيرية تتم مشاهدتها أكثر من 5000 مرة أو يعاد توجيهها أكثر من 500 مرة يمكن اتهامهم بالتشهير وسجنهم لمدة تصل إلى ثلاث سنوات. كذلك، فإن مشاركة معلومات كاذبة يعتقد أنها تسبب “اضطرابًا اجتماعيًا خطيرًا” قد تؤدي إلى تهمة “إثارة المشاجرات وإثارة المشاكل”، والتي تصل عقوبتها القصوى إلى السجن لمدة خمس سنوات.
وذكرت وكالة الأنباء الصينية الرسمية (شينخوا) أن القواعد تستهدف أولئك الذين يسعون إلى تشويه سمعة الآخرين وابتزازهم عبر الإنترنت، مضيفة أن هذه الحالات ألحقت ضررًا اجتماعيًا أكبر من الجرائم التقليدية، إذ أدى بعضها إلى تعطيل النظام الاجتماعي وإثارة الاضطرابات.
وأشارت هيئة الإذاعة والتلفزيون الصينية الرسمية إلى أن هذه القواعد تهدف إلى حماية حرية التعبير في الوقت الذي تحارب فيه الجرائم عبر الإنترنت.
ما مدى فاعلية قوانين مكافحة الأخبار الكاذبة؟
بوجه عام تتجلى صعوبة تطبيق هذه القوانين في استحالة معاقبة الحكومات لكل من ينشر محتوى زائفًا أو مضللًا على الإنترنت. كما أن ضمان فعالية القوانين التي تعاقب مروّجي الأخبار الكاذبة مسألة معقدة ومتعددة الأوجه، تتأثر بعوامل عديدة منها طبيعة التشريعات واختلافها من دولة إلى أخرى، وعدم وجود تعريف دقيق لمفهوم الأخبار الكاذبة والتضارب بين الحاجة إلى مكافحة الأخبار الكاذبة وحماية حرية التعبير وسرعة انتشار المعلومات.
كما تواجه هذه القوانين تحديات كبيرة تبدأ من صعوبة مواكبة التطورات التكنولوجية السريعة وانتشار المعلومات بسرعة عبر الإنترنت. فما قد يعتبر جريمة في وقت معين قد لا يكون كذلك في وقت آخر.
وهذا ما يجعل من الصعب وضع قوانين ثابتة وفعالة لمكافحة هذه الظاهرة. وتشمل التحديات أيضًا صعوبة تحديد نيّة الشخص الحقيقية عند نشره للمعلومات الكاذبة، خاصة إذا كان ما ينشره رأيًا خاصًا أو يعتمد على مصادر غير موثوقة.
انتقادات واسعة لتشريعات مكافحة المعلومات الكاذبة
تتعرض قوانين مكافحة التضليل حول العالم لانتقادات واسعة، فيرى البعض أنها غالبًا ما تكون فضفاضة وغير محددة، مما يفتح الباب لتأويل سلوكيات الأشخاص بطرائق متعددة، وفي بعض الأحيان قد تشكل هذه القوانين قيودًا تحد من حرية الصحافة ومهمة مكافحة التضليل ذاتها، وهذا ما يعكس تعقيد جهود تنفيذ الحكومات لإجراءات مكافحة التضليل.
على سبيل المثال، انتقدت عدة منظمات حقوقية المرسوم الذي أصدره الرئيس التونسي قيس سعيّد والذي يجرّم ترويج الأخبار الزائفة، واعتبرت هذه المنظمات أن ذلك خطر على حرية التعبير.
أمّا في الأردن فعبّرت عدة منظمات عن مخاوفها بخصوص قانون الجرائم الالكترونية الأردني، فيما عارض القانون عدة نواب ونشطاء أردنيين.
وفي أوروبا رأت منظمات حقوقية أن قانون مكافحة خطاب الكراهية الإيرلندي قادم من تصوّر رقابي وسيؤدي لإرساء سابقة شديدة القسوة ضد أولئك الذين يعبّرون عن معتقدات خارج نطاق السياسة الرسمية للدولة.
اقرأ/ي أيضًا
قوانينٌ لمكافحة الأخبار الزائفة أم لتقييد حريّة التعبير؟
هل تعرقل الرقابة الحكومية عمليات التحقق من الأخبار المُضلّلة؟