في 29 يوليو/تموز الفائت، وقعت حادثة طعن جماعي ضمن حفل للأطفال في مدينة ساوثبورت في ميرسيسايد، على بعد نحو 10 أميال شمالي ليفربول في المملكة المتحدة، وأودت بحياة عدد من الأطفال كما أُصيب آخرون، بحسب ما جاء في الإعلام الإنجليزي.
وعقب هذه الحادثة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصًا منصة إكس، معلومات مضللة حول هوية المهاجم وانتماؤه، الذي كشفته الشرطة في وقت متأخر، هويته.
يدعى منفذ الطعن أكسل روداكوبانا، يبلغ من العمر 17 عامًا وهو من مواليد كارديف في ويلز البريطانية، لأبوين من رواند.
ومنذ لحظة إعلان الأخبار عن الحادث حتى عصر اليوم التالي، بدأت تتزايد أعمال الشغب والعنف في شوارع بريطانيا، خصوصًا بعد انتشار روايات تدّعي أن "القاتل هو قاصر أجنبي مسلم"، وصبغت تلك الروايات بخطاب معاد للمسلمين والمهاجرين تصاعد على شكل أحداث عنف وتدمير للممتلكات. يقدم مسبار في هذا المقال قراءة في تسلسل صعود خطاب الكراهية ضد الأجانب والمسلمين بعد تلك الحادثة، نتيجة انتشار الأخبار المضللة في بريطانيا.
أحداث غزة واليمين المتطرف في بريطانيا
أظهرت بيانات منظمة (تيل ماما) والتي تراقب "جرائم الكراهية ضد المسلمين في المملكة المتحدة" بأن هناك زيادة بنسبة 335% في حالات الكراهية ضد المسلمين في المملكة المتحدة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث سُجلت أكثر من 2000 حادثة كراهية.
وبحسب تقرير المنظمة فإن الحالات المسجلة هي 901 حالة فعلية و1109 حالات عبر الإنترنت، مع استهداف النساء بشكل خاص. أغلب الحالات كانت في لندن، مع وجود 576 حالة، تليها مناطق شمال غرب إنجلترا وجنوبي يوركشاير. والنوع الأكثر شيوعًا من الحالات كان السلوك العدواني، مع 535 حالة، تلتها التهديدات والاعتداءات والأعمال التخريبية. والنساء كنّ الهدف الرئيسي، حيث استهدفت 65% من حالات الكراهية نساء مسلمات.
وأشارت المنظمة أن من يقف خلف حملات الكراهية ضد المسلمين هم أشخاص يدعمون اليمين المتطرف في بريطانيا، وينشرون تعليقات تحتوي تحريضًا على الكراهية ضد المتظاهرين، على منوال "اذهب إلى الجحيم مع دولة مسلمة".
وعلّقت منصة إكس عدة حسابات، أحدها كان حسابًا سأل المستخدمين سؤال كراهية "من سيفوز في الحرب الأهلية القادمة في بريطانيا؟"، مع تقديم خيارين "بريطاني" أو "مسلم"، وقد خلف السؤال ردودًا مختلفة من أفراد عبروا عن مشاعر معادية للمسلمين بشكل صريح، وتفاخروا بصور الصليبيين في سيرتهم الذاتية، وأدلوا بتعليقات عنصرية ومتطرفة حول المجتمعات الإسلامية، حسب ما رصد منظمة (تيل ماما).
ظهور روايات معادية للمسلمين بعد انتشار خبر الطعن الجماعي
لم يمض الكثير من الوقت حتى تداولت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، هوية مفترضة للقاتل، مدعية أنه من المهاجرين المسلمين. وكان أول منشور حول الموضوع لمستخدم في منصة إكس، شارك لقطة صورة منشورة على منصة الأعمال (لينكد إن)، وادعى أنه والد لطفلين كانا حاضرين في الحفل الذي جرى فيه الاعتداء.
زعم هذا المستخدم أن المهاجم "مهاجر"، واسمه "علي الشكاتي" (Ali al-Shakati). وأضاف أن المتهم "على قائمة مراقبة أمنية لجهاز الاستخبارات الداخلية البريطاني (Μ16)".
وتبيّن فيما بعد أن المعلومة كاذبة، لأن وكالة الأمن المسؤولة عن الإرهاب المحلي التابعة لجهاز المخابرات يرمز لها برمز (Μ15). كما زعم صاحب الحساب أن "المتهم علي معروف من قبل خدمات رعاية الصحة العقلية في ليفربول وكان طالبًا للجوء في المملكة المتحدة.
حصدت المنشورات التي شاركت هذا الادعاء تفاعلًا واسعًا، حيث وصلت إلى مئات الآلاف من المستخدمين على إكس. وقد تبين أن المعلومات الزائفة حول اسم القاتل استهدفت فئة محددة بناءً على تحليل المغردين دون الاعتماد على مصادر رسمية. ونتيجة لذلك، أصبح المسلمون والمهاجرون هدفًا لخطاب الكراهية وأعمال العنف بعد الحادثة.
تأخر ظهور اسم القاتل فاقم التضليل حول انتماء المتهم
في اليوم التالي من حادثة الطعن، كانت الشرطة لم تعلن بعد عن هوية القاتل، نظرًا لأن الجاني يبلغ من العمر 17 عامًا وهو قاصر بموجب القانون البريطاني، فلا يجوز نشر اسمه قانونيًا إلا بعد انتهاء الإجراءات القانونية. وهو ما ساهم في انتشار المعلومات الزائفة والأخبار المضللة، وبحلول الساعة الثالثة بعد الظهر في اليوم التالي للهجوم كان اسم (Ali al-Shakati) المزيف والذي أطلق على اسم القاتل الحقيقي أكسل روداكوبانا قد ورد حوالي 30 ألف مرة على إكس وحدها من أكثر من 20 ألف حساب.
كما انتشرت المزاعم الكاذبة على منصة تيك توك مع دعوات تحض على الكراهية والعنف، وتبين أن نتائج البحث على التطبيق تضع عبارة "اعتقال (على الشكاتي) في ساوثبورت" كمقترح رائج نتيجة عمليات البحث المكثفة عن الاسم.
كما نشرت عدة وسائل اعلام الخبر المضلل، لتشاركه عدة حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي ويصل لملايين الأشخاص.
حادثة التضليل خلقت فرصة لمعاداة المسلمين
زعم ناشرو الأخبار المضللة حول المتهم المفترض علي الشكاتي بأنه من أصول مسلمة وقد وصل إلى المملكة المتحدة عبر قارب صغير. وتعكس هذه السردية المضللة تمييزًا للشخص كمهاجر، أولًا، وكمسلم، ثانيًا. وبأن وصوله غير النظامي تزامن مع أفعال غير قانونية مثل الجريمة والعنف.
أحد المنشورات، والذي حظي بأكثر من مليون مشاهدة، جاء من حساب يدعي أن أوروبا “تتعرض لغزو”، ويصور المسلمين و/أو المهاجرين كهمجيين و"غزاة لأوروبا".
منصة إكس الأكثر نشرًا لأخبار الاسم الزائف
تزامنًا مع الحادثة أصبح اسم (Ali al-Shakati)، من المفردات الرئيسية التي أصبحت رائجة (تريند) في بريطانيا، وتم اقتراحه على المستخدمين ضمن قسم "ماذا يحدث".
وفي وقت سابق، قام مستخدم يدعى لورانس فوكس، والذي يمتلك أكثر من نصف مليون متابع على إكس، إلى الدعوة "لإزالة الإسلام من بريطانيا بشكل دائم وكامل" مستخدمًا الاسم المزيف الرائج للمهاجم. وقد حصل منشوره على أكثر من 850 ألف مشاهدة على المنصة حتى الليلة الأولى بعد الحادثة.
استغلت تيارات محسوبة على اليمين المتطرف في المملكة المتحدة، السياق، لتنظيم احتجاجات في اليوم التالي للهجوم.
وبدأت نشاطات اليمين المتطرف بالتزامن مع وقفة تأبين سلمية، نظمتها بلدية ساوثبورت، ما لبثت أن تضاعفت تحركاته التي خلفت أحداث شغب.
الأخبار المضللة تستهدف المهاجرين والأقليات بكثافة
تشير الدراسات إلى أن الأخبار الكاذبة غالبًا ما تستهدف بكثرة مجموعات، المهاجرين واللاجئين، مما يؤدي إلى زيادة العداء تجاه هذه الفئات وتعزيز التعصب والعنف ضدها.
علاوة على ذلك، أظهرت الأبحاث أن التعرض المستمر لخطاب الكراهية عبر الإنترنت يمكن أن يؤدي إلى تآكل التعاطف مع الأقليات ويزيد من قبول الأفكار المتطرفة، مما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى العنف الموجه ضد هذه الفئات. في بعض الحالات، كان خطاب الكراهية عبر الإنترنت مرتبطًا بشكل مباشر بهجمات عنيفة، كالتي حدثت مؤخرًا في بريطانيا وغيرها كالهجمات الإرهابية التي شهدتها دول مثل نيوزيلندا والولايات المتحدة، حيث اعتمد المهاجمون على أفكار كثير منها مضلل، نشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي لتبرير أفعالهم.
وتسعى الحكومة البريطانية لاتخاذ خطوات لمكافحة خطاب الكراهية ضد المسلمين، ولكن المخاوف لا تزال قائمة بشأن مدى انتشار هذه القضية وفعالية التدابير الحالية. إذ شهدت السنوات الأخيرة ارتفاعًا مقلقًا في جرائم الكراهية، بما في ذلك جرائم الكراهية ضد المسلمين في المملكة المتحدة.
من جهة أخرى، تستغل بعض الأطراف السياسية، مثل اليمين المتطرف، ظاهرة الإسلاموفوبيا لتحقيق مكاسب سياسية أو لتبرير السياسات التمييزية. وذلك باستخدام أدوات تضخيم خطاب الكراهية، وأهمها أداة التضليل الإعلامي.
أبرز الإجراءات الحكومية لمكافحة صعود خطاب الكراهية حديثًا
أعلن رئيس الوزراء كير ستارمر عن إنشاء وحدة جديدة لمكافحة اضطرابات العنف في إنجلترا بعد تصاعد الاضطرابات عقب الهجوم على عائلات في ساوثبورت، موضحًا أن هذا السلوك يعود لمجموعة ضئيلة وغير عقلانية من المجتمع. كما أكد على أهمية توفير الوقت للعائلات الحزينة لتحقيق العدالة دون التحيز للمحاكم. بالإضافة إلى ذلك، حذر ستارمر من أن الاضطرابات المدفوعة على الإنترنت تعتبر جريمة، وشدد على أن الحكومة ستعمل مع شركات مواقغ التواصل الاجتماعي لحل هذه المشكلة.
استثمرت الحكومة في برامج تهدف إلى مكافحة الإيديولوجيات المتطرفة، بما في ذلك تلك التي تستهدف المسلمين. ومن بين تلك الوسائل نذكر تشريعات جرائم الكراهية، حيث توجد قوانين لحماية الأفراد من التمييز وجرائم الكراهية على أساس الدين، بما في ذلك الإسلاموفوبيا. إلى جانب المشاركة المجتمعية والتي تعززها الجهود الجارية للتواصل مع المجتمعات المسلمة ومعالجة مخاوفها بشأن التمييز وخطاب الكراهية.
اقرأ/ي أيضًا
أبرز الادعاءات المضللة عن اللاجئين السوريين في تركيا بعد أحداث ولاية قيصري
كيف تستخدم مجموعات اليمين المتطرف الذكاء الاصطناعي لتوليد محتوى يحض على الكراهية؟