في السنوات الأخيرة، تحول تطبيق تيك توك من منصة ترفيهية إلى مصدر غير تقليدي للمعلومات الصحية، إذ أصبح العديد من المستخدمين يعتمدون عليه لفهم مشكلاتهم النفسية. وبينما ساهمت هذه الظاهرة في تعزيز الوعي بقضايا الصحة النفسية وتشجيع الحوار المفتوح حولها، إلا أنها تنطوي على مخاطر مقلقة، أبرزها التشخيص الذاتي الخاطئ نتيجة الاعتماد على محتوى غير موثوق.
التشخيص التفريقي للاضطرابات النفسية
تشخيص الاضطرابات النفسية مثل التوحد، اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD)، واضطراب الوسواس القهري (OCD)، يتطلب خبرة طبية عميقة ودراية واسعة بالتشخيص التفريقي، وهو عملية دقيقة تُستخدم لتمييز الأعراض المتشابهة بين الاضطرابات المختلفة. هذا التعقيد يجعل من المستحيل تقريبًا إجراء تشخيص دقيق دون مساعدة متخصصين مؤهلين.
يستخدم الأطباء نهجًا يعتمد على الأدلة والخبرة السريرية لتحليل الأعراض بدقة وإجراء التشخيص الصحيح. في المقابل، يعتمد منشئو المحتوى على "تيك توك" غالبًا على تجاربهم الشخصية، ما يجعل المحتوى عرضة للخطأ وسوء التفسير.
أظهرت دراسة نُشرت في مجلة التوحد واضطرابات النمو عام 2023 أن 41% من مقاطع الفيديو المتعلقة بالتوحد على منصة تيك توك احتوت على معلومات غير دقيقة، في حين بالغت 32% من هذه المقاطع في التعميم. وبالمثل، وجدت دراسة أخرى نُشرت عام 2022 في المجلة الكندية للطب النفسي أن 52% من مقاطع الفيديو المتعلقة باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة تضمنت معلومات مضللة.
اضطراب طيف التوحد: تحديات التشخيص
اضطراب طيف التوحد حالة معقدة تشمل مجموعة واسعة من الأعراض التي تتفاوت في شدتها بين الأفراد. يتداخل التوحد مع اضطرابات أخرى مثل اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، القلق الاجتماعي، أو عسر القراءة. فعلى سبيل المثال: تجنب التواصل البصري: يمكن أن يكون علامة على التوحد، ولكنه قد يظهر أيضًا كأحد أعراض القلق الاجتماعي. مشاكل التواصل وتأخر الكلام: تُعد من الأعراض المشتركة بين التوحد وعسر القراءة. السلوكيات المتكررة: قد تشير إلى التوحد، لكنها تظهر أيضًا في الإعاقة الفكرية واضطرابات أخرى. هذه التداخلات تزيد من احتمالية التشخيص الخاطئ عندما يتم الاعتماد على مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي.
اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (ADHD): صعوبة التمييز
تشخيص ADHD يواجه تحديات مشابهة بسبب التشابه الكبير بين أعراضه وأعراض اضطرابات أخرى. فمثلًا: صعوبة التركيز والتشتت: قد تكون من أعراض الاكتئاب أو القلق، وليس بالضرورة ADHD. فرط الحركة والاندفاع: قد يُفسر كعلامة على اضطراب ثنائي القطب، الذي يتميز بنوبات من الاندفاع والتقلبات المزاجية. مشاكل النوم: قد تكون مشتركة بين ADHD واضطرابات مثل القلق العام أو الاكتئاب. هذه التداخلات تزيد من احتمال التشخيص الخاطئ عندما يتم الاعتماد على مقاطع فيديو منشورة على مواقع التواصل الاجتماعي.
اضطراب الوسواس القهري (OCD): سوء الفهم والتبسيط
اضطراب الوسواس القهري هو حالة تتميز بأفكار وسواسية وسلوكيات قهرية تهدف إلى تقليل الضيق. إلا أن أعراضه قد تتداخل مع: اضطراب الشخصية الوسواسية: الذي يتميز أيضًا بالأفكار الوسواسية غير المرغوب فيها والأفعال القهرية اضطراب القلق العام: حيث يواجه الأفراد قلقًا مستمرًا وأفكارًا تدخّلية مشابهة. بالإضافة إلى ذلك، يُلاحظ وجود خلط شائع في الثقافة العامة بين اضطراب الوسواس القهري وما يُعرف بـ"وسوسة الشيطان".
تعد الأفكار الوسواسية في اضطراب الوسواس القهري جزءًا من حالة مرضية نفسية معترف بها علميًا، تنتج عن اختلال كيميائي في الدماغ، وتتطلب التدخل الطبي والعلاج النفسي المناسبين. أما وسوسة الشيطان فهي إيحاءات خبيثة قد يتعرض لها أي شخص، لكنها لا تترافق مع سلوكيات قهرية مستمرة، ولا تستدعي علاجًا طبيًا. هذا الخلط بين الحالتين يؤدي إلى تأثيرات سلبية على المصابين باضطراب الوسواس القهري، حيث قد يتجنب البعض طلب المساعدة الطبية الضرورية، معتقدين أن حالتهم ليست سوى "وساوس شيطانية" حسب وصف بعض صانعي المحتوى على تيك توك.
تأثير غرف الصدى على التشخيص الذاتي
التشخيص الذاتي من خلال وسائل التواصل الاجتماعي يعزز ما يُعرف بـ"غرف الصدى" الرقمية. إذ تقوم خوارزميات "تيك توك" بعرض محتوى مشابه لما شاهده المستخدم مسبقًا، مما يعزز القناعات الخاطئة. على سبيل المثال، إذا شاهد شخص محتوى عن اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، سيستمر التطبيق في تقديم مقاطع مشابهة، مما يعمق اعتقاد الشخص بأنه مصاب بهذا الاضطراب.
نصائح مقترحة للباحثين عن تشخيض لمشكلات نفسية
1. استشارة أخصائي الصحة النفسية التقييم المهني: هو الطريق الأمثل لتشخيص دقيق. يعتمد الأخصائيون على تاريخ شامل للفرد، يشمل الجوانب النفسية والجسدية والاجتماعية، للوصول إلى تشخيص وعلاج مناسبين.
2. الحد من التعرض لوسائل التواصل الاجتماعي وتقليل الوقت المخصص لتصفح المحتوى المتعلق بالصحة العقلية على تيك توك يمكن أن يقلل من التوتر والارتباك. من الأفضل متابعة المصادر الموثوقة أو المؤثرين المتخصصين في الصحة النفسية فقط.
3. التعامل مع وسائل التواصل الاجتماعي بحذر: يمكن استخدام تيك توك كنقطة انطلاق للوعي وليس كبديل للاستشارة المهنية. على المستخدمين التحقق من المعلومات ومراجعتها مع متخصصين قبل اتخاذ أي قرارات بشأن صحتهم.
4. تعزيز دور المؤسسات الصحية: ينبغي على الجهات الصحية نشر محتوى موثوق على المنصات الاجتماعية، لتوفير بديل علمي ودقيق للمعلومات المغلوطة.
اقرأ/ي أيضًا
التضليل يفاقم وضع المرضى: أبرز العلاجات المزعومة للسرطان على تيك توك
