` `

علم الأخبار الكاذبة: ما هي، وكيف نحمي أنفسنا منها؟

كيف تؤثر الأخبار الكاذبة على حياتنا، وكيف يمكن الحدّ منها؟
عمر فارس عمر فارس
علوم
9 مارس 2018
علم الأخبار الكاذبة: ما هي، وكيف نحمي أنفسنا منها؟

مجموعة مؤلفين، مجلة Science، ترجمة عمر فارس بتصرّف.

في عصر انتشرت فيه الأخبار الكاذبة بشدّة، وبتأثير شديد على الحياة اليومية، ربما يجدر بنا العودة خطوة إلى الوراء، والحديث عن الأساسيات؛ حول ماهيّة الأخبار الكاذبة وسبل انتشارها والحدّ منها. 

يسلّطُ انتشار الأخبار الكاذبة الضوء على اندثار مؤسسات عريقة لطالما عملت على محاربة المعلومات الخاطئة في عصر الإنترنت. وتعدّ هذه المسألة مصدر قلق عالميّ، إلا أن الأضرار المتربّصة بالأفراد، والمؤسسات، والمجتمع، من قبل مروّجي الأكاذيب، يظل معظمها غير معروف. نحتاجُ نظام حمايةٍ جديد.  

نناقش أدناه مجموعة من الأبحاث في مجال علم الحاسوب والإنسانيات، تدرس أسباب تصديق الأخبار الكاذبة وآليات انتشارها. للأخبار الكاذبة تاريخ طويل، لكننا سنركّز على الأسئلة العلمية غير المجابة، خصوصاً بعد انتشار الأخبار الكاذبة مؤخراً نتيجةً لإحيائها سياسيّاً.  

ما هي الأخبار الكاذبة؟ 

نعرّف "الأخبار الكاذبة" بأنها مجموعة من المعلومات المفبركة التي تحاكي محتوى وسائل الإعلام من حيث الشكل، وليس العملية المؤسسية أو النوايا. بدورها، تفتقر منصّات الأخبار الكاذبة إلى معايير وسائل الإعلام التحريرية، ولا تتّبع خطوات التأكد من دقّة المعلومات ومصداقيّتها. تتقاطع الأخبار الكاذبة مع أنماط أخرى من المعلومات المشوّهة، مثل المعلومات الخاطئة (تشمل المعلومات الخاطئة والمضلّلة)، والمعلومات المزيّفة (معلومات زُيّفت بقصد خداع الناس). 

شدّت الأخبار الكاذبة الانتباه مؤخراً بشكلٍ رئيسيّ في السياقات السياسية، لكن وُثّق رواجها في العديد من المواضيع مثل التلقيح، والتغذية، وقيم الأسهم. تُعتبر الأخبار الكاذبة فتّاكة لدرجة أنها تعيش على ما تقدّمه منصّات الإعلام التقليدية، وتستفيد منها دوماً، وتقلّل من موثوقيّتها. 

الخلفية التاريخية 

نشأت معايير الموضوعية والتوازن في الصحافة بمثابة ردّ فعل على انتشار استخدام البروباغندا في الحرب العالمية الأولى (بروباغندا ساهم الصحفيّون أنفسهم في انتشارها)، وانتشار مفهوم العلاقات العامة لدى الشركات في العشرينات. وأبقى على تلك المعايير إلى يومنا هذا تسارع نشوء مؤسسات إعلامية احتكرت المجال، محليّاً ودوليّاً، وذلك نتيجةً لتكنولوجيات تدوير المعلومات (الطباعة والإذاعة) السائدة في القرن العشرين. خفّض الإنترنت كلفة دخول المنافسين الجدد إلى المجال - الذين رفض العديد منهم تلك المعايير - وأضعف شكل الإدارة في مصادر الأخبار التقليدية التي تمتّعت لفترة طويلة بنوعٍ من الثقة والمصداقية لدى العامة. انحدر مقدار ثقة العامة في أميركا بوسائل الإعلام إلى مستويات تاريخية عام 2016، خصوصًا في أوساط اليمين السياسي، فقد صوّت 51% من الديمقراطيين و14% من الجمهوريين، ضمن عيّنة دراسية، على أنهم يشعرون بـ"ثقة جيدة" أو"ثقة كبيرة" بوسائل الإعلام مصدراً للأخبار(1). 

يمرّ العالم في ثورة جيوسياسية وأخرى اجتماعية-سياسية على التوازي. وازداد الاستقطاب باطّراد في الميول السياسية الحزبية على مدى الأربعين سنة السابقة، مما قلّل من فرص نشوء طروحات سياسية تولّف بين الأطراف على امتداد الطيف السياسي. بدورها، تقلّل الشبكات الاجتماعية المتجانسة من تقبّل وجهات النظر المختلفة، وتزيد من الاستقطاب الحادّ، وترفع من احتمالية قبول أخبار تتفق إيديولوجيّاً مع مجموعة معيّنة، وتساهم في زيادة الانغلاق على المعلومات الجديدة. إضافة إلى ما سبق، فقد ازداد "كره الآخر" (أي الكراهية المتبادلة بين الأقطاب). خلقت تلك الظواهر حالةً جذبت جمهوراً كبيراً نحو الأخبار الكاذبة. 

الأثر والانتشار 

ما مدى انتشار الأخبار الكاذبة، وما طبيعة أثرها على الأفراد؟ في الواقع، هنالك بعض الإجابات العلمية على تلك الأسئلة الأساسية. 

عند تقييم مدى انتشار الأخبار الكاذبة، فإننا نفضّل التركيز على مصدرها الرئيسي - الناشرين - وليس القصص الفردية، وذلك لأننا نعتقد أن نوايا الناشر وممارساته هي العوامل التي تجعل من الأخبار كاذبةً. ويسمح لنا التركيز على الناشرين، إضافة إلى ما سبق، تجنّبَ محاولة تدقيق كل خبرٍ على حدة. 

قدّر أحد الأبحاث الذي يدرس انتشار أخبار كاذبة ذائعة الصيت أن المواطن الأميركي العادي يصادف ما معدّله خبراً إلى ثلاثة أخبار كاذبة من قِبل ناشرين معروفين خلال الشهر الذي سبق انتخابات عام 2016(2). من المرجّح أن ذلك التقدير متحفّظ بعض الشيء لأن البحث تتبّع 156 خبراً كاذباً فقط. وأفادت دراسة أخرى أن المعلومات الخاطئة على تويتر أكثر انتشارًا من المعلومات الصحيحة، إذ تتلقى الأولى كمية أكبر من إعادة التغريد وتنتشر بشكل أسرع، خصوصاً عندما يكون الموضوع سياسيّاً(3). شكّلت تزييفات مروّجي الأكاذيب، بحسب تقديرات فيسبوك، ما يقارب عُشْرَ واحدٍ في المئة من المحتوى العام على المنصّة(4)، إلا أن فيسبوك لم ينشر تفاصيلاً عن تحليلها. 

من خلال الإعجابات، والمشاركات، والبحث عن المعلومات، تتمكّن البوتّات الاجتماعية (حسابات آلية تتقمّص دوراً بشريّاً) من تعظيم انتشار الأخبار الكاذبة على نطاق واسع. بناء على إحدى التقديرات الحديثة - التي صنّفت حسابات تويتر بناء على صفات قابلة للملاحظة، مثل نمط المشاركات، وحجم العلاقات مع الحسابات الأخرى، وخصائص لغوية أخرى - فإن ما نسبته 9% - 15% من الحسابات الفاعلة على تويتر تعود لبوتّات اجتماعية(5). بينما قدّرت فيسبوك أن لديها ما يقارب 60 مليون بوتّ اجتماعي يجتاح منصّتها(6). ساهمت تلك البوتّات بنشر جزء كبير من المحتوى السياسي المنشور أثناء الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية عام 2016، واستُخدم بعض تلك البوتّات لاحقًا لمحاولة التأثير على الانتخابات الرئاسية الفرنسية عام 2017(7). إضافة إلى ما سبق، استُخدمت البوتّات الاجتماعية من أجل التلاعب في الخوارزميات المعدّة لتوقّع حجم التفاعل الكبير مع محتوى معيّن. بدورها، أعلن فيسبوك في وثيقة رسمية عن مجهوداتها الضخمة لتحييد هذا الشكل من التلاعب والتزييف، التي بذلها أثناء الانتخابات الأمريكية عام 2016(8) 

في ظلّ غياب وسائل ناجعة لأخذ عيّنة ممثّلة للبوتّات والبشر على منصّة معينة، يجب التعامل مع أيّ تقديرات تتحدّث عن انتشار البوتّات والتحليلات المبنية على ذلك بحذر. ستظل عملية الكشف عن البوتّات شبيهة بلعبة القط والفأر، لأن هنالك فرصة لعدد ضخم من البوتّات، ولا يمكن تحديده بالضبط، للاستمرار في العمل دون أن تتمّ ملاحظتها. في المقابل، فإن أيّ نجاحٍ في تطوير عملية الكشف عن البوتّات سوف يُلهم صنّاع البوتات لاتخاذ إجراءات مضادّة. سوف يغدو كشف البوتّات تحدّيا كبيراً يواجه الأبحاث باستمرار. 

في الحقيقة، انتشرت على نطاق واسع الأخبار الكاذبة، مثلما انتشرت الأخبار الصحيحة، على وسائل التواصل الاجتماعي. لكن، يظلّ اكتشاف عدد الأفراد الذين طالعوا أو نشروا خبراً زائفاً أمراً مختلفًا عن اكتشاف عدد الناس الذين قرؤوه أو تأثروا به. وهنالك غيابٌ في الأدبيات البحثية للتقديرات المهمّة حول أثر الأخبار الكاذبة (الطقس على سبيل المثال، ومن يجدر بنا انتخابه) على السلوكيات السياسية في المدى الزمني المتوسط والبعيد. قد يكون ذلك الأثر ضئيلاً، إذ تجترح الأدلة أن مجهودات الحملات السياسية لكسب الناخبين قد تحظى بتأثيرات محدودة(9). رغم ما سبق، فإن التجوّل بين هذا القدر من الأخبار الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي إلى تضخيم أثرها بسبب شعور المساندة الضمنية الذي يتولّد عندما يشارك أحدهم محتوى ما. بعيداً عن الآثار الانتخابية للأخبار الكاذبة، فإن ما نعرفه حول أثر الإعلام بشكل عام يجترح العديد من أشكال التأثير الممكنة، بدءاً من زيادة روح السخرية والفتور، ووصولاً إلى تعزيز نزعات التطرّف. هنالك شحّ في تقييم أثر الأخبار الكاذبة من تلك النواحي. 

إجراءات ممكنة 

ما الإجراءات التي من الممكن اتخاذها لإيقاف سيل الأخبار الكاذبة والحدّ من تأثيرها؟ يمكننا تحديد نوعين من الإجراءات: الأول، موجّه لرفع قدرة الأفراد على تمييز الأخبار الكاذبة عندما يصادفونها، أما الثاني، فيشمل تغييرات جذرية تهدف للحدّ من تعرّض الأفراد للأخبار الكاذبة بشكل كامل. 

رفع سويّة الأفراد 

هنالك العديد من الأشكال للتحقّق من الأخبار، بدءاً من مواقع تقيّم مصداقية الادعاءات الواردة في التقارير الإعلامية، مثل مسبار، وبوليتي-فاكت، وسنوبس، ومروراً بمؤسسات إعلامية موثوقة تقيّم الادعاءات الواردة في التقارير الإعلامية، مثل ذا واشنطن بوست، وذا وول ستريت جورنال، ووصولًا إلى المعلومات المتعلقّة بكل حالة على حدة، ومصدرها مستخدمون عاديون، مثل حالة فيسبوك. 

رغم الألق البادي على التحقّق من الأخبار، فإن المحاولات البحثية لإثبات فاعليّته، وفي أكثر الأبحاث تفاؤلاً، لم تصل بعد إلى نتائج حاسمة. وقد يعكس ذلك اتجاهاتٍ واسعة الانتشار في الإدراك الجمعي، كما يعكس أيضًا تغييرات جوهرية في مجتمعاتنا. لا يميل الأفراد إلى التشكيك بمصداقية المعلومات إلا إذا خالفت تصوّراتهم المسبقة أو أنها دعتهم لذلك. فيما عدا ذلك، فقد يتقبّلون المعلومات دون تشكيك. أيضًا، يميل الناس إلى توفيق معتقداتهم مع القيم التي تؤمن بها جماعاتهم. 

تخبرنا الأبحاث بمزيد من الوضوح أن الناس يفضّلون المعلومات التي تتماشى مع سلوكياتهم السابقة على تلقّي المعلومة (أو ما يسمّى بالتعرّض الانتقائي)، ويعتبرون المعلومات المتفقة مع معتقداتهم المسبقة أكثر إقناعاً من تلك الناشزة عن السائد (أو ما يسّمى بالتحيّز للمؤكَّدات)، ويميلون إلى قبول المعلومات التي تسعدهم (أو ما يسمى بالتحيّز للرغبات). قد تمنع المعتقدات الحزبية والإيديولوجية المسبقة للناس قبولَ التحقّق من مصداقية خبر إعلامي مزيّف ما. 

في بعض الحالات، قد يؤدي التحقّق من الأخبار إلى نتائج عكسية. إذ تُظهر الأبحاث التي تدرس التحيّز نحو المعلومات السلسة والمألوفة، ميلَ الناس إلى تذكّر المعلومات نفسها فقط، أو شعورهم نحوها، بينما ينسون السياق الذي طالعوها فيه. إضافة إلى ذلك، يميل الناس إلى اعتبار المعلومات المألوفة بمثابة حقائق(10). بناء على ما سبق، فهنالك خطورة تتمثّل في أن تكرار المعلومات الخاطئة، حتى لو في سياق التحقّق من الأخبار، قد يزيد من احتمالية اعتبارها حقيقةً من قبل الأفراد. تجترح الأدلة نتائجَ مختلفة حول فاعليّة تكرار الادعاء الكاذب في سياقات التحقق من الأخبار(11). 

رغم أن الأبحاث التجريبية والاستقصائية أكدت أن إدراك الحقيقة يزداد عند تكرار المعلومات الخاطئة، فإن ذلك قد لا يحصل إذا كانت المعلومات الخاطئة مصحوبة بتراجع مشروع عن تلك المعلومات من قبل مدّعيها. وتجترح بعض الأبحاث أن تكرار المعلومة الخاطئة قبل طرح تصحيحها قد يكون مفيداً. نحتاج مزيداً من البحث من أجل الموافقة بين تلك التناقضات، وتحديد الظروف التي تكون فيها إجراءات التحقّق من الأخبار في أعلى درجات فاعليّتها. 

هنالك مقاربة مختلفة، تستهدف المدى البعيد، وتتبنّى تطوير قدرات الأفراد على تقييم جودة مصادر المعلومات من خلال التعليم. وتُبذَل جهودٌ حثيثة لتطوير تدريبات على مهارات نقد المعلومات وإدخالها ضمن منهاج الصفوف الأساسية والثانوية(12). لكن، ليس من المؤكد إن كانت ستساهم مثل هذه الجهود في تطوير عملية تقييم موثوقية المعلومات، أو إذا كانت مثل هذه الجهود ستستمرّ مع مرور الزمن. وقد يكون لتسليط الضوء على الأخبار الكاذبة تبعات غير مرغوب فيها تتمثّل في تقليل مصداقية منصّات الأخبار الصادقة عند المتلقّي. هنالك حاجة ملحّة لإعادة تقييم شاملة لبرامج الإجراءات التعليمية المختلفة للتحقّق من الأخبار. 

التتبّع وإجراءات التحقّق من قِبل المنصّات: الخوارزميات والبوتّات  

تعدّ منصّات الإنترنت اليوم أهم عامل مساعد على انتشار الأخبار الكاذبة، وأبرز قنوات نشرها. إذ ليس من المكلف على المرء أن ينشئ موقعاً على الإنترنت يتحلّى بجميع الصفات المهنية للمؤسسات الإعلامية. وكان من السهل على تلك المنصّات جني الأرباح من المحتوى المنشور فيها لاستخدامها الإعلانات واستفادتها من انتشار السوشال ميديا بين الناس. ولا يكتفي الإنترنت بتوفير وسيطٍ لنشر الأخبار الكاذبة، وإنما يوفّر الوسائل اللازمة لدعم انتشارها. 

وفقاً لإحدى الدراسات، فإن 47% من الأمريكيين أفادوا في الاستبيان أنهم يتلقّون الأخبار عن مواقع السوشال ميديا (معظم الأحيان) أو (أحياناً)، وتربّع فيسبوك على قمّة تلك المواقع بصفته المصدر الرئيسي(13). تعدّ السوشال ميديا قناة نشر أساسية لمواقع الأخبار الكاذبة(14). لا شكّ في أن روسيا قد تلاعبت بأهم المنصّات إبّان الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016، وفقًا لشهادات أُدليَت مؤخراً أمام الكونغرس(15). 

كيف من الممكن للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي أن تساهم في تقليل انتشار وأثر الأخبار الكاذبة؟ غوغل، وفيسبوك، وتويتر، كلها منصّات غالباً ما تكون بمثابة وسيط لعلاقاتنا مع وسائل الإعلام، لكن لعلاقاتنا أيضاً مع أصدقائنا وأقاربنا. عموماً، يعتمد نموذج العمل التجاري لدى تلك المواقع على جني المال من جذب انتباه المستخدمين عن طريق الإعلانات. إذ يستخدمون نماذج إحصائية معقّدة لكي تتوقع وترفع مستوى التفاعل مع المحتوى إلى أقصى حدّ(16). لا بدّ أنه من الممكن تعديل تلك النماذج في شكل يزيد من حضور المعلومات الدقيقة. 

تستطيع المنصّات توفير مؤشرّات للمستخدمين تدلّهم على موثوقية مصدر المعلومات، ويمكن إدخال ذلك المؤشر في خوارزميّة ترتيب المحتوى. إضافة إلى ذلك، تستطيع تلك المنصّات التقليل من إضفاء الطابع الشخصي على تجربة المستخدم في المواضيع السياسية، نسبة إلى المواضيع الأخرى التي لا تلقى القدر نفسه من ذلك، بهدف منع الانغلاق على آراء محدّدة. من الممكن للمعادلات التي تركّز على إظهار المحتوى الرائج أن تسعى إلى تحييد أنشطة البوتّات من حساباتها. وعموماً، لدى المنصّات القدرة على الحدّ من النشر الآلي للأخبار من قِبل البوتّات والسايبورغ (المستخدمون الذين ينشرون الأخبار آليّاً من عدة مصادر، بغض النظر إذا قرؤوها أم لا)، إلا إن المستقبل القريب يبشّر بقدرة صانعي البوتّات على تصميم واتخاذ إجراءات مضادة فاعلة. 

حاولت العديد من المنصّات تنفيذ تلك الخطوات جميعها، إضافة إلى غيرها(17،18). أعلن فيسبوك عن نيّتها تعديل خوارزميّتها لكي تشمل مصداقية المعلومات في عملية ترتيب المحتوى للمستخدمين. بدورها، أعلن تويتر عن إغلاق مجموعة من الحسابات المتصلة بالحملة الروسية لنشر المعلومات الخاطئة، وأبلغ مستخدمي المنصّة باحتماليّة تعرّضهم للخداع من قِبل تلك الحسابات. رغم ما سبق، فلم تعلن تلك المنصّات عن تفاصيل كافية تتيح للمجتمع البحثيّ تقييم ما حصل ويحصل من خداع، ولم تعرّض نتائج أبحاثها لمراجعة الأقران، مما صعّب استخدامها والاستفادة منها من قِبل صنّاع القرار وعامة الشعب. 

نتمنى من المنصّات أن تتعاون مع الأكاديميين المستقلّين على تقييم مسألة الأخبار الكاذبة ومدى امتدادها، وشكل الإجراءات التي يجب اتخاذها ومدى فاعليّتها. إذ إن هنالك شحّاً في الأبحاث التي تجترح فهماً مواكباً للكيفية التي تتطوّر فيها الأنظمة المنتشرة لمتابعة الأخبار الكاذبة. مثلاً، من الصعب العودة إلى نسخة غوغل البسيطة - بمعايير الوقت الحاضر - لعام 2010، والتي تسهل دراستها وتحليلها. غوغل بنفسه لن يستطيع فعل ذلك وإن توفّر لديه الكود اللازم، وذلك بسبب الأنماط الناتجة عن التفاعلات المعقّدة بين الكود، والمحتوى، والمستخدمين. رغم ذلك، من الممكن تسجيل ما يفعله غوغل حاليّاً. عموماً، على الباحثين البدء بمراجعة شاملة، ومستمرة، لكيفية تصفية المعلومات على منصّات الإنترنت الأكثر انتشاراً. 

تواجه التشاركية في المسائل العلمية عدّة تحديات في مجالات التكنولوجيا والأكاديميا. إلا إن هنالك مسؤولية أخلاقية واجتماعية، وقوى سوقية صاعدة، تقع على كاهل كل المنصّات، مما يدفعها لمشاركة ما تمتلكه من معلومات مميّزة لرفد علم الأخبار الكاذبة. 

قد تستلزم الإجراءات التي تتخذها المنصّات بنفسها، ولضمان فاعليّتها، تنظيماً حكوميّاً للمنصّات أو تنظيماً ذاتيّاً من قبلها. لكن التنظيم الحكومي المباشر لأمر بمثل حساسية الأخبار يحمل معه مخاطره، من نواحي قانونية ونواحي أخرى. مثلاً، هل بمقدور الحكومة أن تبقى حياديّة (وأن تبدو كذلك، وهو أمر بالأهمية نفسها) في تعريف، وفرض، وتطبيق أية متطلّبات؟ عموماً، فإن أي تدخّل مباشر من قِبل الحكومة أو المنصّات لحجب محتوى معيّن عن المستخدمين سوف يثير العديد من المخاوف حول رقابة الحكومة أو الشركات. 

يكمن البديل عن التنظيم الحكومي المباشر في إتاحة الدعاوى القضائية، مثل أن يرفع أحد المتضرّرين مباشرةً من انتشار الأخبار الكاذبة دعوى بجنحة التجريح مثلاً. وقد يتطوّر ذلك إلى أنه إذا ساهمت منصّة ما في نشر خبر كاذب بوضوح (لكنه مقنع وجذّاب)، فقد يكون هنالك طرقٌ لضمان التزام المنصّات بالقانون، مما يجبرها، في المقابل، على التدخّل في الحدّ من الأخبار الكاذبة بجديّة. إلا إن القانون في السياق الأميركي، وتحديداً قانون "آداب وسائل الاتصال" (CDA) يوفّر شبه حصانة كاملة للمنصّات ضد الأخطاء أو المقولات القابلة للمقاضاة والواردة على لسان المستخدمين. أي تغيير على هذا النظام القانوني قد يثير العديد من المسائل المعقّدة حول الحدّ الذي يفصل محتوى المنصّات (وقرارات ترتيب المحتوى من قِبل هذه المنصّات) عن خضوعها للتقييم مرة أخرى من قِبل أناس يدّعون الضرر بسبب محتوى معيّن أو بسبب ظهوره لهم. يثير تلك المسائل أيضاً "حقّ أن تُنسى" على الإنترنت، والذي يناقشه الاتحاد الأوروبي. 

عادةً ما تثير الإجراءات التعديلية على بنية المنصّات مخاوف تشريعية حول احترام خصوصية المشاريع وأفعال الإنسان. لكن، مثلما شكّلت المؤسسات الإعلامية في القرن العشرين المعلومات التي تُعرَض على الأفراد، فإن المؤسسات القليلة الكبرى في مجال الإنترنت تشكّل بدورها تجربة الإنسان على نطاق عالمي. إذن، فالأسئلة التي أمامنا هي: كيف تتم ممارسة تلك السلطة المهولة، وكيف يجدر ممارستها؟ وكيف من الممكن مساءلة تلك الشركات الكبرى؟ 

أجندة مستقبليّة 

نأمل أن تزداد الأبحاث مشتركة الاختصاصات من أجل تقليل انتشار الأخبار الكاذبة، والتعامل مع المشاكل الخفية التي أظهرها ذلك الانتشار. أدّت إخفاقات وسائل الإعلام بداية القرن العشرين إلى نشوء معايير وممارسات صحفية أسدت لنا خدمة كبيرة، ولو شابها العيوب، في سعيها الدائم لتقديم معلومات موضوعية وموثوقة. علينا أن نعيد تصميم نظام تداول المعلومات في القرن الواحد والعشرين. يجدر بهذا المجهود أن يكون على نطاق عالمي، لأن العديد من الدول، وبعضها لم يمتلك يوماً نظاماً قويّاً لتداول المعلومات، تواجه تحدّيات تدور حول الأخبار الكاذبة والصحيحة.

المراجع 

  1. H. Allcott, M. Gentzkow, J. Econ. Perspect.31, 211 (2017). 

  1. S. Vosough et al., Science 359, 1146. 

  1. J. Weedon et al., Information operations and Facebook (Facebook, 2017)

  1. O. Varol et al. in Proceedings of the 11th AAAI Conference on Web and Social Media (Association for the Advancement of Artificial Intelligence, Montreal, 2017), pp. 280–289. 

  1. Senate Judiciary Committee, Extremist contenand Russian disinformation online: Working with tech to find solutions (Committee on the Judiciary, 2017)

  1. E. Ferrara, First Monday 22, 2017 (2017). 

  1. J. L. Kalla, D. E. Broockman, Am. Polit. Sci. Rev.112, 148 (2018). 

  1. B. Swire et al., J. Exp. Psychol. Learn. Mem. Cogn.43, 1948 (2017). 

  1. U. K. H. Ecker et al., J. Appl. Res. Mem. Cogn.6, 185 (2017). 

  1. C. Jones, Bill would help California schools teach about “fake news,” media literacy (EdSource, 2017)

  1. Gottfried, E. Shearer, News use across social media platforms 2017, Pew Research Center, 7 September 2017

  1. Allcott, M. Gentzkow, J. Econ. Perspect.31, 211 (2017). 

  1. E. Bakshy et al., Science 348, 1130 (2015). 

  1. J. Weedon et al., Information operations and Facebook (Facebook, 2017). 

  1. C. Crowell, Our approach to bots & misinformation, Twitter, 14 June 2017

الأكثر قراءة