بينما تعمل سلطات الصحة العامة على وقف تفشي فايروس كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها ستواجه عقبتين رئيسيتين: تآكل الثقة في وسائل الإعلام والنظام الطبي، والأخبار الزائفة.
حتى صباح يوم الاثنين، الموافق الثالث من شباط/فبراير الجاري، أصيب 17,205 شخص في الصين بالفايروس، وعلى الأقل 361 شخصاً لقوا مصرعهم بحسب سلطات الصحة هناك، عقب تفشي فايروس كورونا في مدينة ووهان الواقعة في مقاطعة هوبي.
وأكدت معاهد السيطرة على الأمراض والوقاية يوم الخميس الماضي، الموافق 30 يناير/كانون الثاني من العام الجاري، أنَّ أول حالة انتقال فايروس كورونا من إنسان إلى آخر في الولايات المتحدة كانت بعد إصابة زوج سيدة تُعتبر أول حالة مؤكدة مصابة بالمرض في ألينواي.
وقال مركز السيطرة على الأمراض يوم الجمعة الماضي الموافق 31 من يناير/كانون الثاني أنه تم فحص 241 شخصاً في الولايات المتحدة لمعرفة إذا ما كانوا مصابين بالمرض، وذكرت وسائل الإعلام أنَّ هناك حتى الآن 11 حالة مؤكدة على مستوى البلاد.
مات جاكوب استشاري الصحة العامة، يرى أنَّ منصات التواصل الاجتماعي حقًّا في موضع يمكنها من تشكيل احتمالية تفشي الفايروس. وأضاف "في عصر الأخبار المزيفة، عندما تنتشر المعلومات الخاطئة بسرعة البرق عبر منصات التواصل الاجتماعي وينتشر انعدام الثقة في منافذ الأخبار، حينها قد يواجه مسؤولي الصحة العامة في الولايات المتحدة تحديات كبيرة في الحفاظ على سلامة الأميركيين إذا بدأ المرض في الانتشار بسرعة أكبر".
وقال أدريان بانغرتر، بروفيسور بجامعة نيوشاتيل في سويسرا: "كلما ظهر تهديد ما في وسائل الإعلام مثل مرضٍ مُعدٍ عالميًّا، يحاول العامة من الجمهور فهم طبيعة التهديد"، ويضيف: "إذا كانت الثقة منخفضة، فهناك خطر من أنَّ تفسيرات بديلة، مثل نظريات المؤامرة قد تسبب في تعقيد الجهود المبذولة لاحتواء انتشار المرض".
وبالفعل، انتشرت نظريات المؤامرة المزعومة والشائعات فيما يتعلق بفايروس كورونا، بما في ذلك على مواقع الكترونية مثل "Reddit, Weibo". فيما اعتقل في ماليزيا خمسة أشخاص بسبب نشرهم معلومات خاطئة حول المرض عبر الإنترنت.
وذكر رئيس قسم الصحة في "فيسبوك" في واحدة من التدوينات على موقعه، أنَّ المنصة كانت تركز على إزالة المعلومات التي من المحتمل أن تكون خطرة، بما في ذلك المنشورات حول علاجات غير صحيحة مثل شرب الكلور لعلاج فايروس كورونا. وأضاف سيتم حظر أو تقييد أي "هاشتاغ" يتم استخدامه لنشر المعلومات المضللة على موقع انستغرام.
ولم يجب كل من مركز السيطرة على الأمراض وقسم الصحة والخدمات الإنسانية بالولايات المتحدة على الفور على أي طلبات للتعليق.
تآكلت ثقة الأميركيين بالحكومة، ووسائل الإعلام والطب، كما قلت الثقة لدى الأميركيين في بعض أكثر مؤسساتهم قداسة، وانخفض مستوى الثقة في الرئاسة والكونغرس والصحف والأخبار التلفزيونية على مدى العقدين الماضيين، وفقًا لبحث أجرته مؤسسة غالوب.
هذا المرض أصبح "تريند" أي الأكثر تداولاً على مواقع التواصل، الأمر الذي لا يبشر بالخير بالنسبة لمسؤولي الصحة العامة الذين يحاولون توصيل المعلومات الحيوية عن تفشي المرض. وقال آميش أداليا، الباحث البارز في مركز الأمن الصحي التابع لجامعة جونز هوبكنز: "إنَّ أفضل مصدر للمعلومات سيكون مسؤولي الصحة العامة الحكوميين"، متابعاً: "كلما قل اهتمامهم بتلك السلطات، كلما قل احتمال أخذهم للنصيحة".
والأسوأ من ذلك هو تراجع ثقة الناس في مقدمي الرعاية الصحي؛ فهناك 36٪ فقط من الأشخاص في الولايات المتحدة لديهم "قدر كبير" أو "كثيرًا" من الثقة في النظام الطبي اعتباراً من عام 2019، وهو أدنى مستوى منذ عام 2014 وأقل بكثير من المستوى في عام 1975 عندما بلغ هذا الرقم 80٪، وفقا لغالوب.
وأظهرت دراسة أخرى أجرتها مؤسسة غالوب، وجود علاقة قوية بين ثقة الشخص بأطبائه أو ممرضاته وثقته في التطعيمات.
قال مات جاكوب، مستشار الصحة العامة في واشنطن العاصمة "النظام الصحي في هذه البلاد ليس محبوباً، لكن معظم الأميركيين لديهم معرفة محدودة إلى حد ما بالعلم والطب، وهذا ما يخلق التحدي".
وهناك نقطة مضيئة واحدة إذ تشير دراسة منفصلة من مركز بيو للأبحاث إلى أن الأميركيين يتطلعون إلى مركز "السيطرة على الأمراض" بأفضلية أكبر نسبة إلى الوكالات الحكومية الأخرى، على الرغم من أن الثقة في الحكومة وصلت إلى مستويات قياسية.
تنتشر المعلومات الخاطئة كالنار في الهشيم عندما يخاف الناس
هناك آثار جانبية خطيرة للمعلومات الخاطئة، فعندما تبدأ مطحنة الإشاعات في العمل، يتم إبعاد مسؤولي الصحة العامة عن عملهم الذي كان بالإمكان القيام به لاحتواء تفشي المرض، من أجل تصحيح المعلومات والسجلات.
"خلال تفشي فايروس إيبولا في عام 2014، رأينا الكثير من الخوف في غير محله في الولايات المتحدة التي تسببت في اضطرابات كبيرة في البلاد" قال أداليا، مضيفاً "الأمر الذي يجعل من الأمر أكثر صعوبة، لأن خبراء الصحة العامة يقضون وقتاً أطول في تبديد الشائعات أكثر من التعامل مع المشكلة الموجودة".
وجدت دراسة أجريت عام 2018 من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة أن الأخبار الخاطئة كانت أكثر على الأغلب بنسبة 70 ٪ في إعادة نشرها على "تويتر"، من القصص الحقيقية.
وقال جاكوب "منصات وسائل التواصل الاجتماعي ستكون في وضع يمكنها من تحديد ما إذا كان يمكن أن يحدث تفشي فايروس كورونا هنا". وأشار إلى أنَّ موقعي فيسبوك وتويتر اتخذا خطوات لإعطاء الأولوية للمحتوى الآتي من مصادر الأخبار الموثوق بها، في أعقاب تفشي الحصبة على مستوى البلاد العام المنصرم.
وقال مسؤولون في الصحة أنَّ حملة تضليل في وسائل التواصل الاجتماعي بقيادة حركة مكافحة التطعيم ساهمت في تفشي المرض. واستجابة لتفشي فايروس كورونا، قام موقع فيسبوك بجلب طرف ثالث للتحقق من صحة وحقيقة المحتوى على منصات التواصل الاجتماعي، بما في ذلك وكالة الأنباء الفرنسية AFP.
"قام العديد من الشركاء المختصين بالتحقق من الحقائق حول العالم بتصنيف بعض المحتوى الكاذب، لذا فنحن نخفض انتشار هذا المحتوى بشكل كبير، ويتم تنبيه الأشخاص الذين يشاهدون هذا المحتوى أو يحاولون مشاركته، أو سبق أن شاركوه بأنه خاطئ".
وتابع المتحدث باسم موقع فيسبوك "هذا الموقف يتطور بسرعة وسنستمر بالتواصل مع المنظمات الصحية العالمية والإقليمية لتقديم الدعم والمساعدة".
ولم يقم موقع تويتر بالرد على طلبات التعليق فورًا.
في هذه الأثناء، لا يتضمن موقع "ريديت" حظراً محدداً على المعلومات الخاطئة في سياسة المحتوى الخاصة به، ولكن الموقع أضاف لافتة إلى صفحته الرئيسية التي توجه المستخدمين إلى سلسلة رسائل تتضمن معلومات من خبراء عن فايروس كورونا، بالإضافة إلى ذلك، يمكن للمشرفين المتطوعين في الأقسام الفرعية العديدة للمنصة وضع قواعدهم الخاصة بنوع المنشورات المسموح بها.
كما أنَّ الشريط الفرعي من موقع "ريديت" المختص بفايروس كورونا يحظر العناوين الرئيسية المثيرة، ويطلب لنشر هذه العناوين مصادر موثوق منها، ويضع الشريط الفرعي أيضاً علامات معينة، والتي تبدو أنها تحتوي على شائعات أو معلومات لم تؤكدها المصادر الرسمية بعد.
كيف يمكن لوكالات الصحة العامة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أفضل؟
قال خبراءٌ، إنَّ نهوض حركة مكافحة التلقيح ساعد في إعداد مختصي الصحة العامة لمكافحة الأخبار المزيفة. وعلقت على ذلك ليزا جوالتيري، أستاذة مساعدة في الصحة العامة بجامعة تفتس: "أعتقد أنهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي بشكل أفضل من أيِّ وقتٍ مضى لتوفير آخر الأخبار وإجراء تحديثات متكررة لمعالجة المخاوف".
"ترند حركة مكافحة التطعيم كان بمثابة صيحة للاستيقاظ بأنَّ المخاوف تحتاج إلى معالجة وليس تجاهلها"، حسب تعبيرها.
الحنكة هي مفتاح معالجة المعلومات الخاطئة عبر الإنترنت والتأكد من حصول الناس على معلومات دقيقة وقابلة للتنفيذ أثناء تفشي المرض، حتى أنَّ البعض قام باقتراح أن يستفيد مسؤولي الصحة العامة من التعاون مع المؤثرين على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لضمان وصول رسالتهم إلى شريحة كبيرة من الجماهير بشكل أسرع.
يقول جاكوب: "تحتاج وكالات الصحة الفيدرالية في الولايات إلى الاعتماد بشدة على الحلفاء والشركاء الذين يمكنهم المساعدة في حمل وتوصيل الرسالة".
مترجم عن موقع "ماركت ووتش"