فكّر الصحافي روبرت كثيراً في العدد الدقيق للاجئين السوريين الذين أراد إيواءهم في مَحميات للهنود الحُمر في أميركا، وخمّنَ أنّ 50 ألف لاجئ عدد مناسب، لكن بدا ذلك بالنسبة له معقولًا للغاية، مما تطلّب منه المزيد من التسخيف، وبالتالي، صاغَ عنوان االخبر الذي ألّفه بهذا الشكل "الولايات المتحدة تؤوي 250 ألف لاجئاً سوريًّا في نافاجو ومحمية "الصخرة الصامدة" الهندية". بالطبع، هذا ليس صحيحاً على الإطلاق، لكن يُمكن للكذبة عبر موقع فيسبوك أن تجوبَ العالم قبل أن تُكتشف الحقيقة.
روبرت – الذي طلبَ التحفّظ على اسمه الأخير – يعتبرُ نفسهُ كاتباً ساخراً. وبنظرة سريعة على موقعه Real News Right Now، تظهرُ لنا لمسة سخرية بارعة للغاية. ورغم ذلك، لم يفهم الجميع النكتة. فسرعان ما أعاد الإعلامي في شبكة فوكس نيوز شان هانيتي نشر قضية الـ250 لاجئ. وتبعه بذلك دونالد ترامب.
لكن هناك منطقة رمادية تفصلُ بين السخرية والأخبار الحقيقية. ينتشرُ موقع الصحافي روبرت – بشكلٍ كبير عبر موقع فيسبوك – رفقة الأخبار والتغطيات الحزبية الكاذبة، سواء ضُخّتْ لجني الأرباح من الإعلانات أو لأسباب أيديولوجية. لذلك، يصعب الانتباه إلى أنّ Real News Right Now موقعٌ ساخر.
الأدلة غير واضحة، إذ ينصّ الموقع على أنّ الصحافي الخيالي القائم عليه، روبرت هوبز، حائز على جائزة ستيفن جلاس للتميز في النزاهة الصحافية عام 2011 – جاهزة وهمية تحمل اسم صحافيّ ثَبُتَ تزويره لمصادره ومعلوماته – وهذا مثال واحد على تلك الأدلة، إذ لا وجود لتوضيح صريح بسخرية الموقع. الأمر الذي لن يمنع الناس بالضرورة، من أخذِ قصصه على محمل الجد. فكثيراً ما تنتشر الأخبار الموجودة على الموقع الساخر المعروف the Onion باعتبارها حقيقيةً.
يواجه "فيسبوك" مشكلة حقيقية تتمثّلُ في الأخبار الزائفة، وهو أحد المساهمين الرئيسيين في خلق ما يسمى بعصر "ما بعد الحقيقة".
المشكلة ليست جديدة، إلى حدٍّ ما. فمطبوعات مثل the National Enquirer في الولايات المتحدة، عمدتْ لوقتٍ طويل إلى التلاعب بالحقيقة، وبلا خجلٍ غالبًا. لكن الآن، يُمكن للأخبار الزائفة أن تبدو حقيقة بسهولة، لأنّ المنشورات في فقاعة "فيسبوك" الفكرية، تبدو مُتشابهة بدرجة كبيرة. حتّى أكثر مستهلكي الأخبار وعياً يُمكن خِداعهم بهذه الطريقة. فليس من السهولة أن يُميّز الجميع أنْ لا وجود في الحقيقة لصحيفة تُدعى Denver Guardian – أو أنّReal News Right Now موقعٌ ساخر – عندما يظهرُ لهم في "النيوز فييد".
عبّرت ميليسا زيمدار، أستاذة مساعدة في قسم الاتصال والإعلام في كلية ميريماك لدى معهد ماساتشوستس، عن قلقِها إزاء بعض المصادر الّتي يستخدمها طلابها، لذلك بدأت بإعداد دليلٍ يشملُ عدداً من هذه المصادر. وقد انتشرَ الدليل منذ ذلك الحين بكثرة. ليست كلُّ مواقع ومصادر الدليل زائفة، فالعديد منها ساخرة مثل the Onion، وthe New Yorker’s Borowitz Report، أو Real News Right Now، في حين أنّ بعضها عبارة عن هيئات إخبارية تنشر أخباراً مُحرّفة في الغالب، مثل موقع Breitbart اليميني، أو Occupy Democrats اليساري.
تقولُ زيمدار "هناك شيءٌ واحد يمكن للقرّاء فعلهُ، وهو قراءة ما ينشرونه. وبعد ذلك، إذا قرأت شيئاً وكوّن لديك ردّ فعلٍ قوي تجاهه، اقرأ المزيد عنه، بدلاً من مُجرّد قبوله باعتباره معلومة متكاملة."
ومن جانبه، يقول روبرت أنّ الأمر مُقلقٌ له عندما يأخذ الناس السخرية المكتوبة في موقع Real News Right Now على محمل الجدّ "أتمنى أن يتحقّق الناس مما أكتبه". كما ذكرَ أنّه يُحاول تضمين روابط في قصصه تُحيل الناس إلى المعلومات الحقيقية حول الأخبار والمواضيع الّتي يسخرُ منها. وأضاف "يبدو أنّ الأخبار الّتي تُحقّق نجاحاً سريعاً ويُصدّقها الناس، هي تلك الّتي أجدها غير قابلة للتصديق أكثر من غيرها".
المصدر: The Guardian