شهدت جلسة استماع في الكونغرس الأميركي بتاريخ 13 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، تصريحات مثيرة للجدل أدلى بها الصحفي مايكل شيلينبرغر، كشف فيها عن مشاهدة أجسام طائرة مجهولة (UFOs) قرب سواحل الكويت.
ووفقًا لشيلينبرغر، استندت هذه المعلومات إلى مصدر موثوق أشار إلى وجود مقطع فيديو مدته 13 دقيقة يُظهر جسمًا كرويًا أبيض يخرج من المحيط على بُعد حوالي 20 ميلًا من الساحل الكويتي. وأوضح شيلينبرغر أن الفيديو تم تصويره بواسطة مروحية، وتم العثور عليه مخزنًا على شبكة SIPR التابعة لوزارة الدفاع الأميركية، والمخصصة لنقل المعلومات السرية.
مشاهد تزعم توثّيق الجسم الطائر المجهول قرب الكويت
عقب تصريحات الصحفي الأميركي مايكل شيلينبرغر، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تزعم توثّيق الجسم الطائر المجهول الذي تحدث عنه.
في أحد هذه الفيديوهات، يُسمع صوت طفل وهو يصوّر زوجًا من الكرات البيضاء تتحرك في السماء.
إلا أن المقطع الذي وصفه شيلينبرغر في شهادته أمام الكونغرس الأميركي، تم تصويره من طائرة مروحية، على عكس الفيديو المتداول الذي صُوّر من الأرض. كما أن المقطع الذي ناقشه الكونغرس خلال جلسته لم يُنشر على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما تم تداول مقطع فيديو آخر، التُقط بواسطة طائرة حربية، ويدّعي ناشروه أنه الفيديو الذي أشار إليه شيلينبرغر.
بعد التحقّق، تبيّن لمسبار أن المقطع الأصلي لهذا الفيديو يُعرف باسم "Navy Gimbal Video"، وهو تسجيل التقطه طيارون مقاتلون من المجموعة الضاربة التابعة لحاملة الطائرات الأميركية "يو إس إس ثيودور روزفلت".
ويوثّق الفيديو التابع للبحرية الأميركية من عام 2015، رصد أجهزة الاستشعار لأجسام جوية غير معروفة، كما تبيّن أن الصوت الأصلي للفيديو قد أُزيل، واستُبدل بضوضاء مُزيفة أضيفت لاحقًا.
ونشرت وسائل إعلام وحسابات وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو آخر، ادّعت أنه يوثّق محاولة القوات الكويتية التصدي لصحنين طائرين ظهرًا في أجواء البلاد.
وبالتحقّق من المقطع تبيّن أنه زائف، إذ تم فبركته عبر إضافة صوت من مقطع آخر. وتعود المشاهد الأصلية لمحاولة تصدي قوات في البحرية الأميركية لأجسام غريبة، وقد نُشرت لأول مرة عام 2018.
ربط شهادة الصحفي شيلينبرغر بنظرية الشعاع الأزرق
وفي السياق، ربط بعض مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي شهادة الصحفي مايكل شيلينبرغر بنظرية المؤامرة المعروفة بـ"الشعاع الأزرق"، والتي تزعم أن حكومات العالم تستخدم تقنيات متقدمة، مثل الهولوغرام، لإسقاط صور فضائية في السماء بهدف السيطرة على البشر.
هذه النظرية، التي أجمع العلماء على رفضها، تُعد غير قابلة للتطبيق على الظواهر الجوية المجهولة لعدة أسباب:
1. تسجيلات أجهزة استشعار متعددة:
الفيديوهات المتعلقة بالظواهر الجوية المجهولة، تُسجَّل باستخدام أنظمة استشعار متنوعة، مثل الأشعة تحت الحمراء والرادار والتصوير البصري. هذه التقنيات تكشف بيانات دقيقة تجعل فرضية الإسقاطات الهولوغرافية مستبعدة، حيث تعتمد الهولوغرامات أساسًا على خداع العين البشرية ولا تُرصد عادةً عبر أجهزة الرادار أو الاستشعار الحراري.
2. الحركة والسرعات الخارقة للطبيعة:
الأجسام المجهولة تُظهر قدرات تتجاوز الإمكانيات البشرية المعروفة، مثل التسارع الفائق، الانعطافات الحادة، والطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت دون إصدار أي أثر للموجات الصوتية (Sonic Boom). هذه الخصائص تجعل فكرة استخدام الهولوغرام أو أي تكنولوجيا حالية، غير منطقية لتفسير هذه الظواهر.
3. التحقيقات العلمية والأكاديمية:
خضعت هذه الظواهر لسلسلة من الدراسات العلمية والتحقيقات الأكاديمية، والتي لم تجد أي دليل يدعم فكرة ارتباطها بتقنيات مثل الهولوغرام. بل أكدت معظم الدراسات أن هذه الظواهر تستدعي مزيدًا من البحث لفهم طبيعتها وأصولها.
وسبق لمسبار أن نشر مقالًا في فبراير/شباط الفائت، يدحض الادّعاءات المرتبطة بنظرية المؤامرة المعروفة بـ"الشعاع الأزرق".
لمحة عن التحقيقات التاريخية في الظواهر الجوية المجهولة
على مدى العقود الفائتة، أجرت حكومات ومؤسسات علمية في دول مثل الولايات المتحدة، وكندا، والمملكة المتحدة، وفرنسا، واليابان، ودول في أميركا الجنوبية تحقيقات موسعة حول الأجسام الطائرة المجهولة (UFOs).
ورغم الجهود المكثفة، لم تظهر أدلة قاطعة تثبت أن هذه الظواهر من خارج الأرض أو أنها تمثل تهديدًا للأمن القومي. وتشير الدراسات إلى أن معظم المشاهدات تُفسر بظواهر طبيعية أو بشرية، مثل الطائرات أو النيازك، في حين تبقى أقل من 10% من الحالات غير قابلة للتفسير.
في الولايات المتحدة، بدأت التحقيقات حول الظواهر الجوية المجهولة بعد الحرب العالمية الثانية، إذ أُطلق "مشروع ساين" عام 1948 لتحليل الظاهرة، تلاه "مشروع غرادج"، الذي تطور لاحقًا إلى "مشروع الكتاب الأزرق" (1952-1969)، وهو أكبر تحقيق أُجري في هذا المجال.
في وقت لاحق، انطلق "برنامج تحديد التهديدات الجوية المتقدمة" (2007-2012)، ثم "مكتب حل الشذوذ في جميع المجالات" (2022)، الذي يركز على رصد الأجسام غير المفسرة التي قد تشكل تهديدًا للمجال الجوي الأميركي. كما كشفت وثائق قانون حرية المعلومات في السبعينيات عن قلق حكومي بشأن الأجسام التي ظلت دون تفسير.
في أوروبا، تُعد فرنسا من بين الدول الرائدة في التحقيق في الظواهر الجوية المجهولة، من خلال وكالة الفضاء الوطنية (CNES)، التي أطلقت برامج مثل GEPAN وGEIPAN منذ عام 1977، حيث بقيت 22% من الحالات غير مفسرة.
وفي المملكة المتحدة، أُجريت تحقيقات مشابهة، مثل "مشروع كوندين" (1996-2000)، الذي خلص إلى أن معظم المشاهدات يمكن تفسيرها بظواهر طبيعية أو أجسام معروفة. وأُغلقت وحدة تحقيقات الأجسام الطائرة التابعة لوزارة الدفاع البريطانية عام 2009، بعد أن تبين عدم وجود تهديد للأمن القومي.
في أميركا الجنوبية، برزت البرازيل من خلال "عملية الصحن" عام 1977، بينما قامت الأرشيفات الوطنية منذ عام 2008 بجمع تقارير عن المشاهدات التي وقعت بين عامي 1952 و2016.
وفي أوروغواي، حُللت 2100 حالة منذ عام 1989، بقيت 2% منها بلا تفسير. وفي تشيلي، أدارت "CEFAA" تحقيقات منذ عام 1968، وهي تتبع اليوم المديرية العامة للطيران المدني.
أما في كندا، فقد تركزت التحقيقات على ظواهر بارزة، مثل "حادثة بحيرة فالكون" عام 1967، وحادثة شاج هاربور، التي بقيت غير مفسرة. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت مشاريع مبكرة مثل "مشروع ماجنت" و"مشروع الطابق الثاني.
تحليل 144 حادثة لظواهر جوية بين 2004 و2021
في تقرير رسمي أصدره مكتب مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية (ODNI)، في يونيو 2021 بعنوان "التقييم الأولي: الظواهر الجوية غير المحددة" (Preliminary Assessment: Unidentified Aerial Phenomena)، والذي يتألف من تسع صفحات، تم تحليل 144 حادثة وقعت بين عامي 2004 و2021، معظمها أُبلغ عنها من قِبل أفراد البحرية الأميركية.
تم تفسير حادثة واحدة فقط بوضوح، بينما بقيت 143 حادثة غير مفسرة. كما أظهر 18 حادثًا، خصائص طيران غير عادية، مثل التحليق ضد الرياح القوية، أو التحرك بسرعة فائقة دون وسائل دفع مرئية، أو الثبات في الهواء لفترات طويلة. بالإضافة إلى ذلك، التقطت الأجهزة العسكرية إشارات تردد لاسلكي غامضة يُعتقد أنها تشير إلى تقنيات متطورة.
كما حدد التقرير خمس فئات تفسيرية محتملة لهذه الظواهر: الفوضى المحمولة جوًا (مثل الطيور أو البالونات)، الظواهر الجوية الطبيعية (مثل البلورات الجليدية)، برامج التطوير الحكومية أو الصناعية (سواء داخل الولايات المتحدة أو خارجها)، أنظمة الخصوم الأجنبية (مثل الطائرات المتطورة من دول كالصين وروسيا)، وأخيرًا فئة "أخرى" تشمل الظواهر غير المفسرة التي قد تنطوي على تقنيات غير معروفة أو حتى تفسيرات غير أرضية.
رغم ذلك، أكد التقرير عدم وجود دليل يربط الظواهر بتقنيات خارج الأرض، لكنه شدد على أهمية الاستمرار في جمع البيانات وتحليلها.
تقرير وكالة ناسا حول الظواهر الجوية غير المفسرة
في تقرير صدر بتاريخ 14 سبتمبر/أيلول 2023، أعلنت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" نتائج تحقيقاتها حول الأجسام الطائرة المجهولة، التي تُعرف رسميًا بالظواهر الشاذة مجهولة الهوية (UAPs). وبينما لم تجد الوكالة أي دليل قاطع يربط هذه الظواهر بحياة خارج كوكب الأرض، لم تستبعد أيضًا احتمال وجود تقنيات غريبة تعمل ضمن الغلاف الجوي للأرض.
كما أكد مدير وكالة ناسا، بيل نيلسون، خلال مؤتمر صحفي عُقد في 14 سبتمبر 2023، أن الوكالة تسعى لتقديم مقاربة علمية لدراسة هذه الظواهر الغامضة. وقال نيلسون “لم يجد فريق الدراسة المستقل أي دليل يربط الأجسام غير الملموسة بأصل خارج الأرض، لكننا ما زلنا نجهل ماهية هذه الظواهر”.
وأشار نيلسون خلال المؤتمر، إلى أن مشاهدات الأجسام الطائرة غالبًا ما تكون مفاجئة وعابرة، مما يجعل دراستها علميًا أمرًا صعبًا. كما أوضح أن البيانات العسكرية المتعلقة بهذه الظواهر غالبًا ما تكون سرية، مما يعوق الجهود العلمية في الوصول إلى معلومات دقيقة. في المقابل، تعتمد البيانات المدنية بشكل كبير على صور غير واضحة التُقطت باستخدام الهواتف المحمولة، مما يزيد من تعقيد المهمة.
من جهتها، وصفت نيكولا فوكس، المديرة المساعدة لمديرية بعثات العلوم في وكالة ناسا، الأجسام الطائرة المجهولة بأنها "واحدة من أعظم ألغاز كوكبنا"، مشيرة إلى أن التحدي الأكبر يكمن في غياب البيانات عالية الجودة. وقالت فوكس “رغم كثرة البلاغات عن هذه المشاهدات، إلا أن غالبية الحالات تفتقر إلى بيانات علمية موثوقة يمكن من خلالها استنتاج أصل وطبيعة هذه الأجسام”.
وفي خطوة لتعزيز البحث العلمي حول هذه الظواهر، أعلنت ناسا عن تعيين مدير جديد لأبحاث الظواهر الجوية المجهولة. ستكون مهمته الرئيسية إنشاء قاعدة بيانات متقدمة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، لتحليل البيانات المستقبلية بشكل أكثر دقة.
السرية الحكومية والمعلومات المضللة
في شهادته أمام الكونغرس، تناول الصحفي مايكل شيلينبرغر سياسات الحكومة الأميركية، تجاه الظواهر الجوية المجهولة (UAP)، وكيفية التعامل معها على مدى عقود.
وأشار شيلينبرغر إلى أن البنتاغون أدار برامج متعددة، منها برنامج تطبيقات أنظمة الأسلحة الفضائية المتقدمة (AAWSAP)، وفرقة العمل المعنية بالظواهر الجوية المجهولة، وصولًا إلى برنامج AARO الحالي. وأوضح أن هذه البرامج غالبًا ما تفتقر للشفافية، معتبرًا أنها امتداد لاستراتيجية حكومية قديمة لتضليل الجمهور، بدأت في خمسينيات القرن الفائت مع توصيات لجنة روبرتسون التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية. كانت هذه الاستراتيجية تهدف إلى تقويض مصداقية شهود الظواهر الجوية المجهولة وتقليل القلق العام، بينما وفرت غطاءً لبرامج تطوير تقنيات عسكرية متقدمة.
كما استعرض الصحفي، وثائق وتقارير حكومية، بعضها رفعت عنه السرية، تُظهر أن الحكومة الأميركية جمعت مواد متعلقة بـهذه الظواهر، لكنها أخفت التفاصيل خلف ستار السرية. أشار إلى مذكرات تفيد بأن مشروع الكتاب الأزرق استُخدم علنًا لتقويض مصداقية الظواهر الجوية المجهولة، بينما استمرت التحقيقات في هذا المجال سرًا.
وأشار الصحفي أيضًا إلى دور الباحث العلمي جون غرينوالد، الذي أكد أن الحكومة أصبحت أكثر غموضًا منذ تسريب مقاطع فيديو متعلقة بالظواهر الجوية "المجهولة" في عام 2017. ولفت غرينوالد إلى تزايد السرية ورفض طلبات حرية المعلومات، مع تقديم تبريرات مثل "الحساسية الأمنية". كما أشار إلى أن الحكومة أنكرت مرارًا وجود برامج تتعلق بهذه الظواهر، لكنها اعترفت بها لاحقًا، ما يعكس استمرارية نهج التضليل.
ولفت شيلينبرغر الانتباه إلى أن العديد من أعضاء الكونغرس والموظفين، تلقوا شهادات من أفراد يزعمون معرفتهم المباشرة ببرامج سرية وغير قانونية تتعلق بـ UAP. وأشار إلى أن السرية الحالية قد لا تكون فقط لحماية الأمن القومي، بل ربما أيضًا للتستر على أبحاث وتقنيات متقدمة. وفي ختام شهادته، دعا شيلينبرغر إلى تعزيز الشفافية ومساءلة الحكومة، منتقدًا الجهود المستمرة لتضليل الجمهور حول حقيقة هذه الظواهر.
بعد أنباء عن رصد جسم غريب قرب الكويت: ادعاءات زائفة حول الأجسام المجهولة والكائنات الفضائية
ما أبرز الادعاءات المرتبطة بنظرية المؤامرة حول مشروع الشعاع الأزرق؟