تشهد منصّات التواصل الاجتماعي هذه الفترة إقبالاً واسعاً، لأنّ الحجر المنزلي وسياسات التباعد الاجتماعي المتّخذة للحد من انتشار فايروس كورونا المستجد (كوفيد-19) أجبرت البشر بمختلف جنسياتهم وخلفياتهم على قضاء وقت أطول في المنزل وتحديداً في الفضاء الرقمي. ومع ازدياد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي ازداد انتشار وترويج الأخبار الزائفة والمضلّلة، لكن ازدادت في المقابل الجهود الدولية والمؤسسية للحد من هذه الظاهرة، وذلك لحجم الزخم الذي حظيت به الإشاعات والأخبار الزائفة حول كوفيد-19، إذ قامت منصّات التواصل الاجتماعي ومن ضمنها موقع فيسبوك بالتتبّع الدائم وحذف المحتويات المسيئة والزائفة والتنويه عنها، أما تطبيق واتساب فحاول الحد من انتشار المعلومات الزائفة عن طريق تحديد عدد الأشخاص الذين يمكن تمرير (forward) رسالة معينة لهم بضغطة زر واحدة. أما بالنسبة للإجراءات الحكومية فقد أعلنت عدّة دول عن قوانين وإجراءات صارمة لمواجهة الشائعات والأخبار الزائفة المتعلّقة بفايروس كورونا مثل ملاحقة مروّجي الشائعات وسجنهم ونشر حملات توعية قانونية.
وبناء على عمله في مكافحة الأخبار الزائفة والمضلّلة، تحقق "مسبار" من 171 خبراً ومنشوراً على المواقع الإخبارية ووسائل التواصل الاجتماعي في شهر أبريل/نسيان الفائت، إذ تعددت المواضيع التي تحقّقَ منها كما هو موضّح في الشكل رقم (2)، إذ احتلّت الأخبار المضلّلة الحيز الأكبر كما هو موضّح في الشكل رقم (1) أدناه.
الشكل (1): يوضّح مجموع التقارير بحسب التصنيف.
الشكل (2): يوضّح تصنيف التقارير بحسب نوع الخبر.
كما تنوّعت البلدان التي استهدفتها تلك الأخبار، وحصلت الولايات المتّحدة على الحصّة الأكبر منها، كما هو موضّح في الشكل رقم (3).
الشكل (3): يوضّح عدد التقارير بحسب الدول.
أخبار زائفة عابرة للقارّات
من المتوقع أن تكون نتيجة تطوّر الفضاء الرقمي الدائم إتاحة استسقاء المعلومات وتناقلها في جميع أنحاء العالم، وبالتالي لم ينحصر تناقل الأخبار الزائفة والمضللة في البقعة الجغرافية المحددة لمتناقلي هذه الأخبار، إذ شهد "مسبار" سهولة ترويج الإشاعات والمعلومات بشكلٍ عابرٍ للدول والقارّات وازدياد الاهتمام بها. فعلى سبيل المثال، زاد اهتمام الفضاء الرقمي العربي بأنباءٍ وشائعات عن مختلف الدول والحكومات، مثل الأخبار القادمة من إيطاليا، التي شملت تحية الشعب الإيطالي للشعب المصري من باب الشكر على إرسال مساعدات لمكافحة فايروس كورونا، وانتشار مقاطع مصوّرة تدّعي بأنّ الجيش السويسري صار يغني باللغة العربية طلباً للمساعدات، وانتشر خبر مضلل عن ضابط إيطالي طعن نفسه بسبب رفضه للحجر الصحّي. ومع التفاوت في الإجراءات التي تتخذها الحكومات لمكافحة فايروس كورونا شهدنا مبالغة في قراءة الإجراءات التي تتبعها حكومات أوروبية مثل الترويج للمعلومة الخاطئة بأنّ العطس في بلجيكا هذه الأيام قد يؤدي إلى السجن، أو تضخيم بعض الإجراءات بالإشارة إلى مكافآت مالية تمنحها كندا للعائلات. وبينما لم تعد جائحة كوفيد تقصر على القطاع الصحّي فقط، فقد استثمر المحللون السياسيون ومراكز الأبحاث في تحليل تداعيات الوباء السياسية والتنبؤ بنظام دولي جديد، وظهرت أخبار مضللة عن صراعات بين الدول نتيجة تفشّي الفايروس، مثل خبر طلب ألمانيا تعويضات من الصين بسبب الأضرار التي لحقت بها، أو خبر عن أزمة دبلوماسية وقعت بين تركيا وإسبانيا بسبب استيلاء الأولى على معدّات طبية كانت بطريقها من الصين إلى إسبانيا.
ترويج الشائعات الدينية
قد تدفع الأزمات الإنسانية والكوارث الطبيعية البشر إلى التمسّك بمعتقداتهم على مختلف أشكالها، وما يميّز جائحة كورونا هو إغلاق أماكن العبادة في سائر أنحاء العالم تقريباً، لاحتوائها على تجمّعات قد تؤدي إلى تفشّي الفايروس، مثل تعليق الصلوات الجماعية في الحرمين الشريفين وفي الفاتيكان. وبدوره تتبّع "مسبار" عدّة أخبار متداولة متعلّقة بالممارسات الدينية منها الخبر الصحيح عن اعتناق مصارع نمساوي الإسلام بسبب فايروس كورونا، والخبر الزائف عن اعتناق شعب ألمانيا الديانة الإسلامية، وعن نيّة السعودية بناء كنيسة في مدينة مكّة، والذي تبيّن لـ"مسبار" أنها تصريحات مفبركة لأنّ السلطات السعوديّة تحظر بناء الكنائس وجميع أشكال العبادة المسيحيّة المفتوحة في مدنها، خاصة مدينة مكة. إضافةً لذلك، نُشر خبر مضلّل عن اعتناق آلاف الأشخاص الديانة المسيحية، أو عن الشعب الأمريكي الذي يطلب المغفرة بعد انتشار فايروس كورونا، وتبيّن من خلال التحقق أنّ المقطع المتداول قديم ولا علاقة له بفايروس كورونا.
ولم تفصح هذه الأخبار عن الأزمة المندلعة في الهند بين الحكومة والمواطنين المسلمين، إذ بعد أن اشتدت المواجهات بين المحتجين الهندوس والمسلمين في أواخر شهر فبراير/شباط الفائت، بعد إقرار البرلمان الهندي قانون الجنسية المثير للجدل وبعد زيارة الرئيس الأميركي ترامب للهند، انتشرت شائعات عن رفض الحكومة الهندية علاج المسلمين المصابين بفايروس كورونا، كما انتشر لاحقاً خبر زائف عن اعتذار رئيس الحكومة الهندي من المسلمين بسبب انتشار الوباء.
ظواهر طبيعية، معجزات وخرافات
نتيجة لعدم اليقين السائد تجاه الظواهر الطبيعية كالزلازل والبراكين والظواهر الفضائية، يزداد تصديق الناس للمعجزات كما يزداد تداولها لعدّة أسباب، منها عنصر المفاجأة وندرة حدوثها والرغبة لدى الأشخاص بحدوثها. فقد انتشر البعض منها هذا الشهر مثل معجزة اليد التي ظهرت في سماء السعودية، والمقطع المصوّر الزائف الذي يُظهر المسيح الدجال في سماء العراق، إذ كان الخبران مفبركان. وتداولت مواقع إخبارية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي أخباراً مغلوطة متعلّقة بالظواهر فوق الطبيعية مثل ظهور أجسام غريبة حول القمر، وخبراً انتقائيًّا ومضللاً عن تعافي طبقة الأوزون. واستمرّ تداول الأخبار الخاظئة عن الخطر الذي تواجهه الكرة الأرضية من اصطدام النيازك والمذنّبات، فقد انتشر خبران في شهرٍ واحدٍ عن اصطدام قريب لنيزك بالكرة الأرضية. وتجدر الإشارة إلى سهولة تداول هذه الأخبار بسبب غموض الظواهر الطبيعية ومدى تعقيدها، إضافةً إلى النقص في المعلومات البديلة سوى لدى الجهات المختصّة.
خرافات ومؤامرات
إنّ ظهور فايروس كورونا وانتشاره بشكلٍ واسعٍ أحدث بلبلة في النظام الدولي وأدى إلى اندلاع حربٍ إعلاميةٍ بين الولايات المتّحدة والصين حول مصدر الفايروس، وازدادت الشكوك حول إذا ما كان الفايروس مصنّعاً وجزءاً من حربٍ بيولوجيةٍ محتملة. تداولت بعض المواقع الإخبارية وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ادعاءاتٍ زائفةٍ منسوبة لوزير الصحّة الفرنسي بأنّ فايروس كوفيد-19 عبارة عن سلاح بيولوجي ينتقل عبر الهواء، وتداول مروّجو نظريات المؤامرة خبراً زائفاً عن ارتباط انتشار الأوبئة عالميًّا مع الانتخابات الأميريكية. تجدر الإشارة إلى أنّ موقع فيسبوك قد صنّف المنشورات التي تداولت الموضوع بأنها زائفة، وذلك ضمن جهوده لمكافحة الأخبار الزائفة في هذه الفترة. واصل مروّجو نظريات المؤامرة بالنشر عن نيّة مؤسس شركة مايكروسوفت، بيل غيتس، تطبيق نظام عالمي يتحكّم بالبشر عن طريق رقائق إلكترونية مستغلاً أزمة كوفيد-19، لكن تبيّن لاحقاً بأنّ الخبر زائف.
منوّعات
أحياناً عديدة تنتشر الأخبار الزائفة بمعزلٍ عن تصنيفٍ معيّنٍ يمكن أن توضع فيه، ممّا يدفعنا للنظر إلى الأخبار الزائفة كأنها بمثابة ظاهرة بحدّ ذاتها، وليست مرتبطة بالضرورة بظاهرة عالمية تختفي مع زوالها، وإنما مستمدّة من أحداثٍ عالميةٍ أخرى. ويستمر ترويج الشائعات حول الصراعات الدائرة في العالم العربي مثل الخبر الزائف عن تحالف صيني-جزائري ضد أوروبا، والخبر المضلل عن اختراق سعودي لقناة تركية، وترويج لمعلومات خاطئة ومضللة عن تبعات صراعات سياسية داخلية في الدول مثل نشر الصورة المضللة عن اعتقال وزير الداخلية التركي أو الخبر الزائف عن اعتقال الداعية ومقدّم البرامج في قناة أبو ظبي، وسيم يوسف.