في التغطيات الإعلامية للأحداث الساخنة، نلامس أحيانًا نوعًا آخر من التضليل في تناول القضايا المطروحة للنقاش، من جهة تصعيد نقاط معينة وتغييب نقاط أخرى، حسب توجهات وسياسات وسائل الإعلام. إذ يحدث مثلًا أن يتناول المذيع الحدث من زاوية معينة، مع ضيوف يعززون هذا التوجّه، ويغيب عن المشاهد/المتلقي الجوانب الأخرى للحدث، من خلال التجاهل المقصود.
مع تعزيز الحديث باتجاه واحد، يتكوَّن رأي بعيد عن الموضوعية، قريب من المكوّنات العقائدية والمشاعر، ويستهدف غالبًا المنتمين لذات التوجّه، ويتلقى المختلفون هذا المشهد بمكوِّناته بنوع من الاستنكار العاجز.
ما بين شاشة التلفزيون التي تضخ معلوماتها باتجاه المشاهدين من طرف واحد، وبين المشاهدين الذين ينتقلون بآرائهم المختلفة المبنية على معلومات مختلفة، ومن خلال أدوات تفاعليّة، تحدث ارتفاعات وانخفاضات في الخطّ البياني لصدقية وسيلة الإعلام هذه أو تلك.
تحيّز الوسائط موجود في كل مكان وليس من السهل اكتشافه. لذا من المفيد دائمًا مقارنة عدة مصادر للمعلومات. وفيما يلي بعض أشكال تحيز الوسائط التي يجب مراقبتها، بحسب كتاب (التحيّز في التناول الإعلامي)، للكاتبة سهام الشجيري:
• التحيز بالحذف: في كل قصة إخبارية يتم تحديدها، هناك العديد من الأخبار الأخرى التي تم استبعادها. هل تُظهر القصص الإخبارية التي تراها نظرة متوازنة للحياة الواقعية؟ ما هي السمات المشتركة بينهما؟ (على سبيل المثال، هل هم في الغالب حول العنف، المشاهير، الثروة؟) هل تتضمن بعض مصادر الأخبار عناصر يتجاهلها الآخرون؟
• التحيز بالتشديد: ما هي الأخبار الموجودة في الصفحة الأولى أو "في الجزء العلوي من الساعة؟"، ما هي القصص التي تحصل على أكبر العناوين، أو أول وأطول تغطية على التلفزيون أو الراديو؟ ضع في اعتبارك كيف يؤثر هذا الموضع على إحساس الناس بما هو مهم.
• التحيز باستخدام اللغة: إنّ استخدام تسميات مثل "إرهابي" أو "ثوري" أو "مقاتل من أجل الحرية" يمكن أن يخلق انطباعات مختلفة تمامًا عن الشخص أو الحدث نفسه.
• التحيز في الصور: الصور غير المبهجة يمكن أن تخلق انطباعات سيئة، ويمكن للصور الجزئية للمشاهد أن تغيّر سياق الحدث بالكامل.
• التحيز في المصدر: مقال عن علاج للسرطان كتبته شركة أدوية يختلف عن مقال لباحث مستقل. في كثير من الأحيان ، تصدر الشركات الخاصة والحكومات وشركات العلاقات العامة والجماعات السياسية بيانات صحفية لكسب الظهور في وسائل الإعلام والتأثير على الجمهور.
• التحيز في العناوين الرئيسية: قد تكون بعض العناوين خادعة، ويكون الغرض الرئيس منها هو جذب الانتباه. يقرأ الكثير من الناس العناوين الرئيسية فقط ، والتي يمكن أن تخلق إحساسًا مشوهًا بما يجري بالفعل، أو تحويل أي حدث غير حدث إلى حدث مثير.
• التحيز عن طريق التكرار: يمكن أن يؤدي تكرار حدث أو فكرة معينة إلى الاعتقاد بأنها حقيقية وواسعة الانتشار وأهم بكثير مما هي عليه بالفعل.
• التحيز في الأرقام والإحصاءات: يجب تفسير الإحصاءات، أحيانًا ما يتم استخدامها لخلق انطباعات خاطئة. من بين العبارات التالية، ما الإحصاء الذي ستستخدمه لمحاولة إقناع شخص ما بأن عقوبة الإعدام فكرة جيدة؟ (ما يقرب من 30٪ ممن شملهم الاستطلاع يؤيدون عقوبة الإعدام - أكثر من 70٪ ممن شملهم الاستطلاع يعارضون عقوبة الإعدام).
تُعدّ "الحيـادية الإعلامية" واحدة من المعايير الأساسية في صناعة الإعلام، ولا بد أن تتحقق بوجود عناصر مثل: عدم انحيـاز التغطية إلى رأي أو فكرة بعينها، والتوازن في عرض وجهات النظر المختلفة، وتجنب تفضيـل طرف ما على الآخر بأي وسيلة. وتأتي التغطية المتوازنة التي تتعرض للجوانب المختلفة للأزمة على عرض مواقف الأطراف المعنية، الأسباب، السياق، التطورات، الآفاق" وتتسم هذه المعالجة بالعمق والشمولية والمتابعة الدقيقة التي تحترم موضوعها ومتلقيها وتستخدم من أجل تحقيق ذلك من خلال أحد الأسلوبين التاليين: الأول النمط العقلي الذي يقوم على أساس تقديم المعلومات الصحيحة والموثوقة، والنمط النقدي الذي يقوم على أساس تقديم المعلومات مع محاولة إشراك الجمهور المتلقي والانطلاق من المستوى الواقعي لوعي الجماهير وربط المعالجة بمصالح واهتمامات الناس.
وتهدف التغطية المتكاملة إلى تكوين موقف متكامل ووعي عميق بالحدث من خلال المعرفة العلمية السليمة لمعطيات الواقع، ولذلك يحاول هذا النوع من التغطية إعطاء صورة كاملة تتسم بالوضوح والاتساق والشمول لمختلف جوانب الخبر. وهي تراعي المستويات المختلفة للجمهور، وتعتمد على كوادر إعلامية مؤهلة ومعروفة، كما تحاول هذه التغطية تجنب المخاطر المتمثلة بأحادية النظرة والاقتصار على التغطية المجتزأة.
المصادر
التحيز في التناول الإعلامي "بناء نموذج تفسيري لتحيزات وسائل الإعلام"