هذه المدونة ترجمة عن مقال نشر في صحيفة غيزمودو GIZMODO
بعد مراجعتها لآلاف الحسابات لمستخدمي موقع ويبو"Weibo"، وهو موقع وسائط اجتماعية صيني، توصّلت دراسة إلى أنّ التحقق من هويّة المُستخدمين قد يُساعد في مُكافحة المعلومات المُضلّلة، لكن الشارات التي تمّ التحقق منها تؤدي عادة إلى نتائج عكسِيّة.
وتشير دراسة علمية جديدة وافقت مجلة نُظم المعلومات الإداريّة العلمية، على نشرها، إلى أنّ علامات التحقّق الزرقاء تشكّل إلى حدّ بعيد أحد الأسباب المُحتملة لتفشّي الخدع، والتضليل السياسي والطُعم المُلفّق على مواقع التواصل الاجتماعي في السنوات الأخيرة.
وتُظهر هذه الدراسة التي تحمل عنوان “هو علاج أم سمّ؟التحقق من الهوية ونشر الأخبار الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي”، أنّ التحقّق من هوية ناشري الأخبار الزائفة على وسائل التواصل الاجتماعي، يحدّ من ميولهم نحو نشر المواد المثيرة أو تلفيق الأخبار الزائفة. كما وَجَدَ الباحثون أنّه عندما يُمنح الأشخاص توثيقًا لحساباتهم، تنخفض القدرة على تحسين جودة المواد التي يتداولونها.
وقد شاركَ في تأليف هذه الورقة البحثية، باحثون من جامعة مدينة نيويورك وجامعة تمبل وجامعة هيوستن، سعوا بداية إلى اكتشاف ما إذا كان التحقّق من الهوية يؤثر عمومًا على ميل المستخدم إلى نشر مُحتوى مشكوك فيه. وفي خضمّ بحثهم، اكتشفوا أنّه عندما يُعطى المستخدم علامة خاصة تدلّ أنّه تمّ التحقّق من صِحة حسابه (وهي شبيهة بعلامة الفحص الزرقاء في تويتر)، فإن النتائج تختلف.
من جانبه، قال كلّ من الأستاذ المُشارك في نُظم المعلومات الإدارية في جامعة تمبل، مين سيوك بانغ Min-Seok Pang، والأستاذ المشارك ميلتون ف. ستاوفر Milton F. Stauffer، في كلية فوكس للأعمال في بيان صحافي "إنّها مشكلة كبيرة، وواحدة من أكبر المشاكل التي نتعامل معها حاليًا"، وتابع القول "الأخبار الكاذبة أصبحت مسألة حياة أو موت، فهي تهزّ الثقة والاحترام بيننا، علمًا أنّ الاحترام يُشكّل العمود الفقري لأيّ مُجتمع مُتحضر".
اعتمدَ الباحثون على مجموعة بيانات من موقع ويبو Weibo، لأنّ طبيعته مُناسبة لغرض الدراسة التحليلي؛ فهو يُحدّد بوضوح أنواعًا مختلفة من المحتوى المُخالف للقواعد و "يعمل بنشاط في التدقيق في منشورات الأخبار الكاذبة التي يبلّغ عنها المستخدمون، ويراجع الأدلّة التي يقدّمها أصحاب البلاغ، وبعدها يكشف عن نتائج التحقّق، ممّا يمنحنا طريقة رسمية لمعرِفة الأخبار الزائفة". إضافة إلى ذلك، ألزم موقع ويبو عام 2011 جميع مستخدميه على إثبات هويّاتهم الحقيقية، بخلاف مواقع أخرى تتحقّق فقط من هويات فئات معينة من مستخدميها، مثل موقع تويتر، الذي يعتمد تحققًا نسبيًا يشمل فقط عددًا من المشاهير والشخصيات السياسية والإعلامية.
وتناقش الباحثون بشأن فوائد النشر المتعددة على مواقع التواصل الاجتماعي من وجهة نظر الناشرين، وأهمّ الأمثلة التي ذكروها هي المكاسب النفسية مثل اهتمام الأقران بهم، أو السياسية من خلال الدعاية، أو المالية مثل زيادة حركة المرور على الويب. كما تناولوا العواقب السلبية المُحتملة لنشر الأخبار الزائفة، مشيرين إلى الولايات المتحدة، إذ يمكن أن يواجه مروّجوها دعوى تشهير؛ أمّا في الصين، تُراقب الدولة الإنترنت بشكل مشدّد، وبالتالي يمكن للسُّلطات توجيه الاتهام إلى الأشخاص الذين ينشرون الأكاذيب وسجنهم لمدّة سبع سنوات.
اعتمدَ الباحثون على عينة تشمل حوالي 5 آلاف من مستخدمي ويبو Weibo، اكتشفت المنصَّة أنّهم نشروا ما تعدّه أخبارًا زائفة، مُقتصرة فقط على المستخدمين الذين سُجلّوا قبل شهر أكتوبر/تشرين أول من عام 2011، واستبعدت المشاهير والسياسين. بعد ذلك، قلّص الفريق العينة إلى قرابة 1335 مستخدمًا تمكّنت من جمع معلومات مُوسّعة عنهم.
ولضبط التأثير المُحتمل الناتج عن التحيز التجاري أو السياسي من قِبَل القائمين على إدارة ويبو، اختار الباحثون 200 منشورًا مُزورًا عشوائيًا، للتحقق ما إذا كان القرار منصفًا. كما "استبعدوا كلّ الأخبار الزائفة ذات الصلة بالحكومة أو السياسة من العينة" للتحكّم في "حساسية الأخبار السياسية الزائفة"، ففي نهاية المطاف، تخضع منصة ويبو لمُراقبة مستمرة من قِبَل السلطات الصينية، وفعلها غير ذلك سيعرّضها لتصنّف مُنشقة سياسيًا. إضافة إلى ذلك، لا يمكن التحقّق من بعض الحالات المرتبطة بمعلومات شخصية زائفة. فإنّ المنشورات التي تحتوي فعليًا على "أخبار زائفة" كما حدّدها موقع ويبو "Weibo" تشمل مثلًا الادعاءات الزائفة والتفاصيل الملفّقة والمبالغات والمواد التي تحتوي على مصادر متناقضة أو المعلومات التي عفا عليها الزمن أو غير المُكتملة أو الخارجة عن سِياقها.
أجرى الباحثون أيضًا دراسة استقصائية لاحقة لمُستخدمي منصتي ويبو وتويتر في الولايات المتحدة للتحقق من بعض افتراضاتهم السابقة، مثل آراء المستخدمين حول أساليب التحقق المختلفة، أو ما إذا كانوا يعتقدون أنّ علامات توثيق الحسابات تضيفُ صدقيّة إلى المنشورات. دعمت النتائج فرضياتهم إلى حدّ كبير، فعلى سبيل المثال، أعرب 66٪ من المستخدمين عن رغبتهم في نشر أخبار مشبوهة، إذا كان لديهم شارة تحقّق من شأنها أن تساعدهم في الحصول على مزيد من المشاركة، مقابل 43٪ ممّن ليس لديهم الشارة.
في حين أنّ مجموعة البيانات هذه قد تأتي في سياق اجتماعي وسياسي يختلف تمامًا عن سياق المواقع الموجودة في الولايات المتحدة، إلا أنّ الباحثين يعدونها خطًّا أساسيًا ملائمًا لإبداء بعض الملاحظات على سلوك المستخدم و"التي لا تقتصر على سلوك المستخدمين الصينيين".
إضافة إلى ذلك، من البديهي أن يكون للتحقّق من الهوية دون علامة توثيق تأثير ضئيل على استعداد المستخدم لنشر مُحتوى زائف، فقد أكّد الباحثون أنّ لديه حقيقة تأثيرًا سلبيًا وإحصائيًا هامًّا على كمية المعلومات الزائفة التي يشاركونها؛ لأنّ ذلك المستخدم يعلم أنّ هويته على الإنترنت يمكن أن تكون مرتبطة بهويته الحقيقية. وقال الباحثون إنّ رفع شارة التحقّق، يقضي على تلك المكاسب.
وقد خلصت الدراسة إلى أنّ التقصّي عن الهوية دون علامة التوثيق يحدّ من ميل المستخدمين إلى نشر الأخبار الزائفة، والتحقق من الهوية بواسطتها قد لا يعني ذلك أيضًا. وهذه التأثيرات المُختلطة تشيرُ إلى أنّ وجود شارة التحقق في الحسابات التي تم التحقّق منها يؤدي إلى إضعاف تأثير التحقق من الهوية إلى حد كبير. والواقع أنّ هذه التأثيرات المُتباينة تشير إلى وجود شارة التحقق من الهوية. والأمر المُثير حقيقة أنّه عندما يتطوّع المستخدمون لتمرير التحقّق من الهوية بشارة التحقق، فإنهم ينشرون المزيد من الأخبار الزائفة بعدها.
قدَّم الباحثون عدّة تفسيرات لذلك، فعلى سبيل المثال، قد يعتقد المستخدمون أنّ زيادة صدقية المستخدمين الآخرين تكون من خلال استخدام شارة التحقق التي تقلّل من خطر تعرضّهم للإضرار بالسمعة أو العواقب المنبثقة عن نشر محتوى كاذب.
وأحد التفسيرات المُحتملة، هو أنه عندما يدرك المستخدمون أنّ حالة التحقق الخاصة بهم سيتم الكشف عنها بواسطة العلامة بعد التحقق، فإن الفائدة المتزايدة لنشر أخبار كاذبة (التي تقدمها العلامة كمؤشر على الصدقيّة) قد تحفّز بعض المستخدمين على التحقق من هوياتهم بشكل فعّال واتخاذ المزيد من المخاطر لنشر أخبار كاذبة، ممّا يعني أن ذلك "حافز مُضر لنشر الأخبار الكاذبة"، إذ يُعطي نظام التحقّق هذا، الضوء الأخضر للمستخدمين الذين يعتزمون استخدامه لتحقيق مكاسب شخصية أو مالية.
وفي وقت فائت هذا العام، أصدرَ معهد أكسفورد للإنترنت تقريرًا وجد أنّ ما لا يقلّ عن 81 دولة تستخدم "وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الدعاية الإلكترونية والمعلومات المُضلّلة حول السياسة"، مع وجود أدلّة على قيام جهات فاعلة سياسية أو حكومية في 48 دولة على الأقل، بتجنيد شركات خاصة للقيام بذلك، هي بمثابة "القوات الإلكترونية".
كان من بين الجُناة، طرفا النزاع الليبي ومجموعة MAGA وتسمّى Turning Point USA، ومهمّتها إقناع كبار السن من مؤيدي دونالد ترامب بأنّ سياسات الحزب الجمهوري تحظى بشعبية واسعة بين طلاب الجامعات، والحملة الرئاسِية الفاشلة للملياردير مايكل بلومبرغ Michael Bloomberg. وبدأت التكتيكات من إدارة جيوش من الروبوتات والإبداع الاحترافي لوسائل الإعلام المتلاعب بها، وصولًا إلى الإعلانات القائمة على البيانات والتي تهدف إلى التضليل.
وفي السياق ذاته، صرّح الأستاذ في جامعة تيمبل بانغ Pang، في بيان صحفي "عندما تعدّ منشوراتك ذات صدقيّة، فستسبّب ضررًا أكبر عندما تنشر الأخبار الزائفة.. رغم أنّنا لم نجر أبحاثًا حول هذا الأمر تحديدًا، إلاّ أّنّه يبدو أنّ بعض الأفراد يستخدمون عملية التوثيق للتلاعب بالنظام". لذا، يتعيّن على منصات التواصل الاجتماعي أن تنفذها بصرامة، ويجب أن تتوخّى الحذر من قيام أحد المستخدمين بالتلاعب بالنظام، وعليها منع الحلول البديلة. نعتقد أنّ هذا هو أحد أقوى نتائج هذا البحث.
المصدر:
إقرأ/ي أيضًا:
الذكاء الاصطناعي قد لا يكون حلًا سحريًا لمشكلة الأخبار الزائفة