يعد عام 2024 الجاري من أكثف الأعوام من حيث أعداد العمليات الانتخابية التي أجريت حول العالم، من انتخابات رئاسية وبرلمانية ومجالس شيوخ وغيرها، وهو العام أيضًا الذي انتشرت فيه تحذيرات من ظاهرة انتشار التضليل المعلوماتي على مختلف أشكال وسائل الإعلام التقليدية منها والجديدة، خاصة انتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك، إكس (تويتر سابقًا)، وانستغرام، تليغرام، وتيك توك وغيرهم. وكانت قد أشارت التحذيرات لاعتماد ملايين المستخدمين حول العالم على أدوات الذكاء الاصطناعي الحديثة، وأبدوا مخاوفهم من مدى تأثيرها على الانتخابات ونتائجها وسلوكيات الناخبين أثناء عملية الاقتراع، ومن مدى صدقية المعلومات التي توفرها للمستخدمين، حول مواعيد الانتخابات، أماكن الاقتراع والمرشحين.
بدوره عمل فريق مسبار طوال العام الجاري على تغطية مؤثرات انتشار المعلومات المضللة على مجريات الانتخابات حول العالم، وتأثير الذكاء الاصطناعي على نتائجها، لافتًا النظر إلى مدى أهمية انتشار ظاهرة المعلومات المضللة والزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي السياق ذاته، نشر معهد بروكينغز الأميركي لدراسة العلوم الاجتماعية، تقريرًا يوم السابع من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، يفيد بأنّ المعلومات المضللة التي انتشرت حول الانتخابات الأميركية، وخاصة معلومات طاولت أداء المرشحة الديمقراطية كمالا هاريس وإدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، بشأن قضايا مثل المهاجرين غير النظاميين، ونسبة التضخم في الاقتصاد الأميركي وغيرها من الادعاءات التي ثبت عدم صحتها، أدت إلى توجيه نتائج الانتخابات في صالح دونالد ترامب.
معهد دراسات يربط بين نتيجة انتخابات الرئاسة الأميركية وتأثير المعلومات المضللة
يُرجع التقرير انتصارات ترامب والجمهوريين على صعيدي الانتخابات الرئاسية والكونغرس، إلى تركيز خطابهم الإعلامي على مخاوف الناخبين من التضخم، وأمن الحدود، وقضايا ثقافية متعلقة بالعرق والجنس والجنسانية، والشعور بأنّ الرئيس جو بايدن والبلاد ككل كانا يتجهان في الاتجاه الخاطئ.
ويؤكد على أنّ أحكام المواطنين بشأن التضخم والهجرة كانت قاسية خلال موسم الانتخابات هذا، وقد أضرت هذه الآراء من جهة بتقييمات الناخبين للمرشحة الرئاسية السابقة ونائبة الرئيس الأميركي الحالي كامالا هاريس، وعززت من جهة أخرى خطاب ترامب وتقييمهم له.
ويؤكد التقرير على الطرق التي شكلت بها المعلومات المضللة وجهات نظر الكتلة الناخبة حول المرشحين، وأثرت على كيفية رؤية الناخبين لأداء القادة، وولدت اهتمامًا إعلاميًا واسع النطاق.
تشمل أمثلة الحملات الانتخابية للرئاسة الأميركية ادعاءات حول المهاجرين غير الشرعيين الذين يأكلون القطط والكلاب، وتمويل الإغاثة من كارثة الأعاصير التي ذهبت إلى المهاجرين غير المسجلين، وكامالا هاريس في ملابس السباحة وهي تعانق المدان جيفري إبستين، والقضية المزعومة لتيم والز نائب كامالا.
ولا تتدفق المعلومات المضللة إلى نظامنا البيئي الجديد للمعلومات من داخل البلاد فقط، بل يحاجج الكاتب أنه قد تنتشر معلومات زائفة ومضللة أيضًا من خارج البلاد، كما ظهر في أحد مقاطع الفيديو التي انتشرت سابقًا رجل هايتي (رغم أنه ليس هايتيًا حقًا)، يقول إنه وصل للتو إلى الولايات المتحدة وصوت في مقاطعتين هما جوينيت وفولتون بجورجيا، لكن تبيّن لاحقًا أنه مقطع فيديو زائف تم تصويره في روسيا.
تكرير تداول المعلومات المضللة والزائفة يجعل تأثيرها على قرارات الناخبين أقوى
ويتابع التقرير بأنّ هذه الجهود وغيرها كانت ناجحة في تشكيل سردية الحملة لأنها انتشرت على نطاق واسع على مواقع التواصل الاجتماعي، وروج لها من خلال الميمز، ونُشرت من قبل وسائل الإعلام الرئيسية الكبرى، وتم تداولها من قبل المؤثرين الكبار على الإنترنت، وبُثّت على لسان المرشحين الرائدين خلال التجمعات والمناظرات والمقابلات للحملة. خاصة عندما نلاحظ تضاؤل ثقة الجمهور في المراسلين الإخباريين والإعلام التقليدي، بالإضافة لتسهل أدوات الذكاء الاصطناعي الجديدة إنشاء ونشر الصور ومقاطع الفيديو والروايات الزائفة على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
وتشير بيانات استطلاعات الرأي إلى أنّ الادعاءات الكاذبة أثرت على كيفية رؤية الناس للمرشحين، وكونت آرائهم حول القضايا الرئيسية مثل الاقتصاد والهجرة والجريمة والطريقة التي غطت بها وسائل الإعلام الحملة.
وعند الحديث عن قضية الهجرة غير النظامية وأمن الحدود الأميركية، يدعي المرشح السابق والفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية للعام 2024 دونالد ترامب، أنه كانت هناك جحافل من المهاجرين تكتسح الحدود الجنوبية للبلاد، وتحتكر بشكل غير عادل الموارد العامة النادرة وتهدد الأمن العام من خلال موجات الجريمة الخطيرة.
لكن الإحصاءات الرسمية لإدارة الحدود الأميركية أظهرت باستمرار عكس تلك الادعاءات، غير أنّ هذا لم يكن كافيًا لتغيير الآراء المعارضة لهاريس بشأن أمن الحدود. فوفقًا لمدققي المعلومات الذين عملوا على التحقق من هذه الادعاءات، فإنّ ادّعاء عبور 10 ملايين مهاجر عبر الحدود وإطلاق سراح العديد منهم بعد القبض عليهم كانت مضللة وليس لها أساس من الصحة. بل تقول الأرقام أنّ نسبة الاعتقال والإفراج قد انخفضت خلال إدارة بايدن، وكانت متقاربة للأرقام التي خرجت من إدارة ترامب.
بالإضافة إلى ذلك، أظهرت إحصاءات الجريمة أن الأميركيين المولودين في البلاد ارتكبوا جرائم بمستويات أعلى بثلاث مرات من المهاجرين. فوفقًا للمعهد الوطني للعدالة، ارتكب الأميركيون المولودون في البلاد نحو 1100 جريمة لكل مئة ألف شخص، مقارنة بـ800 جريمة ارتكبها المهاجرون الشرعيون و400 جريمة للمهاجرين غير المسجلين. لكن ادعاءات ترامب الكاذبة في هذا الشأن جعلت هاريس تبدو غير فعالة فيما يتعلق بقضايا الجريمة والهجرة.
وفيما يتعلق بآراء الناس حول نسبة التضخم والاقتصاد بشكل عام، أفاد المواطنون في عام 2024 باستمرار الاستطلاعات بآراء سلبية للغاية، مقارنة بأرقام التضخم والبطالة والناتج المحلي الإجمالي الفعلية. وعلى صعيد آخر فقد تحير الأوروبيون بشكل خاص من وجهات نظر الأميركيين السلبية حول الاقتصاد. إذ نشرت مجلة ذا إيكونوميست عشية الانتخابات العامة، تقريرًا يفيد بأنّ الاقتصاد الأميركي كان موضع "حسد العالم". ومع ذلك، كان لدى الناخبين الأميركيين نظرة قاتمة تجاه الاقتصاد، إذ قيموا هاريس بشكل سلبي في هذا الشأن.
محاربة التضليل المعلوماتي يقع على عاتق إدارات وسائل وماقع التواصل الاجتماعي أولًا
وينصح كاتب التقرير الناس إلى أن يكونوا على دراية أكبر في المعارك السياسية القادمة بكيفية قيام "النظام البيئي الحالي للمعلومات" الذي يدور في فلكه العديد من الأكاذيب المروجة والحقائق المشوهة للواقع، والتي تشكل وجهات نظر مغلوطة عن القضايا المهمة في المجتمع بالنسبة للكتل الناخبة المختلفة، خاصة مع تقارير تفيد بأنّ ملايين الأميركيين ينشرون معلومات مضللة مع علمهم أنها مغلوطة.
ويقول إنه وجب استحداث سياسات هادفة لمكافحة لمحتوى المضلل من قبل مواقع التواصل الاجتماعي، لأنه وخاصة في الوقت الحالي، نرى العديد من المواقع الرائدة أصبحت عبارة عن مستنقعات من الشائعات والمعلومات المضللة والأكاذيب الصريحة. إذ انتشرت هذه المعلومات المضللة على نطاق واسع وشاهدها الملايين من المستخدمين. وإذا استمر هذا، فسوف يصبح من الصعب بشكل متزايد التمييز بين الحقيقة والخيال، ولذلك تحتاج الشركات إلى أن تكون أكثر جدية بشأن تعديل المحتوى المضلل والإشارة إليه.
وحذر الكاتب من وجود العديد من الأفراد والمنظمات التي لديها حوافز مادية لنشر الأكاذيب والمعلومات المضللة، إذ أفادت بعض التقارير الإخبارية التي نشرت مؤخرًا أنّ بعض المواقع الإلكترونية والنشرات الإخبارية والمنصات الرقمية، يتكسبون المال من الاشتراكات والإعلانات ومبيعات السلع. وما دام نشر الأكاذيب مربحًا، فسوف يكون من الصعب السيطرة بشكل جدي على طوفان المعلومات المضللة التي تبتلي نظامنا المعلوماتي الحالي.
اقرأ/ي أيضًا
المعلومات المضللة في الأزمات الإنسانية: ضرر يصل حد الموت
كيف يساهم صنّاع المحتوى الرقمي في توجيه الرأي العام عن طريق معلومات مضللة؟