هذا المقال ترجمة لمقال منشور على موقع NPR.
بحسب دراسة أجرتها إذاعة نيفادا العامّة NPR، فإن الناس الذين يعيشون في مقاطعات دعمت دونالد ترامب بشدة خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة، معرضون للموت بسبب الإصابة بفايروس كوفيد-19، ثلاث مرات أكثر من أهالي المقاطعات الداعمة للرئيس الحالي للولايات المتحدة الأميركية، جو بايدن.
منذ مايو/أيار الفائت، وهو الوقت الذي أصبحت فيه اللقاحات متوفرة على نطاق واسع في الولايات المتحدة، تفحصت NPR الوفيات لكل 100 ألف شخص في ما يقرب من 3000 مقاطعة عبر الأراضي الأميركية، ووجدت أن معدلات الوفاة في المقاطعات التي دعمت ترامب بنسبة تصويت 60% أو أعلى، أكثر ب2.7 مرة من معدلات الوفاة بالمقاطعات الداعمة لبايدن.
ووفقًا لتشارلز جابا، محلل رعاية صحية مستقل يدرس اتجاهات التحزب أثناء الوباء، وراجع منهجية NPR في هذه الدراسة، فإنه في أكتوبر/تشرين الأول الفائت، شهد العُشر الأكثر احمرارًا في البلاد معدلات وفيات أعلى بست مرات من الأكثر زرقة، وأضاف، أن هذه الأرقام انخفضت بشكل طفيف في الأسابيع الأخيرة إذ قال إنها "عادت إلى حوالي 5.5 مرات أعلى".
كان التوجه السياسي عاملًا مؤثرًا قوياً في الدراسة، حتى عند التحكم في العمر، وهو الخطر الديموغرافي الأساسي لوفيات كوفيد-19. وقد كشفت البيانات أيضًا عن عامل رئيسي يساهم في اختلاف معدل الوفيات، إذ تبيّن أنه كلما ارتفعت نسبة التصويت لترامب، انخفض معدل التطعيم.
والحقيقة أن الدراسة نظرت فقط في الموقع الجغرافي لوفيات الفايروس، وما تزال الآراء السياسية الدقيقة التي يتبناها كل شخص غير معروفة. لكن العلاقة القوية بين التوجه السياسي للمقاطعة ونسب الوفيات، إلى جانب معلومات استطلاعات الرأي حول التطعيم، تشير بقوة إلى أن الجمهوريين يتأثرون بشكل غير متناسب.
وقد أظهرت بيانات استطلاع الرأي الأخيرة أن الجمهوريين هم حاليًّا أكبر مجموعة من الأفراد غير متلقي اللقاح في الولايات المتحدة، أكثر من أي مجموعة سكانية أخرى.
وتظهر الاستطلاعات أيضًا أن الجمهوريين لا يثقون في المصادر الرسمية للمعلومات ويتعرضون لمعلومات مضللة بنسبة كبيرة.
تقول ليز هامل، نائبة رئيس أبحاث الرأي العام والاستطلاعات في مؤسسة Kaiser Family، وهي مؤسسة غير حزبية للسياسة الصحية تتعقب المواقف تجاه التطعيم، "الشخص غير الملقح أكثر عرضة بثلاث مرات للميل من الجمهوريين من الميل للديموقراطيين"، الانتماء السياسي هو الآن أقوى مؤشر على ما إذا كان الشخص قد تم تطعيمه، وأضافت "إذا أردت أن أخمن ما إذا كان شخص ما قد تم تطعيمه وكان بإمكاني معرفة شيئًا واحدًا عنه، فربما أسأل ما هو الانتماء الحزبي".
لم يكن الوضع دائمًا على هذا النحو، ففي وقت سابق من الوباء، أعربت العديد من المجموعات المختلفة عن ترددها في الحصول على التطعيم، إذ قاومت أجزاء كبيرة من ديموغرافية الأميركيين الأفارقة والأميركيين الأصغر سنًا والأمريكيين الريفيين التطعيم، لكن بمرور الوقت، ارتفعت معدلات التطعيم في تلك الديموغرافيات، بينما استقرت في المقاطعات الجمهورية عند 59 ٪ فقط، وفقًا لأحدث الأرقام من مؤسسة Kaiser بالمقارنة مع وصول نسبة التطعيم إلى 91٪ بين الديمقراطيين.
وفقًا لمركز السيطرة على الأمراض، فإن عدم التطعيم يزيد من خطر الوفاة بفايروس كوفيد-19 بشكل كبير. وفي ذات السياق، قال بيتر هوتيز، عميد المدرسة الوطنية للطب الاستوائي في كلية بايلور للطب، إن الغالبية العظمى من الوفيات منذ مايو الفائت، أي ما يقارب 150 ألف وفاة، حدثت بين غير المطعمين.
وفي حين أن التردد تجاه تلقي اللقاحات موجود في العديد من المجموعات المختلفة، يظن هوتيز أن الوفيات تتركز "بشكل كبير" في المجتمعات الأكثر محافظة سياسيًا، ويتساءل "كيف يكون هذا منطقيًا على أي مستوى؟".
ما يزال مارك فالنتين، وهو مستشار محاكمات في ولاية كارولينا الشمالية، يتذكر عندما اتصل به شقيقه ليخبره بإصابته بالفايروس، كان شقيقه فيل والذي عمره 61 سنة، مقدم برنامج حواري محافظ معروف في ناشفيل بولاية تينيسي، وغالبًا ما أعرب عن شكوكه بشأن التطعيم.
لم يتلقى أي من الشقيقين اللقاح، ولم يكن أي منهما قلقًا بشأن نتيجة فيل الإيجابية، قال مارك إن فيل كان يجرب العديد من العلاجات البديلة التي يتم الترويج في الأوساط المحافظة، وأضاف: "قال فيل 'لديّ الإيفرمكتين، لقد بدأت به هذا الصباح، ولا أعتقد أن الأمر سيكون كبيرًا (في إشارة لإصابته)".
لكن بعد أسبوع، قال مارك إنه تلقى مكالمة من زوجة شقيقه تفيد بأنهما ذهبا إلى المستشفى ويتذكر مارك فالنتين ويقول"قبل أن أعرف ذلك، كان هناك ولم أستطع الوصول إليه، ولم أستطع التحدث إليه. لقد انحدر وضعه الصحي بصورة لا تصدق."
توفي فيل فالنتين في أغسطس/آب الفائت، أي بعد حوالي خمسة أسابيع من إعلان إصابته بفايروس كوفيد-19.
ويبدو أن المعلومات المضللة عامل رئيسي في تأخير معدلات التطعيم، فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة Kaiser Family أن الجمهوريين أكثر ميلًا لتصديق التصريحات الكاذبة حول الفايروس واللقاحات، إذ يعتقد 94٪ من الجمهوريين بصحة واحد أو أكثر من الادعاءات الخاطئة حول فايروس كوفيد-19 ولقاحاته، فيما يعتقد 46٪ أن أربع ادعاءات أو أكثر قد تكون صحيحة.
من جهة أخرى، يعتقد 14٪ فقط من الديمقراطيين بصحة أربعة ادعاءات كاذبة أو حول المرض.
تقول هامل إن التصديق بادعاءات زائفة حول الفايروس يرتبط ارتباطًا وثيقًا بقبول اللقاح أو عدمه، وتضيف "إذا كنت تعتقد أن اللقاحات قد تلحق الضرر بخصوبتك، وأنها تحتوي على شريحة دقيقة، وأن الحكومة تضخّم أعداد وفيات الفايروس، فستفكر بشكل جيد فيما ما إذا كنت ستحصل على اللقاح أم لا".
وربما تتعلق أكثر المعلومات المضللة ضررًا بالحدة الملحوظة لفايروس كوفيد-19 نفسه، إذ إن التصريح الخاطئ الأكثر تصديقًا على نطاق واسع هو أن "الحكومة تبالغ في عدد الوفيات".
وتشير هامل إلى أن التقليل من خطورة الفايروس يبدو أنه سبب رئيسي وراء امتناع الجمهوريين على وجه الخصوص عن التطعيم، وتوضح: "لقد رأينا مستويات أقل من القلق الشخصي بين الجمهوريين الذين لم يتلقوا التطعيم وهذا تناقض حقيقي مع ما رأيناه في المجتمعات الملونة، حيث كان هناك مستوى عالٍ من القلق بشأن الإصابة بالمرض."
ويبدو أن الرضا عن مخاطر الإصابة بالفايروس كان بالتأكيد سببًا رئيسيًا وراء تجنب الأخوين فالنتين التطعيم. على الرغم من أنهم ليسوا من أصحاب نظرية المؤامرة، إلا أنهم كانوا من أشد المؤيدين لترامب. ويتذكر مارك أن وصول فايروس كورونا المستجدّ قبيل الانتخابات الرئاسية لعام 2020 بدا وكأنه "الوباء الأكثر حظًا في تاريخ العالم" بالنسبة للحزب الديمقراطي.
وعلى الرغم من التغطية الإعلامية، لم يعتقد فيل فالنتين أن الفايروس كان خطيرًا طالما كان بصحة جيدة، إذ كان يقول"احتمالية إصابتي به منخفضة وسأبقى على قيد الحياة بنسبة 99%".
الباحث في مجال اللقاحات بيتر هوتيز، منزعج بشدة من الوضع الحالي، فهناك زيادة كبيرة في الشتاء في أعداد الحالات المصابة، ولدى متحور أوميكرون المكتشف حديثًا القدرة على جعل الأمور أسوأ.
ويعتقد هوتيز أن عناصر الحزب الجمهوري التي تؤيد الأفكار المضادة للقاحات بحاجة إلى اتخاذ خطوة كبيرة إلى الوراء. ويقول في هذا الصدد "أنا لا أحاول تغيير التفكير الجمهوري أو التفكير اليميني المتطرف بل أحاول أن أقول إن مناهضة العلم لا تجدي نفعًا، إنها غير مناسبة ... فقط أوقوفها وأنقذوا الأرواح".
قبل مرضه، شجع فيل فالنتين على استخدام علاجات بديلة غير مثبتة واتخذ أسلوبًا ساخرًا تجاه التطعيم، ويقول مارك فالنتين (شقيق فيل) "مع تدهور وضعه الصحي، أدرك أنه بحاجة إلى تشجيع مستمعيه على التطعيم".
ويتذكر مارك أن قال له "أخاف أن أكون بعدم فهمي لأهمية اللقاح قد ساهمت بالتسبب بعدم إدراك بعض الناس لأهميته".
أصدرت الأسرة بيانًا لدعم التطعيم، وذهب مارك إلى البرنامج الحواري لأخيه لتشجيع المستمعين على أخذ اللقاح، كما توجه بنفسه إلى متجر وول مارت المحلي لتلقي التطعيم. يقول مارك "خرج رجل وسألني: هل لديك أسئلة أو مخاوف حول اللقاح؟ قلت نعم لدي كلاهما، لكني أخذته على أي حال".
المصدر: