قُبيل ذكرى مرور 18 عامًا على تعرُّض إسبانيا لأكبر هجومٍ إرهابي شهدته في تاريخها المعاصر، بتاريخ 11 مارس/آذار عام 2004، بثَّ نتفليكس هذا العام، فيلمًا وثائقيًّا بعنوان "11M" أو 11 مارس، من إنتاج إسباني-إنجليزي مشترك، ومن إخراج خوسيه غوميز.
يستند الفيلم الوثائقي إلى شهادات عدد من الضحايا، الذين شهدوا على التفجيرات الأربعة في شبكة قطارات "الثركانياس"، المختلفة في العاصمة الإسبانية مدريد، التي تبنّاها تنظيم القاعدة والجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة، وسقط على إثرها 192 قتيلًا ونحو ألفي جريح. كما يستند الفيلم إلى كتاب "أم 11-انتقام القاعدة"، وهو عبارة عن تحقيق استغرق 10 سنوات من البحث، للخبير في قضايا الإرهاب في معهد ريال ألكانو، في مدريد، فرناندو ريناريس.
من النقاط الأساسية التي يطرحها هذا الوثائقي، هي كيفية تعامل كلٍّ من الحكومة والصحافة الإسبانية وقتئذ مع هذا الهجوم. ويتحدّث الوثائقي عن عملية التضليل الإعلامي، والتآمر في الأيام الثلاثة الأولى للتفجيرات، بين الحكومة الإسبانية والصحافة الرسمية من أجل توجيه أصابع الاتهام نحو منظمة إيتا الانفصالية، وهي منظمة من منطقة الباسك، شمالي إسبانيا، كانت تسعى إلى الانفصال، وسبق أن اتُّهمت بأعمال إرهابية سابقة داخل إسبانيا.
إذ سعت الحكومة الإسبانية حينها، برئاسة خوسيه ماريا أثنار، المنتمي إلى حزب الشعب المحافظ، للضغط على وسائل الإعلام المحليّة لتبني سردية تنفيذ إيتا للهجوم، خوفًا من خسارتها الانتخابات النيابية التي كانت مقرّرة في 14 مارس/آذار عام 2004، أي بعد ثلاثة أيام فقط من وقوع الهجوم.
ما دفع الحكومة للضغط على وسائل الإعلام كان خوفها من الكشف أنّ القاعدة تقف وراء الهجمات، الأمر الذي سينعكس سلبًا على شعبية الحكومة لأنّها كانت متحالفة مع الولايات المتحدة وبريطانيا، وشاركت في غزو العراق عام 2003، وسيتم النظر إلى الهجمات على أنّها عمل انتقامي بسبب انخراط الحكومة فيما عُرف حينها بـ"الحرب على الإرهاب".
وذكر الفيلم الوثائقي أنّ رئيس الوزراء الإسباني حينها، طلب من مديري الصحف أن يقولوا إنّ "الحكومة متأكدة من أنّ إيتا هي الجهة التي نفّذت الهجوم". وتقول الصحافية في قناة بي بي سي، كاتيا أدلر، التي كانت تعيش في مدريد عند وقوع الهجمات، في مقابلة لها ضمن الفيلم الوثائقي "الرئيس يتصل بالصحافيين؟ كانت الحكومة تضغط عليهم ليقولوا شيئًا قبل أن تقدّم الشرطة الأدلة".
كما أظهر الوثائقي أنّه على الرغم من إعلان القاعدة مسؤولية تنفيذ هجوم مدريد، ونشر رسالتها في إحدى الصحف اللندنية، إلّا أنّ الصحافة الإسبانية لم تنشر هذه الرسالة على الفور. ولعلّها كانت المرّة الأولى في تاريخ البلاد التي توجّب على الجمهور الإسباني متابعة الصحافة الأجنبية لمعرفة حقيقة الأحداث داخل بلادهم.
كذلك، عمد جزء من الصحافيين الإسبان للجوء إلى نظرية المؤامرة، من خلال المزج بين منظمة إيتا والجهاديين، متجاهلين الأدلة الموجودة، وفق ما عرض الوثائقي. ويقول مخرج الفيلم "دخلت وسائل الإعلام في حرب سامّة. كانت إدارة المعلومات سامّة منذ البداية".
ويُظهر الوثائقي، أنّ انتهاء قدرة الحكومة الإسبانية على الاستمرار في تضليل الرأي العام وانكشاف الحقائق في اللحظات الأخيرة يوم الانتخابات، قلب الموازين؛ إذ ظهرت معلومات قدّمتها الشرطة لا تتّفق مع السردية التي فرضتها الحكومة بالتواطئ مع الإعلام، وعُرضت مقابلات تمّ حجبها من قبل، ليفوز مرشح حزب العمال الاشتراكي الإسباني (PSOE) المعارض، خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، في الانتخابات حينها.
اقرأ/ي أيضًا:
لاجئونا ولاجئوهم: نزوح الأوكرانيين يُحيي خطاب الاستشراق في تغطية الإعلام الغربي
روسيا تتّهم الولايات المتحدة الأميركية بتمويل أبحاث لأسلحة بيولوجية في أوكرانيا
المصادر: