الآراء الواردة في هذا المقال لا تعبّر عن “مسبار” بالضرورة.
يقول الباحث الفرنسي أوليفييه فوارول إنَّ السّينما-كما التلفاز- لا تُقدّم الواقع دائمًا، ولا تحاكيه هو، إنّما تحاول إخضاعه ومطابقته مع غايات مُعينة، لكن مع منحه جرعة جاذبية ثقافية معينة، تؤثر بالأساس على الأفراد الضعفاء وغير القادرين على مواجهة الواقع برؤية نقدية.
انطلاقًا من هذه المقولة، يمكن قراءة الموادّ السينمائية التي لم تعد منفصلة عن الأيديولوجيا من زاوية نقدية، تقدّم للقارئ توضيحات وتفكّك الأفكار التي يدور حولها "الفيلم".
نتكلم هنا تحديدًا عن فكرة "النمطية" في الأفلام التي تصنعها السّينما الأميركية، تجاه العرب والمنطقة العربية. فالنمطية تعني الأحكام التي تصدر على جماعة بشروط ثابتة لا تتزعزع، وبدلًا من النظر إلى الأفراد باختلافاتهم وبكونهم خاصّين ومميزين، يتمّ تمثيلهم ووضعهم في قوالب نمطية تُختزل فيها الصفات والجنسيات والتوجهات الاجتماعية والسياسية والثقافية، وتصبح قوّة الصورة النمطية هي المسيطرة.
وتعدّ الصورة النمطية الناتجة عن الأحكام المُسبقة، تضليلًا يكتنف المغالطات، التي يمكن أن تؤثر على الحقيقة التي يتلقفها الأفراد من خلال الأفلام على أنواعها.
التضليل في السينما الأميركية
في كتابها (فلمنة الشرق الأوسط الحديث)، تتطرق لينا الخطيب إلى ما أنتجته السينما الأميركية بالتحديد في المشاهد التي تُظهر فيها العرب والدول العربية بصورة تنطوي على أشكال من التضليل. وتربط الخطيب بين إنتاج هذه الأفلام وعلاقات الدول العربية بالولايات المتحدة. فهي ترى أنه لا يمكن فصل صناعة الأفلام عن الأطر التاريخية والعلاقات التي تجمع الدول بعضها ببعض.
إذ تمحورت وظيفة السينما الأميركية في كثير من الأحيان برأيها على عرض "التقابلات الثنائية" وتعزيز الفروقات بين "الشرق البربريّ" و"الغرب المتمدن"، بين الأمييّن والمتعلمين، بين البرابرة والمتحضرين، بين المتوحشين، السارقين والهمجيين والعنيفين، وبين المسالمين. وهذه الفروقات تناولتها الدراسات الأكاديمية الاستشراقية وعملت على تكريسها. إذ يقول المفكر الفلسطيني إدوارد سعيد "إنها ليست في الأصل سوى بناءات وهمية صنعتها جغرافيا خيالية"، ويُشدّد على أنّ "ما أنتجته السينما الاستشراقيّة، يتعارض والروح العلمية، ويكرّس نظرة تراتبية لا تؤمن بالاختلاف". هذه الدوغمائية الاستشراقية، صنعت "العربيّ" في إطار رؤيتها النمطية فقط.
من هو العربي في الأفلام الأميركية؟
في كتابه الموسوعيّ المكوّن من جزأين "الصورة الشريرة للعرب في السينما الأميركية"، يقول جاك شاهين إنّ هوليود قدّمت العرب بصورة المتوحشين، أغنياء البترول الأغبياء، ومستغلي النساء، واعتبرت أنَّ جميع العرب مسلمين، وهمشت المسيحيين والأقليات التي تعيش في الدول العربية. ويسلط جاك شاهين في فيلم The sheik steps out، الذي عُرض عام 1937، الضوء على المشهد الذي تتفوه بهِ بطلة الفيلم قائلة، العرب يشبهون بعضهم البعض بالنسبة لي.
كما تقول بطلة فيلم Commando، الذي أُنتج سنة 1968، كل العرب متشابهون. كذلك في مقطع فيلم Hostage سنة 1986 يقول سفير الولايات المتحدة ساخرًا، لا أستطيع التمييز بين عربي وآخر.
وكرّست السينما الأميركية في دعايتها صورة العربي بلحيته السوداء، وبشرته السمراء، وأنفه الضخم، وبأغطية على الرأس، وبالنساء الخاضعات للرجل الغني الذي يعيش كبدويّ، لكنه يمتلك السيارات الفارهة والأبنية والقصور في الصحراء البعيدة.
وإذا أردنا التكلّم عن "أرض العرب"، فصورتها الدعاية الأميركية بشكل غامض، مجهول، لها أسماء غريبة مثل "الوجاش" " أوتار" و"هاجريب". أو صحراء تتكون من الخيم والواحة والجِمال، والنساء الراقصات، أو النساء التي ترتدي الشادور والحجاب، والخمار. وأبرز الأدوات التي يستخدمها العربيّ هناك، السيوف والسكاكين والفوانيس السحرية، والأفاعي لدوافع السحر والشعوذة.
وانتشرت الصورة النمطية هذه للمشرق العربي في صورة المكان الغريب والمجهول. وظهرت جليًّا في الفيلم الكرتونيّ الشهير "علاء الدين" الذي أنتجته ديزني عام 1992، وجاء في أغنية الفيلم "نزل من مكان بعيد، حيث تتجول جمال القافلة، حيث تقطع أذنك إذا لم يعجبهم وجهك. إنه بربري ووحشيّ، لكنه المنزل..".
وتُصوّر "ديزني"، شخصية علاء الدين بالسارق، ومستشار الملك "جعفر" بالرجل السيء، وبنبرته وألفاظه المتغطرسة، إضافة إلى إظهار المرأة في صورتها الخاضعة دائمًا، والعربي بالمتوحش، الذي "يقوم بقطع يدّ امرأة تسرق الطعام لطفلها الجائع" كما ورد في أحد المشاهد.
تنميط النساء العربيات في السينما الأميركية
صوّرت السّينما الأميركية النساء العربيات، على أنهنَّ راقصات ممسوسات من الشياطين، وركزت في المشاهد على تصوير أجسادهنَّ كسلعة، وعلى اقتصار دورهنَّ في الخضوع لرغبات الرجل وتلبية حاجاته الجنسية. أو جميعهن محجبات، منتقبات، خاضعات ومطيعات تمامًا للرجل العربي كما في فيلم The Sheltering Sky الذي أظهرَ النساء متجانسات، تشبهنَ بعضهنَّ البعض، ترتدين الخمار الأسود، صامتات، ويسرنَ خلف أزواجهنَّ.
عدا عن الأفلام التي أظهرت النساء العربيات، كساحرات ومشعوذات فيهنَّ مسٌّ شيطانيّ ويسحرنَ الرجال كفيلميّ Saadia عام 1953،و كليوباترا من بطولة الممثلة تيدا بارا.
يقول الكاتب جاك شاهين في هذا السياق، إنَّ النساء اللواتي ظهرنَ كممسوساتٍ بالشياطين، وكراقصات ومنتقبات، دخلن ضمن أكثر من 50 فيلمًا روائيًّا طويلًا. ستة عشر من هذه الأفلام ضمّت نساءً نصف عربيات، أو نساءً (عبيدًا) لا ينطقنَ، إلى جانب أننا لا نجدهنَّ في أماكن العمل، ولن نجدهنَّ ناجحات إلّا في الأعمال المنزلية.
في فيلم The spy who loved me الصادر عام 1977 من بطولة روجر مور، تقدّم المرأة العربية ذاتها كأداة جنسية للغربيّ الذي جاء إلى الأراضي المصرية –الصحراوية- ذات الطبيعة البدويّة، بدافع مهمّة ما.
وعلى العكس، ففي أفلامٍ أخرى، يطلّ الرجل العربيّ، بإطلالة المحب للنساء الأوروبيات إلى حدّ التحرشّ بهنَّ، أو التعلق بهنَّ حدّ المرض، وهذا ما عرضه فيلم Abdullah the great الصادر عام 1956، إذ يظهر في أحد مشاهد الفيلم، رجلٌ عربي وهو يقول، النساء مثل الزهور، نتمتع بهن ونعجب بهن ولكننا نقوم بتغييرهنَّ دائما حتى تصبح زهورًا طازجة في أيدينا. ويظهر في مقطع آخر "عبدالله" الذي يحاول اغتصاب أجنبية يحملها معه إلى اليخت، لتتصدى له، فيردّ عليها "أنتِ شيطانة أرسلوها لتدميري، فلو فقط يعطيني الله القوّة".
الشيخ العربيّ في السينما الأميركية
شوّهت السينما الأمريكية شخصية "الشيخ" التي عُرفت في المجتمعات العربية على أنها شخصية حكيمة، وتعني اصطلاحًا الحقّ والعدالة.. ولكن في الأفلام الصامتة مثلًا "المخطية الخائنة" عام 1921، والعربيّ عام 1915، وفيلم الشيخ الصادر عام 1921، ظهر الشيوخ العرب بصورة نمطية إمّا عبر أزيائهم (اللحية الطويلة، اللباس التلقيديّ الفضفاض)، أو من خلال شخصياتهم (المتوحشة، القاسية، المتحرشة بالنساء الأوروبيات، والكسولة). ففي فيلم الشيخ، ينظر الشيخ أحمد (فالنتينو) إلى (ديانا)، الفتاة البيضاء الإنجليزية التي خطفها ويقول "عندما يرى العربي امرأة يريدها، فإنه يأخذها".
أمّا في أفلام مثل "علاء الدين ومصباحه"، و"علي بابا يذهب إلى المدينة" الصادر عام 1937، فيظهر فيها الشيخ بشخصية الرجل الكسول الغنيّ الذي يعيش في عرشه برفاهية.
وفي الأفلام المعاصرة ارتبطت هذه النظرة باكتشاف البترول، فأصبح الشيخ إضافة إلى أنه عاشق للنساء، كسول، فهو غنيّ جدا يستطيع شراء ما يريد، كما أظهر فيلم صحاري الذي صدر عام 1983، وفيلم بروتوكول الذي صدر عام 1984.
في عام 1994، عرضت شركة 20th Century Fox، فيلم True lies، من بطولة أرنولد شوارزنيجر الذي لعبَ دور "جاسوس الوكالة الحكومية السريّة"، الذي يواجه جماعة إرهابية سميت بـ"الجهاد القرمزيّ"، والتي تهدد الولايات المتحدة بالصواريخ والقنابل النووية.
وفور عرض الفيلم، احتجت مجموعات عربية وأميركية مناصرة، في المدن الكبرى كنيويورك ولوس أنجليس وسان فرانسيسكو، ذلك بسبب شعور بعض العرب بالإهانة بعد أن أوحي لهم الفيلم أنهم جماعات إرهابية متعصبة وعنيفة.
عندئذ قال المتحدث باسم مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية إبراهيم هوبر، في تصريح لصحيفة ذا نيويورك تايمز "..إنهم غير عقلانيين.. وهذا هو النمط الذي يريدونه عن المسلمين".
في النهاية، اتسمت السينما الأميركية في كثير من الأحيان بالتحيّز وبالمركزية، وخلقت صورة متخيلة للعرب فيها الكثير من التحامل والعنصرية والفوقية والتضليل.
المصادر:
Arab Stereotypes in American Cinema over the Twentieth Century
كتاب الصورة الشريرة للعرب في السينما الأمريكية
اقرأ/ي أيضًا
السينما ودورها في تسليط الضوء على حالات التشويش الإدراكي
ذاكرة السينما عند المواطن العربي، وتأثيرها على وعيه بالقضايا