انتشرت في بداية مايو/أيار الجاري قصة مروية على لسان زائرة للولايات المتحدة ادّعت أن منتجات قهوة نسكافيه من العلامة التجارية نستله، محظورة في أميركا، وتحذر منها الهيئات الصحية هناك لأنها تسبب السرطان، وأنه من المعروف أنها من المنتجات المصنوعة للعرب فقط.
بالنظر في الادعاء المتداول، وجد “مسبار” أنه خليط من معلومات مضللة وأخرى زائفة لا أساس لها من الصحة، إذ تبيّن أن منتجات نسكافيه ليست محظورة في الولايات المتحدّة، بل متداولة في كل أنحاء العالم ولم تصنّع للعرب فقط كما جاء في الادعاء.
منتجات نسكافيه متداولة في المتاجر الأميركية
بالرجوع إلى المواقع الإلكترونية لمتاجر البيع بالتجزئة والجملة الأميركية مثل وولمارت وكوستو، تبيّن أن منتجات نسكافيه متوفرة بجميع أشكالها في المتاجر.
من جهة أخرى، لم يُعثر على أي بيان تحذيري من قبل الهيئات الصحية الأميركية أو الأوروبية أو العالمية حول استهلاك منتجات نسكافيه، كما لم يُعثر على أي دراسة تربط بين منتجات نسكافيه والإصابة بالسرطان.
ما علاقة نسكافيه بمرض السرطان؟
تحتوي القهوة بجميع أشكالها وليس منتجات نسكافيه فحسب على مادة الأكريلاميد، وهي مادة قد أثبتت التجارب على الحيوانات أن استهلاك كميات كبيرة منها يؤدي إلى الإصابة بالسرطان، إلا أن تقارير إدارة الغذاء والدواء تشير إلى أن القهوة تحتوي كميات قليلة من هذه المادة لا تشكّل خطرًا على صحة الإنسان إذا تم استهلاكها ضمن المعدّل الطبيعي، ووفق نظام غذائي صحي ومتكامل.
كما تفيد تقارير الإدارة ومركز أبحاث السرطان البريطاني أن مادة الأكريلاميد من الممكن أن تتكون في العديد من الأطعمة أثناء الطهي بدرجة حرارة عالية، مثل القلي والتحمير والخبز ولا تقتصر على القهوة، فهي تتكون من السكريات والأحماض الأمينية الموجودة بشكل طبيعي في الطعام ولا علاقة لها بتغليف المواد الغذائية أو تصنيعها، وتتشكل في القهوة أثناء تحميص حبوب البن.
من ناحية أخرى، وجد "مسبار" أن القهوة تحتوي أيضًا على مادة الفيوران، وهي أيضًا مادة مسرطنة إذا ما استهلكت بجرعات عالية، وفقًا للتجارب التي أجريت على الحيوانات.
وقد أدرجت إدارة الغذاء والدواء ستة جداول تضمنت أطعمة ومشروبات مختلفة تحتوي على هذه المادة، ووضحت أن البيانات تشمل عددًا محدودًا من فئات الطعام والمنتجات والعلامات التجارية، وكانت بعض منتجات "نسكافيه" ضمن هذه المواد، واحتوى جزء منها على هذه المادة، إلا أن إدارة الغذاء والدواء نبّهت المستهلكين إلى عدم اعتماد بيانات الجداول كمؤشر لاستهلاك للفيوران لثلاثة أسباب؛ وهي أن حساب التعرض للمادة يتطلب النظر في كل من مستويات الفيوران وكميات الطعام التي يتناولها المستهلكون. ثانيًا، لا تأخذ تقديرات التعرض للفيوران في عناصر غذائية منفردة، بل ضمن مجموعة متنوعة من الأطعمة الموجودة في الأنظمة الغذائية. ثالثًا، نطاق البيانات في الجداول الستة محدود للغاية ولا يمكن النظر بشكل صحيح في المصادر المحتملة للمادة بسبب الاختلاف في مستويات الفيوران المقاسة، مثل التباين بين الوحدات المختلفة وتأثير ممارسات الطبخ على مستويات المادة.
القهوة تقلل من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان
إن احتواء القهوة على مواد قد تسبب السرطان، لا يعني بالضرورة أنها ضارة أو أن استهلاكها خطر على الصحة، على العكس من ذلك توضح الدراسات العلمية أن استهلاك القهوة قد يقلل من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان، إذا كان ضمن المعدّل المحدد من قبل الهيئات الصحية، وهو للشخص البالغ يقدّر بثلاثة إلى خمسة أكواب في اليوم أو ما يعادل 400 ملغ من الكافيين خلال اليوم، وفقًا لإدارة الغذاء والدواء.
في بيان صادر عن مفوّض إدارة الغذاء والدواء السابق سكوت غوتليب، في أغسطس/آب عام 2018، دعم به قرار إعفاء القهوة من قانون التحذير من السرطان في ولاية كاليفورنيا، أوضح أن التحذير من الإصابة بالسرطان بسبب القهوة لكونها تحتوي على مادة الأكريلاميد يضلل المستهلكين ويشجعهم على تغيير وجباتهم الغذائية بطرق قد لا تفيد صحتهم، وضرب مثالًا الحبوب الكاملة كأغذية تحتوي على مادة الأكريلاميد، مؤكدّا على أهميتها للصحة رغم احتوائها على هذه المادة.
وأوضح غوتليب أن إزالة أي نوع أو اثنين من الأطعمة التي تحتوي على هذه المادة من النظام الغذائي لن يكون له تأثير كبير على الاستهلاك العام لها، وأن أفضل نصيحة من الممكن أن تقدمها إدارة الغذاء والدواء للمستهلكين هي اعتماد نظام غذائي صحي يتوافق مع الإرشادات الغذائية للأميركيين (2015-2020)، يركز على الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة والحليب ومنتجات الألبان منزوعة الدسم أو قليلة الدسم؛ ويشمل اللحوم الخالية من الدهون والدواجن والأسماك والفول والبيض والمكسرات والزيوت الصحية ويحد من الدهون المشبعة والدهون المتحولة والصوديوم والسكريات المضافة.
وأشار في البيان إلى أن المجتمع العلمي أجرى قدرًا كبيرًا من الأبحاث حول مسألة ما إذا كانت القهوة تسبب السرطان، وأن "إجمالي هذا البحث لم يجد دليلًا كافٍ لإثبات أن القهوة تسبب السرطان"، وأن النتائج تشير إلى أن القهوة قد تقلل من خطر الإصابة ببعض أنواع السرطان.
علامات تجارية رافقتها الإشاعات
ترددت في مواقع التواصل الاجتماعي ومنذ عام 2019 ادعاءات تفيد بأن بسكويت أوريو ليس حلالًا للمسلمين، لاحتوائه على مادة كحولية ومادة دهن الخنزير.
أثيرت حالة الجدل هذه على مواقع التواصل الاجتماعي عقب سؤال أحد مستخدمي "تويتر"، الحساب الرسمي للشركة المالكة لمنتج أورويو، وهي شركة مونديليز، عما إذا كان "أوريو" حلالًا، ليأتي الرد برسالة تقول "أوريو ليست حلالًا. شكرًا على رسالتك". استفزت الرسالة المسلمين حول العالم، وتصاعدت الأسئلة حول مكونات هذا المنتج، لتنتشر عقبها ادعاءات بأنه يحتوي على مادة دهن الخنزير ومواد كحولية.
أوضح المتحدث باسم شركة مونديليز أن التغريدة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، مقتطعة وليست كاملة، وأن الجزء المقتطع منها يوضح أن "أوريو" ليس حلالًا فقط في كندا والولايات المتحدة، الأمر الذي ضلل المستهلكين المسلمين. وأضاف: "جميع منتجات أوريو المباعة في دول مجلس التعاون الخليجي حلال، ومتوافقة تمامًا مع القوانين والمواصفات القياسية المحلية، نحن دائمًا نسعى لتزويد عملائنا بمنتجات بأفضل جودة ممكنة، وتوفير المعلومات حول المكونات بشكل واضح على العبوة، ليعرف الناس ما يلائم أنظمتهم الغذائية".
من جهتها، أصدرت هيئة أبو ظبي للزراعة والسلامة الغذائية، بيانًا نفت فيه الإشاعات المتداولة وأوضحت أن بسكويت أوريو يحتوي على نسبة مئوية قليلة من الكحول “تقع ضمن الحد الأقصى من كحول الإيثيل في الغذاء الناتج عن التخمر الطبيعي”، وأن مواصفة تصنيع البسكويت تحظر بشكل صارم إضافة المشروبات والمنتجات الكحولية إلى الطعام أثناء جميع خطوات المعالجة والتصنيع، وأنه قد تم الحصول على موافقة السلطات الشرعية الخليجية الرسمية قبل إصدار هذا المواصفة.
كما أشارت إلى أن الادعاء بوجود دهن خنزير في البسكويت يرجع إلى أن البسكويت يحتوي على مكوّنات الليسيثين (مثل الجيلاتين والمكونات الأخرى)، وأوضحت أن هذه المنتجات يمكن استخراجها من مصادر نباتية أو حيوانية وبالتالي "لا يعني استخراج الليسيثين من مصادر حيوانية حصريًا أنه يتم استخراجه من الخنازير"، محذرة من التعميم بأن وجود هذه المكونات في المنتجات الغذائية يعني أنها مستخلصة من الخنزير. وأكدت أنها تتحقق من مصادر مكونات المنتجات الغذائية ولا تسمح بوجود أي مكونات غير حلال إلا في حالة المنتجات التي يشار إليها على الملصق الغذائي على أنها تحتوي على منتجات أو مكونات غير حلال.
على صعيد آخر، كثيرًا ما رافقت الإشاعات منتجات ماكدونالدز، ولعل أغرب الإشاعات التي انتشرت أن العلامة التجارية تستخدم اللحوم البشرية في منتجاتها. انتشر هذا الادعاء في يونيو/حزيران عام 2021، ورافقه جدل بين مستخدمي مواقع التواصل، وادّعى عدد من المستخدمين أن المجلس الفيدرالي للاستخبارات الأميركية أحال القائمين على الشركة إلى التحقيقات.
ولكن بالنظر في صحة الادعاء تبيّن أنه ساخر وليس حقيقيًا، وأن أول من نشره هو موقع هزلرز الذي يعرّف نفسه بأنه "مدونة ترفيهية ساخرة وخيالية تنتج محتوى لا يمكن تقديمه في أي مكان آخر سوى هذا الموقع".
كيف تؤثر المعلومات المضللة على العلامات التجارية؟
تناولت دراسة أجرتها جامعة تينيسي الأميركية عن أثر المعلومات المضللة على القيمة السوقية للشركات، درست فيها حالة مرتبطة بشركة السيارات الكهربائية تسلا. ففي يوم 7 يناير/كانون الأول عام 2019، نشرت شركة بروموبوت الروسية مقطع فيديو يظهر اصطدام سيارة تسلا موديل إس بروبوت، وادّعت أن السيارة حطمت الروبوت أثناء تشغيلها بوضعية القيادة الذاتية الكاملة، خلال استعداد الشركة لمشاركتها في معرض الإلكترونيات الاستهلاكية، الذي أقيم في فيغاس في ذلك اليوم.
سارعت شركة تسلا آنذاك بدحض الادعاء والردّ على المتداولين بأنها لا تملك نظام قيادة ذاتي آلي بصورة كاملة وأن برنامجها يعدّ مساعدًا للسائق البشري، فيما أشارت تقارير إعلامية إلى فبركة المشهد من قبل الشركة الروسية للفت النظر إلى منتجاتها في المعرض.
تتبعت الدراسة التغيّر بسعر سهم الشركة قبل وخلال وبعد انتشار الادعاء، وظهر أن سعر السهم كان يسجّل ارتفاعًا تدريجيًا في الأيام التي سبقت انتشار الفيديو ولكن في 8 يناير افتتح السوق بسعر 341.96 دولارًا للسهم، ثم وصل إلى أدنى مستوى عند 321.01 دولارًا في منتصف اليوم، قبل أن يغلق عند سعر 335.35 دولارًا، ويرجع ارتفاع سعر السهم بعد انخفاضه إلى قدرة الشركة على دحض الادعاء ووضوح وإثبات أن الادعاء زائف.
إلى جانب هذه الدراسة، أكدت دراسة أخرى بعنوان “أثر الأخبار الزائفة على ثقة المستهلك بالعلامة التجارية”، أن ظاهرة الأخبار الزائفة تشكّل تهديدًا خطيرًا على الثقة في العلامة التجارية خاصة العلامات التجارية الحديثة، إذ تبيّن بالدراسة أن المعلومات المضللة غالبًا ما يكون لها أثر سلبي على ثقة المستهلك، وقد يكون لها أثر محايد أو إيجابي في بعض الحالات.
تطابقت هذه النتائج مع دراسات أخرى حذّرت من أثر المعلومات المضللة على نظرة المستهلك للعلامة التجارية وثقته بها، وقد تبيّن في بعض حالات الدراسة أن الشركات التي تنشر دعايات غير صحيحة بقصد رفع أسهمها قد تستفيد في البداية ولفترة محدودة إلا أن كشف دعاياتها له أضرار طويلة الأجل على انخفاض قيمتها السوقية بسبب عدم ثقة المستهلكين بها وعزوف المستثمرين عن ضخ الأموال فيها.
اقرأ/ي أيضًا
هل الجفاف من أضرار شرب النسكافيه؟
لم تتوقف شركة نستله عن بيع منتجاتها في لبنان
المصادر
