في التاسع من يوليو/تموز الفائت، أحال مجلس النواب الأردني إلى اللجنة القانونية مشروع قانون الجرائم الإلكترونية لعام 2023، الذي اقترحته الحكومة، رغم رفض عدد من نواب البرلمان التعديلات التي جاء بها القانون، ومطالبتهم بإعادته إلى الحكومة للنظر فيه من جديد.
مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الأردني لعام 2023
ينطوي مشروع قانون 2023 على 41 مادة ويتضمن عقوبات مغلّظة تجمع بين السجن والغرامات المالية الباهظة مقارنة بمتوسط دخل المواطن الأردني. و"يضم أحكاما عديدة تهدد حرية التعبير، والحق في المعلومات، والحق في الخصوصية، فضلًا عن تشديد الرقابة الحكومية على الإنترنت"، وفق منظمة هيومن رايتس ووتش.
يقوم المشروع الحالي على استبدال "قانون الجرائم الإلكترونية" الأردني لعام 2015 المؤلّف من 18 مادة.
في حديث للنائب أحمد القطاونة لموقع العربي الجديد قال إنه "عند النظر في مواد القانون، تتمنى أن يكون هذا التشديد على كلّ فاسد وكلّ من يعتدي على حقوق الوطن، غرامات بين 20 و40 ألف دينار (بين 28 و58 ألف دولار)، وكأننا نتحدث عن مجتمع مرتاح اقتصاديًا”.
وأكّد القطاونة في حديثه لموقع عمّان أن المجلس يتفق على رفض الإساءة والذم والتحقير، لكن من الضروري المحافظة على الحريات التي منحها الدستور. وفي حال إقرار المشروع من قبل مجلس الأعيان والمصادقة عليه من قبل الملك، ستصدر التعليمات التنفيذية الخاصة بالقانون، وستبدأ مخاوف الناشطين من تقييد الحريات.
وعبرت منظمة هيومن رايتس ووتش، في بيان مشترك لها مع قوى مدنية أردنية، عن قلقها البالغ إزاء مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الأردني الذي ناقشه مجلس النواب.
وقالت إنه سيهدد الحقوق الرقمية، بما في ذلك حرية التعبير والحق في الوصول إلى المعلومات. وأشارت أنّه "لن يحقق في النهاية أهداف الحكومة الأردنية المعلنة المتمثلة في التصدي لـ "الأخبار الكاذبة"، و"الكراهية"، و"القدح والذم" على الإنترنت".
كما أشارت إلى أنّ المواد 14 و15 و16 و17 و19 من مسودة المشروع الجديد تتضمن مصطلحات مبهمة وغير واضحة، مثل "التسهيل، أو الترويج، أو المساعدة، أو الحض على الفجور"، و"اغتيال الشخصية"، و"إثارة الفتنة"، و"النيل من الوحدة الوطنية"، و"ازدراء الأديان"، الأمر الذي يشكل تهديدًا واضحًا للمجتمع المدني الأردني، إذ يفتح الباب للسلطات الأمنية الأردنية لاعتقال وإدانة المواطنين في العديد من الحالات، دون أن تكون الجريمة أو التهمة واضحة، كون الحكم الجنائي فضفاضًا للغاية ويؤدي إلى قمع حرية التعبير ويعيق الوصول إلى المعلومات والتفاعل معها.
نواب ونشطاء يعارضون مشروع قانون الجرائم الإلكترونية الأردني لعام 2023
اعتبر النواب الرافضون للقانون، تعديلاته، تمهيدًا لقمع الحريات وتقييد الرأي العام، وفرض رقابة شديدة على التفاعل مع المحتوى المعروض على المواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي. ويعني ذلك تضييق الخناق على حريات المواطنين الأردنيين ومن في حكمهم، بما لا يتناسب مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، على غرار ما تنص عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، التي تكفل “لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل، واستقاء الأنباء والأفكار وتلقّيها وإذاعتها بأية وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية”.
كما أثارت التعديلات على مشروع الجرائم الإلكترونية، موجة من الاستهجان والسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي. وتحدث وزير الشباب الأردني الأسبق، محمد أبو رمان، في "ملتقى همم" السنوي، عن خطورة التعديلات على القانون المتعلق بالجرائم الإلكترونية، مشيرًا إلى أنها تمهد لخنق الحريات، وقال “نريد أن نعرف ما تريده الدولة. الخطاب المعلن يناقض التشريعات، ففي الوقت الذي تدعو فيه الدولة الشباب للانخراط في العمل الحزبي وتتحدث عن قوانين أحزاب وانتخابات جديدة، يأتي قانون الجرائم الإلكترونية الجديد والتضييق على حرية التعبير والتراجع الملحوظ عن الحريات الإعلامية".
وقد أعربت الأمين العام لحزب العمل، رولا الحروب، في الملتقى الوطني حول آثار وتداعيات قانون الجرائم الإلكترونية، أن المملكة أمام قانون هو الأخطر على الحريات المدنية والسياسية في الأردن.
نواب يدعمون مشروع قانون الجرائم الإلكترونية 2023
من جهة أخرى، وافق أغلب النواب الأردنيون على مشروع القانون معتبرين أن “ضبط الانفلات في الفضاء الإلكتروني حاجة ملحة”، إذ قال النائب عطا إبداح أنه يدعم مشروع القانون ويرفض رده، مع تحفظاته على بعض المواد التي اقترح تعديلها، مشيرًا إلى أن استهداف القانون للحسابات التي تنشر “أفكار وصور خلاعة” لا يمكن اعتباره مصادرة للحريات.
كما رد النائب غازي ذنيبات وهو مؤيد لمشروع القانون، على النواب الذين طالبوا بتعريف ما اعتبروه “مصطلحات فضفاضة في مشروع القانون، مثل الأخبار الزائفة وانتحال الشخصيات والقدح والذم والتشهير، بأن قانون العقوبات عرف هذه المصطلحات وتعامل معها منذ عام 1960، وأن “المشرع لا يفسر ولا يعرّف”، موضحًا أن التفسيرات في القوانين من قبل المشرع تضر بالمتهم، ولا تترك مساحة أمام القضاء والفقه للنظر في كل حالة على حدى.
فيما وصف النائب عبد الله أبو زيد مشروع القانون، بـ"قانون حماية الوطن" وأنه "مصلحة وطنية عليا" وأشار إلى أن ضرورته لتهذيب “المجتمع المحترم”، واستعرض تعليقات لمستخدمين على مواقع التواصل اعتبرها مسيئة لها، وشدد على أنه خلال عمله كرئيس للجنة الحريات لم تضم السجون الأردنية أي معتقل رأي. وكان أبو زيد في الجلسة التي تسبق تمرير مشروع القانون قد ادعى أن الأردن هي الدولة الأولى في الشرق الأوسط من حيث حرية التعبير.
قانون الجرائم الإلكترونية الأردنية لعام 2015
وبالعودة إلى قانون الجرائم الالكترونية الأردني رقم 27 لعام 2015 المؤلف من 18 مادة، وتحديدًا المادة 11 ذات الصلة، فإن القانون لم يكن واضحًا بما فيه الكفاية من ناحية مفردات نصوصه، التي لا تفسّر في حال حدوث بلاغ عن جريمة الكترونية، مثل "القدح" و "الذم" أو "التحقير". والعقوبة موضّحة، بحسب هذه البلاغات لتصل إلى مبلغ أعلاه 2000 دينار أردني (2820 دولار امريكي )، أو حبس لمدة تبدأ من ثلاثة أشهر.
ظل قانون عام 2015 ساريًا إلى غاية سبتمبر/أيلول 2022. ونقلت هيومن رايتس ووتش عن لما فقيه، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للمنظمة، حينها، قولها “إن هناك ضرورة ملحة لمعالجة التدهور الحقوقي، الذي نشهده في الأردن اليوم”. وأضافت "لا يمكن أن يكون الحفاظ على الاستقرار مبررًا لانتهاك حقوق الناس وإغلاق الحيّز الذي يحتاج إليه كل مجتمع".
وفي ذات السياق، ذكر موقع المنظمة أنه جرى التحقيق في 30 حالة، بين 2019 و2022، استخدمت فيها السلطات أحكامًا فضفاضة تُجرّم القدح والذم، لاعتقال واتهام المواطنين بسبب تعبيرهم السلمي عن آرائهم السياسية على منصات التواصل الاجتماعي، أو في التجمعات العامة. كما طلبت هيومن رايتس ووتش من 42 ناشطًا أردنيًا، تقديم ردود مكتوبة على استطلاع حول تجاربهم مع الجهات الأمنية.
وأوضحت رايتس ووتش، أنّ السلطات الأردنية، تستخدم أحكامًا جنائية غامضة وفضفاضة لقمع حرية التعبير، منها قانون العقوبات لسنة 1960، وقانون الجرائم الإلكترونية لسنة 2015، وقانون منع الإرهاب لسنة 2006، وقانون منع الجرائم لسنة 1954.
وأشارت إلى أنّ هذه الممارسات ترقى إلى "مستوى حملة ممنهجة لقمع المعارضة السلمية وإسكات الأصوات المنتقدة"، وفقها.
ووفقًا للتقرير السنوي السابع عشر لوضعية حقوق الإنسان في الأردن لعام 2020، فقد شهد العام نفسه وحده حوالي 2140 حالة اعتقال، كان سببها نشر بيانات ومعلومات وإرسال ونشر بيانات على مواقع التواصل الاجتماعي. وطُبّقت على المعتقلين أحكام موجودة في قانون العقوبات لعام 1960 وتعديلاته.
ويبين التقرير نفسه أن هناك 17 حالة اعتقال سببها جرائم إلكترونية نص عليها قانون 2015، ومن شأنها تعكير صلات الأردن بدولة أجنبية وتعريض الأردنيين للخطر. إضافة إلى 49 قضية تتعلق بجرائم إثارة النعرات، أوقف على إثرها 39 مواطنًا أردنيًا.
ضمانات للمسؤولين في الأردن يكرسها قانون الجرائم الإلكترونية
يضمن نصُّ المادة 24 حرية الحركة للمسؤولين الأردنيين دون مقدرة من المجتمع المدني على مواجهتهم أو نشر أيِّ معلومات أو بيانات عنهم، أو حتى محاسبتهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي. لذلك فإن هذا القانون سيُعيق، حسب هيومن رايتس ووتش، الوصول إلى المعلومات والبيانات ومحاسبة المقصّرين تجاه الصالح العام. وتُجرّم الأحكام الواردة في المادة 24 أيّ خطاب قد يسيء لمسؤولين في الحكومة الأردنية، على الرغم من أن الحق في مشاركة المحتوى المسيء وانتقاد المسؤولين علنًا، وفق هيومن رايتس ووتش، هو أمر أساسي في المعايير الدولية لحرية التعبير، بحسب ما ينص عليه "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، الذي صادقت عليه الأردن.
انتقاد أميركي لمشروع قانون الجرائم الإلكترونية الأردني لعام 2023
أعربت وزارة الخارجية الأميركية عن قلقها إزاء هذا المشروع، وأصدرت بيانًا جاء فيه أن مشروع القانون المقترح يُقيّد حرية التعبير على الإنترنت وخارجه، ويقلّص "الحيز المدني المتاح" في المملكة.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، إن "مثل هذا القانون، بما يحتوي عليه من تعريفات ومفاهيم غامضة، يمكن أن يقوّض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الأردن ويقلص، بصورة أكبر، الحيز المدني الذي يعمل فيه الصحفيون والمدونون وغيرهم من أعضاء المجتمع المدني في الأردن".
المصادر:
مشروع قانون الجرائم الإلكترونية في الأردن
المادة 19 من اعلان حقوق الانسان
التقرير السنوي السابع عشر لحالة حقوق الانسان في الأردن
الجمعية الأردنية للمصدر المفتوح
سفارة الولايات المتحدة في الأردن، فيسبوك
اقرأ/ي أيضًا
الأردن ليست الدولة الأولى في الشرق الأوسط من حيث حرية التعبير