` `

ما حقيقة الأرقام المتضاربة حول أعداد موظفين يعملون بشهادات مزورة في تونس؟

زينة البكري زينة البكري
أخبار
13 سبتمبر 2023
ما حقيقة الأرقام المتضاربة حول أعداد موظفين يعملون بشهادات مزورة في تونس؟
ساحة القصبة في العاصمة التونسية (Getty)

بدأت السلطات التونسية إعداد مشروع قانون قالت إنه يهدف إلى مراجعة الانتدابات التي تمت في القطاع العمومي في “العقد الأخير الذي عقب ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011”.

وفي السابع من أغسطس/آب 2023، دعا الرئيس التونسي قيس سعيّد رئيس حكومته الجديد أحمد الحشاني، إلى الانطلاق في إعداد مشروع قانون لـ"تطهير الإدارة ممن قال إنهم تسللوا إليها بغير وجه حق منذ أكثر من عقد من الزمن وتحولوا إلى عقبات تعيق سير عمل الدولة". 

ملخص لقاء قيس سعيّد بأحمد الحشاني في السابع من أغسطس 2023
ملخص لقاء قيس سعيّد بأحمد الحشاني في السابع من أغسطس 2023

وفي لقاء ثانٍ بتاريخ 18 أغسطس الفائت، دعا الرئيس التونسي إلى الإسراع في عملية مراجعة دقيقة لكل الانتدابات التي تمت منذ سنة 2011، دون أن يذكر رقمًا دقيقًا لعدد الموظفين الذين يعملون بشهادات مزورة، كما لم يتطرق لعدد الموظفين الذين سيتمّ تسريحهم من وظائفهم.

أرقام متضاربة حول عدد الموظفين الذين سيتم تسريحهم

وبعد تصريحات سعيّد، أوردت وسائل إعلام محلية أرقامًا متضاربة حول عدد الموظفين المهددين بتسريحهم. وتداول مستخدمون الأرقام على مواقع التواصل الاجتماعي، في حين لم تنشر الجهات الرسمية أية إحصاءات حتى لحظة نشر هذا المقال.

أشار موقع بزنس نيوز المحلي، في مقال نُشر في التاسع من أغسطس الفائت، إلى أن حوالي 250 ألف موظف في القطاع العمومي مهددون بالطرد من الإدارات التونسية “في إطار مشروع الرئيس لتطهير الإدارة”.

وأرجع الموقع هذا الرقم إلى عملية حسابية قال إنه اعتمد فيها على تطور عدد الموظفين بين السنوات 2010 و2021، مستندًا إلى الأرقام الصادرة عن معهد الإحصاء.

موقع بزنس نيوز التونسي يشير إلى أن 250 ألف موظف في القطاع العام، مهددوون بالطرد في إطار تطهير الإدارة
موقع بزنس نيوز التونسي يشير إلى أن 250 ألف موظف في القطاع العام، مهددوون بالطرد في إطار تطهير الإدارة

فيما أشارت جريدة الشروق المحلية، في عددها الصادر في السابع من أغسطس الفائت، إلى وجود 100 ألف موظف في تونس يعملون بشهادات مزورة.

ونقلت "الشروق” هذا الرقم عن رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد، إبراهيم الميساوي الذي قال "إن عدد الشهادات العلمية المزورة والتي تمكن أصحابها من الحصول على وظيفة يقدر بـ 100 ألف شهادة علمية وأن هذه الظاهرة استفحلت بعد الثورة".

جريدة الشروق تشير إلى وجود 100 ألف موظف مزيف في القطاع العام
جريدة الشروق تشير إلى وجود 100 ألف موظف مزيف في القطاع العام

من جهته، قال الأستاذ الجامعي في الاقتصاد عز الدين سعيدان لإذاعة شمس إف أم إن عدد الشهادات المزورة وعدد الملفات التي لم تحترم شروط التناظر هو في حدود 120 ألف شهادة وملف. وأكد وجود معلمين ومهندسين وأطباء “يباشرون اليوم عملهم ويمارسون بشهادات مزورة” على حدّ قوله.

عز الدين سعيدان يشير إلى وجود قرابة 120 ألف موظف مزيف في القطاع العام في تونس
عز الدين سعيدان يشير إلى وجود قرابة 120 ألف موظف مزيف في القطاع العام في تونس

ولكن، ما حقيقة الأرقام المتداولة وما مصدرها؟

اتصل “مسبار” بسعيدان للتأكد من مصدر الأرقام التي صرّح بها، فأوضح بأنه أدلى بهذه التصريحات بناء على مجموعة من الوثائق التي اطلع عليها وتشير إلى وجود “ما بين 100 و120 ألف موظف تونسي يعملون في القطاع العمومي وتم انتدابهم إما بشهادات مزورة أو دون احترام شروط الانتداب”.

ورفض سعيدان الكشف عن طبيعة هذه الوثائق أو مصدرها الرسمي، مؤكدًا لمسبار أن الرقم الذي كشف عنه “غير دقيق” ، وهو مجرّد تقديرات أولية في انتظار الراوية الرسمية.

وتابع قائلًا “المؤكد هو وجود أعداد هامة من الموظفين الذين يعملون في الإدارات دون وجه حق ولا يمكن حصر أعدادهم بالتدقيق، والأرقام المتداولة تبقى مجرد تقديرات وقد تكون أكبر بكثير أو أقل بكثير”. 

وأشار سعيدان إلى عدم وجود تحقيقات أو أرقام رسمية حول عدد الموظفين المعنيين بالتسريح، معتبرًا أن “المهمة صعبة ومعقدة، ولن يعترف أي شخص بأنه دخل إلى الوظيفة العمومية بشهادة مزورة أو دون احترام شروط الانتداب”.

من ناحية أخرى، تواصل مسبار مع إبراهيم الميساوي، رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد (جمعية غير حكومية)، الذي تحدث بدوره عن وجود مؤشرات تؤكد دخول موظفين إلى الوظيفة العمومية في السنوات السابقة، إما بشهادات مزورة أو دون الخضوع لشروط التناظر القانونية.

وقال الميساوي، إن الرقم الذي صرّح به حول وجود 100 ألف موظف مزيّف في تونس، لا يستند إلى دراسات حديثة أو رسمية، لكنه حقيقي ولا يمكن التشكيك فيه، حسب قوله. وأوضح، أنه استنتج هذا الرقم انطلاقًا من عدد الموظفين الذين دخلوا إلى الوظيفة العمومية في السنوات التي عقبت ثورة يناير 2011، والذين تجاوز عددهم 350 ألف موظف.

وأضاف قائلًا "بالعودة إلى الرائد الرسمي وقانون الوظيفة العمومية الذي يحدّد شروط الانتداب في الوظيفة العمومية، وجدت أن نسبة الذين تم انتدابهم بين 2010 و2018 بطريقة قانونية وباحترام شروط التناظر لا تتجاوز 8%، وهو ما يعني أن حوالي 35 ألف موظف فقط تم توظيفهم بصفة رسمية وقانونية.

وأوضح أن بقية الموظفين تم انتدابهم “بطريقة استثنائية” وخارج الإطار القانوني، “مثل انتداب جرحى الثورة وعائلات الشهداء، وزاد "أعتقد أن حوالي 36% من الموظفين، أي ما يقارب 120 ألف موظف يجب أن يتم التدقيق في شهاداتهم وبقية وثائقهم”. وأشار إلى أن الفترة التي تم فيها إقرار انتدابات استثنائية، برزت فيها شبكات مختصة "في التدليس" واستغلت الفرصة لتزوير الوثائق والشهادات باستخدام التكنولوجيات الحديثة.

تطور أعداد الموظفين العموميين في تونس بعد سنة 2010

أظهر تقرير صادر عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس (حكومي) عام 2016، ارتفاع عدد الموظفين في القطاع العمومي من 435,5 موظف سنة 2010 إلى 591,2 موظف سنة 2014، أي بمعدل زيادة بـ 155,7 موظف وبزيادة سنوية قدرت بـ 6,3 في المئة.

وجاء في التقرير الذي اطلع "مسبار" على نسخة منه، أنّ أكبر عدد من الانتدابات في الوظيفة العمومية تم تسجيله سنة 2012 بنسبة 19,81 في المئة مقابل 2,16 في المئة سنة 2011 و1 في المئة سنة 2010، بينما بلغت نسبة الانتدابات في 2013، 4,76 في المئة، في المئة و5,86 في المئة سنة 2014.

لقطة شاشة من دراسة معهد الإحصاء لتطور عدد الموظفين العموميين في تونس من 2010 حتى عام 2014/ الدراسة صدرت عام 2016
لقطة شاشة من دراسة معهد الإحصاء لتطور عدد الموظفين العموميين في تونس من 2010 حتى عام 2014/ الدراسة صدرت عام 2016

كما وجد مسبار دراسة أعدتها الإدارة العامة للمصالح الإدارية والوظيفة العمومية في رئاسة الحكومة التونسية، جاء فيها أن عدد الموظفيين العموميين تطوّر منذ الاستقلال إلى حدود سنة 2017 بأكثر من 586 ألفًا و146 عونًا أي بما يساوي 16 مرة ليبلغ 690 ألفًا و091 عونًا، عند صدور الدراسة.

وبحسب ما جاء في الفصل التاسع من قانون المالية لسنة 2022، فإن عدد العاملين في الوظيفة العمومية بلغ 654 ألفًا و922 موظّفًا، بينما لم تذكر قوانين المالية لسنوات 2017 و2018 و2019 و2020 أعداد العاملين في الوظيفة العمومية.

عدد الموظفين العموميين عام 2022/ قانون المالية للعام نفسه
عدد الموظفين العموميين عام 2022/ قانون المالية للعام نفسه

وبحسب ما جاء في قانون المالية لسنة 2023، فإن العدد الجملي للموظفين العموميين في تونس بلغ 658 ألفًا و911 موظفًا.

عدد الموظفين العموميين في تونس عام 2023/ قانون المالية للعام نفسه
عدد الموظفين العموميين في تونس عام 2023/ قانون المالية للعام نفسه

وبحساب عدد الموظفين العمومين في تونس من 2010 (أرقام معهد الإحصاء) حتى عام 2023 (أرقام وزارة المالية)، نجد أنّه ارتفع بزيادة تجاوزت 223 ألف موظف. وبالتالي فإنّ الأرقام التي يعرضها الخبراء حول الموظفين بالشهدات المزيفة تساوي تقريبًا نصف عدد الملتحقين بالوظيفة العمومية في نفس الفترة. وهي أرقام لم يُشر إليها أي مصدر رسمي أو أي دراسة موثوقة إلى حد الآن.

فهل أُغرقت الإدارة التونسية بموظفين زوّروا شهاداتهم؟

في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، أكد الناطق الرسمي باسم الحكومة، حينها، نصر الدين النصيبي، والذي أُقيل لاحقًا، أنّه تم البدء في التثبّت من جميع الشهادات العلمية للعاملين في مختلف الوزارات.

وقال النصيبي إن مختلف الوزارات تتبادل المعطيات فيما بينها، وأن إحالة الملف إلى القضاء ستقع بمجرد اكتشاف شهادة مزورة، مضيفًا "على مستوى وزارة التشغيل والتكوين المهني أحلنا 15 ملفًا إلى القضاء".

وأشار إلى أنّ الحكومة "اعتمدت مقاربة جديدة في الشهادات العلمية المسلّمة منذ هذه السنة (2022) باعتماد الختم الإلكتروني المرئي على جميع الشهادات".

النصيبي يعلن البدء في من جميع الشهادات العلمية للعاملين في الوزارات التونسية
النصيبي يعلن البدء في التدقيق قي جميع الشهادات العلمية للعاملين في الوزارات التونسية 

ويتهم الرئيس التونسي مسؤولين وموظفين في الإدارات التونسية بتعطيل سير العمل داخل الإدارات وتعطيل إنجاز عدد من المشاريع، خدمة لأحزاب سياسية، إلى جانب حصولهم على الوظيفة بطرق غير قانونية ودون كفاءة. 

من ناحيته، يرى عبيد البريكي، وزير الوظيفة العمومية في حكومة يوسف الشاهد (2016/ 2017)، أن تاريخ الانتدابات في الوظيفة العمومية معقد، وأنه لا توجد أرقام دقيقة أو رسمية يمكن تداولها أو الاستناد إليها، لكنه يؤكد في المقابل وجود موظفين يزاولون العمل في المؤسسات الحكومية بشهادات مزورة.

وقال البريكي لمسبار، إن عمليات التدقيق والإحصاء تحتاج الكثير من الدقة وأن كل وزارة مطالبة بإجراء تدقيق شامل في طرق انتداب موظفيها، خصوصًا في الفترة التي عقبت ثورة يناير 2011.

وأوضح البريكي في حديثه لمسبار، أنه يمكن لكل وزارة إجراء عمليات التدقيق بدعوة رسمية من رئيس الحكومة بالاعتماد على قاعدة البيانات التي تملكها، إضافة إلى أن كل وزارة لديها مراقب دولة ومسؤول عن الحوكمة ومتصرف مالي ومسؤول عن الموارد البشرية “وهم قادرون على القيام بهذه المهمة”. 

وأكد أن هذه الطريقة تمكّن من تقديم إحصائيات رسمية ودقيقة، والكشف عن التجاوزات الحاصلة في الانتدابات وعن عدد الشهادات المزورة.

بدوره، نفى وزير الوظيفة العمومية في حكومة إلياس الفخفاخ، محمد عبو، صحة الأرقام المتداولة بخصوص عدد الموظفين الذين تم انتدابهم في الوظيفة العمومية بشهادات مزورة أو دون مناظرة وطنية.

وقال عبو في حديث مع مسبار، إنه “لا توجد أرقام رسمية ودقيقة في هذا الخصوص وأن كل الأرقام المتداولة زائفة ولا تمتّ للواقع بصلة”، مشيرًا إلى أنها أثرت سلبًا على نفسية آلاف الموظفين، منوهًا إلى أن عمليات التدقيق التي تمت في السابق لم تشمل جميع الإدارات بل شملت وزارتين على أقصى تقدير. 

وتحدث عبو عن التحقيق الذي أجراه سنة 2020، عندما شغل منصب وزير للوظيفة العمومية عن طريق الإدارة العامة للمصالح الإدارية والوظيفة العمومية، مؤكدًا أنهم خلصوا إلى وجود تجاوزات مثل وجود موظفين في مناصب لا يخول لهم مستواهم الدراسي العمل فيها.

وقال إنه تم التفطن إلى عدّة تجاوزات حصلت في وزارة التربية أثبتتها عملية تدقيق جرت سنة 2012، وكان حينها يشغل منصب وزير لدى رئيس الحكومة التونسية مكلف بالإصلاح الإداري في حكومة حمادي الجبالي، إذ خلص هذا التدقيق الذي شمل عينة من 40 شخصًا، إلى وجود تلاعب في شروط الترشح للوظيفة المطلوبة مثل تغيير السنّ أو الشهادة ووضع معطيات خاطئة من قبل مرشحين تم قبولهم في الوظيفة العمومية، لكنه نفى في المقابل وجود أرقام كبيرة من الموظفين الذين يعملون بشهادات مزورة.

ويتوقع عبو أن عملية تسريح الموظفين ستشمل مديرين ومديرين عامين ممن عملوا لصالح الأحزاب السياسية، وأنه لن يتم تسريح كل من تم توظيفه بعد ثورة 2011، “خوفًا على السلم الاجتماعي”.

وأشار إلى أن دائرة المحاسبات دققت في الانتدابات الاستثنائية التي قامت بها وزارتي التربية والشباب والرياضة، وسجلت بعض التجاوزات التي نشرتها في تقريرها الصادر عام 2017.

ترقيات وتوظيف بشهادات علمية مزوّرة

في عام 2020، أطلق مرصد رقابة (منظمة تونسية تعمل على تعزيز ثقافة الرقابة والمساءلة في أجهزة الدولة) حملة “شهاداتكم تهمنا”، تحدث فيها عن انتشار ظاهرة الشهادات المزورة في تونس خلال العشرين سنة الفائتة.

وأعلن المرصد، حينها، أنه بدأ العمل على بعض الملفات المتعلقة باستعمال شهادات جامعية ومدرسية مزورة للدخول إلى مناظرات في الوظيفة العمومية وفي المؤسسات والمنشآت العمومية.

وقال المرصد حينها إنه “وجد حالات غريبة جدًا لعمليات تزوير بدائية لشهادة الباكالوريا ولشهادات جامعية وشهادات تكوين في مؤسسات تكوين خاصة”.

إطلاق مرصد رقابة حملة شهاداتكم تهمنا
إطلاق مرصد رقابة حملة شهاداتكم تهمنا 2020

ومنذ أن فتح مرصد رقابة ملف الشهادات المزورة، تمكّن حتى الآن من الحصول على 30 ملفًا لموظفين دلّسوا شهادات العلمية للدّخول إلى الوظيفة العمومية، وذلك وفق ما صرح به الممثل القانوني لمرصد رقابة، حسان غربي لمسبار.

وفي حديثه، أكد غربي أنه تم التفطن لتزوير شهادة في الهندسة المدنية لأحد المهندسين، وتزوير بطاقة أعداد لطالبة تدرس بالخارج، في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، إضافة إلى ضبط مصادقة مصالح القنصلية بوزارة الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين على شهادة مزورة.

أما بخصوص شركة النقل في تونس، فقد أكد الممثل القانوني لمرصد رقابة، أنه تم مؤخرًا ترقية موظف إلى رتبة كاهية (نائب) مدير بناءً على شهادة تقني سامي (شهادة تكوين في مجال تقني) مزورة، كما تم في شركة تونس للطرقات السيارة اعتماد شهادات مزورة لترقية موظفين وإعادة تصنيف موظفين آخرين. 

وبحسب ذات المصدر، فإن وزارة النقل تتصدر المرتبة الأولى من حيث عدد الموظفين الذين يعملون بشهادات مزورة، تليها وزارة التربية.

وتقدم مرصد رقابة بسبع شكاوٍ إلى القضاء بخصوص عدد من الملفات التي تحصل عليها.

وفي السياق، وجه مرصد رقابة مساءلات لعدد من المؤسسات الحكومية من بينها شركة الخطوط التونسية التي فتحت من جهتها تحقيقًا سنة 2016، بخصوص حوالي 200 موظف يعملون بشهادات مزورة، وبحسب حسان غربي فإن هذا التحقيق تم قبره من قبل جهات نافذة.

كما توجه المرصد لرئيسة الحكومة السابقة، نجلاء بودن، في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، بطلب الحصول على تقارير الهيئات الرقابية التي أنجزتها حول الانتدابات عبر المناظرات الخارجية، إلى جانب تسويات عن طريق مناظرات إعادة تصنيف، لم يتم الكشف عنها للرأي العام.

وبخصوص الأرقام المتداولة حول عدد الشهادات المزورة لموظفي الإدارات التونسية والذي قُدّر بين 100 و120 ألف شهادة، فقد قال الممثل القانوني لمرصد رقابة إنها “أرقام غير مؤكدة وغير مستندة لإحصائيات رسمية ودقيقة”.

تقرير دائرة المحاسبات يكشف تجاوزات في الانتدابات بعد 2011

بعد ثورة يناير 2011، تمّ سنّ إجراءات استثنائية للانتداب في الوظيفة العمومية، بهدف امتصاص غضب العاطلين عن العمل المحتجين في الشارع، حينها، وقبل هذا التاريخ كانت الانتدابات في القطاع العمومي تتم وفقًا لصيغة التناظر أو بالتسمية المباشرة بالنسبة إلى خريجي المدارس المصادق عليها.

وفي 2017، نشرت دائرة المحاسبات تقريرًا عن عمليات تدقيق شملت الانتدابات في وزارتي التربية والشباب والرياضة، في الفترة الممتدة من 2011 إلى 2015.

وبحسب التقرير فقد شملت الانتدابات الاستثنائية المنتفعين بالعفو العام (سواء في إطار إعادة دمج الأعوان العموميين المعزولين سابقًا أو في الانتدابات الجديدة)، وتضمنت أفرادًا من عائلات شهداء الثورة لفائدة مصابيها أو ذويهم، كما شملت الانتدابات المنجزة عن طريق المناظرات الخارجية بالملفات أو بالاختبارات وذلك لفائدة فئات محدّدة من المترشحين، وهم العاطلون عن العمل والذين يعملون دون مستوى شهاداتهم.

وجاء في التقرير أن عدد الانتدابات المباشرة بالنسبة إلى المنتفعين بالعفو العام وذوي شهداء الثورة ومصابيها بلغ حتى نهاية شهر مايو/أيار 2016 ما جملته 2792 عونًا في وزارة التربية و555 عونًا في وزارة الشباب والرياضة، وهو ما يمثل على التوالي 21 في المئة و22 في المئة من مجموع التعيينات في القطاع العمومي.

وبلغت جملة الأجور المصروفة لهم حتى نهاية سنة 2015 ما قدره تباعًا، 73 ألف و353 مليون دينار و8 آلاف و512 مليون دينار. وبالنسبة إلى المنتفعين بالعفو العام المعزولين سابقًا والمعنيين بإعادة الإدماج، تم إحالة مبلغ قدره 114 مليون دينار خلال سنتي 2013 و2014 من ميزانية الدولة لفائدة الصناديق الاجتماعية، تحت بند المساهمات الاجتماعية المستوجبة خلال فترة العزل.

وبلغ عدد الانتدابات المنجزة في إطار المناظرات بالملفات والاختبارات 8 آلاف و515 عونًا في وزارة التربية و451 عونًا في وزارة الشباب والرياضة. وصرفت أجور 7 آلاف و560 عونًا حتى نهاية سنة 2015، أي ما قدره تباعًا 336 ألف و392 مليون دينار و21 ألف و843 مليون دينار.

تقرير محكمة المحاسبات في تونس حول الانتدابات الاستثنائية في وزارتي التربية والشباب والرياضة عام 2017
تقرير محكمة المحاسبات في تونس حول الانتدابات الاستثنائية في وزارتي التربية والشباب والرياضة عام 2017

ووفقًا لنفس التقرير، تمكّنت الأعمال الرقابية حينها من الوقوف على جملة من النقائص فيما يخص الإشكاليات القانونية المتعلقة بالمنتفعين بالعفو العام والأهليّة القانونية للمنتدبين، سواءً كانوا من المنتفعين بالعفو العام أو من ذوي شهداء الثورة أو من مصابيها أو فرد من عائلاتهم، إلى جانب شروط الترشّح للانتفاع بالانتداب المباشر أو في إطار المناظرات. 

لقطة شاشة من تقرير دائر المحاسبات التونسية الصادر عام 2017 (1)

كما جاء في التقرير أن الوزارتين لم تتقيدا دائمًا بالصيغ القانونية المقررة عند إنجاز الانتدابات، مشيرًا إلى انتداب 601 عونًا دون الخضوع لصيغة التناظر.

لقطة شاشة من تقرير دائر المحاسبات التونسية الصادر عام 2017 (2)

أما فيما يتعلق بالشهادات العلمية، فقد خلص التقرير إلى أن الشهادات العلمية للمنتدبين في إطار المناظرات التي نظمتها وزارة التربية لا توافق دائمًا المستوى العلمي المطلوب.

صورة متعلقة توضيحيةلقطة شاشة من تقرير دائر المحاسبات التونسية الصادر عام 2017 (3)

كما انتهى إلى أن انتداب موظفين على مستوى تنظيم المناظرات والإعلان عن النتائج، إلى جانب وجود عدّة إخلالات أخرى ساهمت في ارتفاع عدد الموظفين بشكل لافت، أغلبهم لا تتوفر فيهم الشروط اللازمة لدخول الوظيفة العمومية.

صورة متعلقة توضيحية

وتواجه تونس تضخمًا في كتلة أجور الموظفين بالقطاع العام، وهي من المطالب التي دعا صندوق النقد الدولي إلى النظر فيها قبل المصادقة على صرف قرض جديد بقيمة 1.9 مليار دولار.

وقبل خطة “تطهير الإدارة” التي أعلن عنها الرئيس التونسي، كانت حكومة نجلاء بودن- التي تمت إقالتها وتكليف أحمد الحشاني عوضًا عنها- تخطط لتسريح حوالي 24 ألف موظف من القطاع الحكومي عبر برنامج وصفته بـالتسريح الطوعي، عبر السماح لحوالي ستة آلاف موظف بالخروج إلى التقاعد المبكر، وذلك بهدف تقليص كتلة الأجور.

وليست المرة الأولى التي يُطرح فيها موضوع التسريح الطوعي للموظفين في تونس، ففي عام 2017 أعلن عبيد البريكي وزير الوظيفة العمومية، حينها، عن خطة للتسريح الطوعي في البلاد بهدف التخفيض من كتلة الأجور.

ملحق

خصائص أعوان الوظيفة العمومية وأجورهم لسنوات 2010-2014 (معهد الإحصاء)

قانون المالية 2022

قانون المالية 2023

اقرأ/ي أيضًا

هل يُعد الاحتكار سببًا رئيسيًّا لأزمة الخبز في تونس؟

ثلاثون ألف مسبح خاص في تونس: إحصائية دون مصدر؟

الأكثر قراءة