قال الرئيس التونسي قيس سعيّد في تعليقه على الإعصار الأخير الذي ضرب ليبيا “ألم يتساءلوا أو يكلفوا أنفسهم عناء التساؤل عن التسمية، دانيال؟”.
وأضاف خلال اجتماعه برئيس الحكومة وعدد من الوزراء "اختاروا دانيال، من هو؟ هو نبي عبري. تم الاختيار بطبيعة الحال من قبل الجهات التي تختار الأسماء. وهذا الإعصار تمت تسميته باسم دانيال ويرددونه".
وأكد في مقطع الفيديو الذي نشرته صفحة الرئاسة التونسية على موقع فيسبوك مساء الاثنين 18 سبتمبر/أيلول الجاري، "ألم يتساءل أحد لماذا تمت تسميته بدانيال؟ موضحًا، "لأن الحركة الصهيونية تغلغلت وتم تقريبًا ضرب العقل والتفكير، في حالة غيبوبة فكرية تمامًا".
وزاد قيس سعيّد في حديثه عن تسمية إعصار دانيال بالقول "من أبراهام إلى دانيال واضحة جدًا".
أثار تصريح الرئيس التونسي جدلًا كبيرًا واعتبر أنّه يندرج ضمن خطاب يتبنى نظرية المؤامرة ويفترض علاقة سببية بين تسمية الإعصار ونفوذ صهيوني في العالم.
فمن أين جاءت تسمية الإعصار دانيال؟
ظهر إعصار دانيال في اليونان، ثم وصل إلى ليبيا، وأطلقت خدمة الأرصاد الجوية الوطنية اليونانية تسميته.
إذ أعلن مدير الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية في اليونان (EMY)، ثيودوريس كوليداس، عن اسم الإعصار "دانيال". وقال في منشور على موقع إكس في الرابع من سبتمبر الجاري، إنّه "بناءً على دراسة عناصر الغلاف الجوي الحقيقية والديناميات القوية للإعصار الذي يتطور فوق بلادنا، توصل أعضاء مجموعة جنوب شرق خدمات الأرصاد الجوية الوطنية الأوروبية إلى اتفاق بأنه يجب منح الإعصار اسم دانيال".
وفق الموقع الرسمي لهيئة الأرصاد اليونانية، فإنّ فكرة تسمية الأنظمة الباروميترية المتوقع أن تسبب عواصف قوية جدًا في أوروبا بدأت في عام 1995 من قبل مجموعة من متنبئي الطقس في الخدمات الوطنية للأرصاد الجوية (WGCEF)، والتي تعمل منذ عام 2013 كجزء من شبكة خدمات الأرصاد الجوية الأوروبية (EUMETNET)، بهدف التعاون من خلال إطار عمل مشترك.
وتعرف الأعاصير التي تضرب منطقة المتوسط على غرار إعصار دانيال الأخير، باسم "medicane" (ميديكين)، وهي لا تخضع بصفة كلية لتسمية الأعاصير الاستوائية.
فما هو إعصار ميديكين؟
يُعرف هذا الإعصار والظاهرة المناخية عمومًا في المتوسط باسم "medicane" (ميديكين)، ويتكون المصطلح من لفظين هما البحر الأبيض المتوسط "mediterranean" و"الإعصار "hurricane" باللغة الانجليزية.
ولهذا الإعصار خصوصية أنّه يظهر بعض السمات التي تشبه العواصف الاستوائية (المدارية) وبعض السمات التي تشبه العواصف في مناطق العروض الوسطى. ويتركز النشاط التاريخي لهذه الأعاصير بين شهري سبتمبر ويناير.
يعتبر العلماء أنّ العواصف أو الأعاصير الشبيهة بالمناطق الاستوائية في البحر الأبيض المتوسط، هي أعاصير ذات خصائص شبه استوائية واستوائية، ويمكن أن تتسبب في رياح شديدة وهطول أمطار غزيرة وخطر وقوع فيضانات.
تختلف الأعاصير المتوسطية عن الاستوائية في عدة خصائص منها صغر حجمها حيث تكون بقطر عادة يقل عن 400 كيلومتر. ومدتها أقصر من الأعاصير، إذ تستمر من 24 إلى 48 ساعة.
ومن نقاط التشابه بينها وجود رياح قوية تدور حول نواة العاصفة وهطول أمطار غزيرة. وغالبًا ما تشبه الأعاصير الاستوائية بشكل وثيق في صور الأقمار الصناعية. كما تمتلك سمات استوائية، مع وجود عيون دائرية واضحة، تحيط بها حائط العين (eyewall) ونمط سحابي متماثل (axisymmetric).
وعلى عكس الأعاصير الاستوائية، تقول منظمة الأرصاد الجوية العالمية إنّه ليس هناك إجراء رسمي لتسمية الأعاصير المتوسطية (الميديكين).
وبالتالي فإنّ تسميتها لا تكون خاضعة لنفس تسمية الأعاصير الاستوائية، عكس ما أشارت إليه عدة مواقع إخبارية وحتى منصات تحقق.
فمن أين جاءت التسمية وما دخل إسرائيل في الأمر؟
منذ عام 2021، بدأت الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية اليونانية، بالتعاون مع خدمات الأرصاد الجوية في قبرص وإسرائيل في عملية تسمية مثل هذه الأعاصير خلال فترات الطقس الباردة والحارة في العام، وكونت فريق عمل يعرف بفريق شرق البحر الأبيض المتوسط.
وتتواصل الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية (ΕΜΥ) بانتظام مع خدمات الأرصاد الجوية في قبرص وإسرائيل وتتبادل الآراء معها حول تطور حركة الأنظمة الجوية المتوقعة أن تؤثر على منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط. وتتخذ القرارات في تسمية هذه الأنظمة (أو عدم تسميتها) بناءً على شدة الظواهر المتوقعة.
وأرفق الموقع الرسمي للهيئة، الرسم البياني للأسماء المقترحة للأعاصير لسنتي 2022/2023، من قبل الجهات الثلاث، وتبين أنّ دانيال هو مقترح إسرائيلي.
ويسبق اسم دانيال اسم "كليون" الذي أُطلق على موجة الحر التي عرفتها اليونان وقبرص الصيف الفائت، ومن المنتظر أن يكون الاسم التالي للموجة/العاصفة المقبلة هي "ELIAS".
أي أنّ التسمية لم تكن حينية، بل مخطط لها مسبقًا، كما أنّها تأخذ بالاعتبار تتالي الموجات/الأعاصير وتعاقبها.
وفق الهيئة اليونانية، فإنّ الأسماء أعلاه تتعلق بتوقعات خدمات الأرصاد الجوية الوطنية الأوروبية لمنطقة أوروبا. وكما تم الاتفاق عليه، يتم الاحتفاظ بالاسم الذي يُعطى أولًا لإعصار من إحدى الدول المذكورة أعلاه ويُستخدم في التقارير اللاحقة، إذا تم تقدير أن الإعصار الذي سيؤثر تدريجيًا على بلد آخر هو نفسه.
لكن تشير الهيئة، أنّ أسماء الأعاصير والعواصف الاستوائية التي تحولت إلى عواصف أوروبية تبقى متاحة تحت الاسم الذي تم تخصيصه لها من قبل المركز الوطني للأعاصير في ميامي، فلوريدا.
تسمية الأعاصير الاستوائية من قبل منظمة الأرصاد الجوية العالمية
تحتفظ منظمة الأرصاد الجوية العالمية (WMO) بقوائم دورية من الأسماء المناسبة لكل حوض للأعاصير الاستوائية (المدارية). وإذا تسبب إعصار مداري خاص، في العديد من الوفيات أو أضرار كبيرة من الناحية الاقتصادية، يتم سحب اسمه واستبداله بآخر.
وعمومًا، يتم تسمية الأعاصير المدارية وفقًا للقواعد على مستوى إقليمي. في الأطلسي ونصف الكرة الجنوبي (المحيط الهندي والمحيط الجنوبي)، تتلقى الأعاصير المدارية أسماء بترتيب أبجدي، ويتم تناوب أسماء الإناث والذكور.
وبدأت الدول في شمال المحيط الهندي استخدام نظام جديد لتسمية الأعاصير المدارية في عام 2000؛ حيث تُدرج الأسماء ترتيبيًا حسب الدول وهي محايدة من حيث الجنس.
القاعدة الشائعة هي أن قائمة الأسماء، مقترحة من قبل خدمات الأرصاد الجوية والهيدرولوجية الوطنية (NMHSs) لأعضاء منظمة الأرصاد الجوية العالمية (WMO) في منطقة معينة، وتُعتمد من قبل هيئات الأعاصير المدارية الإقليمية المعنية خلال جلساتهم السنوية/نصف السنوية.
بدأت عملية تسمية الأعاصير المدارية منذ سنوات عديدة بهدف المساعدة في التعرف السريع عليها في رسائل التحذير لأنه من المفترض أن يكون من الأسهل تذكر الأسماء من الأرقام والمصطلحات التقنية.
واتُفق على أنّ إضافة الأسماء إلى الأعاصير، يُسهل على وسائل الإعلام تغطيتها، ويزيد من اهتمام الناس بالتحذيرات ويزيد من استعداد المجتمع.
كما تشير التجارب إلى أن استخدام أسماء قصيرة ومميزة في التواصل الكتابي والشفهي يكون أسرع وأقل عرضة للخطأ من الأساليب القديمة لتحديد المواقع بالخطوط العرضية والطولية الأكثر سخونة.
في البداية، تم تسمية الأعاصير عشوائيًّا، ومنذ عام 1953، تم تسمية الأعاصير المدارية في المحيط الأطلسي من خلال قوائم تم تطويرها من قبل المركز الوطني الأميركي للأعاصير.
ويتم الآن الاحتفاظ بها وتحديثها من قبل لجنة دولية تابعة لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية. كانت القوائم الأصلية تضم فقط أسماء إناث. في عام 1979، تم تقديم أسماء ذكور وتم التناوب بينها. يتم استخدام ست قوائم بالتناوب، وبالتالي ستُستخدم قائمة عام 2019 على سبيل المثال مرة أخرى في عام 2025.
يُشار إلى أنّ دانيال هو اسم عبري، له خلفية دينية، إذ تعتبر بعض المصادر أنّه يعود لأحد الأنبياء الأربعة الكبار في التراث اليهودي، ويعد كتابه "سفر دانيال" من كتب الأنبياء الملحقة بالتوراة. فيما ترى مصادر أخرى منها اليهودية أنّه ليس نبيًا. ولم يذكر اسم دانيال في القرآن، رغم ذلك تصنفه بعض الكتابات على أنّه نبي.
اقرأي أيضًا
هل تعني صورة خلو الأجواء الليبية من الطائرات عدم تلقي ليبيا للمساعدات الإنسانية؟