تعتبر تركيا واحدة من الوجهات السياحية الجذابة والمتنوعة، والتي يزورها الملايين سنويًا، إذ تتمتع البلاد بالتنوع وفيها مزيج من الثقافة الشرقية والغربية. كما أنها واحدة من الدول المفضلة للسياح العرب والمسلمين، ويقضي ملايين السياح من الدول العربية عطلاتهم هناك كل عام. لكن على الرغم من ذلك تشهد تركيا مؤخرًا، حالة من ارتفاع وتيرة انتشار الخطاب المعادي للأجانب، خاصةً تجاه العرب.
الاعتداء على السياح وانتشار الحملات التحريضية
ينتشر بين الحين والآخر مقاطع فيديو لاعتداء مواطنين أتراك على بعض السياح، وكان آخرها المقطع الذي وثق لحظة اعتداء أتراك على سائح كويتي خلال وجوده مع عائلته في ميدان طرابزون، الولاية التي تجذب الكثير من سياح دول الخليج. وحاز مقطع الفيديو على انتشار واسع، حتى تدخلت السلطات التركية واعتقلت أحد المتورطين في الاعتداء.
وتزامنًا مع ذلك، تنتشر حملات تحريضية تحتوي على معلومات مضللة أخرى عملت على تأجيج خطاب الكراهية عبر الإنترنت، والتي زادت من وجهات النظر المتطرفة لبعض الأفراد، كما أدت إلى انتشار الأخبار الملفقة واستخدمتها كسلاح جدلي لتشويه سمعة الأجانب واللاجئين. خاصةً الحملات التي استغلت الانكماش الاقتصادي الأخير والتغيرات السياسية والاجتماعية في تركيا، وحاولت تغيير مواقف بعض الناس تجاه ملايين اللاجئين في البلاد، وألقت عليهم اللوم في الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا.
العنصرية في تركيا ليست أزمة حديثة
وفقًا لصحيفة ديلي صباح التركية، فإن ظاهرة العنصرية في تركيا ليست حديثة، بل تُعاني الدولة منها منذ سنوات، وكانت موجودة حتى قبل وصول اللاجئين السوريين وغيرهم من المهاجرين خلال السنوات العشر الأخيرة.
وتوضح الصحيفة في تقرير سابق لها، أن العنصرية في تركيا غالبًا ما يتم الخلط بينها وبين القومية والوطنية، وأن العنصريين يهمشون الآخرين من خلال خلق مجموعات أخرى داخل البلاد، ويحاولون العيش في واقع افتراضي بعيدًا عن الآخرين.
ادعاءات زائفة عن اللاجئين والأجانب في تركيا
وتوضح ديلي صباح، أن العديد من الأسباب التي يقدمها العنصريون لتبرير عنصريتهم لا أساس لها من الصحة. على سبيل المثال، الادعاء بأن المهاجرين هم سبب البطالة، وهذا غير صحيح. وتكشف الصحيفة أن المهاجرون جاؤوا إلى تركيا في السنوات العشر الأخيرة وكان معدل البطالة في فترة وصولهم أقل بنقطة واحدة عما كان عليه في السنوات العشر السابقة. وذلك لأن معظمهم إما يقومون بوظائف لا يرغب الأتراك في القيام بها أو أنهم يعملون في أعمال أنشؤوها بأنفسهم.
كما أشارت تقارير إعلامية سابقة، أن تزايد أعداد اللاجئين أصبح قضية سياسية كبرى في تركيا، إذ ينظر إليها العديد من المواطنين والساسة باعتبارها واحدة من أكبر المشاكل وأكثرها إلحاحًا في البلاد. وأن التراجع الاقتصادي الذي اتسم بمعدلات تضخم وبطالة عالية، أدى إلى تكثيف النقاش حول أزمة اللاجئين والأجانب في البلاد، وساهم في زيادة التضليل والعنف حولهما.
قضية اللاجئين والانتخابات في تركيا
هيمنت قضية اللاجئين على الأخبار ولعبت دورًا مهمًا في الحملات الانتخابية، خلال الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا الأخيرة، في مايو/أيار الفائت. إذ استخدمت أحزاب المعارضة لغة معادية للأجانب في الحملات الانتخابية، وذكرت أن اللاجئين هم سبب تراجع الاقتصاد، بالإضافة إلى ذكر أرقام غير صحيحة عن أعداد اللاجئين في البلاد. كما لعبت أطراف من المعارضة على وتر التخويف والتحذير من الأجانب.
واتهم المرشح الرئاسي آنذاك، كمال كليجدار أوغلو، الرئيس رجب طيب أردوغان بأنه سمح بدخول 10 ملايين لاجئ بطريقة غير شرعية إلى تركيا، وهي أرقام مختلفة وتتعارض مع التي تعلنها السلطات التركية والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وأشارت وسائل إعلامية أن أحزاب المعارضة حاولت كسب الأصوات الرافضة لوجود اللاجئين على الأراضي التركية من خلال التأكيد في برامجهم على عودتهم، إذا تسلمت هذه الأحزاب أو التحالفات الحكم.
أوميت أوزداغ يحرض وينشر معلومات مضللة عن الأجانب
وأحد الذين يقودون حملات التحريض والتضليل ضد اللاجئين والأجانب في تركيا مؤخرًا، هو السياسي القومي المتطرف المعروف بمعاداته لوجود اللاجئين في بلاده، أوميت أوزداغ، مؤسس حزب النصر اليميني، الذي فرض نفسه في دائرة الحدث بتصريحاته وادعاءاته المستمرة عن اللاجئين والأجانب.
ويلجأ أوزداغ وأعضاء من حزبه إلى استخدام نظريات المؤامرة التي يدعمها بالأرقام أو المعلومات المضللة، وينقلها عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي إكس. وخلال كلمته أثناء إعلان دعمه مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية التركية الأخيرة كمال كليجدار أوغلو، أدلى أوزداغ بعدد من الادعاءات عن اللاجئين في تركيا، وقال إن أكبر مشاكل تركيا هي "وجود 13 مليون لاجئ يعيشون فيها ويثقلون على اقتصادها وعلى أهلها"، مضيفًا "اللاجئون هم سبب تخلف وتراجع اقتصاد هذا البلد".
وهي ادعاءات لا أساس لها من الصحة، كشف "مسبار" في تقرير سابق عنها. ووفقًا للأرقام الرسمية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين وإدارة الهجرة التركية، فإنّ تركيا تستضيف قرابة 3 مليون ونصف لاجئ.
إضافة إلى نشر نشر أوزداغ عدد من الادعاءات السابقة، ورفعت السلطات التركية ضده شكاوي جنائية بتهمة "تحريض الناس على الكراهية والعداء وإهانة الأمة ومؤسسات الدولة التركية ونشر الذعر بين الأفراد داخل المجتمع التركي". وذكرت الشكاوى أن أوزداغ "وجّه اتهامات وهمية مع ادعاءات غير واقعية، ولوحظ أن البيانات التي يقدمها لا أساس لها من الصحة،
وقال أوكتاي سارال كبير مستشاري الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تغريدة عبر حسابه على موقع إكس، بعد واقعة السائح الكويتي في طرابزون، إن خطابات رئيس حزب النصر المتطرف تؤدي إلى سلوكيات عنصرية في تركيا ستكون لها عواقب اقتصادية. قائلًا "أوميت أوزداغ، الذي أصبح الشخصية الرئيسية للخطابات الفاشية، هو مدير أعمال العنف والعنصرية والاضطرابات الاجتماعية التي تزايدت في الآونة الأخيرة"، مضيفًا لأن "هذه الخطابات والسلوكيات العنصرية انتشرت من شرق بلادنا إلى غربها وبدأت تزرع الحقد والكراهية في أمتنا بمختلف الألاعيب التصورية".
وأضاف "مرة أخرى، نتيجة الاستفزازات التي وجهها أوميت أوزداغ، أغمي على سائح عربي نتيجة الضربات القوية التي تلقاها في طرابزون وتم نقله إلى المستشفى".
وأكمل "من الواضح أن هذا الموقف، خاصة تجاه السياح العرب، ستكون له عواقب اقتصادية، مع بدء دعوات مقاطعة تركيا في وسائل الإعلام العربية. ولكن السبب الحقيقي وراء ذلك هو الكراهية تجاه الإسلام. نحن نرى اللعبة التي يتم لعبها. لكننا لن نسمح بهذه اللعبة".
اعتقال 27 شخصًا بتهم التحريض على الكراهية ونشر المعلومات المضللة
وأعلن وزير الداخلية التركي علي يرلي قايا، يوم الأربعاء 20 سبتمبر/أيلول، عن اعتقال 27 شخصًا في 14 ولاية، مشتبهًا فيهم بالقيام بعمليات متزامنة، بنشر خطاب الكراهية على الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، بما في ذلك مديري الحسابات والمواقع الذين تبين أنهم ينشرون معلومات مضللة علنًا للمواطنين.
ووفقًا لبيان صدر عن مكتب المدعي العام في أنقرة فإن "خطاب الكراهية المستخدم على الإنترنت تمت مشاركته لتحريض الناس علنًا على الكراهية والعداء، ونشر معلومات مضللة".
وأوضح البيان أنه من أجل التحقيق في هذا الخطاب، وفيما يتعلق بالقضايا المزعومة في المنشورات التي تحرض على الكراهية، أطلقت النيابة العامة تحقيقًا ضد المشتبه بهم في الجرائم المنصوص عليها في قانون العقوبات التركي رقم 5237، حيث صدرت أوامر الاحتجاز في عدة مدن في تركيا، وصدرت أوامر بحق 27 مشتبهًا فيهم، مؤكدًا أنه تجري مواصلة التحقيق مع المشتبه فيهم الآخرين.
وذكرت وسائل إعلام أن من بين المعتقلين مدير موقع أيكري المعارض، باتوهان جولاق، المعروف بمواقفه العنصرية ضد العرب واللاجئين. وكان جولاق أحد الذين انتقدوا إجراءات الحكومة وتقديمها الاعتذار على واقعة السائح الكويتي، واعترض على الخطاب الذي نشرته ولاية طرابزون حول الواقعة. كما اعتقلت السلطات، سهى تشارداكلي، المحررة في حساب آجانس موبير على منصة إكس والذي دائمًا ما يستهدف اللاجئين والأجانب، بالإضافة إلى اعتقال آخرين كانوا على علاقة بالنشاط نفسه.
تراجع السياحة العربية في تركيا لهذا العام
قالت صحيفة يني شفق القريبة من الحكومة التركية، إن المنشورات العنصرية والمضللة التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة في تركيا، أثارت الكثير من القلق لدى السياح والطلاب القادمين إلى تركيا من الدول العربية والإسلامية. لافتة إلى أن الموقف العنصري، الذي بدأ بمشاعر معادية للسوريين، تحول إلى معارضة بالجملة وتم تعميمه على جميع الأشخاص الذين يرتدون الملابس نفسها وأشياء أخرى. مشيرة إلى أن هذا الموقف العنصري، انتشر مؤخرًا بقيادة رئيس حزب النصر أوميت أوزداغ، كالفيروس على مواقع التواصل الاجتماعي ثم امتد إلى جماعات أخرى وساهمت في نشره وسائل إعلامية.
وتؤكد الصحيفة أنه بسبب الموقف العنصري الذي ظهر بقوة في الآونة الأخيرة، بدأ الزوار من دول الخليج والعرب الذين يأتون بآلاف الدولارات من العملات الأجنبية إلى تركيا خلال كل زيارة، بمشاركة السلبيات التي عاشوها في تركيا عبر حساباتهم، عند عودتهم إلى بلدانهم الأصلية. وأن الشكاوى المقدمة إلى الشركات السياحية بدأت في التزايد خلال الأشهر الأخيرة.
وانعكست المشاركات السلبية أيضًا على أرقام السياحة، إذ شهدت أعداد السياح من دول الخليج وشمال أفريقيا القادمين إلى تركيا انخفاضًا كبيرًا، نتيجة هذا الخطاب.
تضرر قطاع التعليم في تركيا بسبب خطاب الكراهية
والسياحة ليست المجال الوحيد الذي تضرر من خطاب العنصرية، إذ تُعرف تركيا بأنها وجهة للطلاب الأجانب الذي يأتون من الدول العربية وبلاد أخرى بهدف التعليم. وتستضيف أكثر من 300 ألف طالب دولي، يدخلون مليارات الدولارات سنويًا، وكانت تهدف إلى زيادة العدد إلى أكثر من 500 ألف طالب بحلول عام 2030. لكن بعد انتشار المنشورات السلبية تضرر هذا القطاع بشكل كبير أيضًا.
ولفت رئيس جامعة آلتن باش، جاغري إرهان، الانتباه إلى هذه الأزمة، وتحدث عن الشكاوى التي سمعها من أهالي الطلاب العرب خلال حضوره معرض للجامعات التركية في العاصمة المصرية القاهرة، قائلًا إن العائلات قالت "هناك عداء تجاه العرب في تركيا. كيف يجب أن نرسل أولادنا؟".
أردوغان يؤكد أن مرتكبي الاعتداءات على السياح سينالون عقابهم
في تصريحات للصحفيين، أدلى بها أمس الخميس 21 سبتمبر/أيلول، بعد مشاركته في الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن مرتكبي ما وصفها بالاعتداءات الدنيئة على السياح في تركيا سينالون عقابهم، مشيرًا إلى أن بلاده تأثرت بالعنصرية التي تتفشى في أوروبا، حسب قوله.
وأضاف أردوغان أن "تركيا دولة قانون، ومرتكبي الاعتداءات الدنيئة ضد ضيوفنا سينالون العقوبات اللازمة وفق القانون". موضحًا أن "الجهات الأمنية في تركيا تتخذ أقصى درجات الحذر إزاء مثل هذه الاستفزازات وتكثف إجراءاتها يومًا بعد يوم".
خطاب الكراهية يؤدي إلى تصاعد العنف والمعلومات المضللة
وتقول الأمم المتحدة إن تأجيج خطاب الكراهية ضد المهاجرين واللاجئين يخدم بعض الأجندات الشعبوية لجماعات وسياسيين متطرفين، وكذلك وكالات أنباء، وذلك يؤدي إلى تصاعد أعمال الترهيب والعنف وتكثيف المعلومات المضللة.
وأضافت أنه ثبت بالفعل "أثره الكارثي على عدد لا يحصى من المهاجرين حول العالم ممن يواجهون التمييز والصعوبات الاقتصادية، وكذلك بالنسبة للاجئين وطالبي اللجوء الذين يعيشون في ظروف قاسية أو تم إجبارهم أو ترحيلهم إلى بيئات خطرة".
اقرأ/ي أيضًا
الاعتداءات على الأجانب في تركيا: هل طاولت الخليجيين والسوريين فقط؟