تحدث رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في كلمته خلال مؤتمر حكاية وطن في العاصمة الإدارية الجديدة، يوم السبت 30 سبتمبر/أيلول الفائت، عن أبرز الإنجازات في مختلف قطاعات الدولة المصرية خلال الأعوام التي تولى فيها الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر، وعن تحديات التنمية الاقتصادية في البلاد.
وقال مدبولي إن التنمية الاقتصادية في مصر لا يمكن أن تؤتي بثمارها خلال خمس أو عشرة سنوات، وأن الدول تحتاج على الأقل عشرين عامًا حتى تشهد نتائج التنمية فيها، مستشهدًا بكتاب "لماذا تفشل الأمم" الصادر عام 2012، للمؤلفين دارون عاصم أوغلو وجيمس إيه روبنسون، لتوضيح أسباب تراجع الدولة المصرية في التنمية الاقتصادية، خارج فترة حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي.
وأوضح مدبولي أنّه “بغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي مع بعض الرؤى التي أثيرت، إلا أن الكتاب خرج من واقع استقصائه لأكاديميين ومحللين مصريين، قالوا إن أسباب تراجع مصر هو فشل الحكومة في الاستجابة إلى تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين إضافة إلى طبيعة مصر الصحراوية، وأن انهيار التعليم وتدني مستوى المعيشة أثر في الشخصية المصرية بشكل سلبي، ما نتج عنه افتقار المصريين إلى نمط أخلاقيات العمل والسمات الثقافية التي تميز الدول المتقدمة”.
وأضاف أن الكتاب "انتهى إلى أن الدولة المصرية في تلك المرحلة-أي قبل عام 2012- والقائمين عليها لم يكن لديهم إدراك لما هو متطلب وضروري لجعل الدولة مزدهرة ومتقدمة".
راجع "مسبار" كتاب “لماذا تفشل الأمم “وتبين أن تصريحات مدبولي منزوعة من السياق الذي تمحور حوله الكتاب، ففي حين أشار المؤلفان إلى أن الأكاديميين المصريين أرجعوا أسباب فقر إلى طبيعتها الجغرافية وثقافة ونمط أخلاقيات العمل عند المصريين، فقد انتقدا من جهة أخرى هذه ”النظريات التقليدية” واعتبرا أن طبيعة الحكم السياسي في الدولة هي المحدد الأساسي لثرائها وازدهارها أو فقرها.
الحجج التقليدية حول أسباب الفقر في الدول النامية
وفي محاولة لفهم أسباب تباين مناحي التنمية الاقتصادية والسياسية بدرجات هائلة في الدول المتشابهة، يحلل المؤلفان في كتاب "لماذا تفشل الأمم"، النظريات التقليدية والسائدة حول أسباب ذلك الاختلاف، مثل الطبيعة الجغرافية والسمات الثقافية لدى الشعوب، ويختلفون معها، إذ يؤكد الكتاب أن نجاة الشعوب من شبح الفقر وتحقيق الازدهار، يتحقق عند امتلاك الدول لمؤسسات اقتصادية فعالة وتوافر الملكية الخاصة والروح التنافسية، وأن النظم يُحتمل أن تضع قواعد المؤسسات الصحيحة عند وجود حكم سياسي تعددي ومنافسة على الفوز بالسلطة السياسية، ووجود قطاع عريض من الناخبين، مع إتاحة الفرص لتقبل زعماء سياسيين جدد.
وينتقد الكتاب النظريات التي تُرجع أسباب تخلف الدول النامية إلى السمات الثقافية لدى شعوبها وطبيعتها الجغرافية، ويؤكد أن أسباب تأخر الدول وتقدمها يعود إلى اختلاف المؤسسات السياسية والاقتصادية.
مقدمة كتاب لماذا تفشل الأمم
تناولت المقدمة وعنوانها "لماذا ملأ المصريون ميدان التحرير للإطاحة بحسني مبارك، وما الذي يعنيه ذلك بالنسبة لفهمنا لأسباب الازدهار والفقر؟" موضوع ثورات الربيع العربي، وأسباب اندلاع تلك الثورات التي تعود إلى فساد الأنظمة السياسية، وهو ما نتج عنه استياء وغضب الشعوب ومن ثم انتفاضتها.
وفي سياق محاولة الإجابة على السؤال الذي يتمحور حوله الكتاب وهو: لماذا بعض الدول غنية والبعض الآخر فقير؟ اعتمد مصر والولايات المتحدة الأميركية، كنموذج للمقارنة بين مدخول المواطنين في البلدان الفقيرة ونظيرتها المتقدمة، جاء فيه "أن مستوى دخل المواطن المصري يمثل قرابة 12% من دخل المواطن الأميركي العادي، وأن 20% من السكان يعيشون حالة فقر مدقع".
وطرح الكتاب أسئلة من قبيل لماذا تعد مصر أكثر فقرًا بدرجة كبيرة من الولايات المتحدة؟ وما هي القيود التي تمنع المصريين من أن يصبحوا أكثر رخاءً وغنى؟ وهل ظاهرة الفقر في مصر غير قابلة للتغيير أو يمكن محوها؟ ليجادل بأن أسباب التدهور الاقتصادي في مصر تعود إلى فساد الأنظمة التي توالت على الحكم، إذ جاء فيه "وبالنسبة للمصريين، فإن الأشياء التي تعرقل مسيرتهم تشمل وجود نظام حكم فاسد وعقيم، ومجتمع لا يستطيعون فيه استخدام مواهبهم وطموحاتهم وقدراتهم وكذلك مستوى التعليم الذي يمكنهم الحصول عليه، غير أنهم يدركون أيضًا أن جذور هذه المشكلات ترجع إلى أسباب سياسية وأن جميع العوائق والصعوبات الاقتصادية التي يواجهونها تنبع من المنهجية التي تمارَس وتُحتكر بها السلطة السياسية في مصر، من قبل قطاع ضيق من النخبة، إنهم يدركون أن هذا يمثل أول شيء يجب أن يتم تغييره".
وهنا، سرد الكتاب النظريات المتباينة حول أسباب الفقر في مصر بين أوساط المصريين العاديين والمحللين الأكاديميين، والتي أدت إلى اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني عام 2011، ثم حللها وأضاف الأفكار التي يتبناها المؤلفان، إذ جاء فيه أن متظاهري ميدان التحرير قد اختلفوا بصورة حادة حول السبب الذي يجعل دولة مصر فقيرة، فقد أكّد معظم الأكاديميين والمحللين على عوامل مختلفة من قبيل أن ظاهرة الفقر تتحدد في الأساس من خلال موقعها الجغرافي وأن الدولة في معظمها عبارة عن أراضٍ صحراوية تفتقد إلى سقوط الأمطار بدرجة كافية، إلى جانب أن طبيعة تربتها ومناخها لا يسمحان بوجود الزراعة الإنتاجية، في حين يرى البعض الآخر أن السمات الثقافية للمصريين معادية لتحقيق التنمية والازدهار الاقتصادي، وأن المصريين يفتقدون إلى نفس النمط من أخلاقيات العمل والسمات الثقافية التي سمحت للآخرين بأن يزدهروا ويتقدموا، وأنهم على النقيض من ذلك قد تبنوا المعتقدات الإسلامية التي لا تتفق مع الازدهار الاقتصادي، بينما أكّد المؤلفان أن هناك اتجاهًا ثالثًا يمثل الاتجاه السائد بين علماء الاقتصاد وخبراء السياسة قائم على الفكرة التي ترى أن حكام مصر لا يدركون فقط ما هو متطلب ضروري لجعل بلدهم مزدهرة ومتقدمة، وأنهم قد اتبعوا سياسات واستراتيجيات خاطئة في الماضي، وأنه لو كان هؤلاء الحكام حريصون على الحصول على النصيحة الصحيحة من المستشارين الأكفاء لكان الازدهار قد تحقق كنتيجة لذلك.
ويكمل الكتاب أنه "وبالنسبة لهؤلاء الأكاديميين والخبراء تبدو الحقيقة التي توضح أن مصر يحكمها قطاع ضيق من النخبة التي تهتم ببناء أعشاشها ومصالحها الشخصية على حساب المجتمع، حقيقة غير ملائمة لهم لإدراك طبيعة المشكلات الاقتصادية للدولة".
لماذا لم تحقق الثورات في مصر أي تغيير؟
ويرى المؤلفان أن الثورات في مصر لم تحدث تغييرًا لأن الحكام أعادوا خلق أنظمة تتشابه مع الأنظمة التي سبقتها، إذ يؤكد الكتاب أن "مصر فقيرة بسبب خضوعها لحكم قطاع ضيق من النخبة الذين نظموا هيكل المجتمع بطريقة تتلاءم مع مصالحهم الشخصية على حساب الأغلبية الكاسحة من الشعب".
ويفسر الكتاب أن السبب الذي يجعل بريطانيا أكثر ثراءً من مصر، هو أن الثورة في بريطانيا عام 1688 أنتجت مسارًا سياسيًا واقتصاديًا مختلف جوهريًا، حصل الشعب من خلاله على حقوقه السياسية ومن ثم استخدم تلك الحقوق في توسيع ومضاعفة فرصه الاقتصادية، وأن الثورة الصناعية لم تصل إلى مصر بسبب سيطرة الإمبراطورية العثمانية "والتي تعاملت مع مصر بنفس الطريقة التي انتهجتها أسرة الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك" وأنه عندما أطاح نابليون بونابرت في عام 1798 بحكم العثمانيين في مصر، خضعت الدولة بعد ذلك للاستعمار البريطاني، والذي حكم بنهج العثمانيين، إذ لم يكن مهتمًا بتحقيق الازدهار والرخاء لمصر.
وأضاف الكتاب في تحليله، أنه وعلى الرغم من أن المصريين تخلصوا من سيطرة الإمبراطوريتين العثمانية والبريطانية، وتمكنوا في عام 1952 من الإطاحة بالحكم الملكي، إلا أنّ هذه المحاولات لم تكن في شكل ثورات راديكالية مثل ثورة إنجلترا عام 1688، إذ تمخّضت عن وصول نخبة أخرى إلى السلطة لا تكترث بتحقيق الازدهار للمصريين، كما كان حال العثمانيين والبريطانيين من قبلهم. وبالتالي فإنّ التركيب والبنية الأساسية للمجتمع لم تتغير.
ازدهار كوريا الجنوبية وتراجع الشمالية على الرغم من تطابق الجغرافيا
وتناول الكتاب أمثلة على تباين المسارات السياسية والاقتصادية لدول متشابهة، فمن قبل ثمانين عامًا لم يكن من الممكن التمييز بين كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، إلا أنه وعقب الحرب الأهلية اتجهت كوريا الشمالية إلى الشيوعية، بينما انفتحت كوريا الجنوبية على اقتصاد السوق، وهو ما ساقها في نهاية المطاف إلى الديمقراطية، ويرى المؤلفان أن المؤسسات الشاملة مثل الهيئات التشريعية التمثيلية، والمدارس العامة الجيدة، والأسواق المفتوحة، وأنظمة براءات الاختراع القوية في كوريا الجنوبية، خلافًا للمؤسسات الموجودة في كوريا الشمالية وفنزويلا والمملكة العربية السعودية، هي السبب في جعل كوريا الجنوبية أكثر ثراءً من كوريا الشمالية.
من هو رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي؟
حصل مصطفى مدبولي على شهادة الدكتوراه في الهندسة المعمارية، من جامعة القاهرة عام 1997، وشغل منصب وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية في الفترة من فبراير/شباط 2014 وحتى يونيو/حزيران 2018 ، قبل أن يتم تعيينه في منصب رئاسة الوزراء في يونيو 2018.
السيسي يعلن ترشحه لفترة رئاسية جديدة
جاءت كلمة مصطفى مدبولي قبل يومين من إعلان الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، نيته الترشح لفترة رئاسية ثالثة مدتها ست سنوات، إذ جاء في خطاب إعلانه "كانت إرادة المصريين وما زالت هي المحرك الرئيسي والباعث الأساسي لاستكمال الحلم في بناء دولتنا العصرية الحديثة، التي تليق بما قدمه شعب مصر من تضحيات. إننا نجدد العهد معًا على العمل من أجل استكمال أحلامنا لمصرنا العزيزة”.
وكانت الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر، قد أعلنت عن موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في ديسمبر المقبل. ويُشترط للترشح للانتخابات الرئاسية حصول المرشح على تزكية 20 نائبًا في مجلس الشعب، أو جمع توكيلات انتخابية للترشح من 25 ألف مواطن ممن لهم الحق في الانتخاب، في 15 محافظة على الأقل، ومع حد أدنى ألف توكيل من كل محافظة.
اقرأ/ي أيضًا
الفيديو مجتزأ من سياقه ولم يهدد فيه السيسي بقتل الشعب إن لم يحكم مصر
ما حقيقة تراجع مصر عن قرار وقف تصدير البصل إلى الخارج ثلاثة أشهر؟