استهدفت طائرات الجيش الإسرائيلي مستشفى الأهلي المعمداني في وسط مدينة غزة، مساء أمس الثلاثاء 17 أكتوبر/تشرين الأول، متسببة بمجزرة راح ضحيتها أكثر من 500 مدنيّ فلسطيني على الأقل ومئات الجرحى.
وكان المستشفى لحظة القصف يأوي المئات من النازحين داخل قطاع غزة، ممن التجؤوا إليه ظنًّا منهم أنه أكثر أمانًا من منازلهم التي يقصفها جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر الجاري. وقد توالت ردود الفعل المنددة بالمجزرة.
إسرائيل تتهم الجهاد الإسلامي بارتكاب مجزرة مستشفى المعمداني
وعقب المجزرة نفى الجيش الإسرائيلي مسؤوليته عن الهجوم، قائلًا إن معلومات المخابرات العسكرية تشير إلى أن المستشفى "تعرض لهجوم صاروخي فاشل شنته حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في القطاع".
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي في حسابه على منصة إكس "بعد تحليل الأنظمة العملياتية في جيش الدفاع فقد أطلق العدو في غزة رشقة صاروخية كثيفة نحو إسرائيل مرت في محيط المستشفى المعمداني لحظة اصابته"، متهمًا حركة الجهاد الإسلامي بإطلاق الصاروخ.
الجهاد الإسلامي تنفي المزاعم الإسرائيلية حول مجزرة المعمداني
بعدما اتهمت إسرائيل الحركة بإطلاق الصاروخ الفاشل، نفى مسؤول باسم الجهاد الإسلامي المزاعم الإسرائيلية واتهامات الاحتلال للحركة بضرب مستشفى المعمداني في غزة.
وقال الناطق باسم حركة الجهاد الإسلامي، داود شهاب، في تصريحات لقناة الجزيرة، إن مجزرة مستشفى المعمداني جريمة وحشية مكتملة الأركان، مؤكدًا أنها جريمة إسرائيلية.
وردًّا على الاتهامات الإسرائيلية لفصائل المقاومة بارتكاب المجزرة، قال شهاب إنه "ادعاء باطل، لأن إسرائيل بعد هذه الجريمة شعرت بأن هناك أزمة وانتفاضة عالمية ضد هذه السياسات العدوانية الوحشية التي ترتكبها"، مؤكدًا "إسرائيل مرة أخرى تستدعي الكذب للتضليل الإعلامي والتضليل الدولي التي تمارسه لاستمرار جريمتها".
مشاهد توضّح الفارق بين صواريخ المقاومة وصواريخ إسرائيل
انهالت على مواقع التواصل الاجتماعي المنشورات التي تتهم إسرائيل بارتكاب المجزرة، وتحاول تفنيد ادعائها بأنها غير مسؤولة عن مقتل 500 مدني فلسطيني في مستشفى المعمداني.
ولكشف بعض الحقائق نشر مستخدمون مقطع فيديو يضم ثلاثة مشاهد لضربات صاروخية مختلفة، ويُظهر المشهد الأول صوت صاروخ أطلقته المقاومة على عسقلان، والثاني من مشهد قديم يُظهر صوت قنبلة JDAM الأميركية التي تزود بها الولايات المتحدة إسرائيل، والذي يماثل صوت الصاروخ الذي أصاب مستشفى المعمداني ويظهر في المشهد الثالث.
إسرائيل تستخدم قنابل JDAM في حربها على غزة
وكشفت تقارير إعلامية أن قنابل JDAM الذكية، تلعب دورًا رئيسيًا في الحرب على غزة، إذ تستخدمها إسرائيل بكثرة خلال غاراتها العنيفة التي تشنها على القطاع، وقد خلفت دمارًا واسعًا، وهي من قنابل الهجوم المباشر المشترك عالية التدمير التي تقدمها الولايات المتحدة دعمًا لإسرائيل.
واستخدمت إسرائيل هذه الصواريخ لضرب أهداف في غزة من الجو في السابق أيضًا، كما حدث أثناء العدوان على غزة في مايو/أيار 2021. مع الإشارة إلى أنّ إسرائيل طلبت بعد عملية طوفان الأقصى من الولايات المتحدة الحصول على أسلحة ومساعدات أميركية، بما في ذلك المزيد من صواريخ JDAM والصواريخ الاعتراضية للصواريخ القصيرة المدى، اللازمة لنظام الدفاع الجوي "القبة الحديدية" .
وطُوّرت صواريخ JDAM بشكل مشترك من قبل القوات الجوية الأميركية والبحرية، بعد أن تعرقلت حملة القصف الجوي التي نفّذتها القوات الجوية خلال حرب الخليج العربي في التسعينيات بسبب تغيرات الطقس والغبار والدخان. وتعمل مجموعة JDAM على إصلاح هذه المشكلة، مما يضمن بقاء الذخيرة المثبتة عليها مثبتة على الهدف بفضل تنسيق نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
خبير يحلل طبيعة القنبلة التي استخدمتها إسرائيل في قصف المعمداني
وأجرى سعيد إرسوي بيركيتلي أوغلو، مدير شركة Troy Technology Defense، التي تعمل على تقنيات إنتاج الرؤوس الحربية والصواريخ الصغيرة والمواد الكيميائية شديدة الانفجار من الدرجة العسكرية، تقييمات حول الصور التي عُرضت لقصف مستشفى المعمداني وصوت القنبلة المستخدمة في القصف.
وأوضح بركيتلي أوغلو في تصريحات لوكالة الأناضول، أن علامات وصول الذخيرة إلى المستشفى وصوت الانفجار وشدته تشير إلى أنها قد تكون “قنبلة MK-84 بوزن 2000 رطل مجهزة بـ JDAM وليس صاروخًا”؟
وذكر أنه مع هذه المعدات، تحولت القنبلة المعنية إلى ذخيرة دقيقة التوجيه، وأنها تحتوي على ما يقرب من 430 كيلوغرامًا من المواد المتفجرة، وقال بركيتلي أوغلو إن الذخيرة يمكن أن تكون مدمرة للغاية إذا وصلت إلى هدفها بالزاوية المناسبة". وأشار أوغلو إلى أنه يمكن تعبئة هذه الذخيرة بأنواع مختلفة من المتفجرات لزيادة فعاليتها، وأن قنبلة MK-84 التي تحتوي على مادة HMX لها تأثير اختراق ويمكنها تدمير المباني بسهولة".
وكشف بيركيتلي أوغلو أن الاحتمال الآخر هو أنها يمكن أن تكون قنبلة خارقة للتحصينات من طراز BLU-109، وتستخدم أيضًا MK-84، مؤكدًا أن كلتا القنبلتين موجودتان في مخزون الجيش الإسرائيلي.
وزارة الصحة في غزة تؤكد تعرض مستشفى المعمداني لتهديدات سابقة قبل القصف
وخلّف قصف مستشفى الأهلي المعمداني مشاهد مروعة، وأظهر مقطع فيديو للحظة قصف المستشفى أنّ النيران تجتاح المبنى وأن أرضية المستشفى مليئة بالجثث، تعود غالبيتها لأطفال ونساء.
وكان الكثير من الفلسطينيين قد لجؤوا إلى المستشفى الأهلي والمستشفيات الأخرى في مدينة غزة في الأيام الأخيرة، على أمل أن يتجنبوا القصف، بعد تهديد إسرائيل جميع سكان المدينة وطلبت منهم الإخلاء والتوجه إلى جنوبي قطاع غزة.
ولتوضيح نية الاحتلال في الاستعداد لقصف المستشفى، قالت وزارة الصحة الفلسطينية في غزة، إن الاحتلال الإسرائيلي هدد مستشفى المعمداني مرات كباقي المستشفيات، مضيفة أن "مستشفى المعمداني تعرض للاستهداف قبل يومين من القصف العنيف كرسالة أولية".
وأوضحت الوزارة أن "الاحتلال الإسرائيلي نفذ تهديده بارتكاب مجزرة داخل المستشفى أسفرت عن مئات الضحايا"، مؤكدة "أمام هول المجزرة وما شاهده العالم من مشاهد مؤلمة لمئات الضحايا من الأطفال والنساء والمسنين لا يستطيع المحتل التنصل من جريمته".
ادعاءات إسرائيلية مضللة عن تسبب حماس في مجزرة مستشفى المعمداني
وبعد الإعلان عن قصف المستشفى، سارع نشطاء ومسؤولون إسرائيليون إلى ترويج الروايات المضللة، إذ نشر حساب الناشط الإسرائيلي إيدي كوهين على موقع إكس، ادعاءً مفاده أنّ الانفجار الذي استهدف مستشفى المعمداني وسط قطاع غزة سببه فشل صاروخ حاولت حماس إطلاقه باتجاه إسرائيل. ونشر كوهين مقطع فيديو قال إنّه يظهر "الدليل القاطع" على كلامه.
تحقق مسبار من الادعاء وتبيّن أنّ المقطع مأخوذ من قناة "حول العالم" على منصة تليغرام، وقد نشرته القناة في الساعة الثامنة و36 دقيقة مساء أمس الثلاثاء، وأرفقته بتعليق "توثيق لسقوط الصاروخ على المستشفى في غزّة". ثمّ استخدمه إيدي كوهين بعد نشره مرفقًا بوصف مختلف، مدعيًا أنّ الصاروخ تابع لحركة حماس. وأتبعت القناة مقطع الفيديو بآخر للحظة سقوط الصاروخ، التي وثّقها فلسطيني من داخل قطاع غزة.
كما نشرت حسابات إسرائيلية مقطع فيديو آخر، ادّعت أنّه لصاروخ تابع لحركة حماس فشل في الوصول إلى هدفه، فسقط في قطاع غزة وتسبّب في مجزرة مستشفى المعمداني. وكشف مسبار أنّه مضلّل، لأنه مقطع قديم وليس للصاروخ الذي سقط على مستشفى المعمداني في غزة، بل نُشر في أغسطس/آب عام 2022، على أنّه لصواريخ أطلقتها حركة الجهاد الإسلامي على مناطق داخل الأراضي المحتلة.
هنية يتهم إسرائيل وأميركا بارتكاب مجزرة مستشفى المعمداني
وعقب الحادث، قال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في كلمة متلفزة إن "القصف الإسرائيلي مجزرة تؤكد على وحشية هذا العدو، وحجم الهزيمة المدوية التي مني بها أمام المقاومة".
وأضاف "هذه المجزرة تضاف إلى سلسلة المجازر التي ارتكبها الصهاينة منذ احتلال فلسطين، هذه هي سجيتهم وهذه هي صفاتهم، أن يرتكبوا المذابح والمجازر".
كما حمّل هنية، الولايات المتحدة المسؤولية عن قصف المستشفى، قائلًا "هذه المجزرة يتحمل مسؤوليتها هذا العدو الذي ضرب مستشفى ومسجد وكنيسة في ذات المكان، ويتحمل مسؤوليتها الأمريكان الذين أعطوا الغطاء اللامحدود لهذا العدو يرتكب هذه المجازر".
اقرأ/ي أيضًا
ما صحة ادعاءات الاحتلال الإسرائيلي بأن منطقة جنوبي قطاع غزة آمنة؟