في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي أفيخاي أدرعي، مجموعة صور على موقع إكس كتب فوقها أن القوات الإسرائيلية تكشف عن منصات إطلاق صواريخ، نصبتها المقاومة في حديقة ملاهي وبجوار برك السباحة المخصصة للأطفال في بلدة بيت حانون شمالي قطاع غزة.
وأضاف أدرعي "في إطار القتال الذي تخوضه قوات جيش الدفاع في شمال قطاع غزة وتحديدًا في بيت حانون، كشفت القوات وعثرت على قاذفات صواريخ بجوار بركة سباحة مخصصة لأطفال وحفر إطلاق القذائف الصاروخية وقاذفات الصواريخ في حديقة ملاهي قديمة في قطاع غزة. هذا هو دليل آخر على استخدام دواعش حماس غير المتوقف للسكان المدنيين كدروع بشرية تحقيقًا لمآربهم الإرهابية".
وبعد ساعات، نشر الحساب الرسمي للجيش الإسرائيلي على إكس، مقطع فيديو لأحد الجنود وهو يتحدث عن الموقع، مُرفقًا بوصف "أطفال وأراجيح وحمام سباحة وصواريخ. واحدة من هذه الأشياء ليست مثل غيرها. حماس تخفي منصات إطلاق الصواريخ في ملاعب الأطفال". وفي المقطع، يقول الجندي "كما ترون هنا، منصة إطلاق صواريخ رباعية موجهة نحو إسرائيل، تبعد خمسة أمتار فقط عن بركة سباحة للأطفال، وحوالي 20-30 مترًا عن المباني السكنية. كل هذا وسط حيّ سكني".
منصة إطلاق في ساحة ترابية فارغة
تظهر في الصور التي نشرها الجيش الإسرائيلي والناطقون بلسانه، ما يبدو أنه "أرجوحة السفينة"، وعلى يمينها حلبة سيارات التصادم الكهربائية في ساحة ترابية فيها بعض الكتل العشبية، وعلى الجانب الآخر من الطريق يظهر مبنى قصير أبيض اللون على سطحه عدد من ألواح الطاقة الشمسية، وأربعة خزانات مياه بيضاء اللون ووراءه البحر.
وبالبحث عن تلك المحددات شمالي قطاع غزة، من خلال صور الأقمار الصناعية المتنوعة، تمكّن مسبار من تحديد موقع الساحة الترابية، حيث التُقطت تلك الصور، وتبيّن أنها ليست في بلدة بيت حانون كما ادّعى الجيش الإسرائيلي، بل في منطقة المتحف شمال غربي القطاع، التي تقع بجانب شارع الرشيد، وتبعد نحو 4.2 كيلومترًا عن الجدار الفاصل في الشمال.
وبالنظر في تفاصيل الصورة التي نشرها الجيش الإسرائيلي، لاحظ مسبار وجود صدأ وبعض التصدعات في الأرجوحة، بالإضافة إلى تكسّر الشبك المحيط بحلبة سيارات التصادم الكهربائية ووجود أتربة فيها. كما لم يجد أي ألعاب أخرى أو وسائل ترفيهية أخرى توجد عادةً في حدائق ملاهي الأطفال، ولا وجود لعلامات قصفٍ في محيط الساحة، ما يشير إلى احتمالية أنها ساحة مهجورة منذ زمن.
وبالاستفادة من خدمة Google Earth Pro التي تتيح تصفح أرشيف صور الأقمار الصناعية وتغيرها عبر الزمن، وفق ما التقطته كوكبة من الأقمار الصناعية المختلفة عبر سنوات، تتبّع مسبار كافة الصور التي التُقطت للساحة الترابية ذاتها.
لاحظ مسبار أن الساحة كانت مرجًا أخضر عام 2004، ومن ثم لم تسجل الأقمار الصناعية صورًا جديدة للساحة حتى عام 2016. في صورة ذلك العام، وجد مسبار أن الساحة أصبحت بالفعل حديقة ألعاب أطفال، تحيطها بعض الشاليهات والغرف المطلة على البحر المخصصة للاصطياف.
لكن في شهر أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017، وبعد إزالة الألعاب منها، لاحظ مسبار أن الساحة قد جُرفت من القسم الجنوبي منها، وفي عام 2019، اتضح أنها جُرفت بالكامل، وبقيت مجروفة كذلك حتى اليوم، بحسب صور الأقمار الصناعية.
الجيش الإسرائيلي ينشر فيديو يتعارض مع واقع الصور
في الفيديو الذي أرفقه الجيش الإسرائيلي والناطقين باسمه، يدّعي الجندي الظاهر في الفيديو أنه يقف أمام منصة إطلاق الصواريخ تلك المنصوبة "في حديقة أطفال في بيت حانون"، لكن يظهر في محيطها علامات تكسير وإسمنت وبلاط يبدو أنه تعرّض لقصف شديد، فيما تظهر الصور الحديثة للمنطقة، التي نشرها الجيش الإسرائيلي نفسه، إلى أن الساحة لم تتعرض لقصف، كما أن القاعدة مُحاطة بساحة ترابية كليًا، ولا وجود لإسمنت أو بلاط فيها.
إضافة إلى ذلك، يقول الجندي الإسرائيلي الظاهر في المقطع، إن المنصة "لا تبعد سوى خمسة أمتار عن بركة سباحة مخصصة للأطفال".
لكن بالنظر إلى محيط الساحة الترابية من خلال صور الأقمار الصناعية، لاحظ أن أقرب بركة سباحة تبعد 75 مترًا.
وبقياس طولها، تبين أنه 10 أمتار، وهو حجم برك السباحة العادية المخصصة للكبار. ما يشير إلى أن الجندي تعمّد تقليص المسافة وقول إنها للأطفال. وهو ما يؤكد أنَّ الادعاء الذي ذكره الجندي لا أساس له من الصحة، إذ إنَّ المسافة الحقيقية ليست خمسة أمتار كما ادّعى، فيما البركة ليست بركة أطفال بحسب البيانات الموضحة أعلاه.
وفي الثانية 16 من المقطع قبيل نهايته، يرفع الجندي الضوء الكشاف الذي بحوزته ليُري المصوّر محيط ما قال إنها منصة إطلاق الصواريخ، لتظهر إلى شرقها وجنوبها الشرقي أبنية مدمرة تعرضت لقصف عنيف، بينما يقول إن المنصة لا تبعد سوى 30 أو 40 مترًا عن مبنى سكني.
إلا أن صور الأقمار الصناعية تظهر أن أقرب مبنى يمكن رؤيته من الساحة الترابية التي ادّعى الجيش الإسرائيلي وجود منصة إطلاق صواريخ فيها يقع نحو شرقها ويبعد قرابة 85 مترًا، وهو ليس مبنى سكني، بل شاليه يقع في منطقة سياحية وليست سكنية، أفرغت بالكامل من السكان، ولا وجود لأي بناء قريب في الجنوب الشرقي.
في النهاية، قدّم الجيش الإسرائيلي صورة لموقع يدّعي أنه لمنصة إطلاق صواريخ تقع قرب بركة سباحة أطفال في حديقة ملاهٍ وسط مجمع سكني في بلدة بيت حانون شمال شرقي قطاع غزة، إلا أن الصور والبيانات مفتوحة المصدر تفيد بأن الصورة تعود لساحة مهجورة منذ أكثر من 5 سنوات في منطقة المتحف شمال غربي القطاع، والتي تبعد أكثر من 5 كيلومترات عن بيت حانون، ولا يوجد أي بركة سباحة مخصصة للأطفال في محيطها، ولا أبنية سكنية.
اقرأ/ي أيضًا
إسرائيل تنشر فيديو من عسقلان على أنه من توغلها البري في غزة
العلم الإسرائيلي لم يُرفع في مدينة غزة كما ادعت قوات الاحتلال