` `

كيف رسمت منظمة ضغط إسرائيلية السياسة التحريرية لعشرات وسائل الإعلام الغربية؟

فراس دالاتي فراس دالاتي
سياسة
21 نوفمبر 2023
كيف رسمت منظمة ضغط إسرائيلية السياسة التحريرية لعشرات وسائل الإعلام الغربية؟
الولايات المتحدة موطن 51 منظمة ضغط مختلفة مؤيدة لإسرائيل من أبرزها كاميرا

في السادس من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، أعلن جيك سيلفرستين، المحرر في مجلة نيويورك تايمز، في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى الموظفين، إقالة الكاتبة في المجلة، جازمين هيوز، على خلفية توقيعها عريضةً بعنوان "كتّاب ضد الحرب في غزة"، لدعم فلسطين والاحتجاج على الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة. 

وقال سيلفرشتاين: "رغم أنني أحترم أن لديها قناعات قوية، إلا أن هذا كان انتهاكًا واضحًا لسياسة تايمز بشأن الاحتجاج العام"، مضيفًا أن "هذه السياسة، التي أؤيدها بالكامل، جزء مهم من التزامنا بالاستقلال".

يأتي ذلك في ظل سلسلة من المضايقات التي يتعرض لها الصحافيون العاملون في وسائل الإعلام الغربية عمومًا، والأميركية تحديدًا، الذين يُظهرون مواقف داعمة لفلسطين أو مُدينة لإسرائيل على الأقل. مع تقديم مبررات ضبابية غير واضحة تشبه تبرير مجلة ذا نيويورك تايمز. إلا أنّ ديفيد فيلاسكو، رئيس تحرير مجلة "آرت فورم" قدم لمحةً عن ما يجري خلف الكواليس.

في نهاية أكتوبر/تشرين الأول الفائت، طُرد فيلاسكو من منصبه في رئاسة تحرير المجلة التي قضى فيها 18 عامًا، بعد أسبوع من نشر رسالة مفتوحة عبر الإنترنت حول الوضع في غزة تدعو إلى تقديم المساعدات الإنسانية والمساءلة عن جرائم الحرب ووقف إطلاق النار، مع إدانته الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. 

وفي رسالة إلى صحيفة ذا نيويورك تايمز للتعليق عن حادثة الطرد، كتب فيلاسكو: "ليس لدي أي ندم. أشعر بخيبة أمل لأن المجلة التي دافعت فيها دائمًا عن حرية التعبير وأصوات الفنانين خضعت للضغوط الخارجية". فما الذي قصده فيلاسكو؟

لسنوات عديدة، مارست جماعات الضغط والمنظمات المؤيدة لإسرائيل الضغط علنًا، أو بشكل خاص، على وسائل الإعلام الغربية لتأمين تغطية أكثر إيجابية لإسرائيل بهدف حماية سياساتها من الانتقادات.

وقد شمل ذلك في كثير من الأحيان وصف التغطية الإخبارية الحيادية بأنها معادية للسامية، التهمة التي غالبًا ما تشكل تهديدًا لمسيرة من تلتصق به. أحد الأهداف هو السيطرة على السردية من خلال نزع الشرعية وتشويه سمعة الصحفيين والمؤسسات الإخبارية، وكل من يتحدّى الخطاب الإسرائيلي الرسمي.

الضغوطات على وسائل الإعلام الغربية في تغطية الأحداث في فلسطين - ذا نيو أراب
الضغوطات على وسائل الإعلام الغربية في تغطية الأحداث في فلسطين - ذا نيو أراب

ومن خلال القيام بذلك، قد يتم ثني الصحافيين الآخرين عن تقديم تقارير عادلة وسياقية ودقيقة وشاملة عن فلسطين، الأمر الذي أدّى إلى السقوط المهني الذي شهدناه من قبل معظم الوسائل الإعلامية الغربية، التي تماهت تمامًا مع الرواية الإسرائيلية في تغطيتها للأحداث الأخيرة في فلسطين، بعد أحداث السابع من أكتوبر.

"كاميرا" منظمة ضغط إسرائيلية على الإعلام الغربي

الولايات المتحدة هي موطن 51 منظمة ضغط مختلفة مؤيدة لإسرائيل، تتراوح أحجامها بين الضخمة التي يتجاوز عدد أعضائها 100 ألف، مثل لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (آيباك)، والصغيرة التي يبلغ عدد أعضائها العشرات. وبين هذه وتلك توجد "لجنة الدقة في إعداد التقارير عن الشرق الأوسط في أميركا"، (وتُعرف اختصارًا بـ "كاميرا") المسؤولة عن الضغط على وسائل الإعلام الأميركية والتحكم بخطوطها التحريرية عند تغطية القضايا المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

تقول منظمة "كاميرا" إنها تكرّس جهودها لـ "تعزيز التغطية الدقيقة والمتوازنة لإسرائيل والشرق الأوسط". إذ تأسست عام 1982 "للرد على تغطية صحيفة واشنطن بوست للتوغل الإسرائيلي في لبنان"، التي انتقدت وحشيته حينها ولم تبرره، وللرد على ما تعتبره "تحيزًا عامًا ضد إسرائيل" لدى وسائل الإعلام.

إحدى رسائل كاميرا التأسيسية - موقع منظمة كاميرا
إحدى رسائل كاميرا التأسيسية - موقع منظمة كاميرا

تصدر "كاميرا" تقارير لمواجهة ما تسميه "التوصيفات غير الدقيقة والمشوهة في كثير من الأحيان لإسرائيل وللأحداث في الشرق الأوسط"، والتي تعتقد أنها "قد تغذي التحيز ضد إسرائيل واليهود". وتحشد المنظمة الاحتجاجات ضد ما تصفه بالتغطية الإعلامية غير العادلة، من خلال احتكار صفحات الإعلانات في الصحف الكبرى، وتنظيم المظاهرات ضد المؤسسات الإعلامية، وتشجيع الممولين على حجب الأموال، وتنظيم رسائل الاحتجاج الجماعية للمحررين ومدراء القنوات.

تفيد "كاميرا" بأنه بات لديها أكثر من 65 ألف عضو مدفوعي الأجر، وأن 46 منفذًا إخباريًا قد أصدروا تصحيحات بناءً على عمل المنظمة. وفي سياق الحرب الإسرائيلية الجارية على غزة، نشرت المنظمة على موقعها مدونة تنتقد فيها تقريرًا أعدته وحدة تدقيق المعلومات في وكالة أسوشييتد برس حول مجزرة المستشفى المعمداني، التي وقعت يوم السابع عشر من أكتوبر الفائت.

كاميرا وجهت انتقادات شديدة اللهجة لوكالة أسوشييتد برس لأنها لم تتبنى الرواية الإسرائيلية بشكل مطلق - موقع منظمة كاميرا
كاميرا وجهت انتقادات شديدة اللهجة لوكالة أسوشييتد برس لأنها لم تتبنى الرواية الإسرائيلية بشكل مطلق - موقع منظمة كاميرا

وشنّت المدونة هجومًا حاد اللهجة على الوكالة، لأنها كتبت في تقريرها أن الادعاءات المتضاربة حول الحادثة المأساوية لا يمكن جزمها، واصفةً ذلك الاستنتاج بـ "دفع للرواية الكاذبة"، التي أطلقتها حماس واتّهمت فيها الجيش الإسرائيلي بارتكاب المجزرة، مفيدةً بأن الأخير نفى تورطه فيها من خلال نشر سلسلة من مقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية، وغيرها من المعلومات التي قالت إنها أظهرت أن الانفجار كان بسبب صاروخ أطلقته حركة الجهاد الإسلامي وسقط في الموقع عن طريق الخطأ، وهي مجموعة من الادعاءات التي فندها مسبار حينها في تحقيق مستقل حول الحادثة.

وطالبت "كاميرا" الوكالة الالتزام بتحقيقها الذي نشرته سابقًا وأسفر عن نتائج تتفق مع الرواية الإسرائيلية، بأن صاروخًا فلسطينيًا فاشلًا كان مسؤولًا عن المذبحة التي وقعت في المستشفى الأهلي المعمداني، والذي فنّده مسبار أيضًا وبيّن أوجه التضليل فيه وما ينطوي عليه من انحيازٍ تأكيدي وانتقائية في المصادر. 

تفنيد مسبار لتحقيق أسوشييتد برس حول قصف المستشفى المعمداني
تفنيد مسبار لتحقيق أسوشييتد برس حول قصف المستشفى المعمداني 

بالإضافة إلى ذلك، كشفت "كاميرا" أنها الجهة المسؤولة عن إحالة هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي ستة صحفيين لديها للتحقيق على خلفية منشورات قالت الشبكة إنها "تحتفي" بهجوم حماس على مستوطنات غلاف غزّة، إذ جاء قرار بي بي سي استجابة لبلاغ تقدّمت به المنظمة التي قالت على موقعها الإلكتروني إنّ صحافيي الشبكة "أدلوا على مواقع التواصل الاجتماعي بتصريحات تُبرّر قتل المدنيين الإسرائيليين على يد حماس"، متهمة "بي بي سي" بـ "تبييض استهداف المدنيين اليهود في إسرائيل منذ ما قبل التصعيد الأخير".

تنوع في أساليب الضغط الذي تمارسه "كاميرا"

تعتمد "كاميرا" عددًا من الاستراتيجيات في ممارسة الضغط على وسائل الإعلام التي تنشر أخبارًا وتقارير ناقدة لإسرائيل ولا تتماشى مع السردية الرسمية، إذ شرحت مديرة المنظمة أندريا ليفين في مقابلة مع مجلس القدس للعلاقات العامة الإسرائيلي عام 2005، كيفية مواجهة "كاميرا" لما وصفتها بـ "المعلومات الخاطئة ومحاولات التشويه حول إسرائيل، والصراع العربي الإسرائيلي، ومفاوضات السلام، والمعاملة الإسرائيلية للفلسطينيين، والسلوك العربي العام تجاه إسرائيل".

كشفت ليفين أنه لدى المنظمة عشرات آلاف الأعضاء مدفوعي الأجر والآلاف من كتّاب الرسائل النشطين. وعندما يتم رصد وسيلة إعلامية نشرت ما لا يتّسق مع الرواية المرغوبة، يجري التنسيق بين الآلاف من هؤلاء الأعضاء لإغراق صندوق البريد الخاص بمحرر الوسيلة وكاتب المادة الصحفية بآلاف الاتهامات والرسائل النقدية، والتهديدات في بعض الأحيان. إذ أفاد إيسون جوردان، مدير قناة سي إن إن الأميركية لصحيفة ذا نيويورك تايمز عام 2002، أنه تلقى ستة آلاف رسالة احتجاج على بريده الإلكتروني، على خلفية تصريحات مناهضة لإسرائيل أدلى بها مراسل الشبكة في القدس حينها.

كاميرا ترسل آلاف الرسائل للصحفيين بهدف تشكيل الضغط عليهم لتغيير روايتهم
كاميرا ترسل آلاف الرسائل للصحفيين بهدف تشكيل الضغط عليهم لتغيير روايتهم - ذا نيويورك تايمز

وفي يونيو/حزيران 2021، دعا 500 صحافي أميركي زملاءهم الصحفيين والمحررين إلى تغيير تغطيتهم لقضية فلسطين التي "خذلت الجمهور وأغفلت حقيقة وجود احتلال عسكري إسرائيلي يعمل في ظل نظام فصل عنصري"، بحسب ما جاء في رسالة مفتوحة وقّع عليها الصحافيون.

إثر ذلك، نظّم أعضاء منظمة "كاميرا" حملة ضغط على صحيفة لوس أنجليس تايمز وأرسلوا رسائل يعربون فيها عن  "قلقهم البالغ" إزاء حقيقة أن تسعة من صحفيي الصحيفة وقعوا على الرسالة "المناهضة لإسرائيل" المذكورة أعلاه، وحاولوا تقويض الدوافع الأخلاقية للصحفيين مع نزع الشرعية عنهم مهنيًا.

وفي وقت سابق من نوفمبر الجاري، حدث أمرٌ مشابه، إذ وقّع ما يقرب من عشرة من العاملين في صحيفة لوس أنجليس تايمز على رسالة مفتوحة تدين القصف الإسرائيلي على غزة، قائلين إن العمليات العسكرية تلحق الضرر بالصحافيين وتهدد جمع الأخبار. كما دعت الرسالة غرف الأخبار إلى استخدام لغة تشمل "الفصل العنصري" و"التطهير العرقي" و"الإبادة الجماعية" عند الإشارة إلى القصف الإسرائيلي لغزة.

وتفاديًا لتكرار تعرّض الصحيفة لحملة ضغط مشابهة لما حدث عام 2021، قال شخصان مطلعان من الصحيفة لموقع سيمافور، إن الموظفين الذين وقعوا على الرسالة أبلغتهم إدارة الصحيفة أنه لن يُسمح لهم بتغطية الصراع الحالي في فلسطين بأي شكل من الأشكال، لمدة ثلاثة أشهر على الأقل.

لوس آنجلس تايمز تمنع صحفييها الداعمين لفلسطين من تغطية الأحداث في غزة - سيمافور
لوس آنجليس تايمز تمنع صحفييها الداعمين لفلسطين من تغطية الأحداث في غزة - سيمافور

علاوة على رسائل الضغط الجماعية، يكتب أعضاء "كاميرا" مقالات افتتاحية ورسائل ومقالات رأي تروج لإسرائيل وتظهر في الصحف الكبرى، "مما يضع الأمور في نصابها الصحيح"، بحسب تعبير أندريا ليفين مديرة المنظمة. كما تنشر المنظمة تقريرها الدوري لأداء الإعلام، وهو تقرير يتم إرساله إلى الصحافيين، وأعضاء "كاميرا"، والمكتبات، والمعابد اليهودية، والكونغرس الأميركي.

وتضيف ليفين بأن "كاميرا" تعقد مؤتمرات إعلامية في العديد من المدن الأميركية مثل نيويورك ولوس أنجليس، وبوسطن، وشيكاغو، وفيلادلفيا، وواشنطن. وفيها يتم تناول المشاكل التي تواجهها وسائل الإعلام الأوروبية والأميركية، حيث "يكون التحيز عنصرًا أساسيًا في تأجيج معاداة السامية"، بحسب ليفين.

بجانب المقالات والمؤتمرات، تحجز "كاميرا" أيضًا صفحات إعلانات كاملة في الصحف الأميركية الكبرى لتستغل مساحتها في تعزيز السردية الإسرائيلية، مثل إعلان على صحيفة ذا نيويورك تايمز بعنوان "فساد الأمم المتحدة يشمل التحيز ضد إسرائيل: حان الوقت لكي تضع وسائل الإعلام الأمور في نصابها الصحيح"، وفيه وجهت المنظمة انتقادًا لقرار مجلس الأمن رقم 242 الذي يقتضي انسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها في أعقاب حرب عام 1967.

كما تناول إعلان آخر دور تلقين عقيدة الكراهية الفلسطينية [لليهود] في الإرهاب، وكذلك إعلانًا نُشر كرسالة مفتوحة إلى صحيفة ذا نيويورك تايمز حول "فشلها في تغطية أنشطة السلطة الفلسطينية في ترويج الكراهية ضد اليهود"، بحسب مديرة المنظمة.

الإعلان الذي نشرته منظمة كاميرا في أحد أعداد ذا نيويورك تايمز - موقع منظمة كاميرا
الإعلان الذي نشرته منظمة كاميرا في أحد أعداد ذا نيويورك تايمز - موقع منظمة كاميرا

تقول ليفين: "لقد عرضنا عددًا من الإعلانات التي ركزت أيضًا على تحيز الإذاعة الوطنية الأميركية العامة. وكان أحدها بعنوان "الإذاعة الوطنية العامة تكذب بشأن إسرائيل مرة أخرى". وتضيف ليفين أنه يتم عرض الإعلانات عادةً في صحيفة ذا نيويورك تايمز وصحف نيويورك الأخرى، وكذلك في صحف واشنطن والساحل الغربي والغرب الأوسط، "كما نميل أيضًا إلى نشرها في الصحف اليهودية. وبهذه الطريقة نصل إلى ملايين القراء".

ولا تخفي ليفين أجنده المنظمة أو اعتمادها تقديم الإغراءات المادية لنشر دعايتها، فعند سؤالها عن مجموعات مراقبة وسائل الإعلام التي لا تركز على إسرائيل، قالت: “يركز الكثير منها على قضايا اليسار واليمين. وهذه في المقام الأول عبارة عن عمليات بحثية لا يمكن مقارنتها بأي حال من الأحوال بـ ”كاميرا"، بعضويتها الناشطة والأجور الكبيرة التي تدفعها".

مديرة منظمة كاميرا تتحدث عن حجم الإنفاق الذي تبذله المنظمة لأعضائها
مديرة منظمة كاميرا تتحدث عن حجم الإنفاق الذي تبذله المنظمة لأعضائها

وتضيف ليفين: "لا شك أن عملهم له تأثير، لكن الجماعات غير المرتبطة بإسرائيل ليس لديها التركيز الناشط نفسه. فهي تنتج دراسات واستطلاعات رأي. ولهذا السبب أعتقد أن مراقبة وسائل الإعلام المؤيدة لإسرائيل لها أهمية تتجاوز قضية إسرائيل.. إن الجهود التي تحث على الالتزام بشكل أفضل بالصحافة الأخلاقية في قضية واحدة محددة هي إيجابية بشكل عام في المساعدة على تعزيز الديمقراطية الأميركية، وخاصة، مرة أخرى، حيث لا توجد قواعد قابلة للتنفيذ للسلوك المهني في وسائل الإعلام".

"كاميرا" ترسم خيوط ذا نيويورك تايمز التحريرية

تحدثت ليفين في إحدى مقابلاتها القديمة عن مقياس نجاح "كاميرا"، فقالت إن المنظمة تعمل جاهدة على "تصحيح" المعلومات المتعلقة بإسرائيل لدى وسائل الإعلام، ومن ثم تتتبّع ما إذا كان هناك تحسن في الدقة والسياق بدلًا من التكرار. وتعتبر ليفين أن تعاملات المنظمة مع صحيفة ذا نيويورك تايمز الأميركية أحد أهم أمثلة نجاح المنظمة في مهمتها.

وقالت ليفين: "في صيف عام 2000، ذكرت الصحيفة ثلاث مرات أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 يطالب إسرائيل بالعودة إلى خطوط 1967، وهذا غير صحيح. وفي 11 يوليو من العام نفسه، كتبت الصحيفة أن الفلسطينيين فازوا بتسوية على أساس قرار الأمم المتحدة رقم 242، الذي يدعو إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لكامل الضفة الغربية وقطاع غزة الذي تم الاستيلاء عليه في حرب عام 1967. اتصلنا بالمكتب الأجنبي وصححوا الخطأ في العدد المنشور".

وأضافت: "ومرة أخرى، كتبت صحيفة ذا نيويورك تايمز في 19 أغسطس/آب 2000 شيئاً مماثلًا، إذ قالت إنه يجب على إسرائيل قبول قرارات الأمم المتحدة التي صدرت بعد الحرب العربية الإسرائيلية في عام 1967، وتسليم القدس الشرقية بأكملها، بما في ذلك الحي اليهودي". وبعد تدخل آخر من قبل "كاميرا"، نشرت صحيفة التايمز في 24 أغسطس تصحيحًا إضافيًا.

ليفين قالت إن الصحيفة "لم تفهم هذا الأمر بعد" رغم كل التصحيحات "وفي السادس من سبتمبر/أيلول 2000، كتبت ذا نيويورك تايمز: قرار الأمم المتحدة الذي يدعو إلى الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب عام 1967 والتي تشمل القدس الشرقية بأكملها". اتصلنا بهم مرة أخرى وصحّحوه مرة أخرى قائلين: "أشار مقال يوم الأربعاء حول محادثات السلام في الشرق الأوسط بشكل غير صحيح إلى قرارات الأمم المتحدة بشأن الصراع العربي الإسرائيلي. بينما صدر قرار مجلس الأمن رقم 242 بعد حرب الشرق الأوسط عام 1967، الذي دعى القوات المسلحة الإسرائيلية إلى الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في الصراع الأخير، ولا يوجد قرار يدعو إلى الانسحاب الإسرائيلي من جميع الأراضي بما في ذلك القدس الشرقية التي احتلتها في الحرب".

تشير ليفين إلى حجم العمل المطلوب من قبل المنظمة لمراقبة الصحف والشبكات عن كثب لتحديد مثل هذه “الأخطاء”. "في هذه الحالة، كانت هناك نتيجة مهمة. فقد اجتمع رئيس تحرير صحيفة ذا نيويورك تايمز آنذاك، جوزيف ليليفيلد، مع موظفيه وقال: ثلاث مرات في الأشهر الأخيرة اضطررنا إلى إجراء تصحيحات على تغطية الأحكام الفعلية لقرار الأمم المتحدة رقم 242، مما يوفر غطاءً عظيمًا لهؤلاء القراء المقتنعين بأننا مُنحازين للآراء الشخصية ولسنا مطلعين جيدًا على قضايا الشرق الأوسط. والأهم من ذلك أن التايمز لم تكرر هذا الخطأ أبدًا".

وتشير ليفين إلى أن لهذا أيضًا تأثيرًا مضاعفًا، إذ إنّ العديد من وسائل الإعلام الأميركية الأخرى تأخذ زمام المبادرة من صحيفة ذا نيويورك تايمز "وبالتالي ترتكب أخطاء أقل في الإبلاغ عن قرار الأمم المتحدة 242". وترى أنه على الرغم من أن الأمر يتطلب الكثير من الجهد فيما قد يبدو للمبتدئين بضعة أسطر تصحيحية في مكان ما في الصحيفة، فإن التأثير الداخلي يكون كبيرًا عند النشر ويؤثر بشكل كبير على التقارير المستقبلية. وتقول "إن هذا أهم بكثير من التصحيح المطبوع نفسه".

"كاميرا" تجبر رويترز على تعديل مصطلحاتها

لم تكن ذا نيويورك تايمز الوسيلة الإعلامية الوحيدة التي تأثرت سياستها التحريرية كثيرًا بضغوطات منظمة "كاميرا" عندما يتعلق الأمر بتغطية القضية الفلسطينية، إذ تذكر ليفين أن انتقادات "كاميرا" لوكالة رويترز كمثال آخر على نجاح تأثيرها على وسائل الإعلام، وتقول "تصل وكالة الأنباء البريطانية المؤثرة هذه، إلى ملايين من الأشخاص على مستوى العالم. ولطالما قللت من التهديد الذي تتعرض له إسرائيل أو شوهته في مئات من المقالات التي تجمّل الأهداف الفعلية لحماس والجهاد الإسلامي. 

إذ قالت الوكالة إن هذه الجماعات منخرطة في انتفاضة من أجل الاستقلال. أو لتحقيق حلم دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة.. ولم تذكر الوكالة أن هاتين المنظمتين الإرهابيتين (حماس والجهاد الإسلامي) تهدفان إلى تدمير إسرائيل".

كاميرا تنتقد تغطية رويترز للأحداث في فلسطين عام 2001 - موقع منظمة كاميرا
كاميرا تنتقد تغطية رويترز للأحداث في فلسطين عام 2001 - موقع منظمة كاميرا

وقالت ليفين إن رويترز أغفلت حقيقة "أنه تم عرض دولة على الفلسطينيين في عام 2000 ورفضوها"، (في إشارة منها إلى اتفاقية كامب ديفيد). وهذا ادعاء تكرره أجهزة الدعاية الإسرائيلية تم تفنيده عشرات المرات، مغفلةً إصرار إسرائيل على إعلان ياسر عرفات "انتهاء الصراع" بموجبها، ما كان سيعني عدم أحقية الفلسطينيين بأي مطالبات بعدها، لدرجة أن شلومو بن عامي، وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الوقت، وأحد المفاوضين الرئيسيين في كامب ديفيد، اعترف لاحقًا بصراحة أن كامب ديفيد "لم تكن الفرصة الضائعة للفلسطينيين، ولو كنت فلسطينيًا لرفضت كامب ديفيد أيضًا".

وتشير ليفين إلى أن التعامل مع مؤسسة إعلامية كبرى حول موضوع جوهري، يعني أنه يتعين على المرء استثمار الوقت والموارد لإحداث التغيير. "لقد استغرق الأمر منا عامًا لرؤية النتائج. أجرينا أولًا يحثًا متعمّقًا في تغطية رويترز لهذا الموضوع. وهذا يعني مراجعة أكثر من ألف قصة لتوثيق تكرار هذه الأوصاف المشوهة. 

وقد أبلغنا مخاوفنا مباشرة إلى المسؤولين التنفيذيين في الوكالة. وأرسلنا تنبيهات لكتّاب رسائلنا لحثّهم على التحرك وتقديم شكاوى علنية جماعية بشأن التحيّز، كما قمنا بنشر مقالات افتتاحية في مختلف وسائل الإعلام تكشف هذا التحيز".

“في نهاية المطاف، أدى كل هذا إلى تغيير جذري. في عام 2004، بدأت رويترز في وصف حماس والجهاد الإسلامي بشكل أكثر دقة. على سبيل المثال، أصبحت الصياغة الآن كما يلي ”حماس، التي أقسمت على تدمير الدولة اليهودية، قادت الانتفاضة الفلسطينية المستمرة منذ ثلاث سنوات.."،  أو “أقسمت حماس والجهاد الإسلامي على تدمير إسرائيل، وعارضتا اتفاقات السلام المؤقتة لعام 1993 في الشرق الأوسط وقادتا الانتفاضة الفلسطينية المشتعلة منذ سبتمبر 2000”. تنقل هذه اللغة لملايين القراء صورة أوضح بكثير عن التهديد الذي تواجهه إسرائيل وتوفر سياقًا أفضل بكثير لفهم أي إجراء قد تتخذه إسرائيل"، تقول ليفين.

وطاولت ضغوطات "كاميرا" عشرات الوسائل الإعلامية الكبرى، مثل قنوات سي إن إن وABC وخدمة الإذاعة العامة (PBS) والإذاعة الوطنية الأميركية (NPR)، وصحف إنترناشونال هيرالد تريبيون وشيكاغو تريبيون وميامي هيرالد وبوسطن غلوب، بالإضافة إلى القناة الفرنسية الثانية التي أجبرتها المنظمة عام 2000 على التراجع عن تقريرها الذي قال أن الطفل محمد الدرة قُتل بنيران إسرائيلية، وحتى بعض الوسائل الإسرائيلية اليسارية، مثل صحيفة هآرتس التي انتقدتها "كاميرا" عشرات المرات.

"كاميرا" تلاحق المكتبات والجامعات ولا تكتفي بوسائل الإعلام

تصوّر كاميرا قضايا الشرق الأوسط بالأبيض والأسود، دون وجود مساحات رمادية من الشكوك أو التعقيد. وفقا لـ "كاميرا"، المسلمون هم الأشرار، لأنهم مسلمون، إنهم يكرهون اليهود لأنهم يهود. وتحت عنوان "دور النشر ووسائل الإعلام تروج لتاريخ الشرق الأوسط الزائف"، تقدم "كاميرا" آراء المؤرخ برنارد لويس، والد مايكل لويس رئيس لوبي آيباك الإسرائيلي في أميركا الأسبق، الذي كتب في عام 1986: "عادة ما يتم إجراء إعادة كتابة الماضي لتحقيق أهداف سياسية محددة. ومن خلال تصوير التوسع العربي الإسلامي الكبير في القرن السابع على أنه حرب تحرير وليس حرب غزو، يستطيع العرب أن يحرروا أنفسهم من تهمة الإمبريالية، حتى في الماضي البعيد".

تحث "كاميرا" أعضاءها على الحرص على زيارة المكتبات، وملاحظة تشكيلة الكتب والدوريات المتاحة حول الشرق الأوسط. وإذا وجدوا أعمالًا لنعوم تشومسكي أو إدوارد سعيد "الذين يتظاهران بأنهم خبراء في الشرق الأوسط"، بحسب تعبير المنظمة، فعليهم التحدث إلى المسؤولين حيال ذلك. 

وبحسب مجلة "تقرير واشنطن حول علاقات الشرق الأوسط" كانت نشرة "كاميرا" الإخبارية في أواسط تسعينيات القرن الماضي توصي بـ 309 كتب للقراءة، بما في ذلك كتب فؤاد عجمي، وجوان بيترز، وإدوارد ألكسندر، الذي كان من أكبر المتأثرين بالحاخام المتطرف الراحل مئير كاهانا، الذي آمن بالتفوق العرقي لليهود ومؤسس حركة الكاهانا التي نفذت عددًا من المجازر بحق الفلسطينيين.

وفي مقابلة مع المجلة، تقتبس ليفين من كتاب جون بيترز "منذ القِدَم" الذي تعرّض لانتقاداتٍ واسعة بسبب أخطاءه التاريخية، عندما تذكر أن "غالبية العرب الفلسطينيين اليوم هم من نسل المهاجرين الذين وصلوا في القرنين التاسع عشر والعشرين". وفي هذا السياق، تتهم ليفين مجلة ناشيونال جيوغرافيك، وموسوعة الشرق الأوسط الحديث، وموسوعة ويبستر للعالم الجديد، وحتى الموسوعة البريطانية، بفبركة الحقائق وتشويهها، دون تقديم أدلة تدعم ادعاءاتها.

مشروع كاميرا في الحرم الجامعي - موقع منظمة كاميرا
مشروع كاميرا في الحرم الجامعي - موقع منظمة كاميرا

كما تنفّذ "كاميرا" تكتيكات أكثر عدوانية ضد المكتبات الجامعية. حيث تنظم حدث “كاميرا في الحرم الجامعي” بشكلٍ سنوي لطلاب عدد من الجامعات الأميركية والأوروبية، وتدعوهم فيه إلى تفتيش مكتبات الحرم الجامعي بحثًا عن الكتب "المسيئة" لإسرائيل وقضايا اليهود، والضغط على الجامعات لإزالتها، لتضمن بذلك اتساقًا للسردية الإسرائيلية في كافة جوانب الحيز العام، من أروقة الجامعات إلى المكتبات وحتى وسائل الإعلام المرئية والمطبوعة.

اقرأ/ي أيضًا

شركة ويكس للبرمجيات: تعزز السردية الإسرائيلية وتتحكم بآلاف المواقع الإلكترونية العربية

من مظاهر انحياز وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل في تغطية الحرب على غزة

الأكثر قراءة